أخي الأستاذ الفاضل عدنان كنفاني ,
موضوعك هذا الذي يفرق بين الشعر والنثر , موضوع هام , وكم من باحث تصدى لذلك وأنكر اجتماع النثر مع الشعر , أو النثر مع القصيدة , ولكن أنصار الفكرة الغربية كان لهم نظريات فلسفية لا يفهما أحد غيرهم ليضعوا الغربال على العيون فيحجبون به أشعة الشمس .
كلنا يعرف بأن لغتنا العربية إما أن تكون شعراً وإما أن تكون نثراً , وإما أن تكون قرآناً , فالشعر له الإنشاد , والقرآن له الترتيل , وما تبقى من الكلام فهو نثراً مهما اختصرت ومهما بلغت ومهما صنعت , لأنه يخلو من الوزن , وأكبر أكذوبة نصادفها هي خدعة ( الموسيقا الداخلية ) وأين هذه الموسيقى الداخلية ؟ وكيف نحس بها ؟ وما هي أبعادها , وفي أي نص موجودة , هل الموسيقا الداخلية موجودة في قصيدة النثر وحدها ؟ أم توجد في الرواية والقصة والمقالة والحديث النبوي الشريف أو في آيات الله سبحانه , ؟ أين هي الموسيقا الداخلية وما هو كنهها ؟
من هنا يطلقون العنان على مصطلحات هم أنفسهم لا يعرفون حدودها , الا يوجد في الشعر العمودي موسيقا داخلية وخارجية معاً , وإذا أردنا أن نضع النقاط على الحروف , دعونا نتعرف على مصطلح ( موسيقا ) فإن عرفنا ما هي الموسيقا كما يفهمها علماء الموسيقى وليس كما يفهما أدباء المصطلحات الرنانة , بعد ذلك نعرف طريق قصيدة النثر إلى أين تسير .
الموسيقا بمصطلحها المعروف عند أهل الموسيقا أنفسهم , هي أصوات متداخلة مع اللحن قد تكون موسيقا إيقاعية , وقد تكون موسيقا غير إيقاعية , ويعرفها البروفيسور عبدالحميد حمام عميد كلية الآداب في جامعة اليرموك بقوله (( إن لكلمة إيقاع في الموسيقا دلالة تختلف عنها في الأدب وهي تقتصر على معالجة المدة الزمنية , أما ارتفاع الطبقة وانخفاضها والإعادات والتعبير فتنبع لعناصر أخرى مثل اللحن والطبقة والشكل البنائي ))
وأول ما قله الدكتور هو ( إن لكلمة إيقاع في الموسيقى ) أي أن الإيقاع ينفرد بمواصفات خاصة وهو جزء هام في الموسيقا , بينما الموسيقا قد تشمل الإيقاع وغير الإيقاع , ) ومن هنا نستطيع القول ,بأن هديل الحمام به موسيقا إيقاعية , بينما تغريد كثير من العصافير فيها موسيقا غير إيقاعية . وكذلك اللغة العربية قد تحمل جملها وعباراتها موسيقا خاصة , ولكنها موسيقا غير إيقاعية , ولكن الشعر العربي , لا يتميز عن النثر إلا بالإيقاع أي بانتظام متابعة التفاعيل لتصلح للإنشاد الشعري الإيقاعي الموسيقي .
ثم إن الشعر بإيقاعه وتزامن وحداته الموسيقية لا يوجد في النثر , حتى وإن وجدت في النثر بعض الجمل التي تحسبها موزونة إلا إنها ليست من الشعر بشيء , لأن الإيقاع يبعدها عن الشعر بشيء واحد وهو تكرار الجمل الموسيقية الإيقاعية لبيتين أو ثلاثة أبيات من القول الموقع ليطمئن إليها المتلقي ويستأنس بإيقاعها بالوزن والقافية فيحكم عليها بأنها قصيدة , وسميت القصيدة بهذا الاسم لأن الشاعر قصدها بثلاثة أبيات على الأقل , ومن هنا نستطيع القول : إن بعض آيات الله لو أحسست بأن بعضها جاء على وزن التفاعيل , فلا نستطيع أن نسميها شعراً , لثلاثة أسباب وهي: .
1 ــ إنها لم تبلغ الأبيات الثلاثة ليقال عنها شعراً .
2 ــ إنها ترتل ترتيلاً , والترتيل والتجويد ينسف بالإيقاع الشعري ليبعده عن الإيقاع .
3 ــ إن القرآن كلام الله , والله نفى أن يكون كلامه شعراً , ثم إن الله سبحانه رتل القرآن ولم ((( يقصد الشعر بوزنه ليقال إنها قصيدة )))
أشكر الأخ الفاضل عدنان كنفاني الذي أتاح لي الفرصة في تكملة موضوع الموسيقا الداخلية في قصيدة النثر .