دراستي النقدية لرواية الملك في بيجامته للروائي خضير فليح الزيدي المنشورة في جريدة الصباح ليوم 26-11-2020
الملك والعائلة المالكة في... الملك في بيجامته
دراسة نقدية يوسف عبود جويعد
إن عملية جمع الوثائق والوقائع التاريخية، لواقعة مهمة حدثت ضمن تاريخ العراق الحديث، وإعادة تفكيكها وليس بناءها من أجل الوقوف على الأحداث الجارية فيها، ثم معالجتها فنياً وسردياً، وفق ما تتطلبه عملية السرد في فن صناعة الرواية، أمر ليس بالهين، ويحتاج إلى جهد وأمانة تاريخية وقدرة على البحث والتقصي والدخول في بطون التاريخ من أجل جمع مادة خام تصلح أن تكون عملاً سردياً روائياً، وهذا ما حدث بالفعل في رواية (الملك في بيجامته) للروائي خضير فليح الزيدي، الذي وقف على واقعة تاريخية مهمة، ألا وهي مجزرة قتل العائلة المالكة وتفاصيلها الدقيقة، وكل ما يحيط بها من أسرار وما يكتنفها من غموض، ومن شهود العيان الذين واكبوا الأحداث ومن الوثائق المهمة التي حصل عليها الروائي، حيث نجد أن عملية بناء هذا النص السردي نبع من مسارين شكلا خطوط عملية تحريك الأحداث، وتوظيفها من مادة تاريخية بحتة إلى مادة سردية تصلح أن تكون عملاً روائياً يدخل ضمن أدب الرواية التاريخية، وهذان المساران هما، المسار الأول جاء عن طريق السارد الخارجي الذي هو بمثابة المتفرج على واقعة تلك المجزرة من خارجها والبحث عما يعزز المسار الثاني الذي يستعرض الواقعة التاريخية لمجزرة مقتل الملك وعائلته بأدق التفاصيل، وهو بمثابة الميتا سرد لأحداث هذا النص السردي الروائي، لأنه جاء عن طريق مخطوطة لروائي مغمور دوّن فيها أحداث هذه الواقعة ليقوم السارد العليم خالد، الذي هو محرر روائي ومهمته متابعة الروايات المكلف بتحريرها، وهكذا نجد أن البناء الفني لهذا النص، يسير بعملية تناوبية بين السارد الخارجي والميتاسرد لتلك المخطوطة التي سوف تدخل ضمن حركة الأحداث، من خلال الفصول التي تخص الأحداث داخل الرواية المخطوطة التي حملت عنوان (الملك في رحابه)، ومن خلال الرحلة الرائقة لبغداد وحياة البغادلة فيها وطقوسهم وعاداتهم والطراز المعماري للأزقة والبيوت والسطوح المفتوحة على بعضها، وتفاصيل أخرى سيمر عليها المتلقي أثناء متابعته لهذا النص، يمر الروائي وقبل الولوج إلى واقعة المجزرة، بوباء مدمر سمي بوباء بغداد الأسود، وهو لا يقل خطورة عن الوباء الذي حل علينا وشل حركة الحياة في العالم، وباء كورونا المدمر، حيث سنجد تفاصيل عنه:
(هذا الوباء الذي نزل على بغداد، ما هو إلا إشارة البداية للفناء وانقلاب الدنيا، المدارس أفرغت محتواها من الطلبة وأغلقت أبوابها، وبقيت الكتب المدرسية والأقلام على مقاعد الدراسة يعبث بها نسيم الوباء. الحواجز الأمنية غادرها رجالها والسيارات متوقفة فيها ومشرّعة الأبواب، والكل يركض ما سمي بركضة الوباء تاريخياً. في البيوت اقفلوا الأبواب ووضعوا اللواصق على النوافذ وتكمموا بالخاوليات والمناشف المبللة.) ص 16
وسنتابع أيضاً وفي إضافة موفقة وتوظيف ينسجم والسياق الفني لهذا النص، إدخال فن المسرح بكل تفاصيله ضمن متن النص، وذلك من خلال تحويل المخطوطة إلى عمل مسرحي، يجري التمرين عليها، من أجل إكمالها ليتم عرضها على جمهور المسرح، ويتابع خالد بطل هذا النص والسارد الخارجي للأحداث التمارين المسرحية حيث يظهر من داخل صفوف القاعة شخصية الراوي وهي جادة ومتجهمة وهو يصرخ بصوت أجش وقوي يخرق الآذان:
( - سيداتي: إذ نُعلّم الناس الدروس في سفك الدم، فإذا ما حفظوها قاموا بتطبيقها علينا، أعلمكم أنه في ذلك اليوم، أمطرت غمامة الأدعية المترادفة شظايا من سجّيل) ص 35
وبهذا يدخل العنصر الثالث، أو المسار الثالث في متن النص كحالة متممة للأحداث ومسارها، فيضاف إلى حركة السرد ومتناوباً مع العناصر الأخرى، السارد الخارجي والميتاسرد، والعرض المسرحي الذي أطلق عليه الروائي الفرجة. وهكذا يتنقل الروائي بين هذه المسارات بين متفرج للأحداث وناقلها وهو السارد الخارجي، وداخل الأحداث ونقل تلك المجزرة من خلال المخطوطة الميتاسرد، وبين ما حدث من خلال العرض المسرحي، ويستعرض لنا الروائي أيضاً الحياة في قصر الملك والعائلة المالكة وحكاية كل واحد أو واحدة منهم، الأميرة فاضلة وراجحة وهيام، كما يحاول الروائي في هذا النص السردي التاريخي الروائي فك الرموز العالقة عن مقتل الملك فيصل، هل أنه كان في بيجامة النوم أم يرتدي بنطلوناً وقميصاً، لتتحقق لنا هنا بنية العنونة (الملك في بيجامته):
(هي صورة إشكالية اختلف المؤرخون عليها كثيراً. الفريق الأول انحاز للصورة لكونها تعبّر عن الفجيعة بعينها، فمقتل الملك بملابس النوم تلك فكرة جنونية لاستدرار عطف الجمهور، هزّت المشاعر للدفاع عن مظلومية الملك وعائلته كونهم ضحايا طيش العسكر، تحدّثوا عنها بلغة الواثق كونها للملك الصغير أثناء نزوله من الطابق الثاني إلى الأرض.) ص 157
وهكذا تتداخل الخيوط والخطوط والمسارات، لنقل تفاصيل غاية في الدقة، وتستعرض حياة الملك والعائلة المالكة، والأمير خال الملك، والخدم الذين يسكنون القصر، وهم محاصرون والجيش يتقدم نحوهم ليزداد هذا الحصار ضيقاً، وعندما وجد الجيش عندما أطلق نيرانه على القصر، بعدم وجود مقاومة أو مواجهة تغيرت الخطة بالتقدم :
(في الطابق العلوي الذي تجمعت فيه الأرواح اللائبة من خوف وارتباك يتعاظم كلما مرت الدقائق الثقيلة، وقف الأمير والملك قرب النافذة المطلة على الحديقة التي تكشف بعضاً من الشارع المؤدي إلى بوابة القصر، راحا يتبادلان الرأي وماذا عليهما في تلك الساعة أن يفعلا . اقتربت الملكة نفيسة منهما، ثم تلتها الأميرة عابدية، كانتا ترتجفان من الخوف، تبعتهما الأميرة هيام تبسمل بآيات من المصحف بصوت مسموع ) ص 243
ويحاصر الملك والأمير والعائلة المالكة والخدم داخل القصر، وينتقلون من غرفة لأخرى لحماية أنفسهم، ثم يتم إنزال الجميع إلى باحة القصر، بعدها يقادون إلى الحديقة ليتم تصفيتهم.
وبهذا يسجل التاريخ فاجعة لأبشع مجزرة حدثت في التاريخ الحديث لملك وعائلته رغم استسلامهم وإصدار الأوامر بعدم مواجهة الجيش، وقد قدم الروائي خضير فليح الزيدي هذا النص، بطريقة حديثة استخدم فيها ثلاثة محاور مر ذكرها من أجل الإلمام التام بهذه المادة التاريخية ومعالجتها فنيا لتدخل عالم السرد.
من إصدارات دار الرافدين للنشر والتوزيع - بغداد المتنبي لعام 2018