الى ان يتفضل أستاذنا الكبير بالرد ننشر لكم واوافتنا به الاستاذة لمية النحاس -سبطه باللقاء التالي :
بعد ان أرسلته لنا مع الشكر الجزيل:حكاية الشغف بالطيران:
كثيراً ما داعب خيال، ذلك الطالب في مدرسة التجهيز، إبان الاحتلال الفرنسي لسورية، الحلم بالطيران، ثمة شغف متواتر منذ الطفولة، ترى
هل فسرّ ذلك الحلم؟!
فعلى إيقاع الوعود الفرنسية باستقلال سورية، اشتعل حماس شلة من الشباب،
كان الطالب موفق الخاني واحداً ممن بحثوا عن استقلال وطنه، مندفعاً مع أولئك الشباب وتمهيداً لتسليم سلاح الطيران السوري عند جلاء الفرنسيين،
نشر إعلان عن حاجة مدرسة أنشأتها - فرنسا- في مدينة رياق في لبنان لتعليم الطيران للشبان السوريين واللبنانيين، كان الحلم أن يصبحوا طيارين يختزن الدفاع عن سورية لمن انتسبوا للمدرسة – الطيران- من مدارس الصنائع في دمشق وحلب..
اندفع موفق الخاني وراء الإعلان، وقدّم طلب انتساب وقبل عام 1942 ، وفي المدرسة اتيح له أن تنفتح مداركه على علوم الطيران وفنونه المختلفة من إصلاح الطائرات، إلى تجهيزها وهكذا بدأ بالعمل على الطائرات الفرنسية، بعد حصوله على شهادة "ميكانيك" طيران بالفرنسية، ومن ثم الطيران مع الطيار، تجربة سوف تتيح له كذلك مساراً حياتياً مختلفاً ، يزهو بمواقف أدلّها في منتصف الأربعينات عندما نكثت فرنسا بوعودها لسورية، مع تصاعد المطالبة بالجلاء ، إثر قصف المستعمر لبعض المدن السورية ، الأمر الذي حمّل الطيارين السوريين آنذاك على الهروب بسلاح الطيران والالتحاق بالقوات السورية ، والتفكير بتأسيس الجيش السوري وتشكيله ، ومن ثم تكوين مطار وشراء طائرات صغيرة بمحرك واحد، تتسع لراكب واحد أو ثلاثة ركاب.
وبدأ البحث عن متطوعين للطيران ، ليتخصصوا باختصاصات مختلفة، وفي غمار ذلك أنشئت أول مدرسة للطيران في سورية عام 1946،
إذ تبرع تجار دمشق بثماني عشرة طائرة للتدريب المتقدم ، وتحوّلت لطائرات مقاتلة، تشارك في حرب فلسطين عام 1948 بعد إجراء التعديلات اللازمة عليها.
يقول موفق الخاني مستذكراً تلك الفترة: شاركنا بمعارك جيدة ضد العدو، واللافت بعد خرق الهدنة، شاركنا من جديد حيث تمكن أحد طيارينا من إسقاط طائرة معادية، فانكفؤوا بطائراتهم ولم يعودوا للقتال من جديد.
بعد أن وضعت الحرب أوزارها ، أصبح الخاني طياراً مدنياً، يطير مع رجالات الدولة ومع الحجيج في رحلات مستمرة، معززاً علومه الحربية في مصر، أثناء الوحدة مع سورية، كانت معارفه تتسع وتتعمق باتجاهات مختلفة، تنقل وعيه المعرفي في اختبارات جديّة تجاوزت هوايته لتصنع من محطات في حياته، سياقاً لمعنى وحقيقة طبعت حياته العملية اللاحقه، بطابع من الإثارة والتحدي والاستجابة لنداء داخلي بأن يقف حياته كلها على معنى العلم ومعنى العمل بآن معاً ، والانفتاح على اتجاهات أخرى، لم تبتعد كثيراًعن أحلامه.

من الألف إلى الياء:
ثمة برنامج أعدّته المحامية ناديا الغزي عن الأسرة، كان قد أعجب به موفق الخاني، بطريقته وأسلوبه ، تختمر الفكرة ليذهب للتلفزيون ويأخذ زاوية لمدة خمسة دقائق من برنامج الإعلامي المعروف نذير عقيل، وكان الأمر أشبه بإنتاج برنامج مشابه لما أنتجته السيدة الغزي، لكنه تطور ليكون أول برنامج علمي هو "الأرض" انطلاقاً من حرف الألف واتسع طيفه ليأخذ بأبجدية العلوم وذلك ما شكل الأرضية الخصبة ليكون برنامج موفق الخاني الشهير "من الألف إلى الياء" ذو الشعبية الواسعة، ولا سيما عند الشرائح المختلفة التي تلقّت باتنباه لافت برنامجا" علمياً مبسطاً وشيقاً، يأخذها إلى آفاق العلم الرحبة ، بذلك الصوت المحبّب والمادة المعدّة بشكل دقيق من خلال الترجمة ومواكبة مستجدات العلم، ولاسيما علوم الفضاء.
استمر برنامج من الألف إلى الياء اثنين وأربعين عاماً دون توقف إلى جانب ما كان يكتبه الخاني في المجلات عن جولة حول العالم ، يتكلم فيها عن البلدان التي يطير فوقها ، فبرنامج مذكرات طيار واللافت أن برنامج من الألف إلى الياء قد تغير مرات عدة ليصبح "مجلة العلوم" أو"من كل علم خبر"، ليرجع إلى طبيعته، مستمراً بذلك التوق لتبسيط العلوم للناس ، وعلى الأرجح أن ثمّة تبادلاً روحياً بين المعد وجمهوره كما يقول الأستاذ موفق الخاني، وهو يستذكر عديد اللحظات التي واجه فيها الناس بمحبته له ولبرنامجه الشيق.

ما بعد التقاعد:
لم تكن شواغله الكثيرة لتتوقف حال تقاعدة، بل استمر بكفاح معرفي
توزع على مجالات عدة ، منها إدارته لمركز ابن اللبودي الذي يتبع للجمعية السورية لأمراض السل والأمراض التنفسية، وهو ما يعده الخاني موازياً لعمله في التلفزيون، إذ إن القاسم المشترك هو ايصال المعلومة العلمية للطلاب ، والسعي لنشر الوعي العلمي بطرائق وأساليب متنوعة، منها الرسوم، والأفلام القصيرة، التي تختزن برامجه ليوزعها عبر الجمعية لأكثر من خمس عشرة ألف مدرسة في سورية ، ومما يجدر ذكره هنا ، أن الجمعية السورية لمكافحة السل ، التي تأسست عام 1953 ، قدمت مستشفيات لوزارة الصحة فضلاً عن مستوصفات وزعت على محافظات سورية مثل :الحسكة و تدمر وحلب وطرطوس والسويداء و درعا ودمشق ، لمكافحة مرض السل، وقبل ذلك تبنت الجمعية مبادرت الصحة العالمية بمكافحة التدخين عام 1987 وشكلت لجنة مؤلفة من وزارات معينة منها وزاراتا الصحة والثقافة وبعض النقابات.
ابن اللبودي.. حكاية أخرى..!
يطالع المرء حينما يدخل مبنى الجمعية السورية لمكافحة السل والأمراض التنفسية يطالعه تمثال نصفي للطبيب الدمشقي
نجم الدين بن اللبودي المتوفى عام 670 للهجرة ، وقد كانت رغبة الاستاذ موفق الخاني بأن يسمّى المركز باسم عالم سوري، هو طبيب الملك العادل في القرن العاشر سكن باب السريجة ، وأسّس مدرسة طبية فيها ، فهو من أشهر الأطباء ، قال الخاني مداعباً المصمم الذي أنجز التمثال: لماذا اخترتم تمثالاً لرجل في نهاية العمر ألم يكن شاباً في زمانه ، وهكذا أدار موفق الخاني الدعاية للمركز الذي يقدّم خدماته مجاناً، فضلاً عن تقديمه للأفلام العلمية مثل "من الألف إلى الياء" للطلاب بما يتماشى مع علومهم ودراستهم، إلى جانب المحاضرات الطبيّة الهادفة لنشر الوعي الصحي بين شرائح المجتمع كافة، وبأساليب تربوية حصيفة.
وبتزايد أعداد مجلة الطليعي أصبح التركيز على عالم الأطفال همّاً أصيلاً ،إذ بلغت أعدادها 120 ألف نسخة يكتب فيها موفق الخاني صفحتين، إحداهما علمية والأخرى طبيّة، فمن أضرار التدخين إلى عوالم الطيران، والغريب في عالم الحيوان، مما يشبع نهم معرفة سوف تتناقلها الأجيال تستلهم منها عبرةً وموقفاً، فقصة السل مثلاً تروي كيف أصيب أحد الناس بالسل وعولج وشفي منه لينشر بدوره قصة كفاحه وعلاجه ومبادرته لنشر الوعي بذلك المرض الخطير!..
وخلال أشهر العطلة تدور آلة عرض سينيمائية لتقدّم أفلاماً لعشرات الآلاف من الأطفال الذين كبروا ، وقد تضمنت شهاداتهم الصحية صوراً شعاعية لأجهزتهم التنفسية .

من الطيران إلى الإعلام:
من عالم الطيران إلى عالم الإعلام، ثمة دورات حياتية حافلة بصور العطاء اللامحدود لمن خطّط ذات يوم ليصبح طبيباً جراحاً خاطر بحياته مرات عديدة ، لينتقل من كفاح الجو إلى كفاح الأرض ، وعنده أنهما متلازمان بالضرورة ، وما يزيدهما ألقاً إنجازه لبعض الكتب والموسوعات العلمية ذات المنحى التربوي الاجتماعي والواقعي ، ولم يذهب موفق الخاني للخيال العلمي ، ويتساءل : لماذا أتكلم عن شيء غير صادق؟!.
لقد طلب منه ذات مرة أن يتكلم عن جزيرة برمودا وخفاياها وأسرارها فقصد المراكز الثقافية وبحث في معاجمها لكنه لم يجد شيئاً جدياً يتعلق بالأمر ، وقيل له أن قصة مثلث برمودا والأطباق الطائرة مجرد تلفيق ومبالغة .
يكثّف موفق الخاني رحلة باحث أصيل عن العلم واللغة، ليقف حياته على آلاف البرامج التلفزيونية ، التي تحولت أفلاماً للناشئة تضبطها منهجية آسرة لاتكتفي برسوم الطائرة وخلفها معلومة طبية مبسطة ، بل يذهب إلى التحفيز على القراءة وارتياد كل آفاقها، منذ كوّن الأدباء المنفلوطي وطه حسين والرافعي، وأساتذته محمد البزم وعبد القادر مبارك ، ذائقته المدهشة ، لينقلها لأبنائه وأحفاده فهم شركاء برامجه التربوية المحببة في انتاجها للمعرفة وتأسيسها على نحو يجمع بين البساطة والعمق والغنى والتعدّد فهي من طبعت سيرته الشخصية والعملية بآن معاً.
تلك هي رسالته ما بين الجهاد في الجو والجهاد في المدارس مطمئناً بأن إعلامنا التوعوي يسير بشكل صحيح ، تحتم ذلك طبيعة العصر ويرى ضرورة تغزيز البحث العلمي في الجامعات، وأن لا يقتصر البحث على الأبحاث النظرية ، فلا بد إذاً من تكامل المعرفة بالعمل في حقول العلم ، فالاختراعات برأيه تفيد السوق المحلية ، ولابد من تعزيز المخابر لأن التعليم يعتمد الجانب العلمي ، وهو يعلل سبب إنشائه لنادي الطيران الشراعي، أنه عندما ذهب لأمريكا رأى ما سماه "الوعي الجوي" فسعى لنشره بجهود فردية لافتة، لينعكس ذلك كله في أداء رجل يبدو كمؤسسة بذاتها ، وكأمثولة حية تجاوز بين الشغف والعمل، تصوغ مسيرة علمية بارزة مازال رصيدها الكبير محبة الناس .
هكذا في ذروة تساؤله: ماذا جنيت في رحلتي الطويلة وانا أكافح كعاشق من طراز خاص لأكتب سيرة إنسان عصريّ مثقف أدرك بلحظة فارقة فضل العلم ، فعاشة حقيقة تروى، بألق محبة وطنه فطار ليرى ما أراده وأفنى عمره في سبيله ولسان حاله يقول : لماذا لا تهدى الكتب إلى المرضى بدلاً من إرسال الزهور؟ّ!.
ومازال منشغلاً بما حلم به ذات يوم: يجلس في مكتبه ويرنو إلى البعيد... البعيد.

موفق الخاني.. سطور وعناوين

- ولد في دمشق عام 1923.
- نشر أول مقالة له في مجلة الجندي عام 1934.
- بدأ في كتابة الصحفية العلمية عام 1946 في عدد من المجلات المحلية والعربية حتى عام 1982.
- نشر عام 1992 كتاباً باسم برنامجه الشهير (من الألف إلى الياء).
- بدأ حياته طياراً حربياً ثم طياراً مدنياً لرئيس الجمهورية آنذاك ، وحجاج بيت الله الحرام.
- أصبح مديراً عاماً لمدة 5 سنوات لشركة الطيران العربية السورية ، ومديراً عاماً لمؤسسة السينما في الستينات.
- نال شهادة دبلوم فرنسي على المستوى ، ويمنح لأفضل رجل خدم بلاده في الطيران 25 سنة متواصلة عام 1965.
- رشح ثلاث مرات لجائزةً كالنغاً في الهند ، التي تنتقي عالمياً أحسن مقدم برامج مبسط للشعب من قبل حكومة الهند.
- نال وسام الاستحقاق السوري عن مشاركته في حرب فلسطين عام 1948 ، ونال ثناء خاصاً من رئيس الأركان السورية ( رئيس الجمهورية)
عام 1954.
- نال دكتوراه في العلوم العسكرية عام 1963.
- عمل مديراً لمؤسسة السياحة في الستينيات ثم مستشاراً لوزير السياحة.
- يمارس الكتابة حتى اليوم وينشر في مجلة الطليعي للأطفال مواد عليمة وتوعوية هادفه.
- يدير مركز ابن اللبودي التابع للجمعية السورية لمكافحة السل والأمراض التنفسية، حيث يضطلع بمهمة نشر الوعي العلمي في المنظمات والمؤسسات والمدارس في سورية منذ عام 1078.
- كرّم من العديد من الوزارات السورية لإسهامه الفعال وتطوعه وريادته في الأنشطة العلمية والصحية.
- يقول الأستاذ موفق الخاني: أنا اليوم مكلّف بمهمة إنسانيه ، إذ ينتشر مرض السل موازياً للإيدز ويجب اتخاذ إجراءات للحدّ من ذلك والتوعية من أهمها.
كنا يقول أيضاُ: عملت في الصحافة والتلفزيون لأنشر المعلومة ، وهذا لا شك شغف أو هوس أو ربما هواية ، فأنا أدفع وأتعب من أجل ذلك حتى أنني لم أستفد مادياُ خلال 50 عاماُ من العمل في الصحافة والتلفزيون لكنني استفدت معنوياُ من خلال محبة الناس التي تعادل ثروة.