المفكران : "حاج حمد" ود.الشحرور:
"الداروينية" حين تتحزم بالقرآن (4)
السؤال الذي لا بد أن يطرح نفسه : ما مشكلة "الداروينيين"مع السنة المطهرة؟!
أعتقد ان الإجابة في غاية البساطة : القرآن الكريم نص "حمال أجوه"كما وُصف ،فيستطيع المفكر الفيلسوف أن يتفلسف ما شاء له القلم أن يتفلسف .. فالنص قد يحتمل .. أما السنة المطهرة فهي نص مباشر في معظمه .. وكمثال .. . نفي مفكرنا الأستاذ ابو القاسم محمد حاج حمد أن أيا من أنبياء الله – عليهم السلام – قد رعى الغنم .. يصطدم مباشرة مع قول الحبيب صلى الله عليه وسلم ،الذي رواه البخاري :
(ما من نبي إلا وقد رعى الغنم).
وكذلك حديث "خلق آدم"يرد مباشرة على "الداروينيين"فكيف تعامل مفكرنا"حاج حمد"مع هذا المأزق؟
إضافة إلى ذلك حديث : "خير القرون قرني .. "
قام المفكر بالتأكيد على تمسكه بالسنة المطهرة ،فقال :
(وليس في قولنا ما يبطل السنة ،بل على النقيض من ذلك فإننا نؤكد على ضرورة الالتزام بمرجعية السنة الصحيحة التزاما لا لبس فيه ولا غموض (..) إنه إذا لم يكن الرسول قد حدد الفجر بركعتين والمغرب بثلاث ركعات والعشاء ..){ ص 58 – 59 ((جدلية الغيب والإنسان والطبيعة : العالمية الإسلامية الثانية) / محمد أبو القاسم حاج حمد / دار الهدى + مركز دراسات فلسفة الدين في بغداد / الطبعة الأولى 1425هـ = 2004م )}.
ثم يضيف :
(فمعالجة الأحاديث ترتبط بقضية خطيرة ،فكل حديث يروى ويكون مخالفا للمنهج إنما يبطل مصداقية النبوة الخاتمة نفسها){ص 60 (جدلية .. )}.
ويقول أيضا :
(فنحن نسترجع السنة النبوية قرآنيا ولا نبطلها){ ص 344 (جدلية ... )}
أي أن مفكرنا يقوم بعرض الحديث الشريف على فهمه هو للقرآن الكريم،فإن رأى تعارضا رد الحديث مباشرة،كما رد حديث عذاب المصورين بحجة أن "أحيوا ما خلقتم"لا يمكن أن تصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم،وهو سيد البلغاء،فيصف "التصوير"بالخلق!
ويقول في زاوية أخرى :
( كان الرسول نفسه معجبا بشعر "أمية بن أبي الصلت"الذي قال مرة عنه إنه "سيبعث أمة وحده"{صحيح مسلم : عن عمرو بن الشريد – ج 7 ص 48} ..) { ص 599 (جدلية .. )}
لم أستطع الوقوف على هذا الحديث .. وليس هذه هي القضية،بل القضية هي الطريقة التي "وثق"بها مفكرنا الحديث .. فإن الأحاديث لا توثق عبر رقم الصفة والمجلد،مما يشي ببعد مفكرنا عن علم الحديث الشريف.
ويصل الأمر بمفكرنا الكريم،إلى الإشارة ضمنا إلى أن "الحمية"جعلتهم "يضعون "أحاديث تؤكد وجود معجزات حسية للحبيب صلى الله عليه وسلم،يقول :
( ثم يأتي من يفترض له معجزات كجريان لبن من بين أصابعه أو تكثير خبز ليضاهوه بمن سبقه من الأنبياء،وهؤلاء – مع غيرتهم – قد جهلوا منهاج نبوته ورسالته وخصائصه وخصائص نبوته،فاختصروه إلى وعيهم الذاتي وهو أكبر من ذلك بكثير وبما لا يدرك منه إلا قليلا. فهو من الأمر الإلهي وإليه يعود،وعصمته كعصمة القرآن :
والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) : النجم 1 – 4
ومع كل ذلك نسبوا لسنته المعصومة التناسخ مع القرآن وخرقوا له معجزات،وقالوا أصيب بسحر لبيد بن الأعصم ونادوه من وراء الحجرات وافروا على آل بيته بحديث الإفك و... و... و...) { ص 226 ( جدلية ..)}
يرى مفكرنا أن المعجزات الحسية تخص الأنبياء السابقين فقط. يقول :
(... نتيجة لأخذ بعض الأحاديث التي تبدو متعارضة مع صريح القرآن دون التدقيق الكافي في هذه الأحاديث وصحة نسبتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم (..) كما نود أن نشير إلى أن البعض ممن يجهلون هذا الفارق وحذرهم الله من الجهل به قد انساقوا وراء "حمية"عصبوية ظنا منه أن خلو الرسالة الإسلامية من المعجزات الحسية إنما يقلل من مرتبة الرسول صلى الله عليه وسلم إزاء مراتب الرسل الآخرين من الذين أتوا بهذه الخوارق،وبالذات موسى وعيسى،صلوات الله عليهما،فنسبوا للرسول الموقر معجزات حسية وما أدركوا أنهم بذلك يقللون من شأن خاتم النبيين بجهلهم – الذي حذرهم منه الله – بالطبيعة والنوعية المفارقة للإسلام ){ ص 268 - 269(جدلية .. )}
ولأن "حاج حمد"ليس من أهل الحديث الشريف كما يبدو ،فإنه يتحدث عن عدم التدقيق في أخذ الحديث .. ثم لا يهتم أصلا بأخذ "دينه"عن كذابين .. يأخذهم الحماس فيضعون الأحاديث الكاذبة،ويخدعهم اليهود فيدسون لهم حديثا يقول أن الصلاة كانت خمسين ثم خففت إلى خمس صلوات .. إلخ. فذلك من وجهة نظره يقلل من قيمة النبي صلى الله عليه وسلم – وحاشاه – بل ربما أبطل نبوته حين يأخذ التعليمات من سيدنا موسى – عليه وعلى نبينا السلام – هذا في الوقت الذي نجد أحد أهل الحدث يذهب ليأخذ حديثا من أحدهم ... فوجده قد وضع "حصى"في إناء يهزه ليخدع به دابته .. أي أنه يكذب عليها .. فرجع ولم يسأله عن الحديث!!
بل إنهم حفظوا عن الحبيب صلى الله عليه وسلم الوعيد الشديد على من تقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هنا سنأخذ لقطة من "فهم"مفكرنا"حاج حمد"لآية كريمة .. أعني "كنتم خير أمة أخرجت للناس" آل عمران 110،فهو يرى أن تلك الأمة ليست الأمة الإسلامية كلها بل"العرب"فهو يقول :
(لم تكن خاصة بالعرب وإنما كانوا هم كأمة في وضع الطليعة لأمم أخرى يحملونها لها فعاملهم الله معاملة"جيش من الرسل"وليس أفرادا من أمة،لذلك لم يكنوا خير أمة"قابعة"في مكانها،ولكن خير أمة "أخرجت"للناس){ ص 375 ( جدلية ..)}
ويؤكد هذا المعنى في قوله :
(لم يطلب الله من المؤمنين اليهود أو غيرهم من الأقوام "الخروج"من ديارهم جهادا في سبيله،ولكن طلب ذلك من العرب والخروج مشقة ونفي،){ ص 406 (جدلية .)}
بطبيعة الحال من حق مفكرنا أن "يفهم"كما يشاء ولكن هل يسلم له بهذا الفهم؟ وبعيدا عن الاختلاف في تفسير الآية .. فإن السؤال الأهم هو نأخذ الأمر بفهم من؟
الذي يتبادر إلى الذهن،وكما سيفعل أصحاب كل "دين" هو العودة إلى "المنبع"أي إلى فهم"السلف"وهذا قطعا لن يوافق عليه مفكرنا برأيه السلبي في "الفهم السلفي"أولا،وبفلسفته المادية التي ينطلق منها .. والتي ترى أن "التطور"الذي حصل للفكر البشري يجعل المتأخرين اكثر"تطورا"ونضجا عقليا،وهذا منطوق كلامه أما نص كلامه فهو:
(هنا نقول بصراحة أن الفهم السلفي للقرآن هو فهم عميق في حدود العمق المتاح .. والعمق المتاح هو أقصى ما يعطيه التكوين نفسه من استعدادات .. وهذه الاستعدادات هي ثمرة نشأة عقلية معنية .. مرتبطة بأوضاع بيئية محددة وبعلاقات اجتماعية مكيفة على جملة من القواعد : "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ...."البقرة 286 .وذلك كان وسعهم.){ص 632 (جدلية .. )}
فـ"العمق المتاح"ربما يعني بلغة عصرنا "على قدر عقولهم"أو "تطورها"!!
ثم يشن حملة شعواء .. ويفتح نار قلمه على كل الاتجاهات الفكرية والفقهية السابقة :
( لا أعني عودة إلى العمائم ولا إلى تحكيم تلك الجماعات التي تصدرها مراكز الأرشيف الديني التي بقيت كما هي منذ العهد الفاطمي .ليس عودة إلى عنعنات "ابن كثير"وإلى ما ثبت وما لم يثبت من أحاديث الرسول.أصبح الحديث في الدين يثير الكثيرين . أولا يكفي ما فعلوه بنا؟
هل نريد أن نحيي من جديد الخلاف جول مبايعة علي بين سنة وشيعة والعصر يتجه للقضاء عليهما؟ هل نرجع لفتاوى"ابن تيمية"أم أحكام مخالفيه؟هل نتحول إلى فاديانية أو بهائية؟هل نعود متصوفة أو غير متصوفة؟ ظاهرية أم باطنية؟إخوان مسلمون أم فرق أخرى؟ مالكية أم شافعية؟ حنفية أم حنبلية؟ أشاعرة أم معتزلة؟ أم قرامطة؟ وأي الصحابة نعتمد؟ وأي القياسات نلتزم؟وهل يقفل باب الاجتهاد أو يفتح؟ وهل نلتحي أم نحلق؟ وهل نحجب المرأة أم نسفرها؟ وهل نسبح بالمايوهات أم نترك السباحة نهائيا؟ وهل يكون مرجعنا الأزهر أم النجف أم القيروان؟ومن يفتينا من الشيوخ؟ ومع من نقف؟ مع الملكية أم الجمهورية؟مع هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أم مع التكفير والهجرة؟ وماذا نفعل بالتعليم الأكاديمي هل نلحقه بدار الفتوى أم بوزارة الأوقاف ؟ومن سيشرف على مسلسلات التلفزيون والإذاعة شيخ الزاوية الأحمدية أم إمام مسجد تكية السلطان سليم؟ وعلى أي الأوراد سننتظم على الطريقة البرهانية الشاذلية الدسوقية أم الختمية أم القادرية أم الرفاعية أم التيجانية أم السنوسية أم البدوية أم العيدروسية؟
والتماثيل هل ننسفها لأنها تجسيد حرام؟ واللوحات هل نمزقها لأنها صورة للروح؟ والموسيقى نكف عنها لأنها من مزامير الشيطان؟ويمنع الديكور في المنازل لأنه يشغل عن ذكر الله؟وهل نعود إلى قطع اليد ورجم الزاني والزانية؟أو جلدهما؟واستادات الرياضة التي لم يشارك فيها أحد من شيوخنا يوما هل نغلقها لأنها"لهو ولعب"؟ ){ص 521 ( جدلية ..)}
كنت سأطرح هذا السؤال ثم تراجعت :
إذا : هل نأخذ ديننا بهم الفكر "حاج حمد"؟
بل فضلت تأخير طرح السؤال حتى أذكر بما خطر في بالي بعد أن قرأت هذا الكلام،وأعني دعوة سابقة للخروج من "الإسلام"والعودة إلى "الفطرة" لأن "الإسلام"هو سبب المشاكل التي تعيشها الأمة!
كتب د.زكي مبارك نقلا عن السيد فخري شهاب ..( أن الأستاذ عزمي { محمود عزمي – أبو أشرف } دخل إحدى المدارس { في العراق – أبو أشرف} فقال للتلاميذ : هل تعرفون أن اختلاف السنة والشيعة أضر بالعراق؟
قالوا : نعم.
قال : وكيف السبيل إلى الخلاص؟
قالوا : ذلك داء حار فيه الأطباء.
فقال الداء يرجع إلى الأساس الذي قام عليه هذا الخلاف.
قالوا : وما هو ذلك الأساس؟
قال : هو الإسلام،ولو خرج العراقيون من دينهم ورجعوا إلى الفطرة لزالت أسباب هذا الخلاف.
قال الراوي : فتدخل مدرس الديانات باللوم والاعتراض،وكان لهذه المحاورة صدى في أندية بغداد.
والحكاية غريبة ولكن وقوعها من الأستاذ عزمي غير مستحيل.
فله سوابق من هذا النوع،هو الكاتب الوحيد الذي اعترض على أن يُنص في الدستور على أن دين الدولة المصرية هو الإسلام ،وكان يسميه "النص المشئوم"في كلمات نشرها بجريدة الأهرام وجريدة الاستقلال .(..) هذا الصنف من المثقفين كثير الوجود،وهو يحتمل في كثير من الأحيان،لأنه في الواقع لا يكفر بالله وإنما يثور على أوهام الناس. (..) إن أهل العراق كسائر المسلمين لا يُرضيهم أن يتعرض إنسان بسوء لأصول الدين الحنيف.
ولم يكن عزمي أول من أشار بالارتداد عن الإسلام لتنقية الفطرة من أوهام المخرفين من أتباع الدين،فقد سبقه إلى ذلك الأستاذ محمد فريد وجدي،ولكن فريد وجدي يُقبل منه كل شيء،لأنه قضى حياته في الدفاع عن الشريعة الإسلامية، أما محمود عزمي فرجل يعلن أن إيمانه مقصور على الحقائق التي يؤيدها العلم الحديث،ومن أجل هذا يقع هجومه على الإسلام موقعا غير مقبول){ ص 191 – 192 الجزء الثاني ( ليلى المريضة في العراق) / د. زكي مبارك / القاهرة / شركة نوابغ الفكر / الطبعة الأولى 2012 = 1433هـ }.
أعود لطرح السؤال : هل نأخذ ديننا بفهم المفكر : أبو القاسم محمد حاج حمد؟
الجواب وما المانع؟!!
ظل الرجل على امتداد كتابه يزكي نفسه وكتابه،والذي يرفض أن يضيف إليه - في طبعاته اللاحقة - أو يحذف منه! أقول ... كأنه لا يأتيه الباطل .. إلخ. يقول مفكرنا :
( أما كتاب العالمية فلم أضمنه هذه الحوارات والإشكاليات ،إذ أبقيت على نصه كما هو في طبعته الأولى ،فهو ليس كتابا يستند إلى علوم تجريبية أو إلى فلسفات وضعية،لأعدل فيه وأضيف تبعا لما يطرأ من اكتشافات ومستجدات،فهو كتاب "تأسيسي"يستند إلى رؤية قرآنية){ ص 110 ( جدلية . )}
ومرة أخرى يتحدث عن الفارق بين وعي السابقين ووعينا"نحن"وإن كانت "نحن"هنا لا تعني غير مفكرنا :
(الوعي في عصره إذ إنه خاصية ملازمة لمراحل التطور البشري،ولم يكن العربي ولا غير العربي بقادر على أن يخرج عن تلك الخصائص التي تكونه. وقد أخذوا من القرآن – كما قيض الله لهم – ضمن خصائصهم ووعيهم – أي فهموه كما ينبغي لهم أن يفهموه،أما نحن فنعبر إلى القرآن من موقع تاريخي مختلف){ ص 633 (جلدية .. }
ثم يكرر الحديث عن"نحن"والتي لا تتجاوز مؤلف الكتاب :
( فنحن لا نعاني مأزق المجددين ضمن الخصوصية التراثية أو خصوصية الجغرافية – البشرية وليس شاغلنا مخاصمة الشرق للغرب،فهنا عالمية في عصر العلم،شاغلنا فيه هو مأزق الإنسان الحضاري والاستلاب الذي يجرده من مطلقه وكينونته،سوء في الشرق أو الغرب ،من جزر اليابان وإلى الجزر البريطانية وامتدادا عبر الأطلسي ،مستهدفين استعادة هذا الإنسان إلى مطلقه وإلى وعيه الكوني المطلق.
( فكتبانا هذا يتمحور حول مشروع حضاري إنساني ،عالمي متكامل في مواجهة الاستلاب ..){ ص 277 ( جدلية ..)}
لا زال مفكرنا يصفنا بـ"البشر" أي البهائم المنقرضة!! رغم وجود "الآدمية"و"الإنسانية"التي عاد فاستعملها!!
على كل حال،من"نحن"إلى "منهجنا":
( إن منهجنا وبلا أدنى شك يعتمد على نوع من الحكمة التأملية التي تربط بين قدرات العقل الذاتية باعتباره جملة وعي حساس وبين مكونات القرآن باعتباره الوعي المعادل للحركة الكونية في صدوره عن الله.){ص 454 ( جدلية ..)}
وحول فهم الإسراء والمعراج يقول :
( لقد اضطربت أفهام الناس واختلفت منظوراتهم بصدد ليلة الإسراء ولم يستنطقوا الكتاب الكوني المحيط"القرآن"فأخطأوا – هكذا - في الربط بين الإسراء والمعراج (..) وكذلك أخطأوا حين ربطوا بين الإسراء والمعراج وفريضة الصلاة ){ص 408 (جدلية ...)}.
ثم يطلق سهامه على المفكرين العرب المحدثين،أي الذين يشاركونه "التطور"الذي حصل للعقل البشري من تلك الفترة المبكرة .. نسبيا .. فيقول :
( في طريقنا إلى العالمية الجديدة،يبدو دور المفكرين العرب متواضعا إلى حدود كبيرة،متواضعا على مستوى مناهجهم الفكرية ،وعلى مستوى طموحاتهم القومية){ ص 447 ( جدلية ..)}
أي لا منهج .. ولا طموح !!
ثم يجمع بين الإسلاميين والقوميين،فيقول :
( وكلاهما "القوميون"و"الإسلاميون"مخطئ في طرحه لأنهما لم يتناولا جدلية تركيب الشخصية العربية تاريخيا){ ص 475 ( جدلية ..)}
وحتى الماركسيين لم يسلموا :
(لهذا تخبط الماركسيون وغيرهم كثيرا في محاولاتهم تصنيف النظام الاقتصادي الإسلامي،كما سبق وأن تخبطوا في فهم المقومات الغيبية للتاريخ العربي – الإسلامي،وكما يتخبط القوميون والإسلاميون معا في فهم خصائص الشخصية العربية،نجد التخبط واضحا في ما كتبه حسين مروة مثلا ){ ص 489 ( جدلية ...)}
ثم يضع الناس جميعا في إطار العجز عن الفهم :
(لم يستطع أحد أن يتبين أن إعادة ترتيب الكتاب والتي تمت بأمر توقيفي من جبريل كان الغرض الأساسي منها هو تكريس شكل الوحدة المنهجية للكتاب){ ص 656 (جدلية ..)}
ويقرر أن فهم القرآن يحتاج إلى جهد .. فيقول :
( القرآن أكبر وأبعد وأعمق من هذا كله ويتطلب جهدا لا ترقى إليه إلا النفس الجميلة التي تندمج بوعيها وحدسها في مكنوناته،لتنفذ إلى الوحدة عبر الكثرة،وإلى الكلية عبر الأجزاء،أما البقول بخلاف ذلك فمثله مثل الحمار يحمل أسفارا أو كمثل بعض الرسامين الذين يموت الموضوع الفني على لوحاتهم دون حركة ..){ ص 530 ( جدلية ..)}
من هي هذه النفس الجميلة،التي تستطيع أن ترقى بوعيها؟
يقول مفكرنا :
( لماذا خصنا الله في هذا العصر بالرؤية المنهجية للقرآن؟ ولماذا يختلف أسلوبنا "التحليلي"في التعامل مع القرآن عن الأسلوب "التفسيري"التقليدي؟وبمعنى آخر لماذا نلجأ نحن إلى الوحدة الناظمة في وقت لجأوا فيه هم إلى التعامل مع الكثرة؟ ){ ص 655 (جدلية ...)}
نختم هذه الحلقة بتكرار ما سبق أن اقتبسته من كلام مفكرنا .. أقصد قوله :
(هنا نقول بصراحة أن الفهم السلفي للقرآن هو فهم عميق في حدود العمق المتاح .. والعمق المتاح هو أقصى ما يعطيه التكوين نفسه من استعدادات .. وهذه الاستعدادات هي ثمرة نشأة عقلية معنية .. مرتبطة بأوضاع بيئية محددة وبعلاقات اجتماعية مكيفة على جملة من القواعد : "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ...."البقرة 286 .وذلك كان وسعهم.){ص 632 (جدلية .. )}
رغم الاختلاف مع وجهة نظر "حاج حمد"إلى أن الأمر يبدو وكأن الرجل يحترم السابقين ،بل ويعتذر لهم .. ولكننا نجده فجأة يتحدث عن"مرور اللئام" فيقول :
( لم يتوقف العلماء المؤرخون عند تلك الظاهر اللغوية "الغيبية"كما لم يتوقفوا لدى "غيبيات"المعارك (..) مروا عليها سريعا وأحيانا مرور اللئام ){ ص 389 ( جدلية .)}
ويقول أيضا :
(إن الذين فهموا الارتباط بالغيب باعتباره تعطيلا لعالم الحس لا يدرون شيئا لا عن الحس ولا عن عالم الغيب){ص 285 (جدلية ..)}
أما الحوار - ليلة الإسراء والمعراج - الذي جاء في كتب الحديث الشريف ،بين سيدنا رسول الله وبين سيدنا موسى،عليهما الصلاة والسلام،حول الصلاة،فإن مفكرنا يقول عنه :
( هذا قول يجمع بين السخافة والبطلان) {ص 418 ( جدلية ..)}
في الحلقة القادمة .. إن شاء الله .. نلقي نظرة على موقف مفكرنا من"العقوبات" .. إلى اللقاء في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله
أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي المدني