دراسة آليات الدفاع النفسية لدي بشّار بن برد


صدقي، حامد
البروفيسور بقسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الخوارزمي بطهران.
سهرابي، تورج
الماجستير بقسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الخوارزمي بطهران. الکاتب المسؤول :toorajsohrabi67@yahoo.com
خزلي، مسلم
طالب الدکتوراه بقسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الرازي بکرمانشاه.


الملخّص


يجد الإنسانُ نفسَه أحياناً عرضةً لاضطرابات حادّة، فيسعي إلي معالجة مشکلته، ومن إحدي تلک العمليات الدفاعية للتخفيف من مشاکله وللمحافظة علي توازنه الداخلي؛ هي آليات الدفاع النفسي. کان بشّار تحت ضغوط نفسية بحيث لم يمتلک الحسَّ بالأمن الروحي والنفسي، فحاول إقناع نفسه والتخلّص من الظروف القاسية؛ واستعمل آليات الدفاع النفسي بصورة لا شعورية لتقليل ضغوطه النفسية. تهدف هذه الدراسة إلي الحديث عن آليات الدفاع النفسي التي استعملها بشّار بن برد للتخفيف من ضغوطه النفسية. وما تقصد الدراسة الإجابة عنه هو هذا السؤال: ما هي آليات الدفاع المستعملة عند بشّار لنيله الهدوء والسکينة؟


أما في ختام هذا المقال استنتجنا أنّ أهمّ آليات الدفاع التي لجأ إليها بشّار للتنفيس عمّا يعتمل بداخله من صراعات وتنافس: التقمّص أو التوحّد، التکوين العکسـي، الاستدماج، التقديس، الإسقاط، الکبت، الإنکار، التبرير، المزاح والاستهزاء بالآخرين، التواصل، الإزاحة، التعويض فالتسامي، وأحلام اليقظة. قد يکون بعض هذه الطرق ايجابية، وقد تکون سلبية.
الکلمات المفتاحية: آليات الدفاع النفسية، زيغموند فرويد، بشّار بن برد، الاضطرابات النفسية والروحية.


دراسة آليات الدفاع النفسية المستعملة لدي بشّار تجاه عقدة نقصه


التمهيد


يواجه الإنسانُ خلال حياته العديدَ من المواقف أو الظروف التي تثير فيه حالاتِ القلق والتوتّر الناتج عن عدم إشباع حاجاته: نجد إنساناً أحياناً يفترض هدفاً عظيماً لا يستطيعه فيتحسّر في نفسه وتُکبَت نفسه.
کلّما تعرّض المرءُ لخطرٍ ما، قد يحدث له نوعٌ من التأزم النفسـي، وعندما ينعكس الإحباطُ على الفرد الذي يعاني منه ينعكس الإحباط على شخصيته بإطارها العام وقد نلاحظ ذلک في جانبٍ من جوانب شخصيته، ثم يسعي إلي معالجة مشکلته ويبذل جهداً يتناسب مع ما يتطلب معتمداً علي طاقاته، ويجب أن نقول إنّ الناس يختلفون في مدى تحمّلهم للضغوط، إذ إنّ لكلّ منّا قدرةً معيّنة على تحمّل بعض الضغوط والإحباط، فإذا تجاوزها فإنّ تغيّرات معاكسة سوف تحدث، فقد نجد موقفاً ما يثير حالةً مِن الاضطراب لدى فرد معين ولكنّه لايثير مثل هذه الحالة لفرد آخر.


يجد الإنسانُ نفسَه أحياناً عرضةً لرغبات متناقضة واضطرابات حادّة، فيسعي لإيجاد حلولٍ ترضي ضميرَه، وقد يفشل في ذلک ويصبح عرضةً للاضطرابات النفسية والتوتّر، وقد يتعلّم في حياته أنواعاً من العمليات والسلوک تساعده علي النجاح، واحدة من تلک العمليات الدفاعية للتخفيف من مشاکله وللمحافظة علي توازنه الداخلي؛ هي »آلية الدفاع النفسي«. يحاول المرء أن يخدع نفسه بهذه الطريقة، ولابدّ من القول إنّ آليات الدفاع تتدخّل عندما يعجز المرء عن إيجاد حلول مناسبة لصراعاته ومشاکله النفسية.
يهدف هذا الباب إلي الحديث عن آليات الدفاع النفسي التي استعملها بشّار بن برد للتخفيف من ضغوطه النفسية.
الفرضية التي يعتمدها هذا البحث هي أنّ بشّاراً لم يمتلک الشعور بالأمن الروحي والنفسي، فاستعمل آليات الدفاع لتقليل الضغوط النفسية الناشئة من إحباطه في الحياة.


وما تقصد الدراسة الإجابة عنه هو هذا السؤال: ما هي آليات الدفاع المستعملة عند بشّار لنيله الهدوء والسکينة؟
إنّ للدراسات السابقة أهمية وفائدة کبيرتين في مجال البحث العلمي، والشقّ الآخر من هذه الدراسة هو جهد قائم علي الاستنتاج من کلّ ما جاء في الدراسات السابقة إلي حدٍ ما، فلابدّ من الرجوع إليها والاستناد عليها.
فيما يلي نذکر بعض الدراسات التي ترتبط ببحثنا هذا:


يذکر »يوسف حسين بکّار« من خلال دراسته »التعويض النفسـي عند بشّار بن برد« (1352ش) أنّ التناسي والتجاهل عن عاهته، الاعتداد بمقدرته الجنسية، اجادته في الوصف والصورة الشعرية، واعتداده بالتفوّق اللغوي؛ تعويض عن شعوره بعاهته، وخلصت دراسته إلي هذه النتيجة: أنّ بشّاراً قام بتعويضات مختلفة عن عاهته وضغوطه.
وإليک فهرسة لميزة دراستنا وما أغفلته تلک الدراسات مقارنةً بما حاولنا اثباته:
أغفل يوسف حسين بکّار في دراسته أن يجزم مباحثه بوجهات النظر عن علم النفس بحيث جعلها دراسة أدبية محضة، وفي حين أنّه أردف اسم دراسته بـ »النفسي«. أما نحن فقد جئنا في دراستنا بالنماذج الشعرية من ديوان بشّار، وأسندناها إلي علم النفس.


ومن خلال استعراضنا للدراسات السابقة نجد أنّ جلّ الدراسات التي تناولت شاعرية بشّار، قد أشارت إلي خصائصه الفنّية وإلي زندقته وإلي مجونه و..، ولکنّها أغفلت دور نفسية بشّار استعانة بالمنهج النفسي -إلي حدّ کبير وهذا هو الشيء الذي تناولناه، فقد رکّزنا علي آليات الدفاع النفسي لدي بشّار، في حين أنّ هناک دراسات في نفسية بشّار، ولکنّها أغفلت آليات الدفاع النفسي لديه، ولم تتطرّق إليها تلک الدراسات کدراستنا هذه.


بعد التأمّل في أوضاع عصرٍ عاش فيها بشّار بن برد، ومجتمعه، والظروف القاسية الحاکمة کالظلم والصراعات بينه وبين أعدائه، وتحقير وتمسخرهم عليه بسبب کونه موليً، ووجود عوامل بيئية، عائلية، ووراثية، مثل الفقر، التنشئة الأسرية وذلّتها، قباحة وجهه، وعاهته التي أدّت إلي تکوين الکثير من المرارة والضغوط النفسية في ضميره، فتلک العوامل کلّها جرّته إلي تکوين عقدة النقص، إذ إنّ الإحباط والضغوط كثيراً ما يؤدي إلى الغضب والعدوان، فأدرک بشّار أنّه لا يستطيع مقابلة المبصرين من الشعراء، لأنّه کان يشعر أنّه مکشوف لبصرهم، وهم مستورون عنه لايستطيع أن يجسّد معايبهم الخلقية، وقد رسّخ هذا في نفسه کرهاً للناس وتبرّماً شديداً بهم.


إنّ الشخص المصاب بعقدة الحقارة »النقص«، أو الذي يشعر بالحقارة يحاول أن يسدّ نقصَه الداخلي، أو لأجل إقناع نفسه على الأقل، يقدم على أفعال يتصوّرها صحيحةً ومناسبة، لهذا فإنّه يحاول أن يبرّر كلّ عملٍ من أعماله بأسلوبٍ معقول صحيح حتى يقنع الناس بذلك. وحين يؤدي الشعور بالحقارة إلي الانفعال عند الفرد، فسيسعي إلي مکافحة هذه الحقارة، والتخلّص من هذه الظروف القاسية، وإن لم يستطع الغلبةَ علي حقارته بسبب ضعفٍ ما أو لأسباب أخري؛ يشدَّد ذلک الشعور المرّ، ويعقبه بآلية نفسية [1].
لکلّ فرد طبيعي أو غير طبيعي آليات للدفاع النفسي، وهي عمليةٌ تلقائية ومنسّقة تعمل لتقليل الاضطرابات النفسية، وهي أساليب عقلية لا شعورية تقوم بتشويه الخبرات وتزييف الأفكار والصراعات التي تمثّل تهديداً ما.
والذي لم يتسلّح بهذه الآليات؛ فلن يقدر أن يدافع عن نفسه تجاه المسائل العاطفية والاجتماعية [2].
ولعلّ أهمّ خاصية لهذه الآليات-كما تناولها أصحاب مدرسة التحليل النفسي- أنّها: 1. تحدث وتعمل لا شعورياً بحيث لا يفطن الفردُ إليها، فمستخدمها لا يعرفها أو يدركها على أنّها آليات دفاعية 2. أنّها قادرة على التكيُّف مع العوامل النفسية المشکلة 3. أنّ آليات الدفاع تُعدّ نوعاً من الحيل، وتحرّف وتنكر وتكبت أجزاءً جوهرية من الواقع 4. أنّ الاستفادة المتکرّرة منها هي سمةٌ لسلبية شخصيته [3].


تحتلّ آليات الدفاع النفسية مکانةً هامّة في نظرية التحليل النفسي بوصفها جزءاً من الآليات الدفاعية التي يمتلکها الأنا في تعامله مع الواقع الخارجي، فعندما يعجز الأنا عن التوفيق بين الواقع الخارجي واندفاعات الهو ونواهي الأنا الأعلي ينشأ الصراع، وعندما يفشل الأنا في حلّ الصراع تتحوّل الطاقة النفسية المتضاربة إلي قلق لاشعوري غامض، ومن أجل صدّ هذا القلق الغامض والتغلّب عليه يقوم الأنا بحشد وسائل الدفاع النفسي التي تخفّف من حدّة القلق [4].
الهو: هو مستودع الغرائز الفطرية والموروثية والرغبات، کما يحتوي علي عمليات مکتسبة تکوّنت نتيجة لعملية الکبت في أثناء الصراع مع البيئة، والهو هو الذي يدفع الفرد لتحقيق ملذاته وشهواته ولا يعترف بالواقع أو القيم أو القوانين [5].
الأنا: هو الشخصية الخاصّة بالإنسان ممّا يميّزه عن الآخرين، ينشأ عن مواجهة الطاقة الغريزية بواقع البيئة، يميل الأنا بطبيعته إلي تحقيق رغبات الهو بما يتّفق والواقع [6]، وهو الجزء الشعوري الذي يوفّق بين مطالب الهو والبيئة الخارجية، »يحاول إن يضع مبدأ الواقع محل مبدأ اللذة الذي يسيطر علي الهو.. وهو نظام معقّد من العمليات النفسية التي تکون بمثابة الوسيط بين الهو والعالم الخارجي« [7].


الأنا الأعلي: يقوم بعملية الکفّ وردع الفرد عن إتيان ما يخالف القيم والمثل والقوانين وهو لا شعوري إلي حدّ کبير [8]، وفي وجوده تحترم اللياقة الاجتماعية والکرامة الإنسانية.
كان فرويد أوّل من تحدّث عن آليات الدفاع النفسية، ورأى في هذه الآليات نوعاً من الحلّ النفسي الاضطراري لتجنّب الصراعات. أما ابنتُه آنا فرويد؛ فقد كانت أوّل من عمَّق ووسّع مفهومَ آليات الدفاع وقد أجرت أوّل دراسة تامّة ومنتظمة عنها، وصنّفت عشرة أشكال من آليات الدفاع النفسي [9].
فإذا استخدمت الحيل الدفاعية بشکل مسرف فإنّها تمنع الفردَ من التعامل مع الناس بطريقة واقعية، وتؤثّر سلبياً في نموّه، وتنکر الواقع، وتغير تفکيرنا.


عبّر عنها علماءُ التحليل النفسي بأنّها تشكل أنماطاً سلوكية لدفاع الأنا عن نفسها في سبيل إعادة التوازن للشخصية. تسبّب أن يحمل الفرد تکيفاً مع الجوّ المتوتّر. ليست هذه الحيل الدفاعية متساوية فيما تترک من آثار علي الشخص.آليات الدفاع اکتسابية، وتستعمل للحيلولة دون فقدان الأنا لقيمتها بصورة تلقائية [10]. هي أساليب عقلية لاشعورية تقوم بتشويه الخبرات وتزييف الأفكار والصراعات التي تمثّل تهديداً، وهي تساعد الناس على خفض القلق حينما يواجهون معلومات تثير التهديد [11].


فيما يلي استعراض لأهمّ آليات الدفاع التي لجأ إليها لاشعورُ بشّار للتنفيس عمّا يعتمل بداخله من صراعات وتنافس :
التقمّص أو التوحّد: »يكتسب به الشخصُ بصورة لاواعية خصائصَ شخص آخَر تربطه به روابط انفعالية قوية« [12]، ويستعير ويتبنّي وينسب إلي نفسه ما في غيره من صفات مرغوبة، ويتراءي علي غرار ذلک الشخص للحدّ من القلق.


إنّه في الواقع بمعني الاستلهام من الآخرين،وذلک يمهّد السبيل إلي الهوية، ويقوّي الثقة بالنفس لدي الفرد [13].


من المستحسن أن نشير إلي أنّ التقمّص يشبه الإسقاطَ ولکنّه يأخذ اتجاهاً معاکساً، فبدلاً من أن يکون الفرد بعيداً من نفسه کما يحدث في الإسقاط، فإنّه في التقمّص يأخذ خصائصَ فردٍ آخر.
فنري بشّاراً يعتبر نفسَه مثل الخليفة في المقام والمکانة الرفيعة، ويساوي نفسه معهم، رغم أنّه کان ضريراً موليً؛ کلّ ذلک ليغطّي علي عاهاته ويرفع نفسه:


يغدُو الخَلِيفَةُ مِثلِي فِي مَحَاسِنِهِ وَلَستَ مِثلِي فَنَم يا مَاضِغَ المَاءِ1? [14]


وفي مکانٍ آخر يجعل نفسه في معرکةٍ رافق فيها المقاتلين، ويجعل نفسَه في معرکةٍ جنباً إلي جنب المحاربين:


أحَلَّت بِهِ أُمُّ المَنَايا بنَاتِهَا بِأسيافِنَا، إنَّا رَدَي مَن نُحارِبُه
إذا المَلِکُ الجَبّارُ صَعَّرَ خَدَّهُ
مَشَينَا إليهِ بِالسُّيوفِ ُعَاتِبُه? [15]


التکوين العکسي: عبارة عن إبدال المشاعر المسبّبة للحصر بمشاعر مناقضة لا تتسبّب فيه، کالذي يخاف ولا يريد أن يطلع الناس علي خوفه، فيظهر الشجاعة ويغالي فيها، أو کالذي يضمر الکراهية وتستبدّ به ميولُه العدوانية فينجح في کبتها بأن يظهر الحبّ [16]، معنى التكوين العكسي هو أن يحاول الإنسان تبنّي اتجاهٍ ما أو رأي معين في مسألة أو قضية مطروحة، ولكن هذا الاتجاه أو الرأي يخالف ما يضمره من آراء أو اتجاهات، تسبّب له ضيقاً أو قلقاً أو شعوراً بالذنب.
فإنّ الإنسان قد يُظهر سلوكاً لكنّه يخفي السلوك الحقيقي، کما قلنا فإظهار سلوك المودّة والمحبة المبالغ فيهما، قد يكون تكويناً عكسيّاً لحالة العدوان الكامن الذي يمتلكه الفردُ في داخله. وإذا تأمّلنا في هذه الحالة وجدنا أنّ الإنسان يحاول تكوين مقاومة مضادة، خلالها يخفّف من وطأة مشاعره المرتبطة بما يضمره من اتجاه أو آراء مضادة لما يعلنه.
لمّا نَهي الخليفةُ المهديّ بشّاراً عن التغزّل الإباحي والنسيب والتشبيب في النّساء؛ اضطرّ بشّار إلي القيام بعمل يخالف عمله السابق إرضاءً لأمر الخليفة ومخالفاً لضميره، فارتدّ عنه ولم يرجع إلي إنشاد الشعر في النساء، في قولٍ ظاهر الإيمان:
فَقَد کنتُ فِي ظلّ العَذارَي مُرَفَّلاً أُحَبُّ وَأُعطَي حَاجَتِي حَيثُ حَلَّت ?فَغَيَّرَ ذَاکَ العَيشَ تَاجٌ لَبِستُهُ وَ طَاعَةُ وَالٍ أحرَمَت وَ أحَلَّت2?وَ نُبِئتُ نِسوَاناً کَرَهنَ تَحَلُّمِي وَ لِلهِ أوبِي أکثَرَت أم أقَلَّت3?إذَا أنَّا لَم أعطِ الخَلِيفَةَ طَائِعاً يَمِيني فَلَا قَامَت لِکَأسٍ وَ شَلَّت? [17]
قَامَ الخَلِيفَةُ دُونَهُ فَصَبَرتُ عَنهُ وَ مَا قَلَيتُهُ?وَنَهَانِي المَلِکُ الهُمَا مُ عَنِ النَّسَاءِ وَ مَا عَصَيتُهُ? [18]
[19] هنا يقرّ بشّار بأنّه کان متعوّداً بالتغزل والنسيب للنساء منذ زمنٍ بعيد، ولکنّ العناية بأمر الخليفة المهدي حسبُ منعه عن ذلک، مع أنّ في باطنه الرغبة في الحبّ للنسوان.
وأيضاً:
هَجَرتُ الآنِسَاتِ وهُنَّ عِندِي کَمَاء العَينِ فَقدُهُمَا سَوَاءُ ?وَقَد عرَّضنَ لي واللّهُ دُونِي أعُوذُ بِهِ عَرَضَ البَلَاءُ ?ولَولَا القَائِمُ المَهدِي فِينَا حَلَبتُ لَهُنَّ مَا وَسعَ الإنَاءُ?فَقُل للغَانِياتِ يقِرنَ إنِّي وَقَرتُ وَحَانَ من غَزَلِي انتِهَاءُ ?نَهَانِي مَالِکُ الأملَاکِ عَنَها فَثَابَ الحِلمُ وانقَطَعَ العَنَاءُ ?علَي الغَزَلَي سلَامُ اللهِ منِّي وإن صنع الخلِيفةُ ما يشاءُ4 ?
يفهم من الأبيات السالفة أنّ بشّاراً کان لا يزال يحنّ للمغازلة، ولکنّه ترکها طاعةً للخليفة، أما تذکره لها فلا يفتأ عنه وإن أباه الخليفة.
وله أيضاً:
لَهَوتُ حتَّي رَاعَنِي غَادِياً صَوتُ أمِيرِ المُؤمِنِينَ المُجَاب?لَبَّيکَ لَبَّيکَ هَجَرتُ الصِّبَا وَنَامَ عُذَّالِي وَمَاتَ العِتَاب?لَا نَاکِثاً عَهداً وَلَا طَالِباً سُخطَکَ مَا غَنَّي الحَمَامُ الطِّراب ?أبـصَرتُ رُشدي وَهَجَرتُ المُنَي وَرُبَّمَا ذَلَّت لَهُنَّ الرِّقَاب? [20]
يقصد بشّار بالبيت الأوّل، کان الخوف من الخليفة هو العامل الأصلي للتجنّب عن النسيب والتغزّل بالمحبوبة. يشير (هجرت المني) في البيت الأخير إلي أنّ الشغف بالجميلات في نفسه ولکن الإطاعة عن أمر الخليفة أکثر أهميةً له.
الاستدماج)الاحتواء):
»يقوم الفرد باستدماج الموضوعات التي يهتمّ بها في داخل ذاته بحيث تصبح جزءاً من ذاته، کأنّ الفرد يمتصّ موضوعات العالم الخارجي ويدخلها، أو يبتلعها في ذاته« [21].
والاستدماج عبارة عن آلية دفاعية لا شعورية، يأخذ فيها المرء لنفسه خواص وقيم شخص آخر أو مجموعة أخري تربطه به روابط عاطفية قوية جداً. في الواقع هو امتصاص الفرد في داخله قيم الآخرين.
کان بشّار يعتقد بأنّه هو مَن أحدث في الآخرين تطوّراً ورُقيّاً، أکسبهم الشهرةَ فکان ينسب شهرتَهم في الشعر إلي ذاته هو وقدرته، أي يعزي کلَّ ما کسب الناسُ إلي نفسه، فللدافع عنه دون حمّاد –وهو کان من أعدائه- زعَمَ أنّ أشعارَ حمّاد تقليدٌ عن أشعاره، وهي زائفة:
إذَا أنشَدَ حَمَّادٌ فَقُل أحسَنَ بَشَّارُ ? [22]
تَسَـرَقتَ شِعرِي فَإکتَسِبتَ بِهِ الغِنَي وَ مَا کَانَ لَقَّاطُ النَّوَي بِکَسُوبِ ? [23]
ندرک إلي أنّ بشّاراً انتسب صفة »السارق« إلي أبي هشام الباهلي، إذ ارتزق من أشعاري حتّي وصل إلي الثروة والغني.
ومنه قوله أيضاً:
وَلَولَا اصطِنَاعِي مَالِکاً وَ ابنَ مَالکٍ قَدِيماً لَمَا زَلَّت بِهِ النَّعلُ فِي البَحرِ5? [24]
وَ جَادَت الخَيلُ بِنَا طَنجَةَ ذَاتَ العَجَبِ6 ?حَتَّي رَدَدنَا المُلکَ فِي أهلِ النَّبِيَّ العَرَبِي? [25]
فإنّه يصوّر مدي الاستدماج الذي مارسه بشّار في التغطية علي سلبياته. يتحدّث وکأنّ مفاخر المسلمين والمقاتلين والمجاهدين والمضحّين کلّها قد اجتمعت لبشّار نفسه وأنّه کان واحداً من الذين ردّوا الملک لبني العباس الذين اعتقد أنّهم أهل البيت النبي (ص).
التقديس:
حيلةٌ دفاعية، تستخدم لرفع قيمة الفرد بشكل مبالغ فيه، فيصف ممدوحه بكلّ المحاسن التي فيه، ويضِف عليها محاسن أخري يبالغ فيها ثمّ ينسب جميع هذه المحاسن لنفسه أيضاً، ويحدّ من الصفات السلبية ليجعلها أدني مستوي [26]. من أهم عيوب هذه الحيلة، أنّها تبعد الشخص عن الحقيقة.
کان بشّار يفتخر في عهد بني أميّة بکونه موليً من قبيلة قيس وذلک بسبب التشدّد والعصبية السائدة علي عصره، ولکن في العصر العباسي تغيرت سياسته تجاه العرب، فانصرف عن ولائه وحبّه إليهم، وأزدراهم، انظر إليه وهو يبالغ في مدح أجداده وکيف ينسب لنفسه وأجداده صفات قدسية، ويبرّئ نفسه عن الصفات القبيحة.
وقد بدأ يلجأ إلي نسبه الفارسي، وهنا نراه يقابل محقّري نسبه العجميّ بالافتخار بعجميته:
جَدِّي الّذِي أسمُو بِهِ کِسـرَي، وَ سَاسَانُ أبِي?وقيصـرٌ خالي إذا عددتُ يوماً نَسَبي ? [27]
ثم يتحامل علي ما کان يفتخر به في ماضي الزمان فينال من العرب ويحقّرهم لشظف العيش في الصحراء:
وَ لَا حَدَا قَطُّ أبِي خَلفَ بِعِيرِ جَرِبِ ?وَ لَا أتَي حَنظَلَةً يَثقُبُهَا مِن سَغَبِ7 ? وَ لَا شَوينَا وَرَلاً مُنَضنِضاً بِالذَّنَبِ8 ?وَ لَا تَقَصَّعتُ وَ لَا أکَلتُ ضَبَّ الحِزَبِ9 ? [28]
فَيَا عَجَبَا مِنَ العَبدِ المُذَکِّي أيَظلِمُنِي وَلَيسَ بِذِي سِوُارِ10 ?أقُولُ لَهُ وَلِي فَضلٌ عَلَيهِ کَفَضلِ القَسوَرِي عَلَي الوِبَارِ11 ?خُلِقنَا سَادَةً وَخُلقتَ کَلباً کَکَلبِ السُّوءِ يلحَقُ بالقِطَارِ12?أرَادَ بِلؤمِهِ تَدنِيسَ عِرضِي وَأينَ الشَّمسُ مِن دَنَسٍ وَعَارِ ? [29]
إنّ بشّاراً غلا في ذکر محاسنه، ولکن قام بتضخيم عيوب الآخرين، وتحقيرهم، واعتبر خلقتهم من الکلب.
الإسقاط: هو ما يعني إطلاق الأفكار والانفعالات الموجودة والأفکار والآمال داخل الفرد خارج ذاته، بعبارة أخري هو أن ينسب الفرد ما في نفسه من عيوب وصفات غير مرغوب فيها إلي غيره من الناس ويلصقها بهم [30]. کما يري «نرمان لي» أنّ: «الإسقاط ردّ فعلٍ تعويضي يستعمَل لأجل الإحالة دون الاضطراب» [31].
فهو أن يلجأ إلي إخراج الدفعات العدوانية مثلاً، أو تهديدات ضمير، بأن ينسبها للعالم الخارجي أو أشخاص آخرين، فبدلاً من أن نقرّ بأنّنا نکره شخصاً فإنّنا ننسب الکراهية للشخص هذا، وقد تُعذبنا ضمائرنا فنخفّف من عذابات الضمير بأن تقول إنّنا مضطهدون. والإسقاط يفيد من حيث أنّه يخفض التوتّر نتيجة استبداله للخطر الأکبر بخطر أقلّ شأناً، کما أنّه يتيح الفرصة لمن يلجأ إلي الإسقاط أن يعبّر عن دفعاته تحت ستار الدفاع عن النفس [32]، وهو محاولة الإنسان أن يسقط ما بداخله من فشل أو مشاعر مؤلمة أو نوازع سلبية على الغير.
کما تناولنا بالوصف والتوضيح فيما سبق، کان بشّار متّهماً بالزندقة والکفر،وهو في طليعة الزناديق، «ابن قتيبة يتّهم بشّاراً: بأنّه کان يرمي بالزندقة» [33]، ومن خصومه الذين اتّهمهم بذلک حمادُ عجرد؛ ولکن بشّاراً قد اتّهمه بالزندقة ردّاً إليه، وأسقط ما في نفسه -مِن الزندقة وعدم التمسّک بالدِّين و..-علي حمّاد:
ابنَ نِهيَا رَأسٌ عليَّ ثَقِيلُ واحتِمالُ الرَّأسَينِ خَطبٌ جليل13?ادعُ غَيرِي إلي عبادَةِ الاثنَيـ ـن فإنِّي بواحد مَشغول ? [34]
وهذا الهجاء من بشّار لعجرد بترک الصلاة:
وَ کَيفَ يُؤدِيکَ عَلَي طَائِلٍ مَن لَا يُصَلِّي، إنَّهُ طَامِثُ!14 ? [35]
ومنه أيضاً في الهجاء لأبي هشام الباهليّ:
وَ مَجِنتَ حتَّي مَا تُصَلِّي رَکعَةً وَ نَسِيتَ مَا قَالَ النَّبِيُّ مُحَمَّدُ ? [36]
هذه الأبيات إشارة إلي اتّهام بشّار حمّاداً بالزندقة لمجونه في شعره وعدم اعتناقه بالدين الإسلام، وقوله بالثنوية في عبادة اثنين.
لِنلاحظ الآن بشّاراً يتهکّم بصلاة المسلمين، وليس يلتزم بالإسلام:
وَ إنَّنِي فِي الصَلَاةِ أحضـُرُهَا ضُحکَةُ أهلِ الصَّلاةِ إن شَهِدُوا?أقعُدُ فِي سَجدَةٍ إذَا رَکَعُوا وَ أرفَعُ الرَأسَ إن هُم سَجَدُوا?أسجُدُ وَ القَومُ رَاکِعُونَ مَعاً وَ أُسرِعُ الوَثبَ إن هُمُ قَعَدُوا ?وَ لَستُ أدرِي إذَا إمَامُهُمُ سَلَّمَ کَم کَانَ ذَلِکَ العَدَد? [37]
ولکن من العجب أن نراه يريد أن يغري في حمّاد التديّنَ بالإسلام، فيتذکّر وقت الصلاة ويومَ الحساب وذکرَ الموت له:
نِعمَ الفَتَي لَو کَانَ يَعرِفُ رَبَّهُ وَ يُقِيمُ وَقتَ صَلَاتِهِ حَمَّادُ ?و ابيضّ مِن شُربِ المُدَامَةِ وَجهُهُ وَ بَيَاضُهُ يَومَ الحِسَابِ سَوَادُ? [38]
أمَا يَنهَاکَ يَا حَمَّا دُ ذِکرُ المَوتِ وَ القَبرُ?ألَا بَل مَا تَرَي حَشـراً وَ مَا الزَّندِيقُ وَ الحشـرُ ? [39]
رأينا بشّاراً فاتر العقيدة تجاه الإسلام يترک ويکفر بعبادة الله، ثمّ يسقط کفرَه علي حمّاد.
التجنّب أو الإحجام:
«يحدث التجنّب بصورة مَرضية في حالات الخوف المرضي حيث يتّجه المصاب إلي الابتعاد تماماً عن مصدر الخوف رغم عدم وجود مبرّر کاف لذلک، وفي حالة اضطراب الشخصية الاجتنابي يميل الشخص إلي العزلة والابتعاد عن الآخرين نظراً للخجل والحساسية الشديدة للانتقاد» [40].
مع أنّ بشّاراً هجّاء، ولم ينجُ أحد من شرّ لسانه، لکنّه هنا نراه قام بالتجنّب عن الدخول في المشادات. عمله هذا هو بمثابة الدخول في آلية الدفاع الآخر وهو الإحجام أو التجنّب.
نري بشّاراً يشير إلي عدم تورّطه في النزاع مع أعدائه، وإلي ابتعاد نفسه عن لَومهم، واستکراهه في المواجهة معهم:
وَ فِي نَافِععَنِي جَفَاءٌ وَ إنَّنِي لَأُطرِق أحيَاناً وَ ذُو اللُبِ يُطرِقُ15 ? [41]
يبتعد بشّار عن مجابهة زوج «منجاب»، ولا يلتفت إلي الوشاة أيضاً:
يَسعي بِنَا زَوجُ مُنجَابٍ فَنُعتِبُهُ وَ لَا يَهِمُّ لَنَا يَوماً بِإعتَابِ ? [42]
ويتنحّي عن المواجهة مع السفلاء والأدنياء، إذ ينفع برأيه الصمتُ والإباء في بعض الأحيان:
إذا ما سامنِي الخُلطاء خَسفاً أبيتُ ورُبَّما نفع الإباءُ? [43]
ويقول بشّار: إن استحلّ الأعداءُ عرضي لا أهجوهم:
إنِّي وَإن کَانَ حِلمِي وَاسِعاً لَهُمُ لَا أستَهلُّ عَلَي جَارٍ بِشُؤبُوب16 ? [44]
الکبت: «عمليةٌ عقلية لاشعورية يلجأ إليها الفرد للتخلّص من الشعور بالقلق والضيق الذي يعانيه بسبب ورود عوامل متضاربة الأهداف في نفسه» [45]، وباستخدام هذه الآلية فإنّ الإنسان يحرّر نفسه ولو مؤقتاً من الضغوط المتسلّطة عليه، فيهرب من ذلک الموقف بكبته ومحاولة تحييده على الأقل.
يعتبر الکبت من الآليات الدفاعية،حيث يتمّ دفع الأفکار والمشاعر من العقل الواعي، والکبت يکون بکبح الأفکار قبل أن تصل إلي الوعي، فيکون بالتخلّص من الأفکار التي توجد في حيز الوعي، والأشياء التي يتمّ کبتها لاتنسي بل يتمّ تخزينها في العقل الباطن [46]. فهو الاستبعاد اللاشعوري للمشاعر أو الأفکار والحوادث المؤلمة.
فسعي بشّار أيضاً أن ينسي أفکارَه السابقة التي تزخر باللهو واللعب، ويستبعد تلک الأفکار من منطقة شعوره إلي منطقة اللاشعور. إذ کان المهدي شديدَ الحميّة للنساء، غيوراً عليهنَّ، وبلغته أبيات لبشّار فيها مجون؛ فنهاه عن قرض الشعر والتعرّض إلي النساء وذلک أدّي إلي تکوين الکبت في نفسية بشّار کما سنراه في بعض أبياته:
نَهَانِي الخَلِيفَةُ عَن ذِکرِهَا وَ کُنتُ بِمَا سَرَّهُ أکدَحُ ?فَأعرَضتُ عَن حَاجَتِي عِندَهَا وَ لَلمَوتُ مِن تَرکِهَا أروَحُ ?عَلَي أنَّ فِي النَّفسِ مِن حُبَّهَا أحَادِيثَ لَيسَ لَهَا مَطرَحُ ? [47]
تَعَزَّ عَنِ الحَورَاءِ إنّ مَقَامَنَا عَلَيهَا وَتَرکَ المُلکِ رَأيٌ مُزَلَّجُ? [48]
وَ لَقَد أُصرِفُ الفُؤادَ عَنِ الشَـّي ء حَيَاءً وَ حُبُّهُ فِي السَّوَادِ?أمسِکُ النَّفسَ بِالعِفَافِ وَ أمسـِي ذَاکِراً فِي غَدِ حَدِيثَ الأعَادِي ? [49]
دَفَنتُ الهَوَي حَيَّاً فَلَستُ بِزَائِرٍ سُلَيمَي وَلَا صَفرَاء مَا قَرقَرَ القُمرِي? [50]
يتذکّر أيّاماً مضت مع أحبائه، ولکن يخطر بباله أمرُ الخليفة المهديّ فذلک يحول دون تلک الذکريات، ولا يرجّح بشّار الحوراءَ علي أمر الخليفة، احتراساً من سعاية الناس وأحاديثهم، وليس من المعقول.
إنکار الواقعية: يعني تجنّب الفرد الواقع المؤلم أو المسبب للقلق، فهذا الفرد ينکر أنّ حبيبه قد مات رغم وجود الدليل المقنع لهذه الواقعة، ولا يطيق أن يناقش هذا الدليل أو حتّي فکرة موته [51].
هو رفض الاعتراف بوجود مصدرخارجي مثير للقلق، وتظاهر المرء بتجاهل الواقع، والإنكار اللاشعوري للواقع المؤلم أو المسبّب للقلق، برفض إدراكه أو مواجهته. فالإنسان ينکر الأشياء التي تسبّب قلقه هنا.
لکي يتفادي بشّارُ احباطَه وقلقه قام بنفي وإنکار الواقع الحقيقي، فأنکر کلَّ الأحداث والحقائق التي وصلت إليه من الإهانات وتُهَم الأعداء ومنافسيه؛ ويقصد بهذا العمل في الواقع التخلُّص أو التقليل من إحباطه وضغوطه النفسية، واستخدام الإنکار بشکل غير واعي عاملاً دفاعياً بعد أن يسخروا منه ويستهزؤه:
وَ عَيَّرَونِي الأَعدَاءُ وَ العَيبُ فِيهِمُ وَ لَيسَ بِعَارٍ أن يُقَال ضَرِيرُ ? [52]
قُل مَا بَدَا لَکَ مِن زُورٍ وَ مِن کَذِبٍ حِلمِي أصَمُّ وَ أذُنِي غَيرُ صَمَّاءِ ? [53]
اعتقد بشّار: ليست أحاديثُ الناس إلّا کذباً وبهتاناً، مهما يکون من الأمر، تلک الأقوال أو التُهَم تمکن أن تکون صدقاً، ولکن بشّار فنّدها.
التبرير:
«هو أن يخترع المرء أعذاراً لإقناع الناس بأسباب فشله من أجل المحافظة علي ثقتهم واحترامهم، وإبعاد الشعور بالنقص عن نفسه» [54]. و«يبرّر المرء بهذه الحيلة سلوکه ومعتقداته وآراءه ودوافعه المستهجنة بأن يعطينا أسباباً معقولة لها» [55].
ويختلف التبرير عن الكذب، بأنّ التبرير يكذب فيه الإنسانُ على نفسه، في حين يكون الكذبُ بأن يكذب الإنسانُ على الناس. وهناك فرق بين تبرير الإنسان لشيء أو عمل أو رأي على منطق، والتبرير بغير منطق أو بما لم يؤمن به الإنسان أصلاً، فالتبرير من النوع الثاني هو المقصود بالأسلوب الدفاعي اللاشعوري الذي نحن بصدده، فمثلاً فشلُ الطالب أو رسوبه في الامتحان ينسبه الطالبُ إلى العشوائية في تصحيح أوراق الإجابة.
هذه الآلية تؤدي إلى الراحة المؤقتة السلبية للإنسان، فبدلاً من أن يبحث الإنسانُ عن السبب الحقيقي، تختلق سبباً غير منطقي أو ليس له وجود في الواقع في محاولة إخفاء الحقيقة التي قد تؤلمه.
«وهذا الأسلوب يؤدي إلى الهروب بدلاً من المواجهة، وعندما يتكرّر عند الإنسان يكون مصدراً مهماً من مصادر ضغوطه النفسية التي قد تنتهي به إلى اضطرابات مؤثّرة» [56].
وقد لجأ بشّار إلي التبرير، وذکر أسباباً زائفة عندما واجه مواقفاً لا يستطيع أن يتصرف فيها عادياً أو أن يذکر الأسبابَ الحقيقية، ليخفّف من لومة نفسه من جراء ضغوطه:
و َما ذَنبُ مَقدُورٍ عَلَيهِ شَقَاؤُهُ مِنَ الحُبِّ عِندَ اللهِ فِي سَابِقِ الکُتبِ?لَقَد أُعجِبت نَفسـِي بِهَا فَتَبَدَّلَت فَيَا جُهدَ نَفسِـي قَادَهَا لِلشَّقَا عُجبِي?وَ لَستُ بِأحيَا مِن «جَمِيلَ بنِ َمُعَمَرِ» وَ «عُروَةَ» إن لَم يَشفِ مِن حُبِّهَا رَبِّي18و 17?فَلَو کَانَ لِي ذَنبٌ إلَيهَا عَذَرتُهَا بِهَجرِي وَ لَکِن قَلَّ فِي حُبِّهَا ذَنبِي ? [57]
يعدّ ويذکر بشّارُ البعضَ من شعراء عشّاق العرب مثل:«جميل بن معمر»، و«عروة»، يقوم بشّار بهذا العمل لئلّا يرميه أحدٌ بالفساد والشذوذ، ولِيزيلَ عنه تهمةَ النسيب للنساء، إذ منعه المهدي عن ذکر الحسناوات والتغزّل بهنّ.
المزاح والاستهزاء بالآخرين:
«يجعل المزاح، الهزل، والاستهزاءُ الظروفَ التي يسبّب التعارضَ والضغط النفسي في إطارٍ جديد، وهو تنکيت الآخرين» [58].
لقد حاول بشّارُ أن يعالج عقدته، وأن يعوّض عمّا حرمته الطبيعة من نعمة البصر، عن طريق التحقير والسخرية والإهانة التي عمد إليها في کثير من سلوکه، إذ رأي فيها نوعاً من التسرية، فصارت السخرية تجري علي لسانه. روي أنّ رجلاًقال لبشّار: «إنّ الله عزّ وجلّ ما سلب أحداً کريمتيه إلّا عوضه عنهما حُسن صوت، أو ذکاء فأنت ماذا عوضک من بصرک؟ قال: عوضني فقدان النظر إلي.. مثلک» [59].
ذکر النموذج الآخر: «دخل علي المهدي العباسي وعنده خاله يزيد بن منصور الحميري فأنشده قصيدة، فلمّا أتمّ إنشاده قال له يزيد: ما صناعتک يا شيخ؟ فردّ عليه بشّار بجواب ملؤه السخرية قائلاً: أثقب اللؤلؤ. فقال له المهدي: أتهزأ بخالي؟ فقال: يا أمير المؤمنين، فما يکون جوابي لمن يري شيخاً أعمي ينشد شعراً فيسأله عن صناعته؟!» [60].
التواصل:
هو طلب التأييد الاجتماعي من الآخرين، والمشورة حول المشاکل، دون أن يعتقد بأنّهم هم المسؤولون عن هذا المشکل، أو دون أن يستعين منهم [61].
التواصل علي نوعين: 1. طلب العطاء والمال من الممدوح 2. بثّ الشکوي وأنين القلب إلي الصديق أو الحبيب أو الممدوح.
النوع الأوّل (طلب المال من الممدوح): واستعان بشّار بهذه الآلية بغية حفظ نفسه، والاتصال بالآخرين:
شِفَاءُ العَمَي طُولُ السُّؤَالِ وَ إنَّمَا تَمَامُ العَمَي طُولُ السُکوُتِ عَلَي الجَهلِ19?فَکُن سَائِلاً عَمَّا عَنَاکَ فَإنَّمَا دُعِيتَ أخَا عَقلٍ لَتَبعَثَ بِالعَ? [62]
والنموذج الآخر، يقصد بشّار بکلمة «اسقني» طلبَ المال والهبّة من ممدوحه «رَوح بن حاتم»، إذ حکي بشّار أنّه أصيب ببلاء وفقر:
يا بنَ مُوسي اسقني ودَع عنک بَکراً إن بَکراًخِلوٌ وإنِّي مُصاب20 ? [63]
والنوع الثاني(بثّ الشکوي للأصدقاء):حين يخاطب بشّار صاحبه باثنين وهو شخصٌ واحد؛ ذلک دليل علي أنّه يريد أن يتقاسم نفسه معه، بحيث يمتزج بنفس صديقه، ولذلک هدفٌ نفسيّ:
خَلِيليَّ لَا تستنکِرا لَوعَة الهوي ولَا سلوةَ المحزَون شطَّت حبائبُه ? [64]
والتحدّث عن الأحوال الشخصية للأصدقاء؛ منه أيضاً:
أثنِي عَلَيکَ وَ لِي حَالٌ تُکذِّبُنِي فِيمَا أقُولُ فَأستَحيِي مِنَ النَّاسِ?قَد قُلتُ إن َّ أبا حَفصَ لَأکرَمُ مَن يَمشـِي فَخَالَفَنِي فِي ذَاکَ إفلَاسِي21?حَتَي إذَا قِيلَ مَا أعطَاکَ مِن صَفَدٍ طَأطأتُ مِن سُوءِ حَالٍ عِندَهَا رَأسِي22? [65]


خَلِيلَيَّ مِن کَعبٍ أعِينا أخَا کُما علي دهرِه إنّ الکَرِيمَ مُعِينُ23?ولَا تَبخَلَا بُخلَ ابنِ قزعَةَ إنَّه مَخَافَةَ أن يُرجَي نداه حَزِينُ?کأنَّ عُبيدَاللهِ لم يَلقَ مَاجِداً ولَم ولَم يَدرِ أنَّ المَکرُمَاتِ تکُون24 ?إذا جِئتَهُ فِي حاجَةٍ سدَّ بَابَهُ لفلم تلقَهُ إلَّا وأنتَ کَمِينُ ? [66]
هجا بشّار في هذه الأبيات عبُيدَ الله بن قَزَعة، ففيها طلبَ العطاء وامتزج بخليله بحيث ظنّه اثنين في العدد، وواصل أمر صداقة معه حتّي يمکننا أن نجعلها في عداد: التواصل، من کلا النوعين.
الإزاحة: هي إعادة توجيه الانفعالات المحبوسة نحو الأشخاص أو الموضوعات التي سبّبت الانفعالات. الإزاحة تنحصر في النقل من موضوعه الأصلي إلي موضوعٍ بديل. معظم الناس حينما يواجهون تحدياً قوياً يصبون نارَ غضبهم في غير مكانها، ويهجمون على أهداف أو ممتلكات، فيكون أشخاص آخرون كبش الفداء، وربّما هم أبرياء، فالإزاحة «عملية يقوم فيها الأنا بنقل دافع أو رغبة مرتبطة بموضوع معين إلي موضوع آخر.. الشخص الذي عنفه رئيسه ولم يستطع أن يرد عليه.. يعتدي علي أوّل شخص يقابله دون أن يکون مستحقاً لهذا العدوان» [67].
الإزاحة کالتسامي وسيلةٌ لتغيير مجري الأمور من المجري الطبيعي إلي مجري آخر.
وقد قيل إنّ حمّادَ عجرد کان عدواً لبشّار، ولکن لما کان سهيلُ بن سالم صديقَ حمّاد عجرد؛ فإنّ بشّاراً قد هجا سهيلَ بن سالم بدلاً عن حمّاد:
وَ أطَرتُ جنَّةَ عَجرَدٍ وَ أنَّا المُغَنُّ المِشغَبُ25 ?وَ لَقَد وَضَعتُ عَلَي سُهَيـ لِ مِيسَماً لَا يَذهَبُ26 ? [68]
ومن ذلک أيضاً، لقّب بشّارُ سهيلاً بـ «جنة عجرد» بسبب أنّ سهيلاً قد اتصل به حمّاد عجرد، وأفسده علي بشّار، بعد أن کان صديقاً لبشّار، فهجاه:
وَ لَقَد أفَأتُ عَلَي سُهَيلٍ مِثلَهَا حَمرَاءَ لَيسَ لحَرِّهَا تَقتِير?وَلَدَي العَتيرَةِ قَد نَظَمتُ قَلَائِداً مَنهَا عَلَيه غَضَاضَةٌ وَقَتِيرُ27 ? [69]
أ دَيسَمَ يابن الذئبِ من نسل زارع أ تروي هجائي سَادِرَاً غير مُقصـِرِ28 ? [70]
هو ديسم العنزي کان يحفظ أشعار حمّاد وأبي هشام الباهلي، فغضب بشّارُ من حمّاد ولکن قال في ديسم هذا البيت.
14. التعويض فالتسامي: إنّ الطفل الذي يتجرّع الضغط والتحقير والسخرية من الآخرين، يحمل حقداً خاصاً في قلبه، ويحاول تدارك الفشل الذي لاقاه في حياته، فيقدم على كلّ عمل خطير،فيحاول تدارك حرمانه بصور مختلفة، ومن تلک الصور: التعويض.
اختلف أدلر مع فرويد حول موضوع الرغبات وطبيعتها، بينما وجد فرويد أنّ هذه الرغبات تتمثّل في الغريزة الجنسية، رأي أدلر أنّها تکمن في التعويض، والتعويض الأعلي أو التسامي. «قدرة التعويض التي يمتلکها جسم حّي ناقص، استخرج ألفرد أدلر منذ سنة 1907 القانون العامّ الذي علي أساسه ينمو کلّ فردٍ معاق أو مجروح أو ناقص أو محروم من إحدي وظائفه الحياتية نموّاً طبيعياً کي يحيا بنشاطٍ متزايد يسعي من خلاله إلي التعويض عن نقصه وحتي تعديله إلي أن يصبح أخيراً أعلي ممّا کان يشکل عقدة نقصه» [71].
وعلي حسب ما عرّفه أدلر: «هو سَداة ولحمة نفسية تجرّ بعضَ الناس إلي التعويض المضاعف عن حقارتهم الجسمية أو النفسية التي يعانون منها» [72].
إذن التعويض بحسب التعريف العلمي له: «مجموعة من الصفات، وأنواع السلوک أو الأفعال التي هدفُها إزالة الشعور بالدونية» [73]، فعملية التکبُّر وإعطاء قيمة للذاتو.. کلّ ذلک ليس سوي عملية تخلُّص من شعور خاص [74]، يجب أن نشير إلي أنّها عمليةٌ لاشعورية أيضاً.
في سيرة أدلر المدرسية يتبيّن أنّه كان التلميذ الأخير في صفه كما كان ضعيفاً جدّاً في الرياضيات لكنّه لم يلبث أن انتقل في العام نفسه إلى المرتبة الأولي في تلك المادة، ثمّ إنّ الكساح الذي أصابه باكراً وضعفَ بنيتهأضفيا على جسمه شكلاً غير عادي، وهذا التشويه الجسماني أوجد في نفسه إرادةَ الكفاح والصراع ليفوق أقرانَه فيغطي بذلک ضعتَه ويستر ضعفه.
وکما وضّحنا فإنّ التعويض محاولة للشخص المصاب بالعقدة في أن يتغلّب على الشعور بالنقص والضعف إلّا أنّ محاولتهبالتعويض هذه توصله إلى التعالي.
أما التسامي أو الإعلاء: هو حيلة دفاعية ومن أهمّ الحيل، والأكثر انتشاراً، بواسطة هذه الحيلة يستطيع الإنسانُ أن يرتفع بالسلوك العدواني المكبوت إلى فعل آخر مقبول اجتماعياً وشخصياً، فمثلاً النتاجات الفكرية والأدبية والشعرية والفنية.. في علم النفس، هو تحويل طاقة حافزٍ ما أو غريزةٍ ما إلى هدف أسمى أخلاقيا أو ثقافياً.
الحاجةُ إلي التغلّب علي الشعور بالدونية تضغط علي الناس دائماً، ويجرّهم الحبُّ بالتفوّق وراءَه [75]. فيسعون إلي التفوّق والنّجاح للتعويض عن شعورهم بالدونية أو الضعف الذي يقابلهم في الحياة. «هذا الشعور يلازمه طوالَ عمرهم إن کان ناتجاً عن النقص الجسمي أو النفسي، ويهدف للارتقاء إلى الأمام» [76].
هو من الحيل النفسية الدفاعية التي يلجأ إليها الفرد للتخلّص من تأثير التوتّر الناشئ في داخله، والتي «تخفّف من شدة الصراعات والتوتّر الداخلي لدى الإنسان من خلال تحويل تلك الأفكار والصراعات إلى مجالات مفيدة وسليمة ومقبولة اجتماعياً، كما أنّها تمكّن الفردَ من الإبقاء على هذه الصراعات مكبوتةً وبعيدة عن الوعي» [77]. عملية الإعلاء عمليةٌ غير مقصودة، ولكنّ الحاجة إليها تكون شعورية.
يجعل أدلر الکفاحَ من أجل القوة دافعاً وجزءاً من الحياة، ويري أنّ لکلّ شخصٍ طريقته في الکفاح من أجل التفوّق.
إنّ کلّ شخصٍ يتأثّر حتماً في حياته بالضعف في مواجهة القوي المحيطة به، والحياة الإنسانية تکرّس في الحقيقة للنضال من أجل التفوّق کتعويض عن ذلک الاحساس، أي «إنّ إرادة القوة هي القوة الدافعة الانسانية الأساسية، والحقيقة أنّ سيکولوجيا أدلر وثيقةُ الشبه في کثير من النقاط بفلسفة نيتشة» [78].
لنا في التأريخ مآثر من أولئك الذين ظلّت تلاحقهم عقدة النقص، ويعرض علينا أدلر من تلک النماذج التأريخية ما يدلّ علي أنّ تلک العقدة استطاعت أن تعلو بشأن بعض الأفراد:
القائد الفرنسي الشهير «نابليون بونابرت» الذي كان يعاني من قصر القامة، ويشتكي منها، لكنّه مع ذلك كان يتمنّى قامةً أطول، وكان يكره من يفوقونه في الطول ونشأت عنده نزعة عدوانية تجاههم وعمِلَ على تعويض شعوره بالنقص الجسمي عن طريق حبّ التسلّط والجبروت .والنموذج الآخر، «تيمور الأعرج»، وهو مؤسّس دولة «التيموريين» الذي کان مصاباً بالشلل، فاستطاع أن يتغلّب علي عاهته بإرادته القويّة ومثابرته ودأبه، حتّي أنّه أسّس دولةَ التيموريين، ويقال-أيضاً- أنّ «هتلر» و«موسوليني» و«فرانکو» و«ستالين» کانوا علي شاکلة نابليون من قصر القامة، فحاولوا تعويض شعورهم بهذا النقص من خلال الحصول علي جمع النفوذ السياسي في سلطتهم بعد أن عزّت عليهم الطبيعة [79].
وقد «أوضح أدلر أنّه، ومن خلال نتائج التحليل الإحصائي للمعلومات المستخلصة من الاستبيان، تبين أنّ سبعين في المئة من الرسّامين الشهيرين کانوا قد أصيبوا بنقص العمي» [80].
علي أيّة حالٍ لم تؤدّ هذه الأحداثُ–کما قلنا من قبل- إلي اضعاف الروح المعنوية لدي بشّار؛ وبالاستناد إلى ما سبق نعتقد أنّ بشّاراً لم يرزح لعاهته، بل استطاع أن يقوم بعملية التعويض عن عماه، ويجعل من حياته وطفولته ركائز لعبقريته، وهكذا استطاع بإرادته الفذّة التغلّب على ضعفه وعيبه كما استطاع بهذه الإرادة الساعية دوماً أن يحقّق لنفسه شهرةً خلّدت اسمَه وساعدته على أن يتخطّى عاهته وضعفه، وقد ارتقي إلي درجةٍ ما بحيث عبّر عنه«الجاحظ» بهذا التعبير: «بشّار مع العيوق، وليس في الأرض مولد قروي يعدُّ شعره في المحدَث إلّا وبشّار أشعر منه» [81]، و اکتفي الأصمعي في حقّه بهذا القول: «بشّار خاتمة الشعراء، والله لولا أنّ أيامَه تأخّرت؛ لفضّلتُه علي کثير منهم» [82].
فالمتأمّل في شخصية بشّار يجد أنّ عقدة النقص جعلته في مکانٍ مرموق يمکننا أن نلاحظه بجلاء. صحيح أنّه أعمي؛ ولکنّقوّته القلبية والسمعية طوّرت قوّة الخيّال عنده، فجاء بما لا يقدر البصراءُ أن يأتوا بمثله، فتشبيهاته مع العمي الذي أصابه کانت من أحسنها، وقد تدارک عاهته، وتجاهل وتناسي أنّه أعمي في أکثر الأحيان، من ذلک قوله:
کأنّ مثار النقع فوق رؤوسنا وأسيافَنا ليلٌ تَهاوَي کواکبُه ? [83]
ونراه أيضاً أنّه کان يتعمّد في تجاهل عماه، ويأتي بأشياء يحس قارئ شعره معها أنّه شاعر مبصر من ناحية أخري. وأکثر ما يتجلّي ذلک في غزله هذا [84]:
وسألت النساء: أبصـرن ما أبصـرت من حسنها، فقال النساء:?دون وجه البغيض وحشة هول وعلي وجه من تحب البهاء? [85]
وقيل إنّه سُئِل عن ذلک: «فمن أين لک هذا ولم ترَ الدّنيا قطّ ولا شيئاً فيها؟ قال: أنّ عدم النظر يقوّي ذکاء القلب ويقطع عنه الشغل بما ينظر إليه من الأشياء فيتوفّر حسّه وتذکو قريحته» [86]، وأنشد قوله:
إذا وُلِدَ المَولود أعمي وَجَدتَه وَجَدِّک أهدَي من بَصِيرٍ وأجوَلَا ?عمِيتُ جَنِيناً والذکاءُ من العَمَي فجئتُ عجيبَ الظنِّ للعِلم مَعقِلا29 ?وغَاضَ ضياءُ العينِ للقلب فاغتَدَي بقلبٍ إذا ما ضَيع الناسُ حَصِّلا30? [87]
هذا بشّار يقدّم تحليلاً لذکاء المکفوف الذي لا يکون بالضرورة موروثاً، بل جعلته طبيعة عاهته عبقرياً.
کما يقول بشّار نفسُه، لم يکتفِ بذلک، بل يريد دائماً التفوّق علي المبصرين، ولم يکن لديه وسيلةٌ لبلوغ ذلک سوي العبث الذي عبّر به عن وجوده، فأشار في غير موضع من أشعاره إلي أنّه أجاد الوصف مع أنّه کفيف، وقد ذکر ذلک علي لسان إحدي النساء [88]:
عَجَبَت فَطمَةُ مِن نعتي لهَا هل يجِيدُ النعتَ مکفوفُ البَصَـر31 ? [89]
إنّ بشّار نال إعجاب النقاد، أو الکثيرين منهم.
أحلام اليقظة:
هي عبارة عن سلسلة من الصور أو الأفكار أو الانفعالات التي تتمثّل لعقل المرء، وقد وصف بعضُهم الأحلام بأنّها مسرحيات تحدث في الذهن وتصوّر بعض الجوانب اللاشعورية. بعبارة أخري لا يکفي الفردَ إرضاءٌ نفسي وعاطفي قد أحصلته الوقائع والحقائق في حياته، فيتفحّص عن ذلک الإرضاء في عالم الموهومات والنوم [90].
عندما يعجز الفردُ عن تحقيق دوافعه بالطريق الطبيعي، وتصطدم رغباته وحاجاته بعقبات شديدة، وينسلخ عن العالم الواقعي فيلجأ إلي عالم آخر هو عالم الخيال.
وعلي هذا الأساس، إنّ في الخيال يستطيع الفردُ أن يتجنّب السدّ والضغط الواقع عليه من البيئة الخارجية، ويخفّف من الإنسان الکثيرَ من الضغوط الواقعة عليه.
النموذج من أحلام اليقظة في بشّار:
وَ أرَي النَّاسَ يَرَونِي أسَداً فَيَقُولُونَ بِقَصدٍ وَ هُدَي32 ? [91]
وهذا بشّار يستهدف التخلّص من حالة التوتّر والقلق فيجد طريقاً للنجاة منها في الأحلام بطريقة غير واقعية من أجل التخفيف عن شعوره بالفشل والإحباط.
نعم إنّ حيل الدفاع حيل تخفّف من التوتّر والقلق، لكنّها لا تحلّ المشكلة بأكملها.. لأنّها لا تحقّق التوافق الكامل بين الفرد ونفسه أو بين الفرد وبيئته.. ومع ذلك ليست حيلاً شاذة، لأنّ كلّ الناس تستخدمها، سواء بقدر كبير أو قليل، وإن كانت تبدو بصورة واضحة لدى بعض النّاس، غير أنّها تصبح ضارّةً إن أفرط الفرد في الالتجاء إليها عند كلّ صدمة أو موقف متأزم.
قد تکون هذه الطرق ايجابية تؤدي بالشخص إلي التکيف السليم وإيجاد حلول لمشاکله أو التعايش معها بصورة جيدة، أو قد تکون سلبية تؤدي إلي تفاقم المشکلة. وفي ضوء هذه الاعتبارات نتناول فيما يلي آليات الدفاع ممثّلةً في نوعين:
النوع الأول: يتضمن الأساليب العفوية غير المدركة من جانب الإنسان والتي حين يبالغ فيها تؤدي به إلى مزيد من الاضطراب، وتكرارُ استخدامها دلالةٌ على المرض، لذا نطلق عليها: آليات الدفاع السلبية.
والنوع الثاني: يمثّل أساليب مجاهدة النفس والتي من شأن استخدامها على المستوى البسيط أو المفرط أن يؤدّي إلى صحة نفسية، لذا نطلق عليها آليات الدفاع الموجبة، وكلا النوعين يشير إليه القرآن الكريم.
أولاً: آليات الدفاع السلبية:
يضمّ هذا النوع عديداً من الأساليب التي تتخذها النفس للدفاع عن توازنها وهي في اتخاذ الإنسان لها على المستوى البسيط أو غير المزمن تعدّ مفيدة، حيث تتواصل الحياة بأقلّ قدر من عدم التوازن أما الإفراط فيها، أو كونها مزمنة فهو دلالة على اضطراب الإنسان نفسياً أو عقلياً.
من آليات الدفاع النفسية السلبيّة تلک، ما استعمله بشّار تجاه أعدائه ومنها:






شکل1-1


ثانياً: آليات الدفاع الإيجابية:


يضمّ هذا النوع من الأساليب عديداً من الإيجابيات التي تقوم النفس بمقتضاها بالحفاظ على التوازن، ولعلّ أهمّ خاصية لهذه الأساليب أنّها تساير الفطرة الإنسانية، لذا تعدّ أكثر فاعلية لتوازن الإنسان.
ومن آليات الدفاع النفسية الايجابية التي استعملها بشّار:






شکل 2-1


يمکن القول إنّه ليست هذه الحيلُ الدفاعية متساوية فيما تترک من آثار علي الشخص، وتصنّف إلي أربعة أنواع أخري کما يلي [92]:






شکل3-1


الهوامش:


#- 1- أراد بماضغ الماء الکناية عن الحمق وسوء وضع الأشياء موضعها.
#- 2- أراد بالتاج: الشيب. وبالوالي: الخليفة المهدي.
#- 3- أي کرهن اتصافي بالحلم وأصالة الرأي دون سفه الحب. أولي: رجوعي. أکثرت أي النساء.
#- 4- معني «علي الغزلي سلام الله» أنّه يحييها ويذکرها بحسن الذکر.
#- 5- لعلّ مالکاً وابن مالک کانا من الملّاحة في دجلة کان بشّار يحسن إليهما.
#- 6- «طنجة» اسم بلد بالمغرب الأقصي، ولايصلح أن يکون مراد بشّار واسم متنزّه بمصر يظهر أنّه مراد بشّار، أي ذات العجب بمحاسنها.
#- 7- الحنظل:ثمر شجر من شجر العضاه يأکلونه في المجاعة.
#- 8- الورل: دويبة مثل الضب، ومنضنض: متحرک بذنبه، صفة لورل.
#- 9- التقصع: احتراش الضب من نقب جحره المسمي القاصعاء، والحزب: اسم جمع حزباء، وهي الأرض الغليظة.
#- 10- «المذکي» المسن أو البدن. الشطر الثاني، إشارة إلي المثل «لو ذات سوار لطمتني». قيل: إنّ قائله حاتم الطائي حين أسر في بعض أيامهم، فلطمته أمة لأهل البيت الذين کانأسيرا فيهم، وذلک يضرب مثلاً لکريم يعتدي عليه دنيء.
#- 11- القسوري: الأسد، الوبار (بکسر الواو) جمع وبر، وهو دويبة تَشبه الأرنب وتجتر کالأرنب.
#- 12- يريد أنّه ليس مثل کلب مرغوب فيه، بل مثل کلب السوء الذي يترکه أهله حين يرتحلون فيلتحق بهم. القِطار جماعة الإبل الراحلة السائرة علي نسق مقرباً بعضها من بعض. والکلب يتبع القوم يکون سائراً وراءهم.
#- 13- ابن نهيا: هو حمّاد، ومعني «ثقيل» أنّه يثقل عليه من الخُمار، ووجه ذکره ذلک لينتقل إلي الرأسين الذي هو مجاز هنا في الإلهين لأنّ الرأس يطلق علي السيّد ونحوه، فإطلاقه علي الربّ لعلّه اصطلاح للزنادقة لقصد التکتم. وقد ظنّ بعض أهل الأدب من هذا أنّ المجوس يعبدون رأسين.
#- 14- «يؤديک»: يعينک، يقال: آداه علي فلان إذا أعانه عليه. والمعني لايعينک علي طائل. و«طائل» فضل وهو ما فيه کفاية من مرغوب. أي لايرجي العون علي الفضائل ممّن لا يصلّي.
#- 15- نافع: هو الأمير نافع بن عقبة بن سلم، وقوله «لأطرق» أي أسکت حياء، والإطراق: سکوت مع النظر إلي الأرض، والمعني أنّي لا أؤاخذه بجفائه حياء منه، لأنّه لو کان غيره لهجاه، فمنعه من هجوه الحياء.
#- 16- الشؤبوب: المطر الشديد، والمراد هنا شديد الهجاء.
#- 17- جميل بن معمر بن عبدالله العذري، ويقال: جميل بن عبدالله بن معمر، صاحب بثينة، أحد عشاق العرب من شعراء صدر الدولة الأموية، أما عروة فهو عروة بن حزام بن مهاصر العذري، شاعر إسلامي، أحد المتيمين الذين قتلهم العشق، عشق عفراء ابنة عمه عقال أبن مهاصر.
#- 18- قوله «لست بأحيا» هو تفضيل من حيي، وأراد بالتفضيل طوال الزمان، أي لستُ باقياً أکثر من بقاء جميل بن معمر وعروةبن حزام، أي أنّي هالک بحبّ عبدة کما هلکا.
#- 19- العَمَي: مستعار للضلال والخطأ.
#- 20- ابن موسي: من ندمائه.
#- 21- المعني: أنّه لو کان کريماً لما کنت مفلساً مع أنّي مدحته، وذلک معني قوله «أثني عليک».
#- 22- طأطأة الرأس کناية عن الحياء.
#- 23- «کعب» هو کعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وهو أبو عقيل الذين هم موالي بشّار.
#- 24- قال المبرد: عبيد الله بن قزعة، هو أبو المغيرة، وهو أخو الملوي المتکلّم، والملوي من أصحاب إبراهيم النظام.
#- 25- جنة عجرد: لعلّه يعني به سهيل بن سالم الذي لجأ إليه حمّاد عجرد وأفسده علي بشّار، ويعني بشّار بقوله: أطرت: أنّه هجاه وهاجه، والمغن: هو الذي يأتي بعجائب الأمور. والمعني: لقد هجوتُ سهيل بن سالم (جنة عجرد) وأهجته لأنّني بهجائي أجيء بالعجائب، وأثير حوله الشغب.
#- 26- سهيل: هو سهيل بن سالم مولي بني سعد، کان من أشراف البصرة.
#- 27- لعلّ «ولدي» صوابه «ولذي»، ولعلّه أراد بـ «ذي العتيرة» رجلاً بعينه هجاه بشعره، و القيتِير: أراد به القترة وهي الغبرة.
#- 28- السادر: اللامبالي. نسل زارع: يقال للکلاب أولاد زارع.
#- 29- المعقِل: اسم غلب علي الحصن لأنّه يعقل إليه أي يلجأ إليه. والموئل: اسم المکان الذي يؤوي إليه.
#- 30- معني غاض: غاب في الأرض، يقال: غاض الماء.
#- 31- يروني: الأصل أن تکون يرونني. المعني: الناس يرونني صاحب شمائل، ويتحدّثون عني.


المصادر والمراجع


الکتب


الأجنبية:


#- آزاد، حسين، آسيب شناسي رواني، تهران، انتشارات بعثت، 1374ش.
#- پور افکاري، نصرت الله، فرهنگ جامع روانشناسي، تهران، نشر فرهنگ معاصر، 1373ش.
#- سليمي، علي، النقد والناقدون في الأدب العربي، الطبعة الأولي، کرمانشاه، انتشارات دانشگاه رازي، 1387ش.
#- شالچيان، طاهره، آشنايي با اصول روانشناسي، چاپ دوم، تهران، بدر، 1373ش.
#- منصور، محمود، احساس کهتري، تهران، دانشگاه تهران، 1371ش.


العربية:


#- ابن عاشور، محمد طاهر، ديوان بشّار بن برد، الطبعة الأولي، القاهرة، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، 1429هـ، ج1و2و3و4.
#- الاصبهاني، أبوالفرج، الأغاني، بيروت، دار احياء التراث العربي، لاتا، ج1و3.
#- الاصبهاني، راغب، محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء، مصر، الهلال، 1902م.
#- الحفني، عبدالمنعم، موسوعة علم النفس والتحليل النفسي، القاهرة، مکتبة مدبولي، 1978م.
#- دافيدوف، ل.لندا، مدخل إلى علم النفس، ترجمة سيد الطواب وآخرون، القاهرة، دارماكجروهيل، 1983م.
#- الشربيني، لطفي، معجم مصطلحات الطب النفسـي، مراجعة عادل صادق، کويت، مرکز تعريب العلوم الصحية، لاتا.
#- عباس، فيصل، التحليل النفسـي والإتجاهات الفرويدية المقاربة العيادية، الطبعة الأولي، بيروت، دار الفکر العربي، 1996م.
#- عبد القادر طه، فرج، أصول النفس الحديث، القاهرة، دار انباء للطباعة والنشـر والتوزيع؛ عبدة غريب، 2000م.
#- عطوي، نجيب، بشار بن برد حياته وشعره، بيروت، دار الکتب العلمية، 1411هـ.
#- بن علو، الأزرق، کيف تتغلب علي القلق وتنعم بالحياة، القاهرة، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، 2003م.
#- فلوجل، ج، ک، علم النفس في مائة عام، ترجمة لطيفي فطيم، الطبعة الأولي، بيروت، 1973م.
#- کلارنس ج، راو، مباحث عمده در روان پزشکي، ترجمة جواد وهاب زاده، الطبعة الثالثة،تهران، شرکت انتشارات علمي وفرهنگي، 1373ش.
#- كمال، علي، النفس انفعالاتها وأمراضها، بغداد، دار واسط، 1988م.
#- محمد عويضة، کامل محمد، رحلة في علم النفس، الطبعة الأولي، بيروت، دار الکتب العلمية، 1996م.
#- وهبي، کمال، وکمال أبو شهدة، مقدمة في التحليل النفسـي، الطبعة الأولي، بيروت، دار الفکر العربي، 1997م.


المقالات


#- حسين بکار، يوسف«التعويض النفسـي عند بشّار بن برد، أسبابه ومظاهره»، مطالعات اسلامي، 1352ش، العدد 8، صص 346- 331.
#- طاهري، حبيب الله«عقده حقارت وراهکارهاي آن در منابع اسلامي»، 1385ش، مجله پژوهشهاي ديني، شماره چهارم، صص 30- 5.
#- محمد، أحمد علي «المجون في شعر بشار بن برد؛ دوافعه وأبعاده»، التراث العربي، 1426م، العدد 98، صص 105- 91.


المنابع الإنترنتية:


#- www.arab ency.com/index.php?module=pnEncyclopedia&func=display_term& id=1008=


جميل رضوان، سامر(لا تا) الدفاع النفسي (آليات).


ملاحظة


The study of psychological defense mechanisms on Bashar ibn Burd


Sedghi, Hamed
Professor Arabic Language and Literature, Kharazmi University of Tehran.
Sohrabi, Tooraj
M.A in Arabic Language and Literature, Kharazmi University of Tehran, toorajsohrabi67@yahoo.com
Khezeli, Moslem
PhD student in Arabic Language and Literature, Razi University of Kermanshah.


Abstract:
Man finds himself sometimes under the influence of sharp disorders, seeks to address treatment., And one of the defense mechanism to reduce the problem and to province internal balance; is a psychological defense mechanisms. Bashar was under psychological pressure so that no have a sense of spiritual and psychological security, try to convince himself and get rid of extreme conditions; and use psychological defense mechanisms are unconscious to reduce the psychological pressure. The aim of this study was to talk about the psychological defense mechanisms used by Bashar ibn Burd to reduce the psychological pressure.What do you mean study to answer this question is: What are the defense mechanisms used when Bashar quietly?
The most important defense mechanisms used by its Bashar to survive what is going on inside of conflicts and competition: Identification, Reaction Formation, idealism, Projection, Repression, Denial, Rationalization, ridiculing of others, Displacement, Compensation and Sublimation, Day Dream (fantasy) and…
Key Words: psychological defense mechanisms, Sigmund Freud , Bashar ibn Burd, Psychological and spiritual disorders.


حواشي


[1] فرجي، 1352ش، ص66


[2] عبدي، 1373ش، ص2


[3] احمدوند، 1382ش، ص27


[4] جميل رضوان، موقع الموسوعة العربية


[5] مطاوع، 1981م، ص127


[6] المصدر السابق


[7] وهبي وأبو شهدة، 1997م، ص 38


[8] مطاوع، 1981م، ص127


[9] ور افکاري، 1373ش، ج1 ، ص 371


[10] آزاد، 1374ش، ص 120


[11] دافيدوف، 1983م، ص 625


[12] شالچيان، 1373ش، ص211


[13] فرجي، 1352ش، ص 66


[14] الديوان، 1429ق، ج1، ص148


[15] المصدر السابق، ص334


[16] عباس، 1996م، ص 39


[17] الديوان، 1429ق، ج2، ص9


[18] الديوان، 1429ق، ج2، ص20


[19] نهاني الملکُ


[20] المصدر السابق، ص 298- 297


[21] عبدالقادر طه، 2000م، ص105


[22] الديوان، 1429م، ج4، ص87


[23] المصدر السابق، ج1 ، ص381


[24] المصدر السابق، ج3، ص 252


[25] المصدر السابق، ج1، ص391


[26] استوارت، 1388ش، ص152


[27] الديوان، 1429م، ج1، ص 389


[28] المصدر السابق، ص390


[29] المصدر السابق، ص 244- 242


[30] کلارنس، 1373ش، ص 96


[31] 1342ش، ص 138


[32] عباس، 1996م، ص 39


[33] عطوي، 1411ق، ص52


[34] الديوان، 1429ق، ج4، ص 157


[35] المصدر السابق، ج2، ص 48


[36] المصدر السابق، ص225


[37] الديوان، 1429ق، ج4، ص 56


[38] المصدر السابق، ج4، ص 55


[39] المصدر الساابق، ج3، ص 272


[40] الشربيني، لا تا، ص 16


[41] الديوان، 1429ق، ج4، ص 138


[42] المصدر السابق، ج 1، ص 386


[43] المصدر السابق، ص 127


[44] المصدر السابق، ص 284


[45] کمال، 1988م، ص 63


[46] الشربيني، لا تا، ص 158- 157


[47] المصدر السابق، ج2، ص 81


[48] الديوان، 1429م، ج2، ص 64


[49] المصدر السابق، ص 129


[50] المصدر السابق، ج3، ص 249


[51] محمد عويضة، 1996: 64


[52] الديوان، 1429م، ج4، ص65


[53] الديوان، 1429م، ج1، ص 150


[54] بن علو، 2003م، ص 221


[55] الحفني، 1978م، ص 203


[56] فونتانا، 1994م، ص 134


[57] الديوان، 1429ق، ج1، ص 216- 215


[58] کار، 1385ش، ص 437


[59] الأغاني، لاتا، ج3، ص 161


[60] الأغاني، لا تا، ج3، ص 202


[61] کار، 1385ش، ص 427


[62] الديوان، 1429م، ج4، ص 164- 163


[63] المصدر السابق، ج1، ص 349


[64] المصدر السابق، ج1، ص 325


[65] المصدر السابق، ج4، ص 99


[66] المصدر السابق، ص 234- 233


[67] عبدالقادر طه، 2000م، ص 144


[68] الديوان، 1416ق، ج1، ص 317


[69] الديوان، 1429ق، ج3، ص 267


[70] الديوان، 1416ق، ج2، ص 393


[71] موکيالي، 1988م، ص 27


[72] منصور، 1358ش، ص 145- 144


[73] منصور، 1358: 146


[74] موکيالي، 1988م، ص 64


[75] فيست وهمکاران، 1389ش، ص 88


[76] سياسي، 1370ش، ص 111؛ شالچيان، 1373ش، ص 29


[77] کمال، 1988م، ص 67


[78] فلوجل، 1973م، ص 204


[79] رشيدپور، 1369ش، ص 597


[80] منصور، 1369ش، ص 23


[81] مقدمة الديوان، 1429ق، ج1، ص 93


[82] الأغاني، لاتا، ج1، ص 143


[83] الديوان، 1429ق، ج1، ص 335


[84] حسين بکار، 1352ش، ص 340


[85] الديوان، 1429، ج1، ص 145


[86] الأغاني، لا تا، ج3 ، ص 136


[87] الديوان، 1429ق، ج4، ص 158


[88] علي محمد، 1426ق، ص98


[89] الديوان، 1429ق، ج4، ص 82


[90] شالچيان، 1373ش، ص 211


[91] الديوان، 1416ق، ج1، ص 80


[92] کار، 1385ش، ص 435


تعليقاتكم
http://www.diwanalarab.com/spip.php?article41992