نفط الصومال يهدد مستقبل «القاعدة» في اليمن!
سليم نصار *
الجمعة 4 مايو 2012
استغرب الرأي العام البريطاني تورط حكومة ديفيد كاميرون في شؤون الصومال، خصوصاً بعد عقد مؤتمر مشترك جرى خلاله بحث القضايا الامنية والسياسية المعقدة.
ومع ان موضوع الثروة الطبيعية من النفط والغاز واليورانيوم لم يكن محور النقاش، الا أن الايام القليلة الماضية أثبتت انه الهدف الاساس من الزيارة التي قام بها وزير الخارجية وليام هيغ الى مقديشو. وتؤكد المعلومات حول تلك الزيارة ان الوزير هيغ اقترح مساعدة حكومة الصومال على استخراج الكميات الضخمة من النفط والغاز مقابل العمل على ضرب «حركة الشباب» ووقف عمليات القرصنة.
ويبدو ان الحكومة البريطانية عرضت فكرة اسقاط «حركة الشباب» قبل استخراج النفط، لأن تجربة ليبيا كانت فاشلة في هذا المجال. والدليل ان شركة الخليج العربي الليبية اضطرت الى إقفال مكاتبها في بنغازي، الامر الذي أجبر ادارة الشركة على وقف عمليات التصدير. وتنتج هذه الشركة ما يقارب 370 ألف برميل يومياً، أي ما يمثل ربع انتاج ليبيا اليومي.
ويرى كاميرون بدوره ان نفط الصومال سيعزز الاقتصاد البريطاني ويرفع من حظوظ الشركات مثل «بي. بي» التي تساعد بقدراتها التكنولوجية في عمليات استخراج النفط والغاز الطبيعي والاحتياطي الضخم من مادة اليورانيوم.
وأتذكر ان الرئيس الراحل سياد بري اخبرني في حديث نشرته في مجلة «الحوادث» ان منطقة اوغادين تحوي اكبر كمية من اليورانيوم في العالم. وقال في حينه ان الحرب التي قادها وزير دفاعه محمد سمنتر في أوغادين ضد الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، كانت في اسبابها الخفية حرب الحفاظ على هذه المادة النادرة.
وفي تحليل كتبه مراسل صحيفة «الاوبزفر» ما يشير الى وجود احتياطي النفط الصومالي بكميات لا تقل عن الكميات الموجودة في الكويت، والمقدرة بمئة بليون برميل. وإن ثبتت صحة التقديرات، فإن احتياطات النفط في الصومال ستفوق احتياطي النفط النيجيري.
ويستدل من تتبع اخبار ارهاب سكان المناطق المسيحية في نيجيريا، ان هذه البلاد الشاسعة لن تسلم من عوامل التقسيم والشرذمة، أي من مستقبل غامض شبيه بمستقبل السودان. وعليه فإن الشركات الاجنبية تراهن على مستقبل الصومال شرط التخلص من هيمنة «حركة الشباب»، خصوصاً ان الآبار الواعدة موجودة في منطقة «بونت لاند».
الحكومة الانتقالية في مقديشو شنت حملة امنية في جنوب البلاد من اجل إضعاف «حركة الشباب الاسلامي» القريبة من تنظيم «القاعدة». ومن المتوقع ان تقوم الامم المتحدة بفرض حظر على تجارة الفحم التي تتعامل بها «حركة الشباب» لتمويل عملياتها. وقد جرى قطع نصف غابات الصومال، الامر الذي فرض تدخل قوات اقليمية – أوغندية وكينية وأثيوبية – بهدف حماية المناطق الحرجية والغابات الطبيعية.
المنافسة على استثمار حقول النفط والغاز ازدادت حدتها منذ دخول الشركات البريطانية في سوق المزاحمة. لهذا تقدمت بعروض مغرية جداً شركات كبرى متخصصة في التنقيب داخل البحار العميقة بينها: شركات صينية وهندية وكندية وأوسترالية.
ومع ان وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون قد حضرت مؤتمر لندن، وأشادت بمبادرة كاميرون، إلا انها تحفظت على إقحام بلادها في معركة اقتصادية محفوفة بالمخاطر. وقد ذكرت بين اسباب التحفظ حادث اسقاط المروحية «بلاك هوك» في مقديشو سنة 1993 يوم قتل المحاربون الصوماليون 18 جندياً اميركياً في معركة دامية ذهب ضحيتها 700 من اهل الصومال. لذلك اكتفت بعرض مشاريع إعمارية في حال استطاعت الدول المعنية إبعاد نفوذ «القاعدة» عن «حركة الشباب الاسلامي» المتخصصة في القرصنة البحرية لجني ملايين الدولارات.
ارتفاع سعر النفط وازدياد حاجة الدول الصناعية الى الطاقة، شجعا الحكومة العراقية على تطوير حقولها النفطية بمشاركة 47 شركة. واستثنيت من عملية التأهيل شركة «اكسون موبيل» الاميركية لأنها وقّعت اتفاقاً مع اقليم كردستان شبه المستقل.
وفي آخر هذا الشهر يبلغ عدد الامتيازات المطروحة على الشركات 12 امتيازاً للتنقيب عن النفط والغاز. وتسعى بغداد من وراء هذه الخطوة الى اظهار اقصى طاقاتها بهدف إقناع الدول الصناعية المستهلكة بأن حقولها قادرة على انتاج كميات اضخم من الكميات التي تنتجها المملكة العربية السعودية. وعلى هذا الاساس بوشر العمل بتوسيع مشروع ميناء «الفاو» الكبير المطل على الخليج. كذلك دعت وزارة الطاقة الشركات المختصة الى المشاركة في بناء حاجز للأمواج ورصيف للخدمات.
الدول الكبرى لم تقتنع بالطروحات العراقية، وفضلت الاستثمار في حقول الصومال لأسباب تتعلق بأمن الخليج وما يمكن ان يحدث من اضرار في حال هاجمت اسرائيل ايران... او قامت ايران بمهاجمة مملكة البحرين.
الجانب الخفي من مشكلة الصومال يتبين بوضوح على الجانب الآخر في اليمن، يوم وضع اسامة بن لادن هذه البلاد كهدف نهائي لإقامته النهائية. أي انه كان يسعى للعودة الى موطنه الاصلي حضرموت، متوخياً من وراء ذلك انشاء إمارة تعمل على ازعاج السعودية وربط مصيرها بمصير الصومال بعد انتصار «حركة الشباب الاسلامية». وكان همّه إقفال مضيق باب المندب والتحكم بالطرق البحرية المؤدية الى المحيط الهندي.
وريثه الدكتور ايمن الظواهري لا يهمه كثيراً تحقيق هذه الاستراتيجية بقدر ما يهمه إبقاء تنظيم «القاعدة» حياً وناشطاً في اليمن وعدن والصومال.
الاسبوع الماضي حذر محافظ عدن من مخاطر تمدد جماعة «انصار الشريعة» التابعة لتنظيم «القاعدة»، الى محافظة عدن، مستغلة غياب الدولة والانفلات الامني. وقال المحافظ وحيد رشيد ان تسلل هذه الجماعة من محافظة أبين الى عدن، سيقوي نفوذ «القاعدة» في كل مكان.
انصار الرئيس السابق علي عبدالله صالح يزعمون أن تغييبه عن الساحة شجع «القاعدة» للاستيلاء على اهم المدن في ثلاث محافظات. وقد اعلنت مدينة عزان في محافظة شبوة ضمن الإمارة الاسلامية التي تدعو الى تحقيقها قيادة «القاعدة». كذلك خضعت مدينة جعار الى رافعي الأعلام السود والمنتشرين في الاسواق بسياراتهم المصفحة التي غنموها من افراد الجيش النظامي.
http://alhayat.com/OpinionsDetails/399125