فعلا أختي ريم اليافي لم يعد الإنسان مستغل الإرادة فقط من أخيه الإنسان في جميع المستويات، بل من هواه والطبيعة وما صنعته يده من ألات ومن غزو فكري وثقافي ومادي أنساه حرية أرادته، ونسي قترته على الاختيار ونسي التكريم الإلهي والتفضيل الرباني له بنعمة العقل ونعمة الإرادة وبنعمة مكارم الأخلاق وبنعمة الخير عامة.
امتلاك الإنسان للعقل والإرادة ولعدد من القدرات والصفات النفسية والأخلاقية والاجتماعية وسعيثه الحثيث صوب الحرية كل هذا لا يتعارض البتة مع الظروف والأوضاع التي تعرفها حياته المتعيّرة باستمرار لما تحياه من حركة وتعيشه من تطورات، والطابع الأخلاقي والاجتماعي والإنساني للحياه يختلف من فرد إلى فرد ومن جماعة إلى أخرى ومن مرحلة تاريخية إلى أخرى، تحدده توجهات ومواقف الإنسان وتتحكم فيه أفعاله وتصرفاته واختياراته عن جهل أو عن علم في اتجاه جلب المنافع ودرأ المضرات أو العكس.
ليس المسئول عن الأخطاء في الاختيار وتحمل تبعة هذه الأخطاء هو جود الأهواء والميول والرغبات الذاتية فهذا من الطبيعة البشرية والطبيعة البشرية سنة كونية في الخلق الإهي لا تتبدل ولا تتحول، بل المسئولية كاملة تقع على الإنسان وعلى تفكيره وعلى نظره في الموجودات وفي الأفعال وعلى إراته التي اختارت على ضوء عقل هو على غير رشد وعلى غير بيّنة، والأمر نفسه مع تبعية الإنسان لما صنعته يده أو ما صنعته يد غيره مثلما نحن عليه في تعاطينا مع وسائل التواصل الاجتماعي وتجاوبنا مع الألة بصفة عامة، فالألة مهما كان نوعها ودورها ومهما كان مجالها تبقى مجرد ألة وسيلة أداة وجدت لخدمة مصالح الإنسان ولتحقيق حاجاته ولتوفر له الجهد والوقت وليس لاستعباده ولإفقاده إنسانيته ولتعطيل قدراته العقلية والنفسية والاجتماعية والأخلاقية كما قائم في حياته المعاصرة خاصة الإنسان الذي يعيش في التخلّف ويحيا وضعا متهيبا أفقده القدرة على التفكير الحر والنقدي الاستدلالي المستنير، ولما فقد هذا النوع من التفكير الذي كان وراء كل نهضة وشرط كل تقدم وأساس كل بناء حضاري ومحرك التاريخ عبر العصور، فقد حرية الإرادة أساس كل تفكير إبداعي وكل فعل إبداعي، ففد نتيجة ذلك جميع شروط الإقلاع في اتجاه المدنية والتحضر، وصمضرب المثل في التخلف والانحطاط.
إنّ مراعاة الطبيعة البشرية وفهم وتفسير التركيبة الإنسانية في إطار طبيعة البشر من واجبات العقل الحر الواعي من خلال البحوث الفكرية والفلسفية والاجتماعية والدراسات العلمية الدقيقة والطبيعية والتكنولوجية، من أجل التوجيه والتحكم والسيطرة والتسخير والسيادة، عصرنا فيه السيادة للعلم فالسيد من يمتلك العلم ويحتكره ومن يصنع المعرفة العلمية وينتج التكنولوجيا في جميع قطاعات الحياة، ويبقى العلم وسيلة والفلسفة وسيلة والتكنولوجيا وسائل وأساليب وغيرها مما يملكه الإنسان يستخدمه في مصلحته أو في غير مصلحته، تبعا لتفكيره واختياره، ولا يوجد فعل إنساني إرادي مطلق من الدوافع قبلية أو غائية بعدية، هي بمثابة بدائل شتى تحرك الإرادة وتشدّها والدافع مهما كان نوعه الأكثر اتقادا والأكثر قوّه هو الذي يسيطر على الإرادة ويحركها باتجاهه فيحصل الأختيار الأفضل مثل التضحية ومساعدة المحتاج وبرّ الوالدين وغيرها كثير أو الأختيار السيء أو الأسوء مثل جريمة القتل والسرقة والكذب وغيره كثير، وهكذا الأمر مع التكنولوجيا ومع العلم ومع الفلسفة ومع الدين ومع غيره، فوسائل التواصل الاجتماعي في عصرنا وغيرها مما توصل إليه الإنسان المعاصر من تقدم علمي وتكنولوجي مذهل ورهيب يمكن استخدام كل ذلك في راحة الإنسان وإسعاده ويمكن تخويل كل ذلك في شقاء الإنسان وتعاسته ومثال ذلك بسيط فالسكين الذي صنعته يد الإنسان من مادة موجودة في الطبيعة لتحقيق حاجات مهمة وإنجاز أفعال نافعة معروفة استخدمه الإنسان في أعمال إجرامية يعاقب عليها، فالوسيلة تبقى وسيلة والإنسان هو مستخدمها في طريق الخير أو في طريق الشر، والصراع أبدي بين الخير والشر، ولولا قرينة ثنائية الخير والشر ما احتاج الإنسان إلى العقل والإرادة، فالعقل ينظر في الأشياء والأفعال الذاتية والبينية وفي أفعال الآخرين ويستعين العقل نظرا لمحدوديته وقصوره بالدين والعرف والأخلاق الفردية والاجتماعية وأحيانا بالكيان النفسي والوجداني فتسيطر الميول وألأأهواء والرغبات والعواطف وسائر الحياة الانفعالية،، والإرادة تختار على ضوء النظر العقلي والأحكام التي يصدرها العقل، وعلى هذا الإساس تتحدد المسئولية كاملة ويتحدد الجزاء عقابا كان أو ثوابا ويتحقق العدل في الحياة لهذا وجد الإنسان قامت الإنسانية لتعمر الأرض من خلال دفع العقل باتجاه الاستقامة في النظر والاستواء في الحكم والقرار وحفظ العرض والدين والمال وقبل ذلك حفظ النفس البشرية المكرّمة من بارئها.