بحث وقصيدة بعنوان: حماة أبي الفداء... مدينة العلماء بقلم الاستاذ غالب أحمد المصري مدينة حماة، كما هي مدينة العاصي والنواعير، ومدينة الألف شاعر، وقبل ذلك وبعده مدينة أبي الفداء ملك حماة الأديب العالم المؤرخ الجغرافي والشاعر، فهي أيضاً مدينة العلماء، وقبل ذلك كانت موطناً للشاعر والحابي الجليل حسان بن ثابت، وسمعت منذ طفولتي أنه مدفون تحت جسر الهوى على ضفاف العاصي. في القصيدة التالية أذكر بعضاً، لا كلاًّ، من علمائها الأفاضل، وحبذا لو يتم في التعليقات ذكر المزيد عن هؤلاء العلماء وعن غيرهم ممن لا يُنقص عدم ذكرهم من فضلهم. وقد بدأت بالشيخ مصطفى الحداد (او الحنحون كما كان يعرف)؛ إذ كان من الطبقة الأولى من العلماء، وعندما أراد الفرنسيون أثناء الاحتلال إيكال رئاسة القضاء إليه اعترافاً بعلمه ومكانته وفضله لم يرض أن ينتقل إلى دمشق فنقلوه إلى حماة، ولم يكن يتراجع عن حكم قضائي أصدره رغم اعتراض الحاكم العسكري الفرنسي عليه. وكان هناك رجل فاضل ممن كان يحضر دروسه، هو الحاج محمد صويّ، رحمه الله تعالى، كان لا يفتأ يحدثنا عنه أموراً كثيرة تدل على تمكنه في الفقه والتفسير وغيرهما من العلوم، فكان – مثلاً – أثناء سيره إلى جامع (البحصة) في حي العصيدة تراه مشغولاً وكأنه يحدث نفسه، فكان يراجع القرآن الكريم ومسائل العلم في ذهنه وهو ماشٍ إلى المسجد حتى لا ينتبه إلى من حوله من كثرة انشغاله، وهناك كثير من الأمور العجيبة حوله، وقد وجدت بعض هذه الأحاديث التي كنت أسمعها عنه قد ذكرها شيخنا العلامة الفاضل محمد أديب كلكل في كتاب "الأنيس في الوحدة" – المجلد الثاني، وأوردها منقولاً هنا: (ولد المرحوم سنة 1288هـ =1871م، حفظ القرآن وهو ابن سبع سنين ثم استظهره، ثم درس الفقه الشافعي على علماء حيِّ الحاضر في حماة وخصوصاً الشيخ فارس الشقفة، والشيخ يحيى الفرجي، ودرس الفقه الحنفي على الشيخ أحمد الدباغ أمين الفتوى، ولازم عنده، وقد سيق لحكم الإعدام مع المرحومين الشيخ توفيق الصباغ، والشيخ خالد الزعيم إلى استانبول متهمين بمناهضة الحكم والمطالبة بالحكم الشرعي ثم أفرج عنهم، ثم انتدب مستشاراً في محكمة التمييز بدمشق مدة قليلة حيث طلب العود لحماة، فعاد لها قاضياً شرعياً حتى أحيل إلى التقاعد. كان قوي الحافظة، عالماً فاضلاً ورعاً، مسدد الأحكام مهيباً، لا تأخذه في الله لومة لائم، وكان مرجعاً في الفقهين الشافعي والحنفي. توفي مشلولاً في 27 رجب 1357هـ =1938م. من صفاته الخلقية: كان مربوع القامة، ضعيف الجسم، حنطي اللون ولكن وجهه يشع نوراً، كانت مشيته بهدوء، وكان يعتني بلباسه، وكان ذا صوت ندي وجميل، كان يؤذن أحياناً في جامع الدرابزون، وكانت له تسبيحات يقولها قبل الفجر مختلفة عن التسبيحات التي يقولها المؤذنون عادة. زوجته من آل الدريعي. هذا وقد سمعت من كبار السن الذين كانوا يحضرون دروسه أشياء، وسمعت منهم مناقب جمّة عنه ـ رحمه الله تعالى ـ أذكرها لتبقى في ذاكرة التاريخ، وربما لم يسمع بها أحد من جيل هذا العصر، وحتى يعلموا ما لهذه المدينة من مكانة علمية غابرة، وكم نبغ فيها من رجال حملوا راية العلم والإصلاح على مرِّ الزمان. دفن في مقبرة الحاضر، وقد دُرس قبره كما درست قبور علماء آخرين. أولاً: ذكر لي أن الشيخ فارس الشقفة ـ رحمه الله تعالى ـ كان يدرّس في جامع الأربعين في منطقة الحاضر بحماة، وكان الشيخ مصطفى الحداد طفلاً صغيراً حيث دخل المسجد متأخراً عن صلاة الجماعة فصلى، ثم جلس في مكانه بعيداً عن حلقة الشيخ فارس، وتتابع جلوس الطفل كل يوم في مكانه حيث لفت نظر الشيخ فارس ذلك الجلوس، فدعاه الشيخ إلى الانضمام إلى الحلقة، وبعد انتهاء الدرس سأله الشيخ فارس: ما اسمك يا بني ؟ فأجاب: مصطفى، فسأله: هل حفظت الدرس يا بني ؟ قال الطفل: نعم، وأعاد الطفل الدرس كاملاً كما سمعه، قال له الشيخ: والدرس الذي قبله؟ قال الطفل: والذي قبله، فأعاد الكل من حفظه، فتعجب الشيخ من ذلك، وكان أحدُ أولاد الشيخ حاضراً في الحلقة فناداه الشيخ: حسين أو حسن، إن هذا الطفل قد حفظ في أيام معدودات ما حفظته أنت في سنتين، ثم أخذ الشيخ فارس بيد الطفل، وذهب به إلى أبيه حيث كان يعمل حداداً فقال له: كيف تضيّعون هذه الجوهرة بين ركام الحديد والدخان، دعوه يطلب العلم، فإنه سيكون له شأن عظيم، ولربما يسبقني في هذا الميدان. وتابع الشيخ مصطفى تحصيله العلمي على مشاهير علماء عصره حتى نبغ في العلم، وشهد له بذلك كبار أساتذته. ثانياً: كانت له دروس في الفقه والتفسير في جامع الدرابزون في حي العصيدة، وكانت دروساً علمية جامعة، وكان بعض الحاضرين يخطر في باله سؤال يريد أن يسأل الشيخ أثناء الدرس عنه فيشير السائل ليسمح له الشيخ بالكلام، فيقول الشيخ: انتظر سيأتيك الجواب، من غير أن يذكر السؤال، ثم يريد آخر أن يسأل عن شيء آخر فيقول له الشيخ: سيأتيك الجواب، وحينما ينتهي الدرس يقول الشيخ: هل من سائل؟ فلا يوجد من له سؤال، ويكون قد وردت أجوبة السائلين من غير أن تعرض الأسئلة عليه، فقيل له مرة: وكيف تعرف ماذا يريد كل سائل؟ فيقول: إني أتعرّض لكل مسائل الموضوع القريبة والبعيدة، وأقوال الأئمة فيها فلا بد أن ما خطر ببال السائل أن يكون له احتمال من كل الاحتمالات الواردة في هذه المسألة. ثالثاً: وذكروا لي مرة أنه بقي ساعة ونصف وهو يشرح الآية الكريمة:[وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالبَصَرِ] (القمر:50).... هذا مع العلم بأن الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ لم يُنقض له حكم أصدره وحينما كانت أحكامه ترفع إلى محكمة التمييز بمجرد ما يرون توقيع الشيخ مصطفى تعود مع الموافقة بدون أي اعتراض. وقد سمعت من بعض الفضلاء أنه قال له: يا فلان إنني أستطيع أن أُقرِّر مسائل المذاهب الأربعة بأدلتها كما أحرِّك يدي بهذه السبحة، وأشار إلى سبحة كانت في يده. هذا هو الشيخ مصطفى الحداد أحد شيوخ حماة الغابرين الذين طواهم الدهر، فقد انمحت آثارهم ودرست أخبارهم، حتى أن قبورهم قد طمست فرحمة الله على أولئك السادة القادة الذين نطلب من الله سبحانه وتعالى أن يهيء خلفاً لهم يسيرون على دربهم، ويحملون رايتهم ويجعلون من العلم دأباً وديدناً وأنيساً وسكناً لهم اللهم آمين. ولعل دور الشيخ فارس الشقفة – رحمه الله – في تربية وتعليم الشيخ مصطفى الحداد يدل على مكانته العلمية وفضله بين العلماء. أما الشيخ (محمد بن حسن طربين)، رحمه الله تعالى، فكما ورد في المجلد الأول من كتاب "الأنيس في الوحدة"، فقد ولد في حماة عام 1260 وتوفي عام 1325 هجرية، واستظهر جميع القرآن، ولازم طلب العلم على الشيخ محمد النعسان، جد مفتي حماة الشيخ سعيد النعسان، والشيخ أحمد الدباغ، وبرع في الفرائض والفقه الشافعي، حتى كان يشار إليه بالبنان، وتخرج عليه كثير من العامة والخاصة، ولما حج تشرف بدخول الحجرة المطهرة، وفي الحج اجتمع عليه كثير من علماء مصر والحرمين الشريفين فأجازوه، وكان متعبداً زاهداً، ومع علمه كان يعمل صباغاً. وقد قال عنه عبد المحسن الأنصاري عنه: شيخ الشيوخ بحماة قديماً. أما الشيخ (سعيد الجابي) – رحمه الله – فقد كان عالماً محققاً مجاهداً، فرض احترامه على الفرنسيين المحتلين حتى كانوا يخشونه، ويكفي أن أذكر في فضل علمه ما حدثني عنه الحاج محمد صوي – رحمه الله – أنه حدث الشيخ محمد الحامد، شيخ حماة وعلامتها – رحمه الله – عن خاله الشيخ سعيد الجابي، وعن علمه واعتداله ووقوفه عند الحق، فقال له الشيخ محمد ما معناه: "ياليتني لزمته واستفدت منه". ويكفي أن أنقل بعض ما ورد عنه في موقع "ملتقى أهل التفسير" تحت عنوان: "الشيخ سعيد الجابي رائد الإصلاح في حماة الفداء" (للشيخ سعيد الجابي أيادي بيضاء على أهل حماة لا ينساها له أهل المدينة ،ولد الشيخ في (1295هـ-1878م) ونشأ كغيره من الأطفال في الكتاتيب، حفظ كتاب الله وعدداً من الأحاديث الشريفة وشب عن الطوق وسعى لكسب الرزق فكان يكدح نهاراً في صباغة النسيج، ويجعل من الليل فضاءه الرحب للعلم وظل على حاله حتى قارب الأربعين ،وصار قادراً على التفسير وأصبح ملماً بالمذاهب الاجتهادية وأصحابها وآرائها، وقدر الله ان يقيم الشيخ في الأستانة لسنوات من حياته مما سمح له بلقاء الشيخ (محمد رشيد رضا) فتأثر بمنهجه في الإصلاح، وعندما عاد الشيخ إلى حماة تزعم حركة الإصلاح الديني، وعاش مشاكل مجتمعه فقد كان الجهل والظلم متفشياً، والسلوك الخلاقي في أدنى مستوياته، والصوفية منتشرة أيما انتشار، والخرافات والبدع والشعوذات على أوجها، فنذر الشيخ حياته على مدى ثلاثين عاماً للإصلاح الإجتماعي والديني، والانتصار للدين الحق، وفي 1350هـ كتب كتابه الرائع (التبيين في الرد على المبشرين) فضح فيه منهج المبشرين وخطرهم على العالم الإسلامي. من المواقف التي تسجل للشيخ موقفه من المستشار الفرنسي عندما طلب المستشار من علماء حماة التنازل عن الجامع الكبير ليضمه إلى الكنيسة المجاورة فلم ينطق العلماء بحرف إلى ان قال احدهم : إن لنا شيخاً اسمه سعيد الجابي، وهو وحده قادر على الموافقة وإعطاء الجواب وانصرفوا خائفين، فاستدعى المستشار الفرنسي الشيخ سعيد وطلب منه الموافقة على ضم المسجد فأجابه بجرأته المعهودة منه : "خذوه لكن بالثمن الذي أخذناه، لقد أخذناه بالسيف وما تزال ضربات السيوف ظاهرة في أماكن متعددة من الجامع ودفعنا ثمنه بالدم". أعجب المستشار بجرأة الشيخ وصراحته وودعه وداعاً لائقاً للباب. واعترافاً من أهل حماة بفضل الشيخ ووفاءً وعرفاناً له قاموا بتشييد مسجد قبل سنوات قليلة أطلقوا عليه اسم مسجد الشيخ سعيد الجابي. أما الشيخ محمد سعيد النعسان الوردي مفتي حماة وعالمها – رحمه الله – فأنقل بعض ما كتب عنه: (ولد لشيخ محمد سعيد النعسان عام 1867م في حماة المحمية، وفي حي الباشورة قريباً من شارع أبي الفداء، وترعرع في بيت يسوده العلم والأدب وتكتنفه الفضيلة والصلاح، والده الشيخ مصطفى، وجده الشيخ نعسان من كبار علماء حماة، وشقيقه الأصغر طاهر النعسان. قرأ القرآن على والده وحفظه وأخذ عنه مبادئ العلوم وتعلم منه الخط كما أخذ عنه صنعة تجليد الكتب. كان رحمه الله يحب العلم حباً شغله عن التأليف وشغله عن الشعر أيضاً ولو أراد لكان من كبار الشعراء أسس الشيخ النعسان 1911م جمعية أعمال البرّ الإسلامية، بعد أن شكل مجلس إدارة لها برئاسته وعضوية كل من الحاج أحمد عدي والشيخ عبد الرزاق خير الله والحاج خالد الزعيم والشيخ محمود عثمان والشيخ طاهر النعسان وقدري الكيلاني وفارس الشققي وصالح القرم. وكذلك مدرسة «عنوان النجاح» عام 1911م في جامع القان في حي الباشورة بعد أن أصلح الغرف التي في المسجد وقد تخرج من هذه المدرسة العديد من رجالات حماة وأساتذتها وأطبائها ومعلميها، وكان من مدرسيها الشيخ عبد الحميد الشققي ومحمود الشقفة والشيخ محمد الحامد وغيرهم، ولم يكن في حماة سوى مدرستين ابتدائيتين رسميتين، وكذلك مدرسة أبي الفداء للبنين 1921م افتتحت كمدرسة ابتدائية في حي باب الجسر ومديرها الشيخ صالح القرم 1886-1975، وافتتح الشيخ النعسان مدرسة أبي الفداء للبنات عام 1923م، فقد تنبه بعقله الراجح وبصيرته النافذة إلى تفشي الجهل بين النساء، وقد ساء بعض الجهلة من الناس ماقام به فجعلوا يؤذونه بالكلام وربما بقذف الحصى وهو صابر محتسب لايرد على ذلك حتى تمّ ما أراد وبقيت هذه المدرسة تدرس إلى عام 1974. كما أسس دار العجزة والدار التابعة لها عام 1943 وتشكيل مجلس لها برئاسته وتقبلت 15 عاجزاً في ذلك العام. والشيخ سعيد النعسان من مؤسسي ملجأ الأيتام الإسلامي وهو يضم مدرسة ابتدائية وحضانة خاصة ومركزه في أول طريق المرابط خان رستم باشا «قبل أن ينتقل إلى ضاحية أبي الفداء، وقد تولى منصب الإفتاء العام عام 1921 في حماة وضواحيها حتى وفاته عام 1967، و رئاسة مجلس الأوقاف بحماة، ومركز الشيخ ومقر تعليمه الجامع النوري الذي بناه نور الدين الشهيد 558 هجرية، وكان يجلس بين المغرب والعشاء يعلم القرآن الكريم تجويداً وحسن أداءٍ وفقهاً في بعض الأحيان. ونشير إلى أن الشيخ سعيد النعسان رحل إلى القاهرة والتقى بعلمائها ومفكريها، ورحل معه تلميذه الحاج قدري الكيلاني مؤرخ حماة، وبقي معه حتى عادا في عام 1920. كان رحمه الله مثالاً يقتدى في الهمة العالية ومكارم الأخلاق صبوراً شكوراً عفيفاً لاينطق أو يتكلم إلا بالحكمة، زاهداً ورعاً وشجاعاً كريماً. وقد قلّده محافظ حماة الأستاذ جميل القربي وسام الاستحقاق الرفيع باسم الحكومة السورية. توفى الشيخ في (27/3/1967) بعد أن تجاوز المائة من عمره، رحمه الله. ونشير هنا إلى الشيخ محمود الشقفة الكبير الذي كان مفتي سلمية، وهو غير الشيخ محمود عبد الرحمن الشقفة الذي أعاد بناء التكية. أما الشيخ محمود عبد الرحمن الشقفة فهو من العلماء الأفذاذ والطبقة الأولى من العلماء. كان نادراً ما ينام الليل، حيث كان يمضيه في طلب العلم وفي قيام الليل. روى لي الشيخ محمد أديب كلكل – حفظه الله ورعاه – أنه لما قام الشيخ بدر الدين الحسني، محدث ديار الشام، بل محدث الدنيا في عصره، بزيارة حماة قرأ عليه الشيخ محمود عن ظهر قلب، وكان في الثامنة عشرة من عمره، صحيح البخاري ليجيزه فيه، قال له الشيخ بدر الدين ما معناه: "أنت الجدير بأن تجيز غيرك فيه" لما رأى من علمه وذكائه. وكان في دروسه الصباحية في جامع الأربعين بالحاضر يبدأ بتفسير آية أو آيات من القرآن الكريم ويأتي رمضان آخر وهو ما يزال في تفسير الآية أو الآيات. وكان يخطب الجمعة فكان كالبحر من سعة علمه، ولما انتهى من إعادة بناء التكية الهدائية كان يلقي فيها خطبة الجمعة إلى أن أقعده المرض عنها، فكان من سعة اطلاعه يستطرد في الموضوعات والتفاصيل. وقد حدثني أحد من كان يحضر دروسه خلال فترة في حلقة علمية خاصة أنه كان يدرّسهم مجموعة من كتب العلم منها "الاختيار في حل غاية الاختصار" في الفقه الشافعي، و"شرح قطر الندى" لابن هشام في النحو، غيره من كتب العلم، فكان يملي عليهم تعليقاته على المعتمد في الفقه مثلاً من ذاكرته دون الرجوع إلى كتاب، بل وكان يذكر لهم رقم الصفحة والفصل من المرجع الذي يستشهد به، وكأن الكتاب أمامه. وكان وجهه مشرقاً بالنورانية، وكان كثير الهدوء والصمت، وكان رحمه الله يرحب بي لما كان يستقبلني في التكية ويفتح صدره لي في الأمور العلمية وغيرها رغم أنني كنت ما أزال شاباً صغير السن، ومن الأمور الذي حدثنا بها الحاج مرعي خليف – رحمه الله وكان متردداً على مجلس الشيخ – أن الشيخ كان طول فترة جلساته مشغولاً بالذكر صامتاً، فلما كنا أنا والشيخ محمد أديب كلكل نزوره في جلسته المسائية في التكية كان يبدأ يتحدث في المسائل العلمية وفي الأمور الشرعية والتربوية، وكان يسألنا الحاج مرعي عن السر في ذلك، وما ذلك إلا لأنه كان خبيراً بالنفوس ومقدراً لطلبة العلم. وأنقل شيئاً مما كتبه عنه محمد خالد ثابت في موقعه الخاص حيث يقول: (واحد من علماء حماه المبرزين ومن شيوخ سورية المشهورين، أثرى الحياة العلمية فى بلدته إثراء عظيما، بإنشائه المدارس الشرعية وإلقائه الخطب المنبرية، وقيامه بتدريس العلوم الشرعية واللغوية على مدى أربعين عاما، وامتد نشاطه ليشمل المحافظات السورية كلها، ودولا عربية أخرى وتلمذ له عدد من أبنائها، وكانت حياته كلها خدمة للإسلام والمسلمين، وكان عالمًا عاملاً وشيخًا مربيًا قل نظيره وعز مثيله حتى انعقد الإجماع بين العلماء على رفعة شأنه وعلو منزلته ورسوخ قدمه، فلا يُسأل عنه شيخًا إلا مدحه وأثنى عليه. هو الشيخ محمود بن عبد الرحمن بن حسين بن محمد بن بكرى القصاب بن السيد أحمد (الشقفة)، ولد سنة 1898م فى مدينة حماة السورية من أسرة كريمة يتصل نسبها إلى سيدنا الحسين بن على رضى الله عنهما، وقد انجبت هذه الأسرة عددًا من العلماء والعارفين والمربين. حفظ القران صغيراً، ومنذ نعومة أظافره ظهرت عليه علامات الاستقامة على أمر الله، و الخلق الطيب الرفيع، و كان منذ طفولته مضرب المثل فى التقوى و الصلاح، و فى شبابه مثال الاستقامة والبر والإحسان، وقد ربى نفسه و جاهدها حق جهاد حتى صفت و ارتقت، فكان روحانى المظهر و المخبر، و كانت أنوار الصلاح تتلألأ فى وجهه المشرق. هكذا وصفه تلميذه العارف بالله الشيخ محمد أديب كلكل، و قال: "كان كثير الصمت بعيدا عن اللغو، من رآه هلل وكبر، وتأدب حياءً من مظهره، وكان سخيا وفيا نبيها ذكيًا، يريد الخير لكافة الخلق، ويكره لهم، الشر". تردد الشيخ منذ حداثته على حلقات العلماء، ولازم عددًا منهم ينهل من علومهم وآدابهم ويرتوى من معارفهم، وراح الشيخ ينشر أيضا العلم الشرعى فتولى التدريس والوعظ فى عدة مساجد فى مدينة حماه، فدرّس الفقه، والحديث، والنحو والصرف والبلاغة، والأصول، والتفسير، كذلك التصوف والسلوك. وقام الشيخ بإنشاء جمعية رعاية المساجد والشعائر الإسلامية وتولى رئاستها، وقد قامت الجمعية بإنشاء عدد كبير من المساجد فى القرى والبوادى، وقامت أيضا بتجديد وترميم غيرها. ولم يتقاعس الشيخ عن جهاد الفرنسيين أثناء احتلالهم لسوريا، وشارك فى ذلك -أيضا- الشيخ محمد بدر الدين الحسنى والشيخ على الدقر وغيرهم من العلماء والمجاهدين. أما ما كان من خبر استشهاده فيقول الدكتور محمد رياض الخوام: استُشْهدَ الشيخ – رحمه الله – بعد عصر يوم الجمعة فى اليوم العاشر من شهر رمضان المبارك من عام 1399هـ وقبل المغرب بنحو ساعة فى جامع التكية، وبعد الانتهاء من مجلس الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم امتدت إليه يد الغدر والخيانة من قبل أحد المجرمين وطعنه بسكين فى صدره حُمِلَ على إثرها إلى المستشفى. وقد وافته المنية ليلة الأحد (12 رمضان عام 1399هـ - الموافق 5 آب عام 1979م)، وتم تشييعه فى اليوم المذكور بعد صلاة العصر فى موكب مهيب حافل اشترك فيه الآلاف من تلامذته ومحبيه ثم وورى جثمانه الطاهر فى التكية الهدائية، وقد لقي ربه شهيدًا سعيدًا إن شاء الله تعالى". وخيم الحزن الشديد على أهل البلدة وصار عندهم يومًا مشهودًا. أما شيخنا العلامة محمد الحامد رحمه الله فقد كان من صفوة أهل العلم والورع والتحقيق، وكان لا يخشى في الحق لومة لائم، وكانت تكسوه المهابة مع تواضعه رحمه الله، حتى إنه كان يمشي في حاجة الصغير، وكانت خطبة الجمعة التي يلقيها في نحو نصف ساعة على الأكثر موضوعاً متكاملاً ولكن يحتاج شرحها وتفصيلها إلى كتاب، حتى إننى كنا نلخص خطبه لما كانت تحويه من عظيم فائدة. وأنقل هنا بعض ما كتب عنه في بعض الموسوعات: (ولد في مدينة حماه، نشأ في أسرة متديّنة فاضلة، يتيماً فقيراً، فكان يشتغل في مهنة الخياطة نهاراً، ويدرس على العلماء في المساجد ليلاً. تلقى العلوم الشرعيّة على خاله الشيخ سعيد الجابي، وعلى الشيخ محمد سعيد النعساني وتوفيق الصباغ وغيرهم، ثم التحق بدار العلوم الشرعيّة بحماه سنة 1342 /1924، ثم توجّه إلى المدرسة الخسرويّة الشرعيّة بحلب سنة 1346/1928 وكانت تضمّ جماعةً من العلماء المحقّقين أمثال: الشيخ أحمد الزرقا، وأحمد الكردي مفتي الحنفيّة وعيسى البيانوني، وإبراهيم السلقيني، وراغب الطباخ، ومحمد الناشد، وأخذ الطريقة النقشبنديّة عن الشيخ أبي النصر سليم خلف الحمصي، وسلك طريقة التصوّف، ورحل إلى القاهرة، لإكمال دراسته في الأزهر، ونال العالميّة في العلوم الشرعيّة سنة 1362/1942، وتخصّص في القضاء. وحبّب الله إليه طلب العلم فكان لا يقتصر على الكتب المدرسية المقرّرة بل يُقبل بشغف عظيم على كتب العلم يحلّ عويصها، ويتمثّل معارفها، ولقد قال عن نفسه: '... وإني أحمد الله على توفيق وتيسيره إياي للتّوسع العلمي، ووضعه الشغف به في قلبي، حتى إني لأوثر العلم على اللذائذ المادية التي يقتتل الناس عليها. ولو أنّي خُيِّرت بين المُلْك والعلم لاخترت العلم على الملك والسلطان. في حماه تفرّغ لتعليم العلوم الشرعيّة، وتربية الناشئين، ورعاية أهل التقوى، فنشأ على يديه جيل من الشباب المؤمن. كان يعلم أن إعداد الرّجال الذين يحملون الفكرة، ويثْبُتُون عليها، ويُنافحون عنها... هو الأساس الذي لا محيد عنه في انتصار الفكرة.. لذلك ما فتئ يبذل الجهود في تربية أبناء شعبه على الإيمان والوعي والصلاح والجهاد. عرف أسرار التشريع وحكمته، ودعا إلى الالتزام بالسنّة، ومحاربة البدعة. حمل السلاح في وجه الاستعمار الفرنسي، وكان في مقدّمة المطالبين بالاستقلال والحريّة لبلاده. كان داعية خير، ووئام بين مواطنيه، يكره الفتن، ويحارب الانحراف بلسانه وقلمه، ويحرص على تطبيق الشريعة في جميع شؤون الحياة، وشهد له أعداؤه قبل أصدقائه بالإنصاف، والجرأة، والأمانة، والورع، ويعود له الفضل في إعادة السلام إلى حماه والمدن السوريّة سنة 1384/1964. وقد انتقل إلى رحمة الله يوم الإثنين الثامن عشر من شهر صفر سنة 1389ه الموافق 5-5-1969م بمدينة حماة بعد مرض عضال لم تنفع فيه العمليات الجراحية التي أجريت له في بيروت. وقد شيّع إلى مثواه الأخير بحماة التي خرجت على بكرة أبيها تودع عالمها الجليل، وفقيدها العظيم، وضجت مآذن حمص وحماة بالتهليل والتكبير. رحم الله أستاذنا الشيخ الحامد، رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً. أما الشيخ توفيق الصباغ رحمه الله فكان عالم الشافعية في مدينة حماة وكان العلماء يحضرون دروسه، وقد خلفه في العلم ولده الشيخ عبد الله الصباغ مدرس مادة التربية الإسلامية في مدينة حماة ومن علمائها الأفاضل. أمال الشيخ خالد الشقفة رحمه الله فكان عالماً فقيهاً وكان يدرّس الفقه الشافعي، وما زلت أذكر جلساته الصباحية التي كان يدرّس فيها كتاب تنوير القلوب، ثم المقدمة الرحبية في علم المواريث، وغير ذلك، وكان حريصاً على مصلحة البلد ومهتماً بشأنها، رحمه الله رحمة واسعة، وكان يجهر لدى المسؤولين بما فيه مصلحتها. وكان رجلاً متواضعاً منفتحاً على الناس، حتى إنه كان يستقبلنا ببشاشة عندما كنا نزوره في العيد مثلاً أو نحضر دروسه، وأنقل شيئاً عنه مما قيل فيه: ولد الشيخ خالد الشقفة ـ رحمه الله تعالى ـ في حماة عام 1905م، توفي والده وعمره أربعون يوماً وتربّى يتيماً فقيراً. تلقى العلم في معهد حماة الشرعي ـ دار العلوم الشرعية ـ وكان رفيقه في الدراسة الشيخ محمد الحامد ـ رحمه الله تعالى. عيِّن مدرساً عاماً في (السلمية) التابعة لمدينة حماة عام 1942م وحتى عام 1954م، وكان دوره بارزاً في نصرة مذهب أهل السنة والجماعة في هذه البلدة. انتقل ـ رحمه الله تعالى ـ إلى مدينة حماة ، وعيِّن، مدرساً عاماً للعلوم الإسلامية في مساجدها ومدرساً للفقه الشافعي في معهد حماة الشرعي ـ وكان له دور فاعل في الحياة الدينية والاجتماعية والسياسية في حماة. داهمه المرض منذ عام 1954م، وأصيب بذات الرئة وبقي يعاني منها حتى وفاته، ولم يكن يعلم بما يعانيه بسبب المرض سوى أهل بيته والمقربون منه. توفي ـ رحمه الله تعالى ـ فجر يوم الجمعة من شهر رمضان المبارك لعام 1397هـ ، الموافق لعام 1977م، وكان قبل وفاته بأيام تكلم في غيبوبته وكأن أناساً حوله فقال : انصرفوا الآن فالمظاهرة يوم الجمعة، وفي فجر الجمعة وجد في نفسه قدرة على النهوض فنهض يريد الوضوء لصلاة الصبح فوقع وفاضت روحه إلى بارئها ـ رحمه الله تعالى. كان الشيخ خالد ـ رحمه الله تعالى ـ إماماً من أئمة الهدى في سمته وفي تحقيقاته وفي تمسكه بالكتاب والسنة ، وفي فهمه للعصر ، وفي أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر فكان من العلماء الأولياء ، أو من أولياء العلماء. وكان جريئاً في الحق يقول كلمة الحق مهما كانت النتائج. وكان كثير الخلطة للناس يزورهم في منازلهم ويجلس في حوانيتهم ، ويشاركهم أفراحهم وأتراحهم وكان في ذلك كله معلماً هادياً مهدياً. وكان ـ رحمه الله تعالى ـ من أبعد الناس نظراً وأكثرهم حكمة ، وكان لبق الحديث فصيحه جيّده ، وإذا تحدث في موضوع أسر لُبَّ سامعه مع أناة ولباقة ، يستشعر كل من يجالسه أنه أمام جلال العلم ووقار العلماء ، يسكت الناس إذا تكلم ، وإذا تكلم لم يقاطعه أحد. أما علماء آل المراد فهم معظمهم أهل علم وفضل، ومنهم مفتي حماة الشيخ الشهيد بشير المراد رحمه الله، والشيخ محمد علي المراد من أقرب الأصدقاء وأهل العلم إلى الشيخ محمد الحامد، وأنقل هنا بعض ما كتب عن أسماء علمائهم: (هذه العائلة المرادية الكريمة. التي حملت شرف العلم الشرعي والدعوة الى الله في مدينة حمـــاه في وسط سورية وأمدت المدينة بعشرات العلماء والدعاة من هذه العائلة الكريمه . والتي تميزت بحبها للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وسلم: الشيخ سليم المراد الكبير - الشيخ أحمد المراد الكبير- الشيخ عبد العزيز المراد أمين الفتوى في حماه- الشيخ محمدعلي المراد رئيس جمعية العلماء في حماه - الشيخ بشير المراد مفتي حمــاه - الشيخ نجيب المراد - الشيخ ظافرالمراد - الشيخ شامل المراد -الشيخ أحمد عبدالعزيز المراد مدرس عام وخطيب جامع الجديد -الشيخ عبد الودود المراد مدرس و خطيب جامع الإحسان - الشيخ ناجي المراد مدرس وخطيب جامع الأربعين -الشيخ عبد المنعم المراد إمام جامع المسعود وخطيب جامع عين اللوزة). أما الشيخ العالم الداعية المجاهد الشهيد (أديب الكيلاني)، وكان بارعاً في علم التوحيد، ومدرساً لمادة التربية الإسلامية في ثانويات حماة، وكان عالماً متواضعاًن ينشرح صدرك لرؤية وجهه المنير وبسمته اللطيفة، مع وقار اتسم به رحمه الله. وهناك العديد من العلماء وأهل العلم الآخرين الذين لا يتسع المقام لهم أو تغفل الذكرة عنهم، ومنهم الشيخ محمد زاكي الدندشي العالم والمرجع في الفقه الحنفي، والشيخ إبراهيم الحافظ، والشيخ عرابي بن خالد عدي، والشيخ العالم العلامة منير لطفي وكان من رفاق الدرب مع الشيخ محمد الحامد، والشيخ محمود بن عبد الرحمن العثمان، والشيخ محمد أديب هزاع الدبساوي إمام وخطيب جامع المناخ، والشيخ محمد علي الشقفة إمام وخطيب جامع الشرقي، والشيخ احمد السلطان، وكان هذان الشيخان بارعين في علم المواريث، والشيخ سعيد العبد الله شيخ قراء حماة، والشيخ عبد الحميد طهماز، رحمهم الله جميعاً. أما الشيخ محمد أديب كلكل فهو من العلماء النادرين الذي جمع بين العلم والدعوة والفهم الشامل الواسع المتوازن للشريعة، والبعيد عن الغلو وضيق النظر، ولذلك كان الشيخ محمد الحامد يحبه كثيراً ويشهد بعلمه وورعه، وقد قال لي مرة – وكررها ثلاث مرات – "والله إني أحب هذا الرجل"، وعندما نشر الشيخ محمد أديب كتابه "تنبيه الفكر إلى حقيقة الذكر" أوصى بقراءته وقال إنني أوافق على ما فيه حرفاً حرفاً، وكم مرة كان العلماء الذين يزورون الشيخ محمد الحامد يطلبون لقاء الشيخ محمد أديب، وكان يعتني بالشباب وطلبة العلم ويوطئ لهم جناحه، وكان متسامحاً، بشوشاً مع مهابة، وكان شديد الترحيب بطلبته وزائريه. وبعد أن قضى أو رحل معظم علماء حماة كان تقريباً الوحيد الذي يجيب عن أسئلة المستفتين ومرجعاً للناس في أمور دينهم. ولم يرض أن يتولى وظيفة حكومية مع أنها كانت متاحة له؛ لأنه يؤمن باستقلال العلم والعالم وعدم تبعيته. وكان مسلكه العلمي وسطاً متوازناً شاملاً، فإذا باشر قضية علمية أو موضوعاً تناوله من أطرافه وغطاه كله فلم يترك لسامعه أمراً إلا وأتى عليه، وهذا قل من رأيته يحسنه سوى القليل من أهل العلم، وهذا يدل على سعة الاطلاع والإحاطة بمسائل العلم. ومن كتبه المشهورة كتاب "الفقه المبسط" في الفقه الشافعي، علماً أنه كان محيطاً بالمذاهب الأربعة في معظم المسائل التي كان يتكلم فيها، بل إنه كانت نظرته شاملة في كثير من الأمور الشرعية التي كانت بعض الفتاوى تخرج فيها مبتورة عن واقع الأمة أو مقيدة بالحرفية، مثل موضوع الأوراق النقدية ومداواة المرأة وغير ذلك، وأذكر أن الشيخ خالد الشقفة راجع مسودة كتاب الفقة المبسط فلم يجد أي تدارك على الأحكام الواردة فيه. ومن كتبه الرائعة كتاب الأنيس في الوحدة (ثلاثة أقسام) وكتاب "إتحاف السائل بما ورد من مسائل" (أيضاً ثلاثة أقسام). وقد ختمت قصيدتي التالية في علماء حماة بالشيخ الفاضل (بشير حسين الشقفة) الذي كان مدرساً لمادة التربية الإسلامية في ثانويات حماة وغيرها، وقد تميز بعلمه الواسع، وروحانيته وصدقه حاله الذي كان يسري في الناس فيتاثرون به تأثراً طيباً، وبعذوبة الحديث، وبأسلوبه الفريد في الدعوة والوعظ، وما زلت أذكر دروسه في جامع الشيخ زين في حي الشمالية عندما كان الناس يقصدونه من كل حدب وصوب ليسمعوا حديثه في السيرة النبوية. وفي عام 1966 انتقل إلى أبوظبي وتولى إدارة الأوقاف، وحصل درجة العالمية (الدكتوراه) في الفلسفة الإسلامية والفقه والسياسة الشرعية. حفظ الله الشيخين محمد أديب كلكل ومحمد بشير الشقفة ومتعنا بحياتهما وعلمهما، وجعلهما نبراساً لطلبة العلم، وفخراً لهذه المدينة العتيدة. أبيات قصيدة: حماة أبي الفداء ... مدينة العلماء: أبكي على هذي المدينة أقفرت..من خيرة العلماء والفقهاءِ كم مات من علاّمةٍ لم يَتْلُهُ..مِثْلٌ وغاضَ العلمُ مِثْلَ الماءِ كانوا منارةَ أمتي في دربها..عبر الزمان ومصدرَ الأضواءِ فـ "لمصطفى الحدّادِ" ذكرٌ عاطرٌ..بلغ الذُّرى بعلومه الغرّاءِ كم كان يمشي وهو يذكر ربَّهُ.. ويراجع القرآن في الآناءِ ويذاكر العلمَ المفيدَ بذهنِهِ..هذا لَعَمْرُكَ دَيْدَنُ العلماءِ وإذا استفاض بدرسِ تفسيرٍ أتى..بجميع ما قالوا بالاستقصاءِ عرضوا عليه قضاءَ سوريّا فلمْ..يبرحْ حماةَ بها استوى بقضاءِ لم يخشَ في حكمٍ سوى ربِّ الورى..لم يَرْعَ غيرَ مَحَجَّةٍ بيضاءِ والشيخُ "فارسُ"2 شقفة شيخٌ له..علمٌ غزيرٌ واسعُ الأرجاءِ ربّى وعلّمَ مصطفى الحدادَ إذْ..ظهرتْ له منه فنونُ ذكاءِ و"محمدُ الطَّرَبَيْنِ" صاحبُ حكمةٍ..فحلٌ من الفقهاء والصُلَحاءِ من علمهِ نهلَ العلومَ تلامذٌ..خلفوه في علمٍ وفي إفتاءِ و"سعيدٌ الجابي" عبابٌ زاخرٌ..بالعلم نورٌ في دنى الظَّلماءِ أعلى لواءَ العلمِ دون تخاذلٍ..ومضى يجاهدُ سطوةَ الأعداءِ ولقد تصدّى للفرنسيين إذْ..همّوا بجامعها الكبيرِ بِداءِ زعموا مزاعمَ كي يحيلوه إلى..ملكِ الكنيسةِ فانبرى بمَضاءِ و"سعيدٌ النعسانُ" مفتٍ جهبِذٌ..وبقيةُ الحكماءِ في العلماءِ والشيخ "محمود" الكبيرُ3 منارةٌ..للعلم والتبليغِ والإفتاءِ "توفيقُ صبّاغٌ"4 فقيهٌ شافعيٌّ..لوذعيٌّ مُحْكَمُ الآراءِ والشيخُ "محمودُ" الصغيرُ5 مبرِّزٌ..بعلومهِ وتقاهُ بحرُ ذَكاءِ كم مرَّةٍ أمضى الشهورَ مفسِّراً..آياً من القرآن دون نِهاءِ6 وأعاد تشييد "التكيةِ" بالتقى..وبعلمه ومضى مع الشهداءِ ومحقِّقُ العلماءِ جِهْبِذُ عصرِهِ..شيخي "محمَّدُ حامدُ" الآلاءِ هو فخرُ مَن أفتى ومَن بعلومهِ..وجهادِهِ أحيا العقولَ كماءِ وَرِعٌ أبيٌّ صادقٌ ومجدِّدٌ..شَهِدَ العدوُّ بفضلِهِ بثناءِ ربَّى الشبابَ بعلمه وبحالهِ..حتى غَدَوْا من خيرة العلماءِ ومضى شهيدَ العلمِ والهمِّ الذي..أضناه مِن حِرْصٍ على السَّمْحاءِ ما قصَّرَنْ يوماً بنصحِ مقصِّرٍ..وبردعِ مبتدعٍ مِنَ الجُهَلاءِ متواضعٌ ومُحَبَّبٌ كَمْ مرَّةٍ..بدأ الصغارَ مسلِّماً برِضاءِ والشيخُ "خالدُ شقفةٍ" مَنْ عِلْمُهُ..نفعَ الجميعَ بهِمَّةٍ وبَلاءِ في الفقه والإرشادِ أدلى دَلْوَهُ..شأنَ الخيارِ السادةِ النُّجَباءِ وبنو مُرادٍ أهلُ علمٍ ساهموا..ببناء صرح العلم أيَّ بناءِ شهدت لهم أم الفداء وغيرها..بالعلم والتقوى وبالإفتاءِ ومضى لهم شهداءُ في درب الهدى..وبقية من صفوة العلماءِ و"أديبٌ الكيلانِ" داعيةُ الهدى.. وسليلُ أشرافٍ شهيدُ فداءِ أثرى الشبابَ بعلمهِ وبوعظهِ..ومضى يبلّغ علمه بمضاءِ كانت جموع الناسِ تقصدُ درسَهُ..فيغص جامعه كفيض الماءِ حمل اللواءَ معلماً ومحققاً..ومبلِّغاً ومجاهداً بإباءِ وقضَوْا جميعاً بعد أن نفعوا الورى..بالعلم والإرشادِ والإفتاءِ رحمَ الإلهُ شهيدَهُم وفقيدَهم..نرجوه تعويضاً لذي العلماءِ ومضَوْا ليحملَ رايةَ العلمِ الذي..تركوه شيخٌ خيرةُ العلماءِ لكنه جعل "الخفاءَ" لباسَهُ..ونأى عن الإغراء والأضواءِ جعل الإلهَ حسيبَهُ وحبيبَهُ..فتراه يذكره بلا إبطاءِ جمعت محاسنُ علمهِ متفرِّقاً.. فيمن مضى من صالح الفقهاءِ فإذا أتى لقضيةٍ شرعيةٍ..تلقاه يوردها بالاستقصاءِ يأتيكَ بالفُتْيا إذا استفتيتَهُ..فيصوغ فيها زُبْدَةَ الآراءِ أثنى عليه شيوخنا وأحبَّه..من يعرفون الفضلَ للفضلاءِ هو شيخُنا العَلَمُ المربِّي من له..فضل المعلِّمِ والأبِ المِعْطاءِ أستاذُنا الشيخُ الجليلُ "محمدٌ"..وهو "الأديبُ" و"كَلْكَلُ"7 الأدباءِ يرعاك ربُّ العرش يا أستاذَنا..بالحفظِ والإنعامِ والآلاءِ وجزاك عنا كل خيرٍ سابغٍ..وكفاكَ شرَّ الخلقِ والأرزاءِ ومن الجهابذ عالمٌ متمكّنٌ..وبقيةً الفقهاءِ والنُّصَحاءِ فَخْرُ الشيوخِ بشيرُ شقفةٌ الذي..سَحَرَ النُّفوسَ بروْعةِ الإنشاءِ ما زلتُ أذكرُ جامعَ الزَّيْنِ ابتدا..فيهِ دروسَ السِّيرةِ الغرَّاءِ فترى سوادَ الناسِ تقصدُ درسَهُ..شيباً وشُبَّاناً وسَيْلَ نساءِ وتراهُ إنْ خَطَبَ الجموعَ بجُمْعَةٍ..أخذ العقولَ بخطبةٍ عصماءِ كان الشبابُ يرَوْنَ فيه إمامَهم..وسفينهم في غمرة الأهواءِ وعلى الفضائلِ حثَّهم فتراهمُ..جُنْداً من الفُضَلاءِ والصُّلَحاءِ نشر التديُُّنَ في حماةَ وغيرها..بهدايةِ الآباءِ والأبناءِ وإليهِ يرجعُ فضلُ نشرِ فضيلةٍ..بإشاعةِ الجلبابِ بين نساءِ وتراهُ حيث يحلُّ خيراُ للورى..كالغيثِ بشرى رحمةٍ ونماءِ أحسنتَ أبشرْ بالثواب مضاعَفاً..يجزيكَ ربُّ الخلقِ خيرَ جزاءِ بحث للأستاذ غالب أحمد مصري - 28 جمادى الأولى 1424هـ الموافق 28 تموز 2003م. --------------------- 1 هي مدينة حماة. 2 الشيخ فارس الشقفة أستاذ الشيخ مصطفى الحداد المعروف بمصطفى حنحون. 3 الشيخ محمود الشقفة الكبير، وهو أكبر سناُ من الشيخ محمود الشقفة المعروف الأصغر سناً؛ ولذلك أطلق عليه "محمود الصغير. 4 الشيخ توفيق الصباغ رحمه الله. 5 انظر 3. 6 نِهاء: جمع نِهَى، وهو الحد أو الحاجز أو النهاية. 7 كلكل الأدباء صدرهم ومقدمتهم، وهي إشارة أيضاً إلى كنية ال
الشهيد عبد الله الحلاق