هذه المواضيع سنخصصها لمكافحة الفساد , لفائدة أجيال المستقبل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رفيق السوء بقلم / غالب أحمد الغول
في 22/11/2019
رفيق السوء
في قرية صغيرة , يعيش فادي الذي لم يبلغ العاشرة , بظل والديه سعيداً , وفي مدرسته نشيطاً ومتفوقاً . ولم يبخل عليه والده بالمصروف اليومي الذي يشتري به ما يشاء من حانوت عدنان القريب من مدرسته .
ذات يوم , خرج فادي من الصف المدرسي , وإذ بزميله وليد يمسك بيده ويقول له :
يا فادي : لماذا لا تتخذني صديقك ؟ فأنا أرغب أن نكون أصدقاءأ نذاكر معاَ ونسير معاً ونشتري من حانوت عدنان ما تشتهي أنفسنا , ونذهب إلى الحديقة المملوءة بالأشجار نجلس لنسعد أنفسنا كل يوم .
لم يكن فادي يعلم بأن وليد سيء الخلق وفاسد الأخلاق , بالرغم من حداثة سنه , في أوساط تلاميذ صفه , ولم يكن يعلم بأن والده طرده من منزله لسوء تصرفه , لأنه أحب النوم في الشارع أفضل من رؤية والده الذي يقسو عليه بالضرب كل يوم .
رد فادي قائلاً : يا وليد. ألسنا في صف واحد؟ ومن الذي يمنعنا أن نكون رفقاء وأصدقاء إلى الأبد , ؟ فأنت منذ الآن صديقي , وهيا بنا إلى دكان عدنان لنشتري ما نشاء .
دخل وليد دكان عدنان , وبدأ يتكلم معه بهمس ,ثم مسك يد عدنان وابتعدا لعدة أمتار عن فادي , فتناول عدنان نقوداً من وليد , وأخذ وليد شيئاً ما من يد عدنان , ثم توجه إلى فادي قائلاً :
هيا بنا لنذهب إلى الحديقة , لنزهو ونسعد بيومنا هذا , فهناك يحلو الجلوس مع زقزقة العصافير , ومع نقيق الضفادع , ورائحة الشواء الصاعدة من المطعم الشامي الفاخر .
قال فادي : ألم تقل بأننا سنشتري من الدكان ما تشتهي أنفسنا ؟ فماذا اشتريت يا وليد ؟
وليد . أجل , لقد اشتريت لي ولك شيئاً إذا شربته ستنسى الدنيا ومن فيها . بالزهو والفرح والنشوة والسعادة , ثم نشتري من الحديقة بعض الفطائر المحشوة بلحم الدجاج اللذيذ , والآن خذ هذه الحبة وابتلعها لتخبرني عن نتائجها قبل وصولنا إلى الحديقة .
فادي , يأخذ الحبة ويشربها, ولم يعلم أنها من يد صديق سيء , ومروّج للفساد , والضلال .
وما هي سوى لحظات , وإذ فادي يضحك , ويغدو أكثر انسجاماً مع وليد , ويحثه على الإسراع في تناول الفطائر وشرب الكازوز من الحديقة , فأحس بنشوة غريبة لم يعهدها من قبل , قائلاً لوليد :
ما أجمل هذا اليوم يا وليد , هل لك أن تعطني حبة ثانية ؟
قال وليد : ابشر يا صديقي سأعطيك كل يوم حبة واحدة فقط , لبضعة أيام فقط , ثم تذهب بنفسك لتأخذ حبتك المفضلة من يد عدنان صاحب الدكان , هل فهمت ؟
ويوماً بعد يوم غاب وليد , وترك فادي يتخبط لأنه بحاجة إلى حبة يسعد بها نفسه , فقد أدمن على مثل هذه الحبوب التي لم يألفها من قبل , ولم يشعر بهلوسة ونشوة مثلها .
ذهب فادي إلى عدنان , وطلب منه حبة واحدة , لكنه لم يعرف اسمها ونوعها , فأعطاه عدنان جرعة قوية لم يتحملها فادي , فبدأ يضحك تارة ويصرخ تارة أخرى , وبدأ يشتم المارة ويرميهم بالحجارة , فأخذه أحد المارة إلى منزل والده .
الوالد لفادي : ما بك يا بني : وما الذي أصابك ؟ وهل أنت مريض .؟ هل آخذك إلى المستشفى ؟
وصرخ فادي في وجه والده قائلاً : أعطني خمسة دنانير لأشتري بها حبة تعيد لي قوتي الحسية والعقلية .
الوالد : مستغرباً ومتعجباً وقد أصابه الهلع .
خمسة دنانير ؟ وتشتري حبة ؟ وتعيد بها قوتك ؟
يا للمصيبة , فلم يتحمل كلام ابنه , فضربه ضربة قوية , وخر على الأرض مغمى عليه , وبعد قليل استيقط من غيبوبته , وهرب من منزل والده , ثم ذهب إلى بقالة عدنان وقال له :
يا عم عدنان : أعطني حبتين , وسأسدك ثمنها بعد عودة والدي من عمله ,
صدق عدنان كلام فادي , وناوله حبتين , فشربهما فادي , وقامت القيامة على رأسه , وهجم الناس عليه ليغلقوا فمه من كثرة الشتائم , ويكفوا شره , لكنه نام على رصيف الشارع فتركوه الناس نائماً .
ومصادفة , مر عليه صديقه وليد ورآه على هذا الحال , طريح الأرض , والذباب لا يغادر وجهه , والدموع تتساقط من عينية , فلا أحد يشفق على حاله , ولا والد يشفق عليه بسبب سوء أخلاقه , فرقّ قلب وليد , قائلاً
لا حول ولا قوة إلا بالله , اللهم إني تبت لك , ولن أعود لأعمالي السيئة , ولن أتعاطى الحبوب قط . ,
الآن سأحمل صديقي إلى بيت والده فلعل والده يعيده إلى عطفه , ولعله يتوب إلى الله, ثم يعود إلى صوابه , فنادى رجلاً من الشارع , وقال له :
دعنا نحمل فادي إلى منزل والده .
الرجل , هيا بنا .
مسك الرجل يد فادي ليحمله ويعيده إلى أهله , فكانت الكارثه , لقد وجدوه ميتاً .