Ayman Yaghi
مكتبة «الدراسات الفلسطينية».. حقائق لا تموت
داليا بسيوني
09 مايو 2014
تشغل مكتبة مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت، مكانة خاصة وفريدة، كونها تمثل الوعاء الثقافي المرجعي والفكري الشامل والدقيق، والذي يتسم بطابع الموثوقية، حول القضية الفلسطينية، منذ البدايات. وتتماشى المكتبة في طبيعة مضمونها وتوجهاتها، مع رؤى المؤسسة، التي تأسست 1963. كما تواكب أعمالها وحجم انتشارها..
حيث توجد لها مكاتب عدة، في واشنطن ورام الله وباريس. وتتبدى المكتبة، في مضمون توجهاتها، ومنوال بحثها وتركيزها، بمثابة حضن للوثائق والحقائق التاريخية، التي تنتصر لحق الفلسطيني التاريخي في أرضه، وتوضح مدى الظلم الذي لقيه، مكرسة إرادة التغلب على أية ممارسات ووقائع حالية، لتجعل بهذا، من الحقائق التاريخية وثيقة نابضة لا تموت أو يخفت بريقها.
لا تقتصر أهمية مكتبة المؤسسة على طبيعة ما تشتمل عليه من مؤلفات ودراسات، بل إن جوهر اعتبارات قيمتها المميزة، أن محتوياتها تغطي غالبية الجوانب السياسية والفكرية والتاريخية والجغرافية..
وغير ذلك، في شأن القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي. ولا غرابة في سياق هذا التوجه، في كون المكتبة تخصص حيزاً كبيراً لأرشيف جملة وثائق نوعية عن القضية الفلسطينية.
كما تشكل المكتبة، في ضوء هذه الركائز، لبنة ودعامة فعاليات وبرامج مؤسسة الدراسات، في توفيرها البيانات والمعلومات المرجعية البحثية والتاريخية، حول أي من الندوات والمحاضرات التي تنظمها. كما أنها تحتضن على الدوام، مجموعة من المؤلفات والترجمات والكتب التي تصدر تباعاً عن المؤسسة. إضافة إلى نسخ من المجلات، أبرزها: «مجلة الدراسات الفلسطينية»، باللغات: العربية والفرنسية والإنجليزية.
التراث الثقافي الفلسطيني
تأسست مكتبة مؤسسة الدراسات الفلسطينية ف2ي بيروت، بالتزامن مع تأسيس المؤسسة. وتتوزع المكتبة، حالياً، على مساحة أربعة طوابق ضمن مبنى المؤسسة في بيروت. ومنذ عام 1984، وبقرار من مجلس أمناء المؤسسة، أصبحت المكتبة تحمل اسم أحد مؤسسي مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ورئيس مجلس أمنائها (1963-1984)..
والرئيس الفخري للمجلس (1985 ـ 2000)، الدكتور قسطنطين زريق، ذلك تكريماً له وتقديراً لما بذله من جهود. وتعد المكتبة أحد أشكال التعبير عن أهداف المؤسسة الرئيسية، ومن أهمها: حفظ التراث الثقافي والنتاج الفكري الفلسطيني، مواكبة تطورات القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي (توثيقاً وبحثاً).
تطور ومراحل
عنيت المؤسسة بتنمية مقتنيات المكتبة وتطوير نشاطاتها، بشكل متواصل.. وهو ما أثمر توسعها وثرائها. وذلك إلى أن أصبحت تمثل أهم مكتبة فريدة متخصصة في محتوياتها، بالقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي. وتضم في هذا الصدد، جملة مراجع أساسية وكتباً ودوريات وصحفاً بالعربية والإنجليزية والفرنسية والعبرية.
كما تتناول المؤلفات التي تحويها المكتبة، طبيعة تطورات القضية الفلسطينية في مختلف الحقول والمجالات، مع تركيز خاص على فلسطين، شعباً وتاريخاً ومجتمعاً. كذلك واكبت مقتنيات المكتبة، التطورات التي شهدتها القضية الفلسطينية منذ البدايات، في المجالات التاريخية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، شاملة في ذلك جميع المجريات والأحداث التي تمس هذه القضية، سواء أكانت في فلسطين، منذ فجر التاريخ، أم ضمن شتى الساحات العربية والإقليمية والعالمية.
موسوعات ووثائق
تضم المكتبة، مجموعة هائلة من الكتب والوثائق. وتحتوي على أكثر من خمسين ألف مجلد، بين حديث وقديم. ويعود تاريخ مجلدات فيها، إلى القرن التاسع الميلادي. وكانت حماية هذا الكنز الثمين واحدة من أبرز الهواجس إبان الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982.
وتشتمل المكتبة في أجنحتها، على 75 ألف كتاب حول القضية الفلسطينية إلى جانب أرشيف للوثائق. وتضم مجموعة مهمة من المراجع الأولية، من موسوعات وكتباً سنوية وبيبلوغرافيات وتقارير رسمية وقواميس وأطالس وكتباً إحصائية. بالإضافة إلى عدد كبير من الكتب والكراسات، باللغات المتعددة. وتوجد فيها مجموعات خاصة من الكتب والوثائق النادرة..
والتي تدور في موضوعاتها، عموماً، حول قضايا ونقاط شتى، مثل: كتب وقرارات صادرة عن حكومة الانتداب البريطاني، كتب عن المؤتمرات الصهيونية، نسخ من الجريدة الرسمية لحكومة فلسطين.
1947
تولي المكتبة مسألة اقتناء الكتب والدوريات والصحف العربية الصادرة في الأراضي المحتلة، عناية خاصة. ذلك إلى جانب الكتب الجديدة والدوريات والصحف الصادرة في إسرائيل. وتتبع المكتبة تصنيف ديوي العشري وقواعد الفهرسة الأنجلو أميركية ولائحة مكتبة الكونغرس لرؤوس الموضوعات.
أما الوثائق الرسمية للمنظمات الدولية والإقليمية، فيوجد في المكتبة قسم خاص بالوثائق الصادرة عن الأمم المتحدة ووكالاتها، منذ عام 1947، والتي هي متعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي. علاوة على جميع التقارير والوثائق الصادرة عن جامعة الدول العربية ولجانها المتخصصة.
خدمات المكتبة
تقدم مكتبة مؤسسة الدراسات الفلسطينية، الخدمات المباشرة لروادها. وترد على استفساراتهم وترشدهم إلى مصادر المعلومات. وتمدهم بإرشادات حول كيفية الاستفادة القصوى من مضامينها. ولأن خدمة المعلومات المتعلقة بالقضية الفلسطينية هي المبرر الأساسي لوجود المكتبة. ركزت المؤسسة على مد رقعة الخدمات التي نقدمها إلى خارج لبنان.
وذلك بالرد على رسائل واستفسارات الباحثين والجامعيين، وتأمين الببلوغرافيات في موضوعات اختصاصها لطلبة جامعيين في دول عربية كثيرة، لا تسمح إمكاناتهم بالحضور إلى بيروت. كما تضع المكتبة بين أيدي الباحثين مجموعات من الوثائق الفلسطينية والعربية والدولية، المتعلقة بالقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي.وتصدر قوائم منتظمة بالمقتنيات الجديدة توضع على موقعها الإلكتروني في شبكة الإنترنت.
«الدراسات الفلسطينية»
تعتني المكتبة في إبراز ومواكبة دور وأهمية مجلة «الدراسات الفلسطينية»، التي تصدرها المؤسسة، في بيروت منذ عام 1990. كذلك تصدر في رام الله، وتطبع منها نسخة خاصة توزع في فلسطين. وتعتني المكتبة بهذا الشأن، إلى حدود بعيدة، بفعل فوائد وجدوى المجلة، تاريخاً وبحثاً وأرشفة ومتابعة لأحدث الإصدارات.
وكونها فعلياً منبراً مستقلاً لمناقشة آخر تطورات القضية الفلسطينية واحتمالات المستقبل. ولأنها تستقطب جميع الباحثين. وكذا تشكل حلقة اتصال فكري بين الجامعيين والباحثين الفلسطينيين في الداخل والخارج. وتمثل «الدراسات الفلسطينية»، مجلة فصلية، تصدر أربع مرات في السنة عن المؤسسة، وتشارك في كتابة موضعاتها، نخبة أقلام عربية ناقدة وشفافة، وتتضمن جملة محاور.
وتمثل بطبيعة موضوعاتها، منتدى فكرياً مفتوحاً، إذ تتطرق إلى آخر تطورات القضية الفلسطينية والسياسات والاتجاهات الناشئة. كما تتنوع أبواب المجلة.. إضافة إلى قراءات في المشهد الفلسطيني. وغير ذلك الكثير.
«فلسطين قبل 48.. ليست مجرد ذاكرة»
تحضن مكتبة مؤسسة الدراسات الفلسطينية، نتاج أبحاث ودراسات وتوثيق، فترة 50 عاماً، حول القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي. وذلك منذ تاريخ تأسيس المؤسسة. إذ إنها تابعت، منذ بداياتها، أطر العمل التي تصب خصوصاً في مجال توثيق وبحث جوانب القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي. واحتفلت المؤسسة باليوبيل الذهبي لتأسيسها، في العام الفائت (2013)، إذ نظمت معرضاً للصور الفوتوغرافية عن فلسطين والشعب الفلسطيني، تحت عنوان «فلسطين قبل 1948 ليست مجرد ذاكرة».
1995
اعتمدت المكتبة في العام 1995، وفي سياق الحرص على التطوير الأكاديمي والتكنولوجي، نظام (أوليب): «OLIB» للمكننة. فانتقلت من النظام التقليدي إلى عصر الخدمات المكتبية الرقمية، من خلال توفير نظام متطور. ويعتمد النظام على التقنيات والمعايير المتبعة عالمياً. كذلك أعدت كتيباً مبسطاً لتدريب الزائرين على استخدام أجهزة الكمبيوتر، في قاعات المكتبة، بمساعدة الجهاز العامل.
ومن جهة أخرى، تعرض المكتبة، بشكل بارز، كل المؤلفات الصادرة حديثاً عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ومن أبرزها (بين التي صدرت أخيراً): «المقاومة الشعبية الفلسطينية تحت الاحتلال: قراءة نقدية وتحليلية» من تأليف ليندا طبر وعلاء العزة. وهو كتاب (دراسة). ويحاول الكتاب، تقديم قراءة تحليلية للماضي القريب وللحاضر، تسهم في النقاش بشأن موضوعة: أين نحن الآن من فلسطين، جغرافياً وتاريخياً. وأما كتاب «السيطرة على الغذاء، السيطرة على الشعب: الكفاح من أجل الأمن الغذائي في غزة». فمن تأليف رامي زريق وآن غوف.
وثائق نادرة ومجموعات سمعية بصرية متنوعة
تحتوي المكتبة مجموعة كبيرة من الوثائق الأصلية والفريدة، مؤلفة من أوراق خاصة ومذكرات ومحاضر اجتماعات ومؤتمرات وصور، تشمل نشاط عدد من قادة الحركة الوطنية في فلسطين وهيئاتها وأحزابها المتعددة. كما يوجد مجموعة أخرى من هذه الوثائق لا ينطبق عليها تعريف «وثيقة أصلية». إذ إنها ليست بخط اليد، ولا تنفرد المكتبة في المؤسسة باقتنائها، ولكنها مجموعة وثائق نادرة ومهمة، بعضها في شكل صور عن الأصل، وبعضها الآخر على ميكروفيلم.
وأهمية هذه المجموعة من الوثائق، أنها جمعت من مصادرها الأصلية المتنوعة. ذلك إلى جانب الميكروفيلم في المكتبة، الذي يحتوي مجموعة قيمة من الصحف الفلسطينية القديمة والصحف الصادرة في الأراضي المحتلة، والصحف الأجنبية والعربية، مصورة على ميكروفيلم. وفي المكتبة أيضاً، مجموعات نادرة من الصور والأفلام السينمائية الوثائقية، ومن الخرائط عن فلسطين ومدنها. وتعمل المكتبة حالياً على تنمية مجموعتها السمعية البصرية.