ولا أدلّ على عظم هذه الخصلة ؛ خصلة الحياء من أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - جعله شعبة من الإيمان حين قال عليه الصلاة والسلام : ( والحياء شعبة من الإيمان ) ( رواه الشيخان ) وقد أُ شكل على البعض : كيف جعل الحياء وهو غريزة شعبة من الإيمان وهو - أي الإيمان - اكتساب ؟ والجواب على ذلك : أنّ المستحيي ينقطع بالحياء عن المعاصي ، فصار الحياء كالإيمان في قطعه عن المعاصي وحيلولته بين المؤمن وبينها ، وقال ابن الأثير : ( وإنما جعله بعض الإيمان لأنّ الإيمان ينقسم إلى : إئتمار بما أمر الله به ، وانتهاء عمّا نهى الله عنه ، فإذا حصل الانتهاء بالحياء كان بعض الإيمان ) ( النهاية لابن الأثير 1/470)
وكفى دلالة على عظم خلق الحياء أنّ الحياء من صفات الربّ جلّ شأنه فعن سلمان الفارسيّ - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( إنّ ربّكم حييّ كريم يستحيي من عبد إذا رفع يديه إليه أن يردّهما صفراً ، ليس فيهما شيء ) ( أخرجه الترمذي (3556)وأبو داود(1488)وصحّحه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/279 والبيهقي (11/147) والحاكم (1/497) وصحّحه .
قال الفيروز أبادي ( وأمّا حياء الربّ تبارك وتعالى من عبده ، فنوع لا تدركه ولا تكيّفه العقول ، فإنه حياء كَرَمٍ وبرّ وجود ، فإنه كريم يستحيي من عبد إذا رفع يديه إليه أن يردّهما صفراً ، ويستحيي أن يعذّب شَيْبَة شابت في الإسلام )
( بصائر ذوي التمييز 2/517)
وختاماً : فالحياء خلق الإسلام ، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إنّ لكلّ دين خلقاً وخلق الإسلام الحياء ) ( رواه ابن ماجة في سننه (4181) والإمام مالك في الموطّأ )
وللحديث تتمّة ستتبع بإذن الله تعالى