تحديات الثقافة العربية و دورالإعلام في مواجهتها


يشهد القرن الحادي والعشرون استمرار الثورة الاتصالية التقنية والفكرية على امتداد العالم ككل وتتسابق الدول في تطوير وسائل إعلامها التي تعد مؤسسات فكرية وحيوية قد لا نبالغ إذا اعتبرناها أول وأهم مصادر المعرفة والفكر.
"وسائل الإعلام هنا تعني الوسائل التي تتم بها عملية الاتصال الجماهيري والمتميزة بالمقدرة على توصيل الرسائل في اللحظة نفسها وبسرعة إلى جمهور عريض متباين الاتجاهات والمستويات، ومع قدرتها على نقل الأخبار والمعلومات والترفيه والآراء والقيم والمقدرة على خلق رأي عام وتنمية اتجاهات وأنماط من السلوك غير موجودة لدى الجمهور، وهذه الوسائل هي الصحافة والإذاعة والتلفزيون والسينما والكتاب والتسجيلات المسموعة والمرئية والإنترنت" .
ويجدر بنا قبل الحديث عن دور الإعلام في الثقافة العربية في ظل التحديات التي تواجهها أن نوضح مفهوم الثقافة، فهو مصطلح اختلفت تعريفاته وتعددت نظراً لتشعب وتداخل العناصر المكونة له وسوف نتبنى تعريف " تايلور" بأن الثقافة تلك المجموعة المركبة التي تتضمن المعارف والمعتقدات والفن والحق والأخلاق والأعراف وكل الاستعدادات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان باعتباره عضواً في المجتمع" و لا يمكننا أن نغفل المؤسسات الاجتماعية التي تخلق تلك القيم والعادات وترعاها فنتاج الفكر ليس منقطعاً عن مصدره ".
والثقافة كما يرى - برهان غليون - لا يمكن أن تعيش بمعزل عن السياق التاريخي والاجتماعي والذي تولد فيه وتتطور وتتبدل في قيمها وفي آليات استجابتها أيضاً، وإنما تشكل نظاماً تحكمه قواعد محددة ويخضع كغيره من النظم المجتمعية إلى التغير والتطور والموت وليست المعايير والمنظومات العقلية أو الروحية التي تنشأ عن ثقافة ما عبر التاريخ وترتبط بحقب تاريخية معينة معطاة مرة واحدة وإلى الأبد، وليست القيم التي تمثلها عناصر متماثلة وصلدة لا يدخل إليها الشك أو التمايز أو التناقض ".
إن الثقافة عنصر فاعل ومنفعل مع السياق التاريخي والاجتماعي، فهي تؤثر في مسار الشعوب وتاريخها وتتأثر بكافة المراحل التاريخية والتغيرات السياسية والاجتماعية الحاصلة لدى شعوبها، وإذا تحدثنا عن الثقافة العربية والتي تختلف عن غيرها بحجم التحديات الحالية التي تواجهها، فكما هو معروف إن أهم مشكلة تعانيها الثقافة العربية هي الغزو الثقافي باختلاف تسمياته فهو استعمار فكري حقيقي.
وتكمن خطورة هذا الغزو في أن معظم ما يشاهده جمهورنا العربي من أفلام وأخبار تأتينا من الغرب وهي تحمل ثقافة البلد المرسل وتعبر عن قيمه التي تترك تأثيراً كبيراً على الأفراد والجماعات، وقد لا يكون ذلك التأثير مباشراً أو سريعاً فهو يتخلل وعينا ونختزنه في ذاكرتنا الفكرية والثقافية إلى أن يظهر بعد أن ينضج في ظروف فكرية ملائمة، وقد يؤدي إلى أزمة اغتراب ولا سيما لدى جيل الشباب، والاغتراب هو تعبير عن عدم الرضا والرفض للمجتمع وثقافته وجوهره وهو شعور بالفقدان، فقدان الانتماء إلى ثقافة أو فكر أو أمة، ويأتي هذا الاغتراب نتيجة الاستلاب الثقافي فيقع الشباب العربي في صراع خطير بين ما يحمله من قيم وأفكار وأخلاق وبين ما يأتيه من الفكر الخارجي من قيم مختلفة وأفكار غريبة عنه، وأخلاق لا تتناسب مع مجتمعه - بغض النظر عن تقييمها سلباً أو إيجاباً فالمسألة هنا نسبية - وغالباً ما يجد الشباب العربي متنفساً له في تلك الآراء والقيم والسلوكيات وتعطيه خطوطاً عريضة من حرية التفكير والسلوك وتحقق له رغبات كامنة تحت رماد مجتمعه، فيقارن بينها وبين قيمه وأفكاره وأخلاقياته التي قلما يكون مقتنعاً بها وذلك نتيجة التربية الأسرية والمجتمعية التي قد نصفها بأنها غير سليمة أو غير مقنعة لأنها تعوّد الفرد اكتساب كل ما يحيطه من قيم وأفكار وأعراف مجتمعه دون نقاش أو منطقية أو حتى تبرير فتفرض نفسها عليه بقوة تأثير الجماعة، وما إن يجد فكراً بديلاً حتى تتنازع معتقداته وقيمه بين قوة جذب الفكر والثقافة القادمة وبين ضعف وهشاشة ثقافته التي ينتمي إليها وتحسم النتيجة لصالح الثقافة الأقوى.
تأتينا هذه الثقافة عبر وسائل إعلام الغرب القوية المنظمة الهادفة والمستهدفة، المبنية على أسس علمية وكوادر خبيرة وإمكانات مادية ضخمة فهي مبرمجة لنشر ثقافتها لدى مجتمعاتها ولغزو ثقافة العالم ككل وثقافة الأمة العربية بالتحديد، وذلك لما لها من أهداف استعمارية للسيطرة والهيمنة والاحتلال، وأكثر ما يبرز هذا السلاح لدى الولايات المتحدة الأمريكية وهو السلاح الأكثر جدوى من السلاح المادي، لأن الحياة العصرية والتكنولوجية الحديثة مكنتها من استخدام هذا السلاح والمتمثل بنشر ثقافتها وبناء عقول وأفكار تتناسب مع مصالحها وتسهل السيطرة عليها، ومن سيطر على الفكر فقد حصد كل شيء.
وهنا حريٌ بنا أن نقف أمام ثقافتنا ووسائل إعلامنا ونتبصر دورها الحقيقي الذي تقوم به، لعلنا ندرك خطر الغزو الفكري الذي يجتاح أمتنا ويخترق عقول الفئة الأكثر حيوية وفاعلية في بناء مجتمعنا وهي فئة الشباب.
فكيف يبرز دور الإعلام في هذه المعمعة؟ مما يقودنا للتساؤل حول إشكاليتين كبيرتين قد لا نستطيع في هذه العجالة الإجابة عنهما وهما:
- ما هي التأثيرات المتوقعة للإعلام في ثقافتنا القومية ؟
- هل وسائل الإعلام العربية قادرة على مواجهة تحديات الغزو الإعلامي الغربي ؟
المسألة ليست هينة أو مجرد نقاش نظري ، إنها مسألة تحد تاريخي وفكري وسياسي بدأ منذ حين.. وقد لا ينتهي على المدى القريب.
ولكن قد تصل ثقة بعض المفكرين والإعلاميين وحتى رجال السياسة بالإعلام إلى حد كبير أوحت إلى طوني سشوارت أن يشبه الإعلام بالإله الثاني، فقد قال: " كما الله فإن وسائل الإعلام يمكنها أن تغير دورة الحرب، وأن تطيح بالمسؤولين وترفع من حطه الله وتحط قدر من علا شأنه من خلال توجيه انتباه الملايين إلى الحدث نفسه بالطريقة نفسها ".
إذاً إن وسائل الإعلام تؤثر في اتجاهات المجتمعات والبنى السياسية والحالة النفسية لجميع الأفراد وفي مختلف البلدان، إنه دور ليس بالقليل أو الهين ويمكن إسقاطه على الثقافة العربية وواقع أمتنا للاستفادة من كافة إمكانات الإعلام في بلورة فكر عربي أصيل يستند إلى التراث الحضاري والثقافي لأمتنا في مواجهة السيل الجارف من التيارات الفكرية التي تتصارع على خارطة العالم " أي تأكيد ذاتنا الثقافية" كما يرى الباحث سعد لبيب، تلك الذات التي تميزها هوية ثقافية لها ملامحها الخاصة.
يتضح لنا أن التحديات أمام الثقافة العربية وهويتها كبيرة جداً، فكيف يمكن للإعلام العربي أن يأخذ دوره الحقيقي؟ يمكن الإجابة عن هذا التساؤل بأن تقوم وسائل الإعلام :
- بالتأكيد على حرية العمل الإعلامي لأنه الضمان الأول لفاعليته ومصداقيته.
- وتجنب طغيان عامل الربح على النشاط الإعلامي والاتصالي بنوعيه الخاص والحكومي.
- وألا تلعب السياسات بين الأقطار العربية على وقف الاتصال بينها أثناء الخلافات أو النزاعات.
- ومن أهم العناصر المدعمة للثقافة العربية الاعتناء باللغة العربية وتطويرها وتوسيع استخدامها على حساب اللهجات المحلية.
- وأخيراً الدعوة إلى قيام تنسيق وتكامل بين وسائل الإعلام ووسائل الثقافة في كل قطر وعلى نطاق الوطن العربي.
إن واقع الأمة العربية ليس خافياً على أحد، فما أحرانا نحن أبناءها أن ندركه بعين المواطن المثقف الواعي، فهو واقع ممزق ينعكس فيه التناحر السياسي على الواقع الثقافي والاقتصادي والاجتماعي والإعلامي، وإن ظروف العولمة لا تتيح مجالاً للكيانات الصغيرة فالمستقبل يفرض على شعوب الأمة العربية وقادتها السعي إلى التضامن ووحدة الصف لتكوين وحدة إقليمية قادرة على العيش في ظل امبراطوريات يمكن تسميتها : امبراطوريات لا للضعفاء" أو " امبراطوريات لا للشعوب المتفككة".
وخير دليل على دور الإعلام ماحدث أثناء حرب العراق .. وماهية الحرب النفسية والإعلامية التي شنتها أمريكا وحلفاؤها وكيف قلبت حقائق ووقائع ما جرى وصورت المحتل على أنه مخلص ومنقذ وسهلت مهمة احتلال العراق.
وأخيراً فقد آن الأوان لأن يأخذ الإعلام دوره الحقيقي في مجال الثقافة والبناء ومواجهة الغزو الإعلامي الثقافي الغربي، والمهمة ليست سهلة فهي تقع على عاتق كافة المؤسسات الإعلامية العربية وعلى المثقفين وقادة الفكر والسياسة في كل بلد عربي، والنتيجة ليست قريبة المنال فهي تتطلب النضال من أجل الالتزام بثوابت المصداقية والحرية وحق الاتصال وهي من أسس النهوض الفكري والسياسي القومي.


ريمة يحيى الحجار