إيقاف الانتخابات قبلة حياة للسياسة فى مصر
لمصطفى النجار
الشروق 7/3/2015
كل من يتابع المشهد السياسى المصرى خلال الفترة الماضية كان على يقين أن مجىء برلمان وسط هذه البيئة المحتقنة ومقاطعة أغلب القوى الديمقراطية وعبر آليات انفردت السلطة بوضعها كان أخطرها قانون الانتخابات المعيب الذى قضت المحكمة الدستورية بعواره، كان يعنى مزيدا من الارتباك وتعقد المشهد الذى صار ينذر بالخطر الشديد على المستقبل.
لذلك جاء قرار المحكمة الدستورية الأخير كقبلة حياة للسياسة فى مصر، إذ أدركت السلطة أن الأقدار قد منحتها فرصة لتصحيح المسار والخروج من النفق المظلم الذى تمضى البلاد إليه. انتقادات حلفاء السلطة الاقليميين تتعالى أصواتها يوما بعد يوم لتبدى ضيقا وتبرما مما آلت إليه الأوضاع فى مصر، تيار المؤيدين بالداخل تتمايز اليوم صفوفه ونسمع من داخله أصوات ناقدة وساخطة تحذر من تداعيات استمرار المعالجات الخاطئة فى ملفات خارجية وداخلية، لا أحد يقول إننا نمضى فى الاتجاه الصحيح سوى جموع المطبلين والمنتفعين الذين سيقفزون من السفينة حين تعصف بها الرياح وتتلاعب بها الأمواج.
أسوأ ما يمكن حدوثه الآن أن يستمر التعالى والعناد وإنكار الأزمة التى تمر بها البلاد وتحتاج لحلول غير تقليدية وخطوات جريئة تأتى من دولاب الدولة لتصحيح المسار. وأهم من يراهن على أن إجراء الانتخابات سيحل مشكلة مصر الحالية لأن هذا صار غير ممكن بالمرة فى ظل انهيار العملية السياسية وفقدان الثقة فيها وهيمنة السلطة وأجهزتها على المسار السياسى المزعوم الذى صار محاولة لترقيع ما لا يمكن ترقيعه وتجميل ما لا يخفى قبحه.
•••
نحن فى لحظة تحتاج لطرح القضايا المصيرية والحقيقية بمنتهى العقلانية والتجرد بعيدا عن الهوس الاعلامى وموجات النفاق وحملات الدعاية والتأييد الرخيصة التى قادتنا لكل هذا البؤس. والحقيقة ــ كما عبر عنها الدكتور عبدالفتاح ماضى فى كلام مهم أعقب حكم الدستورية أنشره بتصرف وزيادات لتوضيح المعنى حيث أشار إلى (أن القضايا الحقيقية التى يجب طرحها ليس من بينها الآن تعديل قانون الانتخابات لسبب أساسى وهو أن المنظومة الدستورية والقانونية غير مناسبة تماما وتعانى من مشكلات متعددة وسياسة الحكومة بأكملها تقوم على الاقصاء والقمع ومحاولة خلق برلمان "وهمى" كواجهة شكلية للأجهزة التى تدير البلاد، لذلك فالقضايا الرئيسية هى:
1 ــ توقف الحكومة الحالية عن سياسة القمع والإقصاء لكل المعارضين وتكميم الأفواه والسيطرة على المجتمع المدنى والجامعات والنقابات والأحزاب، والإفراج عن جميع معتقلى الرأى وتعويضهم، وتأسيس منظومة عدالة انتقالية مستقلة تماما عن السلطة التنفيذية.
2ــ ضبط العلاقات المدنية العسكرية للحفاظ على المؤسسة العسكرية من أدران السياسة وعودتها لمكانها الطبيعى الذى تعيقه السياسة وترهقه بما تفرضه من أعباء وتداعيات فى نفس الوقت الذى نضمن فيه الحفاظ على الجيش وكفاءته ورفع جاهزيته لمقاومة الأخطار الكبرى التى تحيط بنا من كل جانب، وهذا لن يتأتى سوى بعقد جديد يضبط العلاقات المدنية العسكرية ويوضح مساحات أدوارها المختلفة.
٣ــ جلوس الجميع بما فى ذلك الاسلاميون الذين يرتضون العمل السياسى السلمى وينبذون العنف بوضوح على طاولة حوار مستديرة لبحث سبل التحول الديمقراطى وتحقيق مطالب الثورة وإعادة النظر فى جميع الأُطر بدءا من الدستور ومرورا بكل القوانين التى صدرت فى الفترة الماضية وانتهاء بالانتخابات وعدم تكرار الاخطاء التى ارتكبت منذ مارس ٢٠١١، حيث علينا أن ننتهى بالانتخابات بعد الحوار ولا نبدأ بها وذلك بعد فترة انتقالية جديدة يمكن خلالها أن تتولى حكومة انتقالية.
٤ــ الاتفاق على جميع الضمانات (السياسية والدستورية والقانونية وغيرها) التى تنظم (١) علاقة الدين بالسياسة، (٢) ضبط العلاقات المدنية العسكرية (٣) منع تدفق المال من الخارج لدعم طرف داخلى فى تنافسه مع الآخرين، (٤) حيادية أجهزة الدولة الاخرى وعدم تدخلها فى الشأن السياسى.
5ــ إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس حقيقية يحكمها القانون والعمل المؤسسى والشفافية والحوكمة، وضمان استقلالها تماما عن السلطة التنفيذية إداريا وماليا وعلى الأخص الشرطة والقضاء والإعلام والأزهر والإفتاء، وربما يتم هذا الامر كجزء من نظام العدالة الانتقالية لكى لا تسيطر عليه الحكومة أو أى فصيل سياسى أو الحكومة الانتقالية المقترحة ويمكننا ترك هذه المهام لخبراء ومستقلين تماما وغير مسيسين).
•••
قد يرفض البعض هذا الطرح ويعتبر أن هذه مبالغة فى طرح حل للأزمة السياسية الحالية فى مصر، ولكن الواقع يقول إن الأزمة تتعقد يوما بعد يوم والكلفة تتضاعف والفجوة تزداد والإصرار على تجاهل الواقع الحقيقى يأخذنا نحو مستقبل مجهول ومأزوم لا ندرى ما ملامحه ولا نستطيع أن نضمن السيطرة على تداعياته وعواقبه، لذلك فلم تعد القضية خلافا بين معارضين للنظام ومؤيدين له بل تجاوز الأمر دائرة التأييد والمعارضة وصار واجبا وطنيا تفرضه التحديات القائمة وينبغى التضافر حوله متجردين من كل نوازع الهوى السياسى والرغبة فى التشفى فى الخصوم وتصفية الحسابات.
مصر تحتاج إلى مرحلة انتقالية جديدة تتلافى أخطاء المراحل السابقة وتؤسس لبناء دولة القانون. سنذهب للمستقبل إذا وجد بيننا من يغلبون المصلحة الوطنية على كل اعتبار ويضعونها فوق أى مصلحة. الحلول الفاشلة التى قادتنا لنفس المشكلات لن تساعدنا على النجاح فهل تأتى لحظة استثنائية نصنع فيها اصطفافا وطنيا كاملا يحقق القطيعة مع الماضى البغيض ويحملنا للمستقبل الذى ننتظره.