مع الأستاذ جود أبو صوان
والنفس والجسد
سلام مراد
عندما تقرأ مع الأستاذ جود أبو صوان فإنك تقرأ شيئاً مختلفاً، هذا بدوره يحرك فيك المشاعر والأحاسيس والتفكير، يوقظ فيك صوت العقل، ويحرك العواطف والمشاعر والروح، لأنه يخاطب العقل والروح سوية.
درس الأستاذ جود أبو صوان الإنسان، وحاول مع علماء قليلين وكثيرين أن يفك هذا الرمز الصعب، لأن البحث في الداخل وليس في الخارج، فاكتشاف الإنسان لما حوله سهل، إنما دراسته لذاته واكتشافه لنفسه هو الصعب.
لذلك استشهد الاستاذ جود في كتابه بشعار لمعبد دلفي عند اليونان القدماء يقول: «اعرف نفسك، تعرف الكون والآلهة». بين الأستاذ جود فكرة جميلة توصل إليها باستنتاج مفكر وباحث في الفلسفة فقال: «إن البحوث العلمية حاولت أن تفسر الإنسان فلم تعط إلا مبادئ مادية عن الجسد؛ وحاولت الأديان أن تفسّر الإنسان من خلال ما تدّعي معرفته عن الروح. وفي التجربتين لم يتوصل إلى اكتشاف الإنسان، لأن الولوج إلى عمق ذات الإنسان بقي خيالاً أو سراباً لازالت الإنسانية تخاف التوغل في مجاهله، فبقي الإنسان واقعاً خارجيّاً يُقارب الحقيقة ولا يصل إليها.».
تكلم الأستاذ جود عن الواقع والحقيقة وأوضح أن بينهما بعد يتناهى تارة ويتقارب أحياناً إلى درجة التلامس، فالواقع يفرض ذاته ويتكرر فيألفه الناس حتى يختلط عليهم ويبدو وكأنه الحقيقة.
تطور الطب وازداد علم الإنسان المعاصر بشكل كبير وتحققت نجاحات متميزة في مجال الجراحة، والطب الوقائي، إلا أن الطب الحديث بأسلوبه المباشر وبكلام أصحاب مدرسته الحديثة وكأنهم يمتلكون الحقيقة أو هم فقط أصحابها، وعجزهم بنفس الوقت عن علاج الكثير من الأمراض، والفشل مع الكثير من المرضى، هذا أدى إلى خلق اليأس المميت عند عدد كبير من المرضى فلجأوا إلى المشعوذين علهم يجدون ضالتهم عندهم ولكنهم لجأوا إلى المكان الخطأ وطلبوا الأمانة من غير أهلها، فازدادوا يأساً وضياعاً ودخلوا المجاهل من أوسع أبوابها، كل هذا خلق جواً من الرعب عند الناس من بعض الأمراض وجعلهم يخشون التلفظ بأسمائها، حتى وإن كانت بغيرهم، فهيأتهم ليُصابوا بها، أو ليعيشوا رعب الإصابة دون أن تكون فيهم.
استند الباحث إلى علم الجينات الذريّ، وبخصوص الطب المعاصر وكيف أغفل المريض وأسباب وكوامن المرض فيه، حتى باتت الدراسات كأنها تتحدث عن الخيال والبعيد نتيجة ابتعادها عن جوهر الإنسان وذاته.
ويتطرق الباحث إلى موضوع الحقيقة والخيال وقال عنهما إنهما في الجوهر واحد، لكنهما متباعدان في الزمان فقط، إذ إن الخيال يسبق الحقيقة التي تلهث للحاق به، ومتى أدركته يصبح جزءاً منها أو تصبح جزءاً منه، فما يبدو لنا اليوم خيالاً، إنما هو حقيقة لم تكتمل لها بعد شروط الزمان والمكان لتصبح واقعاً ملموساً.
فالخيال هو حقيقة طيفية، مجرّدة، في حين أن ما يسمّى حقيقة، فهو خيال مكتمل أنضجته العناصر فأصبح ملموساً ومحسوساً ومُعاشاً، وتستمد الحقيقة زخر غناها من الخيال. وتخصبه وتخصب به لأسبقيّته لها في الزمان وإن كان منطلقهما المكاني، أحياناً، واحداً، فهي الجنين الذي ينمو في أعماق الخيال منتظراً زمن ولادته.
كما أوضح الباحث إن الواقع الحياتي الإنساني هو جزء من مكوّنات هذه الحقيقة التي يصوغها الفرد حسب مفاهيمه ويبلورها حسب معطياته العقليّة ووفق الزمان والمكان اللذين يعيشهما.
وما الغوص في استطلاع أبعاد المعرفة إلاَّ تسريع لحركة العقل، ومحاولة لتقصير أبعاد الزمان بين الواقع كحقيقة، والخيال كحقيقة واقعة، وبالتالي، الاستفادة من قصر المسافة الحاصل لجني المعرفة لما فيه خير الإنسان، وتوصل الباحث إلى نتيجة ملفتة وهامة وعلمية وجميلة بنفس الوقت أنه أبعد الأبعاد في العلوم، وأقربها، على السواء، هو الإنسان.
الكتاب:
الكاتب:د.جود أبو صوان.
الناشر