منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 4 من 4
  1. #1

    التصوف : بين "أسد"و"بيجوفيتش" 1 – 2

    التصوف : بين "أسد"و"بيجوفيتش" 1 – 2

    أخيرا،انتهيت من قراءة"كتاب اللاطمأنينة" لفرناندو بيسوا ... وسبق أن كتبت عنه"دين الله ودين الإنسانية بين"أسد"و"بيسوا"وقلت أن الأول تعرف على الإنسان في الشرق،وعلى دين الله،أما الثاني،فظل يدور في تهويماته في الغرب،وأضيف .. أنه سقط في براثن"التصوف" – بمعناه السلبي – وهاهو الأستاذ الذي قدم للكتاب يقول :
    ( واعتقد أيضا أن التجربة وحدها وتقشف الصوفية،هما القادران على قياسها عند الدنو المسنون من النفري،ابن عربي،والحلاج،الذين تخترق أصواتهم كتاب اللاطمأنينة بشكل مدهش ) {ص 12 مقدمة بقلم إدمون عمران المليح ،وترجمها إلى العربية / حسان بورقيبة (كتاب اللاطمأنية) / فرناندو بيسوا / ترجمة : المهدي أخريف / المركز الثقافي العربي / الطبعة الأولى 2016}.
    لعل "بيسوا"ذهب ضحية"النفري،والحلاج"وابن عربي"!! وعلى كل حال،كتب بيسوا :
    ( تقودني،هذه التأملات المتواترة عندي،إلى إعجاب مباغت بذلك النوع من الأفراد الذين يكرهونني غريزيا. أعني المتصوفة والزهاد ومن شاكلهم من كل الأعمدة. هؤلاء يحاولون بالفعل ولو بالجنون رفض قانون الحياة،والانبطاح أمام الموت بدون التفكير فيه. ويجدّون في البحث،وإن متوقفين بأعلى العمود،متطلعون راغبون،وإن في زنزانة لا ضوء فيها،يريدون ما لا يعرفون،وإن بالاستشهاد المُعار والمرارة المفروضة){ص 472 – 473 (كتاب اللاطمأنينة) ..}.
    التفكير في "الصوفية"قادني إلى دهاليز ابنين للثقافة الغربية .. النمساوي ،اليهودي سابقا،ليوبولد فايس،"محمد أسد"بعد إسلامه .. ودائما "علي عزت بيجوفيتش"،الأول في كتابه"الطريق إلى مكة"،والثاني في كتابه"هروبي إلى الحرية".
    ولكن،قبل بسط حديث"أسدٍ وعليٍ"لابد من الحديث عن "الصوفية"ولا أعتقد أن المشكلة في الصوفية من حيث هي زهد .. ولكن المشكلة .. كل المشكلة في "التراكمات"والأفكار التي ظلت تتراكم،قرنا بعد قرن.
    فالتصوف،بغير تلك"التراكمات"ليس أكثر من "صخرة"من"الزهد"يلقي بها الإنسان في قلبه،لكي لا تحتله زخارف الفانية،فتلهيه عن الباقية.. هكذا بكل بساطة،ولعل جزء من المشكلة،بعد أن طغت،أو كادت أن تطغى "تراكمات"القرون على التصوف،أن "المتلبس"به أصبح ينظر لغيره وكأنه"عدو"يجب الحذر منه،ولسنا أعداء،بل إخوة،أصل هدفنا واحد .. الوصول إلى مرضاة الله ... من منا لا يتمنى أن يضع "حجرا"من زهد في قلبه،لكي لا تحتله الدنيا،أو لكي لا تنسيه الآخرة؟
    لكن الزهد،أو التصوف الذي أبحث عنه .. لابد له أن يرتكز على أساس متين .. ولا أقوى،ولا أمتن،من"الوحيين" .. ثم تأتي قضية أخرى .. بل قضيتان .. إن كنت شيخا لا أقترب من "جيب"أحد .. وإن كنت مريدا لا يقترب أحد من "جيبي" .. ولا يطلب مني أحد أن يكون لي زيٌ يميزني عن بقية إخواني المسلمين .. فقد كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم،يجلس بين أصحابه،فيأتي الأعرابي فيقول : أيكم محمد؟ {صلى الله عليه وسلم}... ثم ..وآه من ثم ... "عقلي" .. لا أستطيع أن أسلمه لغير المعصوم .. صلى الله عليه وسلم .. وأين أختبئ من "لعلم تتفكرون"،وحثي على"التدبر" -المنثورين في كتاب ربنا،سبحانه وتعالى،كما تنتثر النجوم في السماء - فألغي عقلي..أكون كالميت بين يدي مغسله؟ فالميت،لا يتفكر ولا يتدبر .. والتالي لا يفكر.
    قلتُ من قبل أن المشكلة تكمن في "التراكمات"لا في التصوف ..ولا زلت أتذكر محاضرة استمعت إليها في السيارة – ذات سفر – قبل سنوات طوال، تحدث المحاضر عن "ولي الله" .. فمن هو؟
    القرآن يقول : ( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانون يتقون) يونس 62.
    الذين آمنوا وكانون يتقون : صدق الله العظيم.
    ولكن"ولي" هذه وقعت تحت"تراكمات" عبر القرون .. وحُملت من المعاني،ما أبعدها عن الشرطين "آمنوا وكانوا يتقون"بعد المشرقين.
    وعن "التراكمات"التي اعترت التصوف،يقول ابن الجوزي :
    (كانت النسبة في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان والإسلام،فيقال مسلم ومؤمن،ثم حدث اسم زاهد وعابد،ثم نشأ أقوام تعلقوا بالزهد والتعبد فتخلوا عن الدنيا وانقطعوا إلى العبادة واتخذوا في ذلك طريقة تفردوا بها،وأخلاقا تخلقوا بها ){نقلا عن الصفحة رقم 69 من : (عندما يكون العم سام ناسكا! : دراسة تحليلية نقدية لموقف مراكز البحوث الأمريكية من الصوفية) / د.صالح عبد الله الغامدي / الرياض / مركز الفكر المعاصر / الطبعة الأولى 1436هـ}.
    ويقول عن لفظة "تصوف" :
    (وهذا الاسم ظهر للقوم قبل سنة مائتين،ولما أظهره أوائلهم تكلموا فيه وعبروا عن صفته بعبارات كثيرة وحاصلها أن التصوف عندهم رياضة النفس،ومجاهدة الطبع برده عن الأخلاق الرذيلة،وحمله على الأخلاق الجميلة من الزهد والحلم والصبر والإخلاص والصدق إلى غير ذلك من الخصال الحسنة التي تكسب المدائح في الدنيا والثواب في الأخرى ..وعلى هذا كان أوائل القوم فلبّس إبليس عليهم في أشياء ثم لبّس على من بعدهم من تابعيهم،فكلما مضى قرن زاد طمعه في القرن الثاني فزاد تلبيسه عليهم إلى أن تمكن من المتأخرين غاية التمكن،وكان اصل تلبيسه عليهم أنه صدهم عن العلم وأرهم أن المقصود العمل،فلما أطفأ مصباح العلم عندهم تخبطوا في الظلمات){ ص 69 (عندما يكون العم سام ناسكا! ..)}.
    وقد نقل أبو نعيم الأصبهاني،في "حلية الأولياء" قول الإمام الشافعي : (أسس التصوف على الكسل){ص 319 (عندما يكون العم سام ناسكا! ..)}.
    ولا أظن ذلك"الكسل"إلا من التراكمات التي أشرت إليها.
    ومن تلك التراكمات أيضا،الهوس بالرقص .. والمتأمل في الإسلام،سيجد به "رخصة"تتحدث عن" .. لتعلم يهود أن في ديننا رخصة" – أو كما قال صلى الله عليه وسلم – وشتان بين"رخصة" في عيدين .. وبين تحول الرقص إلى"ديدن"!!
    نعود إلى "محور حديثنا"،ونبدأ بمحمد أسد .. النمساوي،أي سليل بلاد "موزارت"فهو رجل يعرف من أين تؤكل كتف الموسيقى،وهاهو يتذكر مشهدا راقصا لبعض الدراويش ..
    (يبدأ الدرويش بالاستدارة البطيئة حول جذعه،على نغمات إيقاع الدفوف والناي التي كانت كأنها تأتي من مكان متنائي بعيد. ثم يطوحون رؤوسهم للخلف،مغمضين أعينهم،ويجتاح ملامحهم تقلص ناعم. ثم تتصاعد وتتسارع إيقاعات الحركة،وترتفع الجلاليب لتكون دائرة متسعة حول كل درويش مثل دوامات البحار،يبدو على وجوههم الانهماك والذوبان في عالم مختلف ..تحولت الدائرة إلى دوامات،اجتاحهم الانهماك،وشفاههم تكرر بلا نهاية كلمة واحدة : هُو .. هُو .. هُو،أبدانهم تدور وتدور،سحبتهم إيقاعات الموسيقى إلى عالم من الرتابة التكرارية الخالصة من صوت وحركة،رتابة متصاعدة،متسارعة،تشعر وأنت تراقب كأنها تسحبك معهم إلى داخل الدوامة المتصاعدة،على درج يعلو في التفاف حلزوني،أعلى فأعلى،دائما إلى أعلى،على درج صاعد متصاعد،دائما إلى أعلى،صعود حلزوني دائم لا تسبر علوه،ولا تصل إلى نهايته ..){ ص 299 ( الطريق إلى مكة) / ليوبولد فايس "محمد أسد" / ترجمة : رفعت السيد علي / منشورات الجمل /الطبعة الأولى 2010م}.
    بعد أن زالت عن "أسد"نشوة الموسيقى والرقص .. قال :
    (شغلت فكري ذكرى حلقة الذكر التي قام بها الدراويش في مدينة "سكوتاري"،واتضحت في ذهني معانٍ لم تبدُ لي عندما شاهدت حلقة الذكر. كان ذلك الطقس الديني لتلك الجماعة – وهي واحدة من جماعات كثيرة شاهدتها في مختلف البلاد الإسلامية – لا يتفق مع صورة الإسلام التي كانت تتبلور في ذهني ببطء. طلبت من صديقي الأزهري أن يحضر لي بعض كتب المستشرقين التي تتناول موضوع الذكر،وتبين لي أن شكي كان في موضعه،وأن تلك الممارسات والطقوس دخيلة على الإسلام من جهات ومصادر غير إسلامية.
    لقد شابت تأملات وأفكار المتصوفة الإسلاميين أفكار روحية هندية،وفي أحيان أخرى تأثيرات رهبنة مسيحية – مما أضفى على بعض ذلك التصوف مفاهيم وممارسات غريبة تماما على الرسالة التي جاء بها النبي.
    لقد أكدت رسالة النبي على أن السبببية العقلية هي السبيل الوحيد للإيمان الصحيح،بينما تبعد التأملات الصوفية وما يترتب عليها عن ذلك المضمون. والإسلام قبل أي شيء مفهوم عقلاني لا عاطفي ولا انفعالي،والانفعالات مهما تكن جياشة،معرضة للاختلاف والتباين باختلاف رغبات الأفراد وتباين مخاوفهم بعكس السببية العقلية ،كما أن الانفعالية غير معصومة بأي حال.){ص 300 ( الطريق إلى مكة .. )}.
    حديث"أسد"عن المؤثرات الهندية والمسيحية .. يقودنا إلى المرابط الوداني،حسب تسمية الباحث"المحبوبي" – والمرابط هو : الطالب أحمد المصطفى بن طوير الجنة – وهذا المرابط – رحم الله والديّ ورحمه – ربما يحتاج إلى دراسة خاصة،فكأننا أمام شخصين .. أولهما ذكر "المحبوبي" أن له كتابا عنوانه"فيض المنان في الرد على مبتدعة هذا الزمان" :
    ( وقد أثار انتشار هذا الكتاب حقد بعض المتصوفة على المرابط الوداني){ص 199( أدب الرحلة في بلاد شنقيط خلال القرنين الثالث والرابع عشر الهجريين "18/19 م" / محمذن بن أحمد بن المحبوبي / جامعة محمد الخامس }.
    ويقول أيضا :
    (وقد أثار انتشار هذا الكتاب،حقد بعض المتصوفة على المرابط الوداني وتنبؤوا بأنه لن يخرج سالما من فاس نظرا لما أقدم عليه من معاداة أولياء الله والتعرض لهم بالأذية بلسانه وقلمه){ص 100 ( أدب الرحلة ...}.
    كما قال الباحث الكريم،أن المرابط الوداني :

    ( ساق في شأنهم {أي المتصوفة - محمود} حديث ابن عباس رضي الله عنهما : "سيأتي أقوام يبتدعون البدائع ويأكلون أموال الناس ويرقصون فإذا رأيت القوم على تلك الحالة فلا تخالطهم"،وإضافة إلى ذلك وظف كلام بعض السلف في التحذير من المبتدعين ،مشيرا إلى أن أبا زيد البسطامي كان يحذر من الاغترار بالمبتدعة من المتصوفين قائلا : "إذا رأيته – يعني المتصوف – يسر في الهواء فلا يغرنك حتى فعله حتى تراه واقفا عند الأمر والنهي"){ص 100 ( أدب الرحلة ..}.
    هذا المرابط نفسه،قال عنه الباحث :
    ( ويبقى الهم الناصب لصاحبنا هو الزيارة فيطوف بقبور بعض الصالحين بادئا بعبد الرحمن الثعالبي ذاكرا انحطاط المسلمين،مقدما تفسيرات اعتمدها علماء عصره تلوذ بالخرافة،ساعية إلى تسويغ الضعف الإسلامي أمام القوة الأوربية ولعل أوضح مثال على ذلك ما قدمه الرجل من تفسير لاحتلال الجزائر معولا في ذلك على مقولة القضاء والقدر واجتماع ديوان الأولياء فهو يذهب إلى أن ديوان الأولياء اجتمع وأصدر أوامره بمعاقبة الجزائر لمخالفتهم الشرع فقطب ذلك العصر صرح قائلا :"سلطوا الكفار على الفجار"ومن هنا جاء احتلال الفرنسيين للجزائر حسب رأي الرجل){ص 107 ( أدب الرحلة ..)}.
    ويقول أيضا،عن تفسير سقوط الجزائر في أيدي المحتلين،أن ذلك :
    (بسبب تخلي ديوان الأولياء عن حمايتهم لأن أهلها تعدوا حدود الله ونكبوا صراط الشرع يقول : "إن ديوان الأولياء اجتمعوا وقالوا نريد أن نأخذ الجزائر من أيدي المسلمين لأنهم طغوا وتعدوا حدود الله حتى برأ منهم وصيهم في الولاية سيدي عبد الرحمن الثعالبي"){ص 110 ( أدب الرحلة ...}.
    من المؤكد هنا أن الحديث عن"وصيهم" .. سوف تحيل مباشرة إلى "الشفيع" لدى النصارى!
    وإن الإنسان ليعجب،أين ذهب قول الحق سبحانه وتعالى : "كل يوم هو في شأن"الرحمن 29،وديوان الأولياء - الأموات – يجتمع ليقرر في شأن الكون؟!!
    في الهامش أقول،توفي المرابط – رحم الله والديّ ورحمه - سنة 1849م،أي أنه لم يدرك سقوط بلاد شنقيط في أيدي الفرنسيين،وبالتالي أعتقد أنه من الصعب أن يقول عن ألئك البدو الرحل،البسطاء،حملة كتابة الله – وإن تكن لهم أخطاؤهم - أنهم "فجار" سلموا للكفار!!
    عود إلى العبارة المنسوبة للإمام الشافعي"بني التصوف على الكسل".
    قال .. (.. السهروردي في"عوارف المعارف"أنه :"قيل أن بعض الصالحين كتب إلى أخ له يستدعيه إلى الغزو كتب إليه يا أخي كل الثغور مجتمعة لي في بيت واحد والباب عليّ مردود،فكتب إليه أخوه لو كان الناس كلهم لزموا ما لزمته اختلت أمور المسلمين وغلب الكفار فلابد من الغزو والجهاد. فكتب إليه : يا أخي لو لزم الناس ما أنا عليه وقالوا في زواياهم على سجادتهم الله أكبر انهدم سور القسطنطينية ){ص 219 (عندما يكون العم سام ناسكا! ..)}.
    مرة أخرى،نجد تلك التراكمات التي غطت على التصوف،فرسول الله – صلى الله عليه وسلم – ظاهر،يوم أحد،بين درعين .. وخرج للجهاد،وخرج لفتح مكة المكرمة،ولم يلزم "زاويته"حتى تسقط مكة !!
    في الحلقة القادمة،نأخذ شهادة "بيجوفيتش" .. إن شاء الله.

    أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي المدني

  2. #2
    أشكرك أستاذ محمود المختار على هذه المراجع المفيدة , ورغم أنني لست من هذا التخصص , إلا أن مشاركتي ستكون على قدر ما اكتسبت من معارف عامة , كلها تدور حول المسلمين وطوائف المسلمين والفرق الإسلامية , وما أنتجتهالأمة الإسلامية خلال العصور من قصور فارغة , فأضاعوا الدين ولم يكسبوا شيئاً من الآخرة إلا من رحم ربي .
    أخي .
    لا شك أن المتصوفه وما تتمسك به من الزهد , ما هو إلا ضياع للإبداع العقلي للمسلم , وضياع طاقاته في زاوية التعبد والذكر . لا أقول أن ذكر الله وتسبيحه نقص, بل أقول أن ترك أعمال الإنسانية من بناء واختراع ودراسة التاريخ والجغرافيا والعلوم بكافة تصنيفاتها هو النقص ذاته , فالمسلم الحقيقي هو الذي يهتم بكل علوم الدنيا ويبقى ذكر الله في قلبه وعلى لسانه , ويمسك العصا من منتصفها , تأييداً للقول ( إعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا )) والصوفية التي تشبعت من أفكار مذاهب غير إسلامية لقد فقدت الكثير من القيم , ومدحت الذات الإلهية بمدح أخرج بعضهم عن الصواب حين قال أحد المتصوفين :
    أنا من أهوى ومن أهوي أنا ... نحن روحاني حللنا بدنا
    فإذا أبصرتني أبصرته...... ...... وإذا أبصرته أبصرتنا

    والحديث يطول , وأشكرك جزيل الشكر أخي .

  3. #3
    السلام عليكم .. ألف شكر أخي الأستاذ غالب الغول .. وما تفضلت به ينضوي تحت تلك "التراكمات" التي اعترت التصوف ... بمعناه البسيط.... والذي لا ينافي الاهتمام بالدنيا .. ولكنه يسعى لكي لا تشغله - بالكلية - عن الآخرة.

    أصلح الله النوايا والأحوال.
    تقبل خالص تحياتي.. ودمت بخير

  4. #4
    التصوف : بين "أسد"و"بيجوفيتش" 2 – 2



    قبل أن نأخذ شهادة"بيجوفيتش"أقول ... وأخيرا تعرفتُ على "سبعة رجال"،وهو اسم كنت أسمعه قديما،يقول "المحبوبي" :
    (المقصود بسبعة رجال قوم صالحون مدفونون في مدينة مراكش وقد عرفوا بالبركة والفضل وهم سيدي يوسف بن علي،والقاضي عياض،وأبو العباس السبتي،وسيدي محمد بن سليمان الجزولي،وسيدي عبد العزيز الدباغ ومولاي عبد الله الغزواني،والإمام السهيلي،وهو الذي تختم به الزيارة){ هامش صفحة 137 ( أدب الرحلة ...}.
    ونقطة أخرى .. أُنسيتُ في الحلقة الماضية أن أضيف،عقب كلام ذلك الأخ الذي قال لأخيه :
    (يا أخي لو لزم الناس ما أنا عليه وقالوا في زواياهم على سجادتهم الله أكبر انهدم سور القسطنطينية ){ص 219 (عندما يكون العم سام ناسكا! ..)}.
    في محاضرة للأستاذ محمد حسين زيدان – رحم الله والديّ ورحمه – ذكر قصة"فؤاد دلي" – أي الذكي حتى الجنون – وكان "صدرا أعظم" – أي رئيس وزراء – وكان يسير في القصر مشغولا،فلقيه "الأغا"فكلمه فرد عليه غاضبا : روح هناك عند الحريم. ثم خشي أن يفسد عليه الأمر عن طريق الحريم،فلحقه واعتذر منه .. يا أغا،الجيوش الروسية تحاصرنا .. إلخ. فرد الأغا،بأن الأمر بسيط جدا.. مولانا السلطان يقرأ من "مثنوي" – كتاب جلال الدين الرومي – كل الجيوش .. بم ..بم .. بم.
    فقال فؤاد : روح يا شيخ ،الله يعطيك عقلي وتخبل،أو يعطيني عقلك وأرتاح!!
    أطلنا،قبل أن نأخذ شهادة "بيجوفيتش"،والحقيقة أن الرجل،يشير أيضا إلى "فضل الرحمن"و(فضل الرحمن باحث ومسؤول تربوي باكستاني.كان أستاذا للفكر الإسلامي في قسم لغات الشرق الأدنى في جامعة شيكاغو ).
    يقول"بيجوفيتش" :
    (عندما تفقد الحياة الاجتماعية معناها الأصيل أو يتعذر عليها إيجاده،فإن الأفراد ،وانطلاقا من انحيازاتهم الشخصية وشخصياتهم يهربون إلى الأفكار الصوفية،أو يستسلمون لملذاتهم الحسية. وهذه حالة واردة عندما يوجد صنفان من البشر فقط الزهاد والأبقراطيون العمليون،وهي علامة موثوقة على أن المجتمع مريض){ص 119 ( هروبي إلى الحرية ) / علي عزت بيجوفيتش ، ترجمة : إسماعيل أبو البندورة / دمشق /دار الفكر المعاصر / الطبعة الثالثة 1429هـ = 2008م }.
    ويتحدث أيضا عن"مأسسة" التصوف،فيقول :
    (أقامت بعض الطرق الصوفية مؤسسة الأولياء،وهو الأمر الذي تمت مناقشته على نطاق واسع في أحد كتب الصوفي الحكيم الترمذي "القرن التاسع"والذي أجرى في تطوره اللاحق وقاد إلى تعاليم حول مراتب الأولياء "الذين يقيمون العالم". ويقول "فضل الرحمن"إن هذه التعاليم أصبحت في القرن الرابع والعاشر جزءا متمما للنظرية الصوفية. وكان هؤلاء الأولياء يختارون وفقا لقدراتهم في خلق الغرائب،وبعض"الكرامات"إلى أن توحد الحلاج مع الله قائلا"أنا الحق"وتدنى الإسلام إلى دين يسوعي.){ص 374 – 375 ( هروبي .. }.
    ومرة أخرى،نجد أنفسنا أمام التأثيرات الخارجية :
    ( الصوفي ذو النون المصري "توفي 659 هـ"صنف درجات التطور الروحي بما يقترب كثيرا من الهندوسية واتهم بالهرطقة){ص 374 (هروبي ..)}.
    ثم يتحدث "عليٌ"على التغيرات التي أدخلتها الصوفية على الإسلام :
    غيرت ظاهرة علم التصوف في شخصية الإسلام،وصبغت ما يقارب الألفية – القرن الحادي عشر إلى القرن التاسع عشر – وقد قامت على شل الطاقة،أو أنها حرفت الطاقة الروحية لأحسن العقول،باتجاه الذات،وبذلك تغطى الأمل الإسلامي بحجاب. وبهذا تم الابتعاد خطوة عن الحياة الحقيقية. فقد حذف من التاريخ النظرة إلى الطبيعة،والتي دعا إليها القرآن "أي بمعنى آخر ضد القرآن"لأن التأمل القرآني،وعلى الرغم مما هو في الحقيقة ليس هو"الحقيقة"أو المعرفة الداخلية الصوفية.فالتأمل يقارب "المعفرة الخارجية". ومن المهم معرفة أنه في بناء نظام الفلسفة الصوفية شاركت عقول هامة مثل"الفارابي وابن سينا".
    إن اللاهوت الصوفي"لابن عربي"هو تماما وحدانية وحلولية،وهوتناقض محض مع تعاليم الإسلام كما يستنتج "فضل الرحمن ص 205".
    إن عقيدة الوحدانية الصوفية والتي عرفت بعقدية وحدة الوجود هي "وحسب فضل الرحمن"التي هددت بزلزلة مفهوم الشريعة ذاته.
    لقد غدت معروفة الممارسات التي تقوم على تقديس الأضرحة وعبادة الأولياء "وعلى سبيل المثال ،فإن الجماهير في لا هور يصلون في ضريح الصوفي المشهور في القرن السادس عشر : علي الهجري. إن الإسلام السني ،إن لم يكن قد استسلم،فإنه خلال القرن الرابع عشر الميلادي قد تراجع أمام الصوفية. وتقف على الطرف الآخر حقيقة أن الصوفية مورست باعتبارها احتجاجا على الاضطهاد السياسي،وفي أفريقية قامت الطرق الصوفية بالنضال المسلح لمواجهة اختراق القوى الكولونيالية الأوربية،إلا أن ذلك كان يمثل نظرة سلبية،وليست إيجابية للمقاومة. ){ص 375}.
    نقطة نضال الصوفية ضد الاستعمار،تحتاج منا إلى وقفة مطولة،فإذا كان من الصعب – ولا يجب – إنكار دفاع بعض الصوفية ضد المستعمر،إلا أنه من الخطئ أيضا إغفال الوجه الآخر،أو الوجهين الآخرين للأمر،أي عدم مقاومة المحتل،و الوجه الأسوا،الأسود،أي التعاون مع المستعمر!!
    من أمثلة الوجه الأسود .. الأسوأ .. (ومن أمثلة مواقف الصوفية من الاستعمار الفرنسي ما أوردته صحيفة الفتح تحت عنوان"اعترافات خطيرة"وهي عبارة عن مقتطفات من خطبة ألقاها الشيخ"سيدي"محمد الكبير – صاحب السجادة الكبرى أي رئيس الطريقة التيجانية – بين يدي الكولونيل الفرنسي"سيكوني"نشرتها الجريدة الفرنسية الاستعمارية "لا بريس ليبر"والتي كانت تصدر في العاصمة الجزائرية،ومما جاء في تلك الخطبة : إنه من الواجب علينا إعانة حبيبة قلوبنا ماديا وأدبيا وسياسيا،,لهذا فإني أقول لا على سبيل المن والافتخار،ولكن على سبيل الاحتساب والتشرف والقيام بالواجب : إن أجدادي قد أحسنوا صنعا في انضمامهم إلى فرنسا قبل أن تصل بلادنا،وقبل أن تحتل جيوشها "الكرام"(كذا) ديارنا. ففي سنة 1838م كان جدي سيدي محمد الصغير "رئيس التجانية يومئذ"أظهر شجاعة نادرة في مقاومة أكبر عدو لفرنسا الأمير عبد القادر الجزائري،ومع أن هذا العدو "يعني الأمير عبد القادر"قد حاصر بلدتنا"عين ماضي"وشدد عليها الخناق ثمانية أشهر فإن هذا الحصار تم بتسليم فيه شرف لنا نحن المغلوبين ،وليس فيه شرف لأعداء فرنسا الغالبين،وذلك أن جدي أبى وامتنع أن يرى وجها لأكبر عدو لفرنسا،فلم يقابل الأمير عبد القادر"
    ثم وصفت الجريدة الموقف قائلة : "وما انتهى الشيخ من خطبته حتى نهض الكولونيل سيكوني ورئيس البعثة العسكرية وشكر الشيخ وأثنى عليه ثم قال له : "من كمال مروءتك وإحسانك يا سيدي الشيخ"المرابط"أنك لم تذكر ولا نعمة واحدة من النعم التي غمرتني بها،فأنت الذي أنجيتني من التوارق الملثمين،وأنقذتني من أيديهم.){ص 225 – 226 (عندما يكون العم سام ناسكا! ..)}.
    وفي مصر،(يقول الفيلسوف المصري طنطاوي جوهري :"إن كثيرا من الصوفية قد تنعموا وعاشوا في رغد من العيش وأغدق الناس عليهم المال من كل جانب،وجبيت إليهم الثمرات،وهوت إليهم القلوب،لما ركز في النفوس من قربهم إلى الله،فلما رأوا الفرنجة أحاطوا بالمسلمين لم يسعهم إلا أن يسلموا لهم القياد ليعشوا في أمن وسلام،وهذا هو الذي حصل في أيامنا وذكره الفرنسيون في جرائدهم قبل الهجوم على مراكش وقراناه نحن فيها إذ صرحوا بأن المسلمين خاضعون لمشايخ الطرق،وأن الشرفاء القائمين بالملك في تلك البلاد ورجال الصوفية هم الذين يسلموننا البضاعة،فعلى رجال السياسة أن يغدقوا النعم على مشائخ الطرق){ ص 227 (عندما يكون العم سام ناسكا! ..)}.
    وفي تونس،( كان للتصوف الدور البارز في تسهيل مهمة الاستعمار،وتهدئة الناس،ومن ذلك – على سبيل المثال – الدور الذي قام به "سيدي" قدور شيخ الزاوية القادرية بمدينة الكاف،والذي يقول فيه الدكتور التليلي العجيلي :"وصل به الأمر إلى إعطاء الأوامر – إلى الذين جاءوا إلى زاويته – بالعودة من حيث أتوا – مما جعل "روا"{في الهامش : القنصل الفرنسي في ذلك الوقت} يستحسن ذلك قائلا :"لقد تحرك أصدقاؤنا"){ص 229 (عندما يكون العم سام ناسكا! ..)}.
    ومن الأمثلة المشرفة،موقف الشيخ ..( ماء العينين في موريتانيا إذ حمل لواء الجهاد ضد الاستعمار الفرنسي مخالفا بذلك الكثير من شيوخ الطريقة القادرية،وفي هذا يقول علي سالمان :"قاد الشيخ ماء العينين القوة المعارضة للاستعمار وهو قائد الرفض الذي كان على النقيض من موقف دعاة المهادنة – واستل المعارضون أقلامهم لتسفيه آرائهم وتحريم الانصياع لدعوتهم ..){ص 235 – 236 (عندما يكون العم سام ناسكا! ..)}.
    أما دعاة المهادنة،فقد ..( كان الشيخ سعد أبيه (..) من أهم الشخصيات الدينية التي تعاملت مع الفرنسيين وقدمت لهم خدمات جليلة،وقد كتب رسالة عناونها :"النصيحة العامة والخاصة"،التي حث فيها أخاه الشيخ ماء العينين إلى عدم التصدي للفرنسيين){ص 229 – 230 (عندما يكون العم سام ناسكا! ..)}.
    أما لمثال الأبرز، في شمال أفريقية،فهو (الحركة السنوسية،والتي كان لها اليد الطولى في مقاومة المستعمرين،والتي من رجلها القائد الفذ عمر المختار – رحمه الله وتقبله من الشهداء -؛يقول شكيب أرسلان في شأن المهدي بن محمد بن علي السنوسي : "كان السيد المهدي يهدي هدي الصحابة والتابعين،لا يقتنع بالعبادة دون العمل،ويعلم أن أحكام القرآن محتاجة إلى السلطان ..){ص 236 (عندما يكون العم سام ناسكا! ..)}.
    تبدو"السنوسية" مختلفة عن بقية الطرق الصوفية .. وكنت قد تعجبتُ مما ذكره "محمد أسد" من وجود "زاوية"للسنوسية،في مكة المكرمة،عند سفح جبل أبي قبيس،وكان يتحدث عن سنة1932م،أي إبان الحكم السعودي،السلفي،وإن شئت قلت"الوهابي"!! ولكن لعل دعوة إمامها إلى "هدي الصحابة والتابعين"شفع لها!!!
    نعود إلى"بيجوفيتش" والذي أشار إلى "الحدس"و"التنوير"و"الشعوذة الروحية"!! :
    (إن ضعف الوضوح والتحديد اللاهوتي من خلال الطريق الصوفي الداخلي للمعرفة والحدس والتنوير والوجد،قاد في بعض الأحيان إلى شعوذة روحية وسفاهة. وهكذا فقد ظهر الشحاذون الطفيليون والدراويش المستغلون. وتم تسليم الإسلام إلى رحمة أولا رحمة الجانحين الروحيين "كما يستنتج فضل الرحمن في ص 216"،وانتشر الاعتقاد بالبركات والفيض،وقاد ذلك إلى عبادة أضرحة الأولياء،وآثار الآخرين المزعومة. "فضل الرحمن ص 217".وظهر الوسيط الولي بمظهر القائد الصوفي ذي السلطات المطلقة – الشيخ"البير أو المرشد في فارس والهند ،والمقدم في أفريقية السوداء".){ص 376 (هروبي .}.
    وأخيرا،يشير "بيجوفيتش"،إلى أحد أبرز الانحرافات،التي جاءت نتيجة طبيعة لتلك "التراكمات"التي غطت سماء التصوف النقي،أعني الانحرافات الأخلاقية.
    كتب "بيجوفيتش:
    (عندما يتم تغيير المبادئ الدينية بالمعتقدات الفارغة،عندها تتغير المبادئ الأخلاقية إلى تراخ أخلاقي.فالفراغ الديني يسير يدا بيد مع فقدان القوة الأخلاقية. لأن الفراغ الديني ليس غباءً وحسب،لأنه يتحول من سخرية بالعقل سريعا،إلى سخرية بالأخلاق. الدين الصوفي الجماهيري "دين الجماهير"،لم يعترف بالمعتقدات اللاهوتية ولا بالقيم الأخلاقية الصارمة. وخصوصا،لأن الخطأ الأكبر لانتشار التراخي الأخلاقي،تتحمله النظرية الصوفية التي تثبت بأن ذلك الذي سيشهد على إرادة الله لا يرتبط بعدها بأوامر الله.){ ص 373 (هروبي .. )}.
    أعتقد أن ألف مقالة،ومقالة،لن تفي بالحديث المستفيض عن الانحرافات الأخلاقية،لدى بعض المتصوفة،وإن أردنا المجاملة نقول لدى بعض أدعياء التصوف !!
    وتلك الانحرافات،تذكر،بشكل من الأشكال،بانحرافات رجال الدين في النصرانية،أي الذين تبنوا"الرهبانية" .. "فما رعوها حق رعياتها"!!
    وختاما .. من أعجب الأمور – وما أكثر العجائب – أننا نجد المثقف المحدث – الكثير منهم – يتعلق بالعقلانية .. وربما سخر من مغيبات الدين الثابتة في القرآن والسنة .. فإذا جاء إلى التصوف طأطأ رأسه .. وسار مع قطيع "الغرب" .. وتفاخر .. بالنفري .. وابن عربي .. والحلاج!!

    أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي المدني


المواضيع المتشابهه

  1. "فرنسا 24" و"الحرة" … أو حين تتنكر "الدبابة" في ثوب "الميديا" كتبه شامة درشول‎
    بواسطة محمود المختار الشنقيطي في المنتدى فرسان المقالة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 02-18-2015, 10:36 AM
  2. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 10-31-2012, 03:13 PM
  3. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09-13-2012, 08:03 AM
  4. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-09-2012, 09:43 AM
  5. "فيسبوك" أكبر أداة تجسس عالمية.. و"ياهو" و"جوجل" واجهتان لـ"cia"
    بواسطة شذى سعد في المنتدى فرسان التقني العام.
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 10-21-2011, 07:52 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •