في وداع الشيخ الصافي رحمه الله
رجل أراد الله به الخير فعرفه طريق الهداية بعد أن كان بعيدًا عنه.
درس العلم على كبر السن وكان غالب من قرأ عليهم أصغر منه سنًا فما انزعج ولا انثنى وصار يدعو إلى الله في بيئته الشعبية التي ألفها وألفته، ويزور قرى حوران يحرضهم على طلب العلم، ويخطب فيهم الجمعة ويقيم فيهم الدروس.
عاقبه بعض كارهيه فعينوه في جامع الأربعين في رأس جبل قاسيون، وهو مكان عال لا يصل إليه العمران، حيكت حوله الأساطير وكانت هناك عائلة تتناوب عليه وتنتفع بقص خرافاته على الناس، ويدعون أن فيه المغارة التي قتل فيها قابيل أخاه هابيل وأن دمه في المغارة. وأن الجبل يبكي عليه وأن الماء النازل منه بكاء الجبل وأنه يشفي من الأمراض ويبيعونه للناس بالثمن الغالي.
ففضح أمرهم وبين كذبهم وحلل الدم فإذا به دهان، وتتبع بكاء الجبل فعرف المكان الذي يصبون منه الماء، وألف رسالة أسماها: أسطورة جبل الأربعين ومغارة الدم.
وحاربه هؤلاء الناس حتى أبعدوه عن الجبل.
كان له أسلوب طريف في الكلام اشتهر به، وكان يحب إدخال السرور على الناس فكنت لا تجالسه إلا أغرقت في الضحك، وهو عابس ينظر إليك كالمتعجب من سبب ضحكك.
اشتهر في آخر حياته وقصده الناس يستمعون كلامه ومواعظه بالمئات والآلاف فما تغير ولا عجب، وقد شهدت درسه في جامع الحاجبية بصالحية دمشق يحضره الاثنان والثلاثة فما تأفف ولا تضجر.
وصرت لا أذهب إلى مكان إلا سألوني: ما رأيك فيه؟ فأقول: ما عرفت عنه إلا الخير، وما ضره أنكم عرفتموه وقد اشتهر أمره فقد بقي عقودًا يعمل في صمت لم يسمع به أحد.
ثم ظهر أن الرجل كان يعاني سكرات الموت صامتًا فلا تراه إلا باسمًا يزرع الأمل في النفوس ويحض أهل بلده المكلوم على التوبة والصبر.
اللهم ارحم عبدك الشيخ فتحي أحمد صافي الصالحي وأعل مقامه وأدخل السرور على قلبه فقد كان يحب إدخال السرور على قلوب عبادك. واجعل ما لقيه من عذاب المرض كفارة ورفعة له. إنك أنت السميع المجيب.
منقول...