ثمرات طعنها الظل
د. ريمه عبد الإله الخاني
نسجل حروفنا عبر أثير الشابكة، ويطويها الزمن فننسى ماكتبنا، وينبشها غوغل لنا أو لغيرنا، tفتدهشنا وندهش بها، فيتوقف غوغل عند أخطائنا وقد يتوقف غيرنا فيطعننا بكلماته...كيف نعتقد أن تلك المواقع تنسى؟، وهل ننسى أن كل شيء مسجل عند الرب كذلك من قبل؟.
نحن في الحقيقة، نكتب عبر مواقع التواصل الاجتماعين بلا حرص، و دون مراجعة لما نرسل بدقة، ستعود إلينا يوما كتاباتنا بطريقة ما، فندهش لما كتبنا ،فنراها إما:

  1. إبداع نسيناه قديما.
  2. أخطاء كتابية تجعلنا نتحرك بسرعة لتصويبه ، وقد لانستطيع .
  3. أمورا خاصة ماكان لنا أن ننشرها.
  4. نصوصا إيداعية موضوعها لم يعد يناسب مركزنا الاجتماعي الحالي.
  5. فرصة لتطوير ماكتبنا، و لما وصلنا إليه .

يمكننا تشبيهها إلى حد ما ،بهؤلاء الذين لايعيشون اللحظة التي هم فيها زمكانيا، فيغرقون بكم هائل من التصوير التقني عبر الهاتف الذكي وخلافه، بحركات سريعة، وعندما تنتهي تلك اللحظات الحلوة، فسوف يعيشونها بائتة في صور.
فلم العجلة في كل حروف وحركة وتصرف؟.
مايحصل هناك في مواقع التواصل تماما كتلك، نحن نلتهم كما كبيرا من شطائر المعرفة السريعة ، الموثوق منها وغير ذلك، بدافع الفضول، بلا تدقيق للمدخلات والمخرجات، لذا من الطبيعي أن نقع في الزلات التي لاعودة لتعديلها غالبا.
إن ماينطبق على الحياة الواقعية ينطبق على هذا العالم المتخفي، الذي يسعدنا أن نختبئ وراءه، كأنه لن يصل إلينا أحد، وهل تلك المحطات إلا رصد لفكرنا وكل مايمت لنا بصلة؟.
*************
إن خلاصة القول أن هناك في دماغ الإنسان رغبة للتنظيم والتروي، تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
فالمنتظم بدقة:
تنظيم دقيق وهذا ما وجدناه في حياة الفيلسوف إبمانويل كانط، الذي قضى أربعين سنة من عمره منظما لدقائق حياته، كما عرضها لنا مارك مانسون في كتابه خراب كتاب عن الأمل[1]، وماوجدت كثير أمل مشجع في الكتاب على دقة تحليله الملفت، كنت جربت هذا بطريقتي منذ عام 1997 وحتى 2007، حيث خصصت دفترا أدون في جدول مخصص تفاصيل الساعات الأربع والعشرون من يومي، لكنني بعد أن ابتعدت تلقائيا عن فعل هذا، عدت فغدا يومي منظم جزئيا لكنه مجدٍ ومثمر، فالدماغ رغم استطاعته على التنظيم، ليس بآلة حديدية، هو جزء بشري بحت.
وهذا مانطلق عليه التنظيم الجزئي، وهو هنا الدرجة الثانية من التنظيم، إذ لابد من تطويع الدماغ على التنظيم بقدر الإمكان، حتى إذا ماتلفت الأمر، غدا التنظيم ترويضا مثبتا في أعماق الذاكرة،فنموذج كانط استثنائي بامتياز.
النموذج الثالث هو الفوضوي المستمتع بفوضويته، سواء رغب بالتنظيم أو لا، فهو لم يألو جهدا لتفعيل ذلك برأيه.لذا فالمحاولات تفضي لتنظيم بسيط غير ملموس، لكن العكس غير صحيح.أي أن من يهوى التنظيم من الصعب ترويضه على الفوضى إلا قليلا.
فسواء كان أصل هذا العقل الواعي، وهدفه في تفعيل العقل الباطن، لجعل سلوكنا أمرا معتادا، كما شرحها كتاب قصة الدماغ لديفيد انغلمان، أو أن الدماغ الشعوري هو من أمر والدماغ العقلي وافق وطبق، كما قدم لذلك مارك في كتابه خراب في قسمه الأول، إن دقة السلوك، من أصعب مايمكن السيطرة عليه بشريا لنرجسية الإنسان وتقلبه، لكن الإيمان بالهدف من كل سلوك والحياة والإصرار في سبيل إعادة المحاولة دوريا و مراقبة النفس، وتقويمها حسب الرؤيا الفكرية والمعتقد الفكري، الذي يراه صاحب الأمر، كفيل، بتأطير فكرنا عبر الأثير الشابكي، وجعله أفضل مما نتخيل.أفضل إنتاجا وأقوى أثرا.
لذا لن يطعننا الظل بعد الآن، بل سوف يردفنا النور بشعاع المعرفة والعطاء لفكر يجب أن يخرج للنور يوما ما.
كونوا بخير.
الخميس 29-8-2019


[1] الصفحة 197 حيث كان جيران كانط يضبظون ساعتهم حين خروجه، فقد كان ترتيب يومه: وهو مثال الكفاءة والفعالية المشجع على العلم وصون كرامة الإنسان، رجلا ميكانيكيا، يستيقظ في الخامسة صباحا من كل يوم، يكتب مدة ثلاث ساعات بالضبط، ثم يتناول طعام الغداء في المطعم نفسه كل يوم، وبعد الظهر، يخرج في نزهة طويلة على الأقدام عبر الحديقة نفسها، على المسار نفسه، فيخرج من بيته في توقيت واحد لايتغير، ويعود إليه في نوقي لايتغير، ظل بفعل هذا طيلة أربعين عاما.