البحث عن سر الحياة
• سلام مراد
ظل سر الحياة الأمر الذي يشغل البشر خلال تاريخ الإنسانية الطويل، فأكثرنا سمع قصة كلكامش وبحثه عن عشبة الخلود ورحلته والمشقات والصعوبات التي اعترضت طريقه، كما أن البحث عن الحياة موجود في الحضارات الأخرى كالهندية ففي نصوص سنسكريتية تساءلت امرأة سامها ميتريبي أنها إذا امتلكت ثروة كبيرة هل تستطيع بذلك أن تحصل على الخلود؟ أجاب زوجها لا... فإن حياتك هنا شأن حياة الأثرياء، قالت الزوجة: إذن لا أمل في الخلود بفضل الثراء...إذن ماذا عليّ ان أفعل بهذا الذي لا يمنحني الخلود؟.
استمرت البشرية آلاف السنين، توالت حضارات وحواضر وظل معها سؤالها الدائم الوجود إلى أين؟.لذلك ربما تركزت الكثير من الأسئلة على تفسير الوجود والحياة، ويأتي كتاب الوجود ومفسروه من هيراقليطس إلى بديع الكسم لمؤلفه علي محمد إسبر ضمن السياق الأخير، لأنه حصلت خلافات كثيرة بين مستويات التفكير المتنوعة والمختلفة أكثرها بسبب تفاوت درجات التفكير والوعي عند البشر، وبالتالي أفضى سيرورة تطور الجنس البشري، إلى نبذ الإنسان لكل ما يتجاوز الإنسان فصار الآدمي يروم إلى تحقيق آدميته بك الوسائل التي تتاح له، هرباً من مواجهة هول الوجود وعظمته، فالناس العاديين يعيشون على البساطة ويفكرون بأمور الحياة اليومية والمعيشة، لكن أصحاب الفكر والعقل والفلسفة ظلت الأسئلة تشغلهم، لأن الفلسفة بحد ذاتها أسئلة دائمة وقلق دائم وبحث مستمر عن الغريب والمخفي.
لذلك حصلت تناقضات بين المفكرين والكثير من الفئات الاجتماعية الأخرى، مثلا هيراقليطس هاجم مجتمعه نتيجة معاناة وحزن عميق، ففضل العزلة والانفراد رغبة منه الخروج من عالم الناس نهائياً، فأهداف البشر تتمثل في أسخف ضروب السلوك الذي سلكوه حيث يبدو همهم المضمحل، الذي لا يتجاوز طلب شهوات الحياة وأباطيلها، وهذا ما دفع هيراقليطس إلى هجر مدينته حتى مماته.
خلود النفس عند بديع الكسم
إن الموت هو سبب التفكير في كثير من الأحيان لأن فيه سر ظل يؤرق الفكر والعقل بشكل عام، فالإنسان الحي يتحول نتيجة الموت إلى جثة هامدة تتفسخ وتسري فيها الديدان، وبالتالي فالموت هو النهاية المحتمة، ومن هنا أيضا انبعثت الخلافات والمفاهيم المختلفة للموت والحياة، فقسم من المفكرين رأى أن النفس تبقى بعد الموت والقسم الأخر أنكر ذلك، ومن الذين ساهموا في هذه المناقشات والإشكالات القائمة بين الاتجاهات المتنوعة المفكر الكبير بديع الكسم، من خلال تقييمه كل ما مرّ من نظريات منوهاً إلى أن برهان كل فيلسوف مرتبط ارتباطاً لا فكاك منه بتوكيده، وإذا علق الفيلسوف حكمه السالب، فإن ذلك يعفيه من البرهان، وعلة ذلك تعود إلى أن هذا التعليق عينه لا يتداخل مع أي توكيد، وبما أن البرهان إما أن يكون جازماً أو غير جازم قاطعاً أو غير قاطع، كان لا بد للجانب المشكوك فيه من النظرية أن يولد، ليس من برهان واهٍ متهافت وإنما من الانتصار الغالي الثمن تحققه بعض البراهين على غيرها من البراهين.
ويرجع الدكتور الكسم الموانع الرئيسية التي تمنع برهاناً على خلود النفس من الحصول على نتيجة قطعية مطلقة إلى باعثين، الأول هو الحد الذاتي الذي يتصف به البرهان نفسه، والثاني أمكان القطيعة بين لزوميات الفكر وأهواء الواقع ومنازعه ونزواته.
أما الباعث الأول الذي يمنع برهاناً على الخلود من الوصول إلى نتيجة مطلقة، فقد شرحه غوبلو على ا لصعيد المنطقي عندما دلل على أن "الخلود هو سلب الموت، والموت هو سلب الحياة بدءاً من لحظة معينه، بحيث أن فكرة الخلود السالبة، في الظاهر، هي في الحقيقة، فكرة البقاء الموجبة، إن القضية السالبة: (النفس ليست فانية) والقضية اللامحدودة: (النفس خالدة)، تعبران كلتاهما عن الحكم الموجب، بأن حياة النفس تستمر بعد أن تتوقف الحياة العضوية، ولكن لاعتقادنا بأنه لا يتعين علينا البرهان على قضية سالبة، فإننا نستخدم دليلاً يكون في الواقع كافياً لإثبات سالبة، وانطلاقاً من ذلك يشير غوبلو إلى أن فساد الإنسان العضوي وانحلاله في الموت لا يتناسب مع كون الشيء جوهراً بسيطاً، ويترتب على ذلك أن فساد الجسم بالموت لا يمكن أن يقال عن النفس لأنها جوهر بسيط ويترتب على ذلك أيضاً عدم القدرة على التأكيد الموجب بأن النفس باقية، صحيح أن النفس متمايزة عن الجسد لأنها جوهر بسيط، لكن هذا إذا فهمناه ميتافيزيقياً ليس دليلاً على بقاء النفس بعد الموت.
الكتاب : الوجود ومفسّر.وه
الكاتب: علي محمد إسبر.
الناشر: دار التكوين ـ دمشق 2004.