تأملاتٌ في مبادئ وقواعد وأخلاقيات فلسفة الثورة والتغيير (!!)65 – جائعان كان يضمُّهما خندق واحد ضد من سرق قوتَهما، ثم فجأة افترقا وتمترس كلٌّ منهما في خندقٍ يقاتل منه شريكَه في الجوع. ما الذي جرى، ما سر هذا الانقلاب في التخدنقات. لقد نجح سارق القوت في جرِّهما إلى هذه المواجهة عندما أقنعَ كلاَّ منهما بأن هويتَه "الوطنية"، أو "المذهبية، أو الدينية، أو الاثنية" مُهَدَّدَة من قِبَلِ الآخر، وبأن حمايَتَها من ذلك التهديد هي الطريق إلى استعادة القوت، لأنه إنما يحتفظُ به حماية له من الآخر، وليس سرقة له أو استحواذا عليه، فيقتَتِلان، ويضعفان، ثم يفنيان، وهما جائعان ما يزالان، ويبقى قوتُهما المسروقُ في حوزةِ السارق بعد أن يكون قد أصبح في مأمنٍ من وجود من يطالب به أصلا. أيها الجياع: ألا "تباًّ لهوية" لا تقوم إلا على أشلائكم وعلى أشلاءِ شركائكم في الجوع، بل "تباًّ لحاملِ مشروعِ هوية" يظن أن سارق قوته حريصٌ على هويَّتَه أكثر من حرصِ شريكه في الجوع عليها، لا بل "تباًّ لفلسفة هوية" يمكنها أن تؤسِّسَ للتعايش مع الجوعِ في حضن سارق القوت، ولا يمكنها أن تؤسِّس للتعايش مع هوية أخرى تشاركها مصير النضال في مواجهة الجوع (!!)