ضلالات الرواية "حمام بريدة"أنموذجا(3)
في مستهل هذه الحلقة،نشير إلى ما جاء في آخر صفحات الرواية،من معلومات عن أعمال الأستاذ يوسف المحيميد،وعليّ أن أعترف بأنني صدمت مرتين .. الصدمة الأولى سوف أتركها لوقتها – إن شاء الله – أما الصدمة الثانية فسأذكرها بعد سرد أعمال الروائي :
ظهيرة لا مشاة لها (قصص) الرياض 1989م
رجفة أثوابهم البيض (قصص) دار شرقيات – القاهرة 1993م
لغط الموتى وقصص أخرى – اتحاد الكتاب العرب – دمشق 2000م
لغط الموتى (رواية) – منشورات الجمل – كولونيا – ألمانيا 2003م
فخاخ الرائحة (رواية ) رياض الريس للكتب والنشر – بيروت 2003 / طبعة 2 (2006م)
القارورة (رواية) المركز الثقافي العربي – بيروت / الدار البيضاء 2004 ط 3 (2008م)
أخي يفتش عن رامبو – قصص - المركز الثقافي العربي – بيروت / الدار البيضاء2005م
نزهة الدلفين – رواية - رياض الريس للكتب والنشر – بيروت 2006م
إذا فنحن أمام روائي متمرس،وله أعمال عديدة،لذلك صدمت أن أجد في روايته التي نناقشها (الحمام لا يطير في بريدة) أخطأ قد يتغاضى عنها لمبتدئ لا زال يتلمس طريقه .. ولا زال – مثل كل مبتدئ – غير قادر على صناعة عالمه الروائي بعيدا عن حياته الشخصية،أو قراءاته .
أول خطئ .. جاء في آية كريمة .. وذلك حين احتج "فهد"على عنصرية"ثريا" فقالت : وقد كُتب الكلام بين هلالين – ولن أفعل ذلك - : وفضلنا بعضكم على بعض درجات .. واضافت"الله،رب العالمين قالها مو أنا"{ص156 (الحمام لا يطر ..}.
لا توجد آية بهذا النص في القرآن الكريم.
جاء في الرواية أيضا عند وصف طريقة تهريب جماعة (جهيمان) للسلاح إلى الحرم المكي الشريف،عند محاولتهم الاستيلاء عليه،وقد أدخلت الأسلحة على شكل نعوش للنساء .(لم يكن جثمان المرأة في الحرم المكي يغطى بعباءة مثلا كي لا يتبين جسدها أمام المصلين،بل توضع بنعش ذي غطاء خشبي مغلق،فقد كانت عائشة أول من استخدم هذا النعش المقبب){ص 45 (الحمام لا يطير ..}.
ليس صحيحا أن أمنا عائشة رضي الله عنها هي أول من استخدمت النعش الذي يستر المرأة .. وإنما رأت سيدتنا أسماء بنت عميس أهل الحبشة يستعملون ذلك النوع من النعوش .. وقد اختلف في أول من استعمل لها ذلك النوع من النعوش،هل هي فاطمة الزهراء عليها السلام .. أم سيدتنا أسماء نفسها . إلخ. وليس بين الأسماء اسم أمنا عائشة رضي الله عنها.
قلت في ختام الحلقة الماضي أن هذه الرواية ذكرتني بروايات أخرى .. والحقيقة أنها ذكرتني بكتاب آخر أيضا ..
جاء في الرواية عند الحديث عن (سليمان السيفلاوي ) والد "فهد"بطل الرواية :
(كان الحي الذي عاشت فيه عائلات جماعة السلفية المحتسبة في الحرة الشرقية بأطراف المدينة المنورة،مجرد بيوت ومبانٍ عشوائية،بينها ممرات صغيرة جدا،تشبه الزواريب التي لا تكاد تسمح بمرور شخصين اثنين معا في اللحظة ذاتها،بيوت مسلحة لكل منها ثلاثة أبواب،الباب الخلفي لأي منها يلتقي بالباب الخلفي للبيت الذي في ظهره،وهو الباب الذي تستخدمه النساء عادة للقاء والحديث الهامس وتبادل المنافع ومتطلبات الأكل،وهي الأبواب الخلفية التي هرب منها كثير من هؤلاء وقت مداهمتهم من قبل رجال الأمن قبيل احتلال الحرم. كان سليمان السيفلاوي مغامرا ومتهورا،وهو يعود ليلا إلى الحي المراقب بجرأة نادرة،كي يدخل من باب خلفي في طريق ضيق كالصراط،وينقذ حقيبته التي تحتوي على أوراقه الثبوتية،من تابعية وشهادة دراسية للابتدائية والمعهد،ثم يتسلل هاربا بينما المباحث والجنود يرابطون أمام الأبواب الرئيسة..){ص 191 (الحمام لا يطر .. }.
هذا الوصف ذكرني بكتاب آخر .. فعدت له فوجدت التالي :
(فكل بيت يه بابان أحدهما رئيسي للرجال غالبا،والآخر خلفي للنساء يفتح على الأبواب الخلفية لعدة بيوت،بحيث يأخذ النساء حريتهن في الزيارات المنزلية (..) وأنا كنت قد تسللت إلى بيت - جهيمان وكان تحت المراقبة والبيت خال في أوائل سنة 1399 هجرية - لاستعادة أوراقي الثبوتية من الباب الخلفي،وقبل ذلك بمدة وجيزة أخرجنا بعض كتب جهيمان من الباب الخلفي أيضا ،وكان معي عبد الله الحربي. كل ذلك والبابان الرئيسيان الواقعان على الشارع الرئيسي مراقبين،ولم ينتبه أحد إلى وجود باب آخر){ص 46 (أيام مع جهيمان : كنت مع الجماعة السلفية المحتسبة) / ناصر الحزيمي / الشبكة العربية للأبحاث والنشر}
لا يتوقف الأمر عند تشابه النصين السابقين .. ولكن الرواية – في هيكلها المتعلق بسليمان السيفلاوي – مسلوخة من كتاب الأستاذ (الحزيمي) .. قد يكون مؤلف الرواية استأذن من صاحب الايام .. ولكنه لم يخبرنا بذلك .. ونحن نتعامل مع النصوص التي أمامنا،وفيه صفحات تكاد أن تكون كاملة من كتاب الأستاذ(الحزيمي) إضافة إلا أن الاستاذ(المحيميد) التقط انبهار مؤلف الأيام عند رؤيته للشيخ (الألباني) والذي كان يقرأ له .. التقطها الروائي ليجعل "فهدا"ينبهر عندما رأى مطربا مشهورا – ذكر اسمه - أو نجمه المفضل .. كما انبهر والده عندما رأى نجمه المفضل!!!
هذا هو الكتاب الذي ذكرتني به الرواية أما الرواية فقد جاء في رواية الأستاذ (المحيميد) ما يلي :
(تذكرت حكاية شعبية قديمة في بريدة،سمعتها عندما كنت طفلا،عن نجار شاب تسكن معه أمه،في منزل ذي حوش فيه شجرة سدر ضخمة،تستند على حافة السور،ويستظل بها النجار الشاب طوال النهار يصنع الأبواب والنوافذ،حتى سئمت الأم من وجوده الدائم داخل البيت،الأمر الذي لا يسمح لها بمواعدة عشيقها،والاختلاء به،ففكرت مرارا بطريقة تجعل الابن يعمل خارج البيت،فجاءته ذات يوم بدهاء عجوز محنكة،تتململ وتشتكي بخجل من عصافير السدرة التي تكشف عورتها،وأن الحل للتخلص من هذه العصافير والطيور المتلصصة كلها هو قطع هذه الشجرة،فكان لها ما أرادت،وفقد ابنها الظل البارد،فخرج يعمل تحت شجرة بعيدة،وتخلصت من مرابطته في البيت،ليزورها عشيقها متى أرادت){ص 169 (الحمام لا يطير في بريدة)}
إذا تجاوزنا كملة (المواعدة) التي تبدو أقرب إلى الترجمات التي نراها في الأفلام ،من اللغة العربية التي كان لها أن تستعمل (استقبال عشيقها)،فإنني أتذكر – كما تذكر الراوي – أنني قرأت القصة نفسها .. أين ؟
(من أسطورة يرويها قمر الزمان لأبيه السلطان .. أن امرأة طلبت من زوجها .."أن يقطع الشجرة الوحيدة في وسط البلد مع أنها كانت شبه مقدسة .. بحجة أن عصفورا ذكرا يأتي إلى تلك الشجرة في ساعات وضوئها وعندما تكون غير متحفظة فينظر ذكر العصفور إلى ما لا يحل النظر إليه"){ ص 189 / رواية ( الرحيل : بين السهم والوتر) / حليم بركات}.
من الروايات التي ذكرتني بها هذه الرواية رواية (السفينة) لجبرا إبراهيم جبرا،وذلك حين علقت سيارة "فهد"ومعه"طرفة"في مزرعة مهجورة بعد لقاء ... كأنني أمام بطلي (السفينة) وقد علقت سيارة "عصام"في مزرعة مهجورة ومعه "لمى"{ص 12 - 13 }.
وأخيرا هناك إحدى روايات أحلام مستغانمي .. حين وقفت فتاة عارية تماما أمام الرسام فلم يرسم سوى أذنها وقرطها!! أما هنا فإننا نجد التالي :
(قال لها مرة أنه يحلم أن يرسم لوحة كلها إبهام يضاهي إبهامها البديع){ص 176(الحمام لا يطير..}.
مع أن الفارق بين الفكرتين مثل الفارق بين السماء والأرض،إلا أن هذه ذكرتني بتلك على كل حال.
سبق أن أشرنا إلى معلومة خاطئة وردت في الرواية ،أي تلك المعلومة المتعلقة بأول من استخدم لها النعش المقبب،ولكنها بشكل عام معلومة خطؤها لا يضر .. ولكننا نجد خطأ آخر تمرره الرواية هكذا .. ولأنها ليست (فكرة) فلم يكن الراوي يستطيع – كما يبدو – أن يصحح معلومة خاطئة .. وأقصد قول الراقي الذي تسبب في موت "سها"أم"فهد"وقد قال الرجل – أو الشخصية الموازية – لـ"فهد":
( صار يشرح له أن الرسول كان يقرا ويضرب){ص 294 (الحمام لا يطير ..)}.
معلومة أخرى جاءت في الرواية حول الرقية الشرعية على لسان "فهد" :
(تخيلي أمي،في أي بلد خراب نعيش،فقبل أيام أقر مجلس الشورى ببساطة مناقشة تعريف حدود الضرب في الرقية الشرعية،أي أنه أقر بجواز الضرب){ص 313 (الحاما لا يطير ..}.
لا أذكر أن مجلس الشورى ناقش القضية,ولا كنني وجدت – عبر "قوقل" – موضوعا تحت عنوان (حدود الضرب في الرقية الشرعية"سجال سعودي جديد)،والموضوع للأستاذ جمال خاشقي – منشور في موقع العربية – عزا فيه للدكتور عبد العزيز الصويغ – عبر مقالة منشورة في جريدة المدينة – انتقاده للغطاء الذي تقدمه لجنة الرقية الشرعية في أمارة جدة .. ومما جاء في المقالة :
(أما علماؤنا الأفاضل،فيناقشون في الصحف "ما هي حدود الضرب في الرقية الشرعية"،فتخيلوا أعضاء مجلس الشورى مجتمعين للإجابة على هذا السؤال).
إذا يطرح"المفكر"وجهة نظر،ثم أعقبها بافتراض ساخر .. فيلتقط "الروائي"تلك"القفشة"ويجعلها (واقعا)!!
من المعلومات أيضا ما جاء في الرواية .. ونحن مع" أم فهد"أو أهلها :
(وقت أن طرد الأردنيون و الفلسطينيون واليمنيون من السعودية){ص 63 (الحمام لا يطير ..}.
المقصود ما حديث بعد كارثة احتلال العراق للكويت .. ولكن هل طُردت السعودية اليمنيين فعلا؟
الذي نعرفه أن اليمنيين كانوا يعاملون معاملة خاصة،أي أن اليمني لا يحتاج إلى"كفيل"- وهم يستحقون تلك المعاملة الخاصة – ولكن حين وقفت حكومة اليمن مع صدام حسين،طلب من اليمنيين أن يختاروا بين المغادرة أو الحصول على كفيل،مثل غيرهم من بقية العرب والمسلمين ..فاختار كثيرون المغادرة، فهل يسمى هذا طردا؟!!
هل نحن مرة أخرى أمام (نهر على جسر درينا)؟!!
وعلى ذكر الرواية .. تحدثنا الرواية التي بين أيدينا عن سليمان السيفلاوي) وهو في سجنه .. وحين سمح لهم بالقراءة :
(.. إذ تسلم روايات دوستويفسكي كلها "الجريمة والعقاب"و"الأبله"و"المراهق"و"الإخوة كازاماروف"حيث كانت تنقله إلى عالم آخربعيدا عن الصراعات المذهبية حول قضية ما .){ص 205 (الحمام لا يطر ...}.
هكذا كتب اسم الرواية الشهيرة خطأ – ربما سبق "كيبورد"- كان لقراء مثلي لم يقرا روية "الإخوة كرامازوف"أن يظن فعلا أنها كما وصفتها الرواية هنا .. ولكنني – لحسن الحظ أو لسوئه – كنت قد قرأت شيئا عنها قبل زمن طويل،كما أنني كنت قريب عهد بقراءة(بيجوفيتش) والذي أذكر أنه تحدث عنها .. فعدت إليه فهمس لي :
(إذا سألنا ما هي الموضوعية أو الأطروحة الرئيسية في رواية"الإخوة كرامازوف"فإن الجواب سيكون على النحو التالي : إذا لم يكن الله موجودا فكل شيء مباح. فعلى مدار ألف صفحة من هذا العمل المشهور فإن "دوستوييفسكي"يقلب هذه الأطروحة){ص 100 (هروبي إلى الحرية ) / علي عزت بيجوفيتش / ترجمة : إسماعيل أبو البندورة / دمشق / دار الفكر }
أصبحت لا حبذ الإطالة – بعد أن اكتشفت أن"النت"حول الناس من "قراء"إلى"متصفحين" – وقد أطلت أكثر مما ينبغي .. لذلك أترك بقية الحديث إلى الحلقة القادمة ... إذا أذن الله.

أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة