منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 3 من 3

العرض المتطور

  1. #1

    النساء ضحايا العدوان والاعمار

    النساء ضحايا العدوان والاعمار
    بقلم:عماد موسى
    تنتابني مشاعر وافكار غير متجانسة،فتصارعت العاطفة مع العقل، فقلت في تعبير عن حالتي وعن حالة النساء، في قطاع غزة، الجالسات على ماتبقى من ذكريات الضحايا ، وأشلاء الديار، في لحظة انبعاث الامل باعادة الاعمار.
    فبدأت بتعريف المكان :
    أوالفضاء -كما يطلق عليه بعض الدارسين والنقاد والفلاسفة-، فهو المشكل الفيزيقي للارتباطات الاجتماعية، والنفسية، وللتنظيم الوجداني للانسان، وخصوصا المرأة والطفل؛ نظرا للمشترك بين المكان والمرأة وهذا المشترك هو "الرحمية" ،فالمكان هو الرحم، الذي تتوفر فيه شروط الامان، وتتوثق فيه عرى العلاقات العاطفية، وتتشكل أنسجة الوجدان، وترتسم في الذاكرة الذكريات.
    وهوالرابطة الحميمة بأشياء الوجود، وبأشيانا نحن،لذا فهو الحالة الغزية،والذي يعني ضياع مادية المادة، وغياب احساسنا بمادية المكان، وما يتوزع فيه،،فهو يمثل لجوءنا الى التشميل والاستخفاف بالتفصيل،لهذا، فإن تدمير المكان؛ هو بمثابة تدمير للرحمية، أي تدمير للامان ولسائر العلاقات الانسانية ،والاجتماعية الحميمة، تدمير للتطور، وقتل اسباب البقاء، بقتل اسباب التعلق.فالمكان هو المنزل والمدرسة والحارة والشارع،فخاصية المكان ليست محددة بهيئة الجغرافيا وانما بالافكار المنبثقة عنه، وبالصور المتولدة فيه، وبالتاريخ الذي نشأ عبره،
    من هنا نجد أن النساء في قطاع غزة، يواجهن محنة كارثية لاسابق لها، اذ تفقد كل الفضاءات، وتعيش في حالة تنقل بحثا عن الاستقرار المؤقت،فتصاب النساء بالارباك والارتباك؛ من حجم المسؤوليات الملقاة على عاتقهن، فالابتعاد عن المكان، ومحاولة البحث عن الأمن والآمان في أمكنة جديدة، معناه الشعور بالضياع وفقدان الآمل، والاحباط، ويولد احساسا بالترمد والانطفاء.
    وذلك،لأن المكان يضيق على من فيه، داخل الوعي الفردي والجمعي، وداخل الوعي الجمعي قد تبهت الوانه مع مرورالزمن،فيصبح كالوشم على ظاهر اليد.
    فهناك أمكنة قابعة في اللاواعي، وفي الذاكرة الطفولية للنساء، لانها قد تكون معاشة لاولئك الذين ولدوا في المكان، ثم جاء العدوان فقتل، وهجر بعد ان دمر المكان ، فحملت النساء المكان المدمر في الذاكرة الجمعية والفردية، وحملت ما تبقى من الامشاج الحميمة إلى الذاكرة الجمعية لشعب، وليس للنساء فقط، مع اننا نتحدث بتخصيص عن النساء في قطاع غزة بعد العدوان الاسرائيلي؟
    وهنا علينا ان نشير إلى وعي آخر، وهو ضرورة المحاولة المستمرة لاسترجاع المكان، عبر الاعمار، وهذا يقودنا إلى التأكيد على أن المكان المدمر في الحالة الفلسطينية ليست نتاج عمل عفوي، او نتاج كارثة طبيعية، بل هو تدمير ممنهج، وقتل عمدي، وتهجير؛ لهذا فالإعمار يعني للنساء إعادة الارتباط بالمكان، بدلالاته النفسية، والإجتماعية، والسياسية، والاقتصادية على النساء وكذلك على المجتمع، لإنه يضع حدا لتأثيرات الاستلاب المفروضة بالقوة العسكرية، ويضع حدا للاغترب، والتشرّد داخل الفضاء الفلسطيني.
    وذلك؛ لأن اسرائيل بعد نشأتها عملت على سلب المكان، واستلاب الانسان لحقوقه ومصيره ، فعملت على تغيير معالمه،عبر مسح الهوية المكانية الفلسطينية، فعملوا على تغيير معالم المدن والآثار التتاريخية ، بصورة معلنة أو خفية.
    ‏فاصرار النساء على الاعمار نابع من الاصرار على الحفاظ على هوية المكان الذاكرة التي هي من نسج الحكاية الفلسطينية التي تعبر طقوسه الإنسانية الخاصة، التي تربط الإنسان بالمكان ارتباطاً وثيقاً... شعوريا، ولا شعورياً، ويترجم هذا الارتباط بوسائل متعددة... فيبني على غرار من سبقوه في أرضه، ويزرع كزرع من مروا قبله فوق وجه الأرض، يودع في رحم الأرض ذكرياته... ويرسم على جدران بيته آهاته، ويعلق طموحاته وصور شهدائه في شوارع المدن، وازقة القرى والمخيمات .
    ونسأل هل يمكن لإمرأة فقدت فضاءها ان تستسند "... على جدارٍ ساقطٍ في شارعِ الزلزالِ"
    وهي تشاهد امرأة أخرى تجمَعُ صور الموتى من أجل موتهم، فأقول: بتصرف :
    فخُذْي بقاياكَ,وارحلي الى الزمن المتواري خلف السدم والظلال، واتخذي شلوا من اشلاء موتاك "ساعداً في حضرة الأطلالِ" وخذي رغيفا يابسا عابسا عاريا، خذي مزقة بطانية،وخذي بقية من بقايا جرحاك، واشعلي من وقيد قلبك نارا علها تدفء اطفالك الجوعى والعرايا في زمن العري العربي.وسقوط حقوق الانسان في امتحان الانسان.
    فماذا يعنى ذهابك الى اليمين، هو ان تري مثيلتك جالسة في الخراب تنوح،وماذا يعني ذهابك الى الشمال،هو اعتداء سافرعلى بقية جدارمتهالك، فلا هو متماسك فينام قربه الاطفال،ولاهو ساقط فتنيخين رحلك والسلام ،واذا ما ذهبت يا اختاه الى الغرب، سوف تصطدمين بواقع اليتم ، واذا ما قررت التوجه الى الشرق وجدت نسوة يتدافعن على كسرة نار اشعلت من بقايا الاجساد المتفحمة،فيجب التمركز في الوسط،حتى ترين اين يقع الغلط، هذا الدمار والخراب يكبر، ويكبر، إذ أنك تجدين خلف كل امراة دمارا اوعظاما، فتصحرت الارض من حرائق العدوان،فاضحى الضحايا، يبابا،. او رذاذا او نثارا
    .
    وتحت درجات السُّلّم الحجريِّ، انامت طفلها، وادارت ظهرها للعراء لتحميه من شظايا البرد،فترتجف السماء مطرا وزمهريرا، لتمنح طفلها بقايا دفء من قلبها الممزق، فا لظلامَ خانق، فلا ظلام أَشدَّ من ظلام غزة، وتضيئن من حنايا صدرك امل البقاء،لا تبحثي في الجوار عن شربة ماء،فالماءُ من حولك مالحْ،والهواء مر، ولون السماء صدء وكالح،لا تنظري الى السماء، لان غيومها قد توزعت على الجهات؛ لاعمار غزة ،ومن اجل انبعاث الحياة، فها هي واحدة تمطر بردا قارسا على الذين بلا كساء، وغيمة اخرى تهطل جوعا على الجياع،وثالثة تغرق الارض باسمنت البقاء،ورابعة ترمي حبوبا ليست للشفاء.وخامسة ترمي تيار الدفئ برعدة ،فتصم السمع في الارجاء،
    لا تنظري الى السماء، لا تنظري الى الوراء، وانظري حولك ترين قوافل الاعمار، لبناء مدرسة، وتاهيل شارع وترميم دار،ولتنظيف ملعب للاطفال،أمام هذا الحال نتساءل عنك على استيحاء:

    اين المفر؟ وهنا في وسط الخراب تقف امرأة، وكل امرأة في قطاع غزة، واقفة وسط الخراب والدمار، وكلهن يستحضرن فارس الكلمة المكلومة الراعفة محمود درويش:

    "حاصر حصارك لا مفر..

    اضرب عدوك لا مفر..

    حاصر حصارك بالجنون وبالجنون

    ذهب الذين تحبهم.. ذهبوا

    فإما أن تكون

    أو لا.. لا تكون".
    واذا اما خرجنا من مناجاة الروح، ورثاء الجسد، والبكاء على الطلل، الى مناقشة الاحتياجات الملحة للنساء، وللاطفال، سنعرف ان للكارثة اثار مدمرة، مباشرة وغير مباشرة،فالمرأة أصبحت امام واقع يحتم عليها، ان ترأس أسرتها، وتدير شانها ،وهذا يحملها أعباءا جديدة تضاف الى الاعباء النفسية والاجتماعية.
    فعليها ان توفر لقمة العيش والمأوى، وتحمل المسؤولية كاملة في حال فقدت الزوج.وهناك من يعانين من أزمات نفسية واجتماعية في مراكز الايواء،وتسببت الحياة الجديدة بالحاق ضرر صحي.
    فالنزوح والتشرد والفقد لاحد افراد الاسرة أو فقدن المعيﻼت لمشاريعهن الصغيرة، قد ترك اثرا بالغا على سير حياتهن وارجعهن الى الوراء.وتعيش نسا ء في الكرا فانات او المدارس، او الخيم حياة صحية، ونفسية واجتماعية انسانية غيرسليمة لفقدان الخصوصية،ناهيك عن تعرض بعض النساء النازحات للطرد من مركز الإيواء بسبب الاكتظاظ، إضافة إلى سوء المعاملة من قبل إدارة مراكز الإيواء والعاملين فيه ،اضافة الى عدم توفر آليات فاعلة للحماية في مراكز الإيواء كالسواتر، والأقفال على الأبواب، وسلامة النوافذ والإضاءة الكافية والمستمرة ، ما ضاعف من شعور الفتيات والنساء بالقلق والخوف من إمكانية تعرضهنّ للاعتداءات، وانعدام شعورهن بالأمن والحماية ، وعدم وجود رقابة على أداء إدارة مراكز الإيواء ساهم في تعزيز شعور الفتيات، والنساء بعدم والآمان، والتمييز.

    وعدم توفر سبل الحماية والسلامة البدنية، والنفسية للنساء للحفاظ على كرامتهنّ أثناء الحروب من خلال التوسع في توفير بيوت آمنة بإشراف حكومي،او باشراف المجتمع المدني او الاحزاب السياسية،بما يوفر امكانية للنساء النازحات اللجوء إليها.
    فمن الواضح، ان الحصار الإسرائيلي ينتهك حقوق النساء الفلسطينيات، ويساهم بعزلتهن، وبعزلهن،وبتافقم المخاطر كلما تاخر الاعمار،لأنه كلما تاخر تراجعت الثقافة والتعليم، وحل مكانها ثقافة جديدة، ولغة جديدة، مرتكزاتها التشرد والنزوح.
    وامام هذا الواقع يتحدث البعض عن الصمود على حافة الجوع والقهر معا؟ وكيف يمكننا التعبير عن حالتهن في ظل الأعباء الجديدة بالاضافة لانهن إناث، وحدد المجتمع وظيفتهن بالدور الإنجابي، والإنتاجي؛ مما يجعلهن معزولات عن الحيز العام؟ في العراء وفي دور الايواء، بين اشلاء البيوت المدمرة،
    فكلما تأخر الاعمار ازداد الحيز المكاني الخاص بالنساء الفلسطينيات ضيقا، وامتلأ بالمشاكل والمآسي وفي تفاصيل وجدانهن، وتدخل في تفاصيل غسيلهن وطعامهن وقوت يومهن، بل انعكس الحصار على نفسياتهن،الأمر الذي فاقم من المشكلات الاجتماعية، والأسرية، وحرم الكثيرات من الفرص : التعليم،العلاج،الصحة الانجابية،العمل؛ فأصبحن يخضن تجربة جديدة من العبودية القسرية والقهرية التي يمارسها المكان الدكتتاتوري،عبدات للمكان، وقوانينه، التي تحد من تطوير ذواتهن، مما يحولهن إلى أهداف أهدافا جنسية،سهلة الا ستباحة ،من لدن العقلية الذكورية؛لانهن وضعن في اضعف الحالات وأسوئها،واصبحن هدفا للعنف بالوانه المختلفة، فضاقت سبل العيش والحياة الكريمة، وأصبحن يحاربن على جبهات سياسية، واقتصادية، واجتماعية، وثقافية، ونفسية، وأصبحن ينعزلن رغما عنهن عن السياق الاجتماعي، والثقافي والتعليمي العام، وبتن دوما في حالة الدفاع والتصدي.الامر الذي أدى الى استنزاف طاقاتهن واستهلاك قواهن .واخيرا ان انشغال رجال السياسة بقضاياغير قضايهن زاد من الطين بلة، وجعل الابتعاد عن المشهد الحالي لواقع النساء في غزة حقيقة ماثالة،،والمتمثل في صراع البقاء،ورعاية من تبقى من أفراد الاسرة، فالحديث عن النساء في غزة لم ينته،فقد عانيت من انثيال الذاكرة فعذرا على المزاوجة بين العقلي والعاطفي.
    imad.a.mousa@gmail.com

  2. #2
    كلام جميل اعجبني ,دمت طيبا.

  3. #3
    شكرا د. ابوشمالة
    لمرورك ونعتز برأيك

المواضيع المتشابهه

  1. القرآن والنبى العدنان
    بواسطة حسن العجوز في المنتدى فرسان الإسلام العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-03-2015, 08:38 AM
  2. دروس من العدوان على غزّة
    بواسطة صبحي غندور في المنتدى فرسان الأبحاث الفكرية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-19-2014, 07:51 AM
  3. سلسلة قصص عن الضحايا بعد عام من العدوان
    بواسطة جريح فلسطين في المنتدى فرسان العائلات العربية والتراث.
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-10-2010, 03:17 PM
  4. حتى لا نكون ضحايا الإكتئاب !
    بواسطة بنان دركل في المنتدى فرسان الطب النفسي .
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 10-31-2007, 10:04 PM
  5. شكاوى النساء من الرجال..وشكاوى الرجالِ من النساء
    بواسطة كرم المصرى في المنتدى فرسان الأم والطفل.
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 12-27-2006, 02:13 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •