﴿الرحيم﴾
وإن اسم الله ﴿الرحيم﴾ في تفصيل الكتاب المنزل ليعني أن الله بنعمته عليك قد صرف عن المرحوم شرّا مستطيرا لا طاقة له بصرفه عنه، وينخرم ولا يطَّرد اختصاص رحمة الرحيم بالمؤمنين دون فرق المكذِّبين بقرينة قوله تعالى ﴿رَبُّكُمُ الذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ الإسراء، ولا تخفى النعمة بجريان الفلك في البحر وسلامتها من الغرق برحمة ربِّــنا الرحيم التي شملت بني آدم كلهم ومنهم الكافرون والفاسقون والظالمون ومنهم الأحزاب الذين يحاربون الله ورسوله.
ويعني قوله ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ النساء، أن من رحمة اللهِ الرحيمِ تنزُّل التكليف بالنهي عن قتلِ النَّفس وأن من قتل نفسَه قد أبعدَها عن رحمة الرَّحيم أي لن يدخل الجنَّة أبدا ولو زعم الجهاد ونصرة المسلمين اجتهادا غير موفّقٍ فحريٌّ به إن كان من المؤمنين أن يصبح بعد الأحقاب من وقود النار كالحجارة، وكان نفس التكليف بالنهي عن قتل النفس قد تنزَّل من قبلُ ﴿إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ تنبيها إلى رحمته السابقة التي شملت الذين آمنوا بالتوراة والإنجيل قبل تنزُّل القرآن، وإنما تنزل أول تشريع مدنيّ على بني إسرائيل بعد إغراق فرعون وجنوده أي بعد قيام أول مجتمع مسلم لا سلطان لمتفرعن عليه وذلك حينُ إيتاء موسى التوراةَ.
ويعني قوله ﴿سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَحِيمٍ﴾ يس، بيان رحمة ربّنا الرحيم الذي صرف عن أهل الجنة عذاب النار، ويتلقّى أهلُ الجنَّة القولَ من ربِّـهم تبلّغُه الملائكةُ كما في قوله ﴿والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار﴾ الرعد، وكما أصَّلْتُه في أصول التفسير أن القول المسند إلى ربِّـــنا إنما هو بواسطة الوحي أو الملائكة أما القول المسند إلى الله فبواسطة الكتاب المنزل وبيّنته في مادة القول، وليهنأ أهل الجنة بسلام قولا من ربِّـهم يأمنون به غضبه وعذابه ونقمته ذلكم أن من تفصيل الكتاب وأصول الخطاب والفقه عدم النسخ في شيء من البلاغ من ربِّ العالمين أو في شيء من التكليف من ربِّـــنا كما في قوله ﴿قل تعالوْا أتْلُ ما حرَّم ربكم عليكم﴾ في سورة الأنعام، وعدّد تشريعا من التكليف الفردي جاء به النبيون عبر التاريخ ولا يلحقه نسخ ولا تبديل بل تضمنه الكتاب الذي جاء به موسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم وسلم.
ويعني قوله ﴿لِيُخْرِجَكُم مّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ الأحزاب، أنهم لا يقدرون على إخراج أنفسهم من الظلمات وإنما أخرجهم منها اللهُ الرحيمُ إذ أرسل إليهم رسولا.
وتعني دلالة الاسمين ﴿الرحمان الرحيم﴾ حيث اقترنا استغراق رحمته التي شملت قارئ القرآن طاعة لله الذي كلّفه به وشملت الحامدين اللهَ ربَّ العالمين وشملت الـمُقِرّين أن إلــههم هو إلــه واحد لا إلــه إلا هو وشملت المؤمنين بتنزيل القرآن من الرحمان الرحيم.
وتعدد اقتران الاسمين ﴿الغفور الرحيم﴾ ويأتي تفصيل دلالته في الأسماء المركبة من الأسماء الحسنى، ومن تأصيلُ اقتران الاسمين ﴿الغفور الرحيم﴾ كما استنبطتُ هو تقديمُ الموعودِ المتأخر أو الأعظم في خطاب المؤمنين بالغيب وهو هنا مغفرة الغفور ومحلها وموعدها هو يوم الدين يومُ يعرض من الخطايا والذنوب ما لم يغفره الغفور فيحاسب به صاحبه، وتأخير الموعود المتقدم وهو رحمةُ الرحيم ولا تختص باليوم الآخر بل تشمل الدنيا،وسأل النبيون والرسل وأتباعهم المغفرة قبل الرحمة لِما عظُم في أنفسهم من افتضاح غير المغفور له أمام جميع الملائكة وجميع بني آدم وجميع الجن، ولدلالة المغفرة على الرحمة، وقد رحم الله في الدنيا الكافرين وإنهم لمعذبون في اليوم الآخر.
وإنما تقدمت الرحمة على المغفرة في دعاء طائفة بني إسرائيل عبَدت العجل وخافوا العذاب في الدنيا أكثر من خوفهم عذاب الآخرة.
ومن المفردات ـ وهي الكلمات التي لا مثاني لها ـ اقتران الاسمين ﴿الرحيم الغفور﴾ بتقديم الرحمة على المغفرة في قوله ﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ﴾ سبإ، ويأتي تفصيل دلالته في الأسماء المركبة من الأسماء الحسنى.
وتعدد اقتران الاسمين ﴿التواب الرحيم﴾ ويأتي تفصيل دلالته في الأسماء المركبة من الأسماء الحسنى، ويعني أن المكلف سيُعانِي من البلاء والتمحيص في الدنيا توبة عليه من الله ينال بها رحمة الرحيم في اليوم الآخر، كما لا يخفى في الثلاثة الذين خلّفوا، وفي أبويْنا بعد أكلهم الشجرة، وفي اللذيْن يأتيان الفاحشة ويتوبان ويصلحان.
وتعدد اقتران الاسمين ﴿الرؤوف الرحيم﴾ في سياق التذكير بنِعَم الله ربِّــنا وقصر المكلفون عن شكرها ولم يقع عليهم العذاب الذي استحقوه بجحودهم رأفة ورحمة من الله بهم، وبينته مفصلا في مادة اسم الله ﴿الرؤوف﴾. ويأتي تفصيل دلالته في الأسماء المركبة من الأسماء الحسنى.
وتعدد اقتران الاسمين ﴿العزيز الرحيم﴾ للدلالة على أن جهود المؤمنين القاصرة لم تُبَلِّغْهم النصرَ على عدوِّهم وسينصرُهم الله بعزّته رحمة من ربهم الرحيم بهم، ويأتي تفصيل دلالته في الأسماء المركبة من الأسماء الحسنى.
ومن المفردات اقتران الاسمين ﴿البر الرحيم﴾ في قوله ﴿إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ﴾ الطور، ويعني أن الله البرّ الرحيم وعد في الكتاب المنزل أن يمنّ على المشفقين في الدنيا بالوقاية من عذاب السموم وأن يدخلهم الجنة رحمة بهم لا يبلغونها بجهودهم القاصرة، ويأتي تفصيل دلالته في الأسماء المركبة من الأسماء الحسنى.
ومن المفردات اقتران الاسمين﴿الرحيم الودود﴾ في قوله ﴿وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ﴾ هود، من كلام شعيب يخاطب قومه مدين وبيّنه النبيّ الأمّيّ صلى الله عليه وسلم بالحديث القدسي أنه من تقرب إلى الله شِبْرًا تقرب الله إليه ذراعا، ويأتي تفصيل دلالته في الأسماء المركبة من الأسماء الحسنى.