مبحث: تفسير ظاهرة الموشحات
سؤال يتردد في ذهن الواقف على طبيعة الشعر:
ما الذي دفع بالعربي الشاعر لابتكار الموشحات ، و ما اثرها على بقية الفنون؟
أظن أن الزخرفة هي الظاهرة التي أسرت لب العربي الساكن الأندلس و من ثمَّ أنزاحت هذه الظاهرة من الخارج إلى داخله فأنتج لنا زخرفة روحية ظهرت جلية في الموشحات.
فالعربي الأصيل الذي كان يجوب أقطار العرب المشرقية كان لا يتوقف كثيرا أو لا يستوقفه شيء لم يعتد عليه فمملكة الصحراء باسطة نفوذها على أغلب المساحات
و السحنة العربية بحنطية لونها و سواد شعرها و عينها هي التي يحملها و يقابلها و الريح هي معزوفته و الحادي هو منشده و العربية هي كل ما يسمعه فقد كان أحادي المشرب في كل شيء.
و حين دلف إلى بلاد الأندلس استوقفته الطبيعة العاقلة و غير العاقلة المزخرفتان.
و للحديث بقية إن شاء الله!
و الزَّخرفة هي التزيين في كمال فيقال بيت مُزخرف أي مزين و مزوَّق ،
فأمَّا الزخرفة في الطبيعة غير العاقلة:
فلا أصرح من قول شاعرهم ابن خفاجة في وصف الطبيعة من حولهم :
يَأَهلَ أَندَلُسٍ لِلَّهِ دَرُّكُمُ
ماءٌ وَظِلٌّ وَأَنهارٌ وَأَشجارُ
ما جَنَّةُ الخُلدِ إِلّا في دِيارِكُمُ
وَلَو تَخَيَّرتُ هَذا كُنتُ أَختارُ
فهذه الطبيعة المنمقة بكل أصناف النعيم الحسي المختلفة في اتساق و تناغم ، أثرت في روح الشاعر العربي الأندلسي و هو يرى الألوان المختلفة التي تتركها الفصول على أوراق الشجرة الواحدة ليبقى أثر الصيف مع مطلع الربيع و يرى المروج التي تتخللها الأنهار المتموجة الملتفة حولها كضفائر الحسناء فتنغرس في حسه و نفسه قيمة التضفير و سحره و يسمع للطيور الصداحة ؛فتدق معانيه و ترق ألفاظه ، فيشارك الكل بكل عذب و مزين من لحن و قول .
, بل إن هذه الطبيعة احتضنت الإنسان و غدت له مجالس أنسه و إنشاداً لشعره كما يعبر عنها اليوم بالمسارح المفتوحة.
الموشح بين هجرتين:
الموشحة العربية ظهرت بعد هجرة العرب الفاتحين إلي بلاد جديدة و غريبة هي الأندلس فامتزج بها و كان سيدا لها فأبدع الموشحة ، رجع هذا العربي مطرودا
و ترك اهتمامه بها لنشغاله بأعباء الحياة ، ثم عاد هذا العربي مهاجرا نحو أرض جديدة و غريبة في مهاجره الحديث نحو الأمريكتين الشمالية و الجنوبية و وضع في بقشته اثناء تجواله ببضائعه التي يمر بها على سكان تلك الحواضر طموح السيد الغريب كما فعل أسلافه الأمويون و لكن الموازين اختلفت و الحظ الباسم للأجداد عبس في وجه الأحفاد إلا من إمداده بفائق الشعر و منها الموشحات ، فظهر في المجر الثاني وشاحون كبار من أمثال إلياس فرحات و إيليا أبو ماضي.
و بدور المهجريين تكون الموشحة زارت أسماع و قلوب كل حي على وجه الكرة الأرضية.
و لربما جاز لي القول:
إن الموشحة مرت بأربعة مراحل:
-المرحلة الأندلسية حيث النشأة و اللازدهار: حيث الوشاح العربي في أوروبا.
- مرحلة عصر الممليك و العصر العثماني : الوشاح العربي في الشرق العربي و هو قريب الشبه من سابقه .
- مرحلة العصر المهجري و يشمل القرنين الرابع عشر و الخمس عشر الهجريين التاسع عشر و العشرين اللميلاديين: و فيها كان الوشاح العربي يجول بموشحاته كما يجول ببقشته بين الأمريكيتين.
- العصر الحديث: من القرن الخامس عشر الهجري ، و هو يوافق القرنين العشرين و الواحد و العشرين الميلاديين: حيث ندرة المواهب و انحصر وجودها في العالم العربي بجغرافيته الحديثة.
و هذا يثبت أن الوشاح العربي لم يخذل هذا الفن في رخاء الحال و ضيقه ، بل اضطلع بدوره و نفس عن همومه في و شجونه في حال عسره ،و عن ضحكاته و بسماته في حال يسره، مقتنعين و مقنعين الأجيال بجمل النمطية الشكلية للقصيدة العربية و تفردها، في حين كانت ثلة من المغرضين ينادون بموت الأشكال التقليدية للقصيدة العربية من زمن لويس عوض إلي أدونيس.و تبعهم رعاع القوم من صغار الأحلام و أقزام الأقلام و كل خبيث النية و سيء الطوية ،و علينا أن نذكر الناس بسير الكرام من شعرائنا المحدثين ممن هم شامة في وجه العربية الجميل.
الموشح بين هجرتين:
الموشحة العربية ظهرت بعد هجرة العرب الفاتحين إلي بلاد جديدة و غريبة هي الأندلس فامتزج بها و كان سيدا لها فأبدع الموشحة ، رجع هذا العربي مطرودا
و ترك اهتمامه بها لنشغاله بأعباء الحياة ، ثم عاد هذا العربي مهاجرا نحو أرض جديدة و غريبة في مهاجره الحديث نحو الأمريكتين الشمالية و الجنوبية و وضع في بقشته اثناء تجواله ببضائعه التي يمر بها على سكان تلك الحواضر طموح السيد الغريب كما فعل أسلافه الأمويون و لكن الموازين اختلفت و الحظ الباسم للأجداد عبس في وجه الأحفاد إلا من إمداده بفائق الشعر و منها الموشحات ، فظهر في المجر الثاني وشاحون كبار من أمثال إلياس فرحات و إيليا أبو ماضي.
و بدور المهجريين تكون الموشحة زارت أسماع و قلوب كل حي على وجه الكرة الأرضية.
مواضيع موشحات الهجرتين:
التوشيح في المهجر الأول كان صورة السيد العربي في اوروبا أحيث اهتم هذا السيد الفصيح بشؤون الحب و الغزل و التشبيب بالجمال و وصف الطبيعة و مجالس اللهو و أصناف الثراء، أما في المهجر فالموشح يصف اللاجيء الغريب المنطوي عل نفسه يقاسي غربة اللسان و و غربة الوجوه من حوله فوصف غربته وحشة مهجره و ندب حظه و فقره و تسلط الظروف و المجتمع عليه.
و لربما جاز لي القول:
إن الموشحة مرت بأربعة مراحل:
-المرحلة الأندلسية حيث النشأة و اللازدهار: حيث الوشاح العربي في أوروبا.
- مرحلة عصر الممليك و العصر العثماني : الوشاح العربي في الشرق العربي.
- مرحلة العصر المهجري و يشمل القرنين الرابع عشر و الخمس عشر الهجريين التاسع عشر و العشرين اللميلاديين: و فيها كان الوشاح العربي يجول بموشحاته كما يجول ببقشته بين الأمريكيتين.
- العصر الحديث: من القرن الخامس عشر الهجري ، و هو يوافق القرنين العشرين و الواحد و العشرين الميلاديين: حيث ندرة المواهب و انحصر وجودها في العالم العربي بجغرافيته الحديثة.
و هذا يثبت أن الوشاح العربي لم يخذل هذا الفن في رخاء الحال و ضيقه ، بل اضطلع بدوره و نفس عن همومه في و شجونه في حال عسره ،و عن ضحكاته و بسماته في حال يسره، مقتنعين و مقنعين الأجيال بجمل النمطية الشكلية للقصيدة العربية و تفردها، في حين كانت ثلة من المغرضين ينادون بموت الأشكال التقليدية للقصيدة العربية من زمن لويس عوض إلي أدونيس.و تبعهم رعاع القوم من صغار الأحلام و أقزام الأقلام و كل خبيث النية و سيء الطوية ،و علينا أن نذكر الناس بسير الكرام من شعرائنا المحدثين ممن هم شامة في وجه العربية الجميل.
أجزاء الموشحة:
و يليق بهذا المقام التعريف بأجزاء الموشحة حتى نذكر العارف و يستفيد الناشيء
فالموشحة تتكون من:
المطلع ، الدور ، القُفل ، الخَرْجة ، البيت ، الغُصن ، السَمْط
المطلع : هو ما يفتتح به الموشح ، ويتألف من قسمين عادة أو أربعة أو أكثر. ، و إذا خلا الموشح من المطلع سمي أقرع و إلا فهو تام.
الدور : هو الجزء الذي يأتي بعد المطلع وقبل القفل يتألف من ثلاثة أقسام فأكثر ويجب في كل دور أن يكون مُتفقاً
مع بقية الأدوار في الوزن وعدد الأقسام دون القافية
القُفل : هو الجزء الذي يلي الدور ويلزم أن يتفق كل قفل مع المطلع ومع بقية الأقفال ومع الخرجة
في الوزن والقافية وعدد الأقسام
الخرْجة: وهي آخر قفل في الموشح ، و هي من أهم أركان الموشح فلا بد منها .
البيْت -: يختلف البيت في القصيدة العمودية ، عن الموشح ،فالبيت في القصيدة يتركب من جزأين ( صدر البيت وعجزه ) في الموشح من جزأين ( الدور زائداً القفل الذي يليه )
كل دور مع القفل يطلق عليه البيت.
الغُصُن -: يطلق على كل قسم من أقسام المطلع أو الأقفال أو الخرجة
ويجب أن تتساوى جميع هذه الأجزاء في عدد الأغصان
السًمْط : هو اسم اصطلاحي لكل قسم من أقسام الدور ويجب أن تتساوى جميع الأدوار في عدد الأسماط .
الوشاحون المعاصرون:
سنعرض هنا مختصر سير أعلام التوشيح في العصر الحديث مع نماذج من فنهم:
إلياس فرحات *:
ولد إلياس حبيب فرحات في عام 1311 هجري و الموافق لعام 1893 ميلادي بكفرشيما بلبنان ، نزح من لبنان إلى البرازيل سعياً وراء الرزق، وذلك عام 1915 وهو لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره، سعيا وراء الرزق و طلبا لحياة الحرية مارس التجارة و لكنه لم يفلح فيها ، اشتهر بدفاعه عن القضية العربية، توفي في عام 1397 هجري و الموافق لعام 1976 ميلادي .
1. موشح تام ( خصلة الشعر) من بحر الرمل :
خُصْلَةُ الشَّعْـرِ التي أَعْطَيْتِنِيهَا = عِنْدَمَا البَيْـنُ دَعَانِي بِالنَّفِيـرْ
لَمْ أَزَلْ أَتْلُو سُطُـورَ الحُبِّ فِيهَا = وَسَأَتْلُـوهَا إِلَى اليَوْمِ الأَخِيـرْ
***
خُنْتِ عَهْدَ الحُبِّ لا بَأْسَ فَإنِّي = مُكْتَـفٍ بِالأَثَـرِ الغَالِي الثَّمِينْ
فَإِذَا مَا عُـدْتُ أَحْيَا بِالتَّمَنِّي = بَعْدَ أَنْ مَنَّيْتِنِـي عَشْرَ سِنِيـنْ
أَحْمَـدُ اللهَ فَمَا الإخْلافُ مِنِّي = إِنَّنِي كُنْتُ لَكِ الصَّـبَّ الأَمِينْ
********
رَاجِعِي سِيـرَةَ حُبِّي رَاجِعِيهَا = فَهْيَ نُـورٌ سَاطِـعٌ لِلْمُسْتَنِيرْ
وَإِذَا مَـرَّتْ بِكِ الرِّيحُ سَلِيهَا = إِنَّهَا تَعْـرِفُ مِنْ أَمْرِي الكَثِيرْ
***
هَيْكَلُ الحُـبِّ تَدَاعَى وَتَرَامَى = تَارِكَاً لِلْعَيْـنِ أَطْلالَ الوَفَـاءْ
كُتُبَاً تُوقِـظُ فِي قَلْبِي الهِيَامَا = كُلَّمَا نَامَ عَلَى ذِكْـرِ الجَفَـاءْ
إِنَّنِي أَرْنُـو إِلِى الخَطِّ احْتِرَامَا = فَأَرَى فِي الخَطِّ أَنْقَاضَ الرَّجَاءْ
*****************
وَأَرَى الأَسْطُـرَ آثَارَاً تَقِيهَا = غَيْرَتِي الشَّمَّاءُ مِنْ عَبَثِ العُصُورْ
وَأَرَى الحِبْرَ وَقَدْ جَـفَّ شَبِيهَا = بِدَمٍ جَفَّ عَلَى بَعْضِ الصُّخُورْ
***
وَأَرَى فِيمَا أَرَى شَكْـلاً فَظِيعَا = خُصْلَـةَ الشَّعْرِ أَرَاهَا فَإِخَالْ
جُثَّـةَ الحُبِّ وَقَدْ خَـرَّ صَرِيعَا = تَحْتَ أَنْقَاضٍ عَلَيْهَا الدَّمْعُ سَالْ
فَيَفِيض القَلْبُ مِنْ عَيْنِي دُمُوعَا = وَتَرُوح الرُّوحُ عَنْ دُنْيَا الضَّلالْ
***************
تِلْكَ آثَـارُ هَوَانَا فَانْظُـرِيهَا = تَعْلَمِي مَاذَا جَنَى ذَاكَ الغُـرُورْ
وَدُمُـوعٌ صُنْتِهَا لا تَذْرِفِيهَا = لَيْسَ يَمْحُو جُرْمَكِ الدَّمْعُ الغَزِيرْ
***
رَبْطَة القَلْبَيْنِ حَلَّتْهَا يَـدَاكِ = وَيَدِيْ تَأْبَى امْتِهَانَ الشَّعَـرَاتْ
لَمْ يُحَرِّكْهَا إِلَى الإِثْمِ جَفَـاكِ = فَهْيَ لا تَعْرِفُ غَيْرَ الحَسَنَـاتْ
لَمْسُهَا مَجْمُوعَة الشَّعْـرِ يُحَاكِي = لَمْسَ هَذَا الثَّغْر تِلْكَ الوَجَنَـاتْ
***************************
إِنْ أَعُدْ بَعْـدَ التَّنَائِي تُبْصِريهَا = مِثْلَمَا سَلِّمْتِهَا يَـوْمَ المَسِيـرْ
فَهْيَ كَالطِفْلَـةِ فِي حِضْنِ أَبِيهَا = لا تَرَى إلا حَنَانَاً وَشُعُـورْ
***
هِيَ أَصْفَى مِنْكِ حُبَّـاً وَودَادَا = هِيَ أَوْفَى مِنْكِ رَعْيـَاً لِلذِّمَمْ
هِيَ فِي غَيِّ الصِّبَا لَمْ تَتَمَـادَى = هِيَ لَمْ تَتْبَعْ هَوَىً جَـرَّ نَدَمْ
أَنْتِ قَوَّضْتِ مِنَ الحُـبِّ العِمَادَا = أَنْتِ خُنْتِ العَهْدَ عَمْدَاً وَهْيَ لَمْ
*************
لَمْ تُرَاوِغْ، لَمْ تُرِ الصَّـبَّ بِفِيهَا = عَسَلاً ، وَالخَلّ فِي القَلْبِ يَفُورْ
قَد وَفَتْنِـي ، وَأَنَا أَيْضَاً أَفِيهَا = فَكِلانَا حَافِـظٌ عَهْـدَ العَشِيرْ
***
كُلَّمَا أَذْكُـرُ أَيَّـامَ صِبَانَا = وَلَيَالِيهَا اللَّذِيـذَاتِ العِـذَابْ
تَصْهَرُ الأَحْزَانُ فِي صَدْرِي الجَنَانَا = فَأُقَاسِي كُلَّ أَنْـوَاعِ العَـذَابْ
فَإِذَا أَيْقَنْتُ أَنَّ الْمَـوْتَ حَانَا = وَتَصَـوَّرْتُ نُزُولِي فِي التُّرَابْ
**********************
نَشْقَةٌ مِنْ خُصْلَـةِ الشَّعْرِ تَلِيهَا = قُبْلَةٌ تُخْمِـدُ ذَيَّـاكَ السَّعِيرْ
فَتَخُوض النَّفْسُ بَحْرَ الأُنْسِ تِيهَا = وَيَزُول اليَأْسُ عَنْ قَلْبِي الكَسِيرْ
_________________________
* انظر ترجمته كاملة في كتابنا ( مرآة العصر لسير أهل الشعر و النثر) على شبكة الانترنت.
. و لإلياس فرحات موشح تام ( لولا ضميري ) من بحر المتقارب :
توالت هموم الحياة عليا = و لولا ضميري لعشت خليا
*********
فكم ثروةٍ تعجز الحاسبا = تسلمتُ و هي لبعض التجار
فقلت أفرُّ بها هاربا = فقال ضميري حذار حذار
****************
فأرجعتها و غسلتُ يديا =و لولا ضمير لصرتُ غنيا
**********
و بِكْرٌ أتت حجرتي موهنا = يقود خطاها غرور الصِّبا
فقلتُ سأبلغ منها المُنى = فقال ضميري : ا لستَ أبا ؟
**********
فأغمضت عن حسنها ناظريا = و لولا ضمير جنيت الشهيا
*********
و سابقت في الشعر فرسانه = فقصرت عن شاعر مفلح
فقلت أعرقل ميدانه = فقال ضميري ألا تستحي ؟
*********
فعدلت حبَّ التفوق فيَّا = و لولا ضميري تركتُ دويَّا
*********
شكوتُ ضميريَ شكوى الجهول = و نحتُ على الحظ نوح الغراب
فأسمعني اللهُ صوتاً يقول = أتشكو ضميرك يا ابن التراب
******
و لولا ضميرك ما كنت شيَّا = و لو كنت من نيرات الثريا