فن الموشح ومقدرته على التعبير موسيقيا وإيقاعيا:
نكاد نجزم ان الموشح او فن الزجل مؤخرا بنمطه القريب على الموشح الأصلي بأٌفاله وأسماطه, قد لبى نداء البوح وإيقاعات النفس البشرية ,وليس هذا بحال حص ودفع ودعوة بقدر التجربة الشخصية والمماسة كتطبيق ميداني.
وربما لم نجد تجربة حاضرة كنص مقارن ودراسة موضوعية عميقة لتدرس تلك الجوانب في الفرق ما بين الجرس الرتيب للشعر العمودي والوثاب في الموشح المتجاوب مع الريتم النفسي للمرء المتحفز العواطف والذي يبحث عن نوع من الترنم المريح.
والدليل على ذلك تجاوب الموشح مع متطلبات عصره في الاندلس:, يقول خالد جمعة حول ذلك:
وقد يتغنى الاندلسيون في موشحاتهم بالراح التي تغنى بها الاعشى والاخطل وابو نواس ولكن الطريقة في الاندلس تختلف من حيث المبنى إن لم تختلف من حيث المعنى فالقلب قد تغير تبعاً لتغيرات العصر والمجتمع والطبيعة فيصدح الشاعر الاندلسي في موشحه [1]
وللعلم فإن الموشح نمط عربي قديم تبلور في العصر الأندلسي ولم يظهر فجأة يقول الاستاذ خالد من جديد:
حاول احد المستشرقين تصنيف الموشحات العربية فصنفها بمئة وستين نوعاً ورغم ذلك بقيت اعداد كبيرة منها خارج هذا التصنيف وللتوشيح جذور تمتد الى العصر الجاهلي حيث بعض المقطوعات المخمسة التي نسبت للشاعر امرئ القيس حين قال :
ومستلئم كشفت بالرمح ذيله أقمت بعضب ذي سفاسف ميله
فجعلت به في ملتقى الحي خيله تركت عتاق الطير تحجل حوله
كأن على اذياله نضح جريال
فالعرب إذاً تعرف التوشيح قبل الاسلام ولا يصح قول بعضهم ان هذا الفن اخذه العرب من شعراء الغرب لأن جذوره وكما لاحظنا تمتد الى اقدم العصور العربية .
لكن فن التوشيح سار بخطوات متسارعة حين ألقى العرب عصا ترحالهم في أرض الاندلس حيث تنوع وتلون وانتشر بانتشار الادوات الموسيقية ايضاً حيث كان الشاعر العربي في الاندلس ينظم موشحاته على الايقاعات الموسيقية السريعة حيث ايحاء الطبيعة التي لا نظير لها ترسم في لوحات خيال الشاعر ما تشاء من الصور المتلاحقة والنغمات الساحرة التي تمثل ردود فعل النفس البشرية على هذا الحسن الاخاذ الذي رسمه المبدع الخلاق في تلك الارض المعطاء فنرى ابن زهر ينشد في أحضان الطبيعة فيقول :
حي الوجوه الملاحا وحي نجل العيون
هل في الهوى جناح
ومن نديم وراح
رام النديم صلاحي
وكيف ارجو صلاحا بين الهوى والمجون
وانتشر الوشاحون في ذلك الزمان فابن زهر وابن زمرك والاعمى التطيلي ولسان الدين الخطيب وابو الحسن الششتري وقد ابدع الاخير في موشحه الشهير الذي ينشده المنشدون حتى يومنا هذا حين تدفق منه المعاني الصوفية في حلقات المساجد :
سلبت ليلى مني العقلا
قلت يا ليلى ارحمي القتلى[2]
وقد حصل انقطاع للموشح حتى عصرنا الحديث وخاصة شعراء المهجر الذي أحيوه ,وأحيوا معه التعبير الغنائي الذي طبق كل نص على موسيقا مناسبة ليتجاوب مع الحاجة الإنسانية للنغم, ومنهم :إيليا أبو ماضي:
السحب تركض في الفضاء الرحب ركض الخائفين
و الشمس تبدو خلفها صفراء عاصبة الجبين
لكنما عيناك باهتتان في الافق البعيد
سلمى بماذا تفكرين ...
سلمى بماذا تحلمين ...
والسؤال هنا لماذا انتشرت بقوة رغم معانيها البسيطة ونظمها الأبسط؟, هل لأنها توازت مع الحوار الإنساني للنفس؟, أم لقربها من كلام الإنسان العادي؟. أم لأن بعضها لحن وبات اللحن ضرورة من ضرورات الموشح لاحقا؟.
يتبع
[1] المصدر:
http://furat.alwehda.gov.sy/_kuttab_...20070122220955
[2] المصدر السابق.
ريمه الخاني 29-5-2014