نوف الحزامي
الرسمية والتكلف والمظاهر التي قيدت علاقاتنا وقطعتها !
.
بالأمس فقط اتصلت علي جارتي الباكستانية قبل الظهيرة ودعتني لتناول الشاي..
أغلقت الخط وذهبت كما أنا لأني أعرف بساطة الجلسة..
حين وصلت لبيتها وجدتها قد جمعت بعض الجارات في بيتها على طاولة المطبخ وهي تقلي بعض المقرمشات.. وتجهز الشاي..
وقد فتحت باب المطبخ على الحديقة..
حديث لطيف جميل وذكر لله..
ونقاش في أمور تربية الطفل المسلم في الغربة ووسائل الثبات
والاستعداد لرمضان بالعمل الصالح..
شعرت بسكينة الرحمة تتغشى..
كل من تنتهي تقوم ببساطة وتغسل صحنها..
من معها طفل رضيع تعطيه جارتها لتحمله حتى تتناول طعامها..
كنت أنظر للحديقة الصغيرة ..
ونسمات الهواء تدخل منها للمطبخ..
والحديث عن الثبات وأجره.. فأستشعر معنى روضة الجنة..
وحين حان وقت خروج الاطفال من المدارس استأذنتنا صاحبة البيت ببساطة لإحضار اطفالها من المدرسة وذهبت معها مشيا ..
كل شيء بسيط ومريح جداً..
بلا تكلف..
بلا صوان فضية فاخرة..
بلا حلويات بلجيكية من فلان وعلان..
بلا دولاب العباءات المزركشة..
ولا طقطقات الكعوب..
جلسة أجمل وأكثر راحة وبساطة وجمالا من
أفخم استقبالاتنا .
الرسمية أتعبتنا ..
حتى الإخوان صار بينهم حواجز
البيوت الخليجية من أجمل مايكون لكن اجتمعاتهم متباعدة لأشهر ..
وتكون بشاليه ..
ومظاهر..وحفلات الأصدقاء على أتفه سبب !
والقلوب ضاقت ..
صار الواحد لازم ياخذ موعد عشان يستعدون له .
البيوت واسعة لكن القلوب ضاقت .
فعلاً أصبحنا "نحتفل" بالضيف لنبرز أنفسنا "نحن"..
ليحكوا أن فلانا أو فلانة لديهم كذا وكذا..
قدموا كذا من الأشياء الحلويات الغريبة والمستوردة..
أثاثهم كذا..
البوفيه كذا...
وليس لنجتمع.. لنضحك.. لنتبادل الكلام والمحبة ببساطة دون أن تشغلنا القشور..
كل شيء لدينا يدور حول إبراز النفس والتفوق على الآخرين في الماديات..
للأسف من يدخل هذا السباق لا يخرج منه بسهولة..
سيحاول أن ينتصر..
وسيتحطم كثيراً ويتعذب لأجل ذلك..
من تدخل هذا السباق لن تريد أن يرى أحدهم
بيتها فجأة وألعاب ابنها على الأرض
أو قطعة ملابس مع رضاعة على الكنبة
أو أن ندخل المطبخ ونراها تغسل الصحون
أو تقطع الخضار..
لا لا..
هي تريد صورة الكمال المطلق..
صورة الفضيات والكريستالات وأغرب الصحون والحلويات وأفخم الأثاث..
وهذا للأسف خنقنا كثيراً.. أتعبنا..
جارتي هذه تطرق علي الباب أحياناً (في فترات متباعدة جداً) ومعها علبة عصير وصحن من الكيك أو السمبوسة..
تدخل لربع ساعة تسأل عن أخباري
ونتحدث قليلاً ونضحك ونستمتع ثم تستأذن..
في البداية كنت أحرج كثيراً لأن البيت قد يكون
غير مرتب وقتها..
ولأني لم أستعد..
لكن بعد فترة اعتدت ذلك وأحببته جداً..
عرفت أنها لا تهتم بما تراه أبداً..
لا البيت ولا الأثاث ولا الصحون..
هي تهتم فقط بأن تعرف أخباري
وتطمئن علي جزاها الله خيراً...
عرفت معنى أن يستمتع الانسان بالعلاقات الاجتماعية لذاتها..
وليس لابراز نفسه في سباق محموم
نحو الكمال الكاذب .
فهل ياترى مثل هذه التصرفات تدخل في إطار الترف ...
حين نجد أنفسنا نستمسك بأتفه الكماليات ولو على حساب القيم أليس هذا ترفا ..
ألم يحذرنا القران من الترف كثيرا ويرينا عواقبه الوخيمه !!!