أوراق من حياة تابعي
القصة السادسة
كانت الشمس تميل إلى الاستواء حين خرج أبو مسلم الخولاني الداراني سيد التابعين وزاهد عصره من بيته ، نظر قليلاً في السماء مستطلعاً حال شمسها ، ثم مضى يسير على مهل قاصداً السوق، ملقياً السلامَ على عابري الطريق.
كانت زوجه قد أنبأته بنفاد الدقيق من البيت ، فنهض مرغماً وهو الكاره ارتياد الأسواق ليجتلب ما لا غنى عنه، فلا خبز بلا دقيق.
لم يكن لدى زوجه دراهم خبأتْها ، ولم يتبق معه كذلك، فطفقا يبحثان في ما حولهما عن شيء يباع فيسد ثمن الدقيق ، فلم يلقيا إلا درهماً كانا قد باعا به غزلاً.
لم يكن يحمل إلا الجراب الفارغ، ولم يكن الدرهم ليملأ الجراب.
خرج مقابله من أحد الأزقة سائل عليه آثار المسكنة:
- أعطني مما أعطاك الله
نظر فيه نظرة واحدة ، ودون أن يفكر كثيراً مد يده إلى جيب ثوبه ، فأخرج الدرهم وجعله في كف السائل.
- بارك الله بك حماك الله وفقك الله
وسط سيل الأدعية تابع أبو مسلم طريقه ، والسؤال الذي يشغله: بأي وجه سيدخل على زوجه؟
لمعت في ذهنه فكرة وقد لقي داراً خربة مهجورة
(الفصل الثاني)
أتى أبو مسلم دارَه، بعيد العشاء، مؤمّلاً أن تكون زوجه قد نسيت أو خبت نار غضبها من حادثة الصباح.
ولج الباب وجِلاً محترساً، فأتاه صوتها:
- أبا مسلم ... أأتيت؟
كان صوتاً ينم عن راحة، فاستبشر واستغرب، إذ ما حسب أن يتلاشى انفعالها تماماً

(يتبع)