﴿أتمدوننِ﴾ لفتت نظري جدا
ماهي الفروق الاساسية مابين قراءة ورش وعاصم؟ لنقارن مع التقدير.
﴿أتمدوننِ﴾ لفتت نظري جدا
ماهي الفروق الاساسية مابين قراءة ورش وعاصم؟ لنقارن مع التقدير.
تعددت يابني قومي مصائبنا فأقفلت بالنبا المفتوح إقفالا
كنا نعالج جرحا واحد فغدت جراحنا اليوم ألوانا وأشكالا
ثانيا: تعريف مدلول الشذوذ
إن مدلول الشذوذ في القراءات يشمل :
1. الشذوذ عن المصاحف العثمانية وهو ما تخلف عنها من قراءات بعض الصحابة.
2. والشذوذ عن القياس في لسان العرب نحو كسر سين يحسب بصيغة المستقبل لنافع والمكي والبصريين والكسائي وخلف وإنما قياس مستقبل حسب فتح العين للأربعة المسكوت عنهم.
3. والشذوذ عن الأداء والطريق الواحدة أو ما يسمى بتركيب الطرق كالقراءة بوصل ﴿اصطفى البنات﴾ لمن كان يقرأ للأزرق إذ لا يخفى تخلفها عن أداء الأزرق رغم صحتها عن الأصبهاني عن أصحابه عن ورش.
4. والشذوذ كمصطلح عند العامة في مقابلة القراءات المشهورة التي لا يزال الأداء بها متصلا، وكذلك ألِف الخاصة هذا المصطلح فجذبهم إلى خطإ منهجي صرفهم عن التحقيق.
ولا يخفى تواتر المصاحف العثمانية وشذوذ ما تخلّف عنها من قراءات الصحابة التي لم تتضمنها العرضتان الأخيرتان كما لا تخفى صحة القسم الثاني وهو الشذوذ اللغوي كتغليط ابن مجاهد وطعن ابن جرير في بعض الأحرف، ولا يخفى جواز القسم الثالث تيسيرا على العامة لعدم تمكّنهم من تحرير الطرق بقيد وشرط معلوم.
وأحسن الظنّ بأصحاب البيان أنهم قصدوا القسم الرابع ولكن: ليت شعري كيف درى أصحاب البيان شذوذ ما وراء طرق طيبة النشر ؟ وقد برئ ابن الجزري نفسه من تلك الدعوى كما في آخر كتابه منجد المقرئين قال:" لا أقطع بأن ما عدا العشر غير متواتر؛ فإن التواتر قد يكون عند قوم دون قوم، ولم أطلع على بلاد الهند والخَطا وأقصى المشرق وغيره، فيحتمل أنها تكون عندهم متواترة" اهـ محل الغرض منه.
وكذلك أعلن ابن الجزري في نشره (1/41-43) متوكئا على نص نفيس عن ابن حيان الأندلسي منه: "... وهل هذه المختصرات التي بأيدي الناس اليوم كالتيسير والتبصرة والعنوان والشاطبية بالنسبة لما اشتهر من قراءات الأئمة السبعة إلا نزر من كثر وقطرة من قطر ، وينشأ الفروعي فلا يرى إلا مثل الشاطبية والعنوان فيعتقد أن السبعة [ يعني الأحرف السبعة ]محصورة في هذا فقط ، ومن كان له اطلاع على هذا الفن رأى أن هذين الكتابين ونحوهما من السبعة كثغبة من دأماء وتربة في بهماء ، وهذا أبو عمرو ابن العلاء الإمام الذي يقرأ أهل الشام ومصر بقراءته اشتهر عنه في هذه الكتب المختصرة اليزيدي وعنه رجلان الدوري والسوسي ، وعند أهل النقل اشتهر عنه سبعة عشر راويا : اليزيدي وشجاع وعبد الوارث والعباس بن الفضل وسعيد بن أوس وهارون الأعور والخفاف وعبيد بن عقيل وحسين الجعفي ويونس بن حبيب واللؤلؤي ومحبوب وخارجة والجهضمي وعصمة والأصمعي وأبو جعفر الرؤاسي فكيف تقصر قراءة أبي عمرو على اليزيدي ويلغى من سواه من الرواة على كثرتهم وضبطهم وثقتهم وربما يكون فيهم من هو أوثق وأعلم من اليزيدي ؟
وننتقل إلى اليزيدي فنقول : اشتهر ممن روى عن اليزيدي الدوري والسوسي وأبو حمدان ومحمد بن أحمد بن جبير وأوقية أبو الفتح وأبو خلاد وجعفر بن حمدان سجادة وابن سعدان وأحمد بن محمد بن اليزيدي ، وأبو الحارث الليث بن خالد ، فهؤلاء عشرة فكيف يقتصر على أبي شعيب والدوري ويلغى بقية هؤلاء الرواة الذين شاركوهما في اليزيدي وربما فيهم من هو أضبط منهما وأوثق ؟
وننتقل إلى الدوري فنقول : اشتهر ممن روى عنه ابن فرح وابن بشار وأبو الزعراء وابن مسعود السراج والكاغدي وابن برزة وأحمد بن حرب المعدل .
وننتقل إلى ابن فرح فنقول : روى عنه ممن اشتهر : زيد بن أبي بلال وعمر بن عبد الصمد وأبو العباس بن محيريز وأبو محمد القطان والمطوعي وهكذا نزل هؤلاء القراء طبقة طبقة إلى زماننا هذا فكيف وهذا نافع الإمام الذي يقرأ أهل المغرب بقراءته اشتهر عنه في هذه الكتب المختصرة ورش وقالون وعند أهل النقل اشتهر عنه تسعة رجال : ورش وقالون وإسماعيل بن جعفر وأبو خليد وابن جماز وخارجة والأصمعي وكردم والمسيبي ؟
وهكذا كل إمام من باقي السبعة قد اشتهر عنه رواة غير ما في هذه المختصرات فكيف يلغى نقلهم ويقتصر على اثنين ؟ وأي مزية وشرف لذينك الإثنين على رفقائهما وكلهم أخذوا عن شيخ واحد وكلهم ضابطون ثقات ؟ وأيضا فقد كان في زمان هؤلاء السبعة من أئمة الإسلام الناقلين القراءات عالم لا يحصون وإنما جاء مقرئ اختار هؤلاء وسماهم ولكسل بعض الناس وقصر الهمم وإرادة الله أن ينقص العلم اقتصروا على السبعة ثم اقتصروا من السبعة على نزر يسير منها انتهى " اهـ من النشر .
قلت : ولا يخفى أن إسماعيل القاضي والمسيبي كانوا أعلى رتبة وأجل شأنا وأضبط وأوثق من قالون وورش وكذلك أخبرني شيخي صدّاف بن محمد البشير رحمه الله حين قراءتي عليه سنة 1409هـ وكان يعجب كثيرا من قصور الهمم عن القراءة بكتاب التعريف عن نافع لأبي عمرو الداني.
وبعيدا عن التفصيل والبيان زعم البيان شذوذ بعض الأوجه في كتاب التعريف باستدلالات ثلاث:
1. عدم تواتر القراءة بها من لدن عصر المؤلف إلى عصرنا هذا
2. إجماع علماء المشرق والمغرب على عدم تلقي هذه الأوجه بالقبول
3. مخالفتها للمتلقى بالأسانيد المتواترة عن أهل الأداء الثقات عن الإمام نافع المدني
قلت: ولا تعدو هذه الفتيا الوصف بالتدليس على الأمة والقول بغير علم.
أما التدليس فلأن ابن الجزري نفسه لم يزعم التواتر في طيبته ونشره بل اختار القول بالشهرة والاستفاضة لفرط أمانته العلمية، وإنما الشهرة والاستفاضة لوصف الأداء غير المنصوص، أما الأداء المنصوص في أمهات كتب القرآن فهو أكثر من متواتر.
قال ابن الجزري في النشر (1/13):"وإذا اشترطنا التواتر في كل حرف من حروف الخلاف انتفى كثير من أحرف الخلاف الثابت عن هؤلاء السبعة وغيرهم" اهـ
وقال عمرو ابن الحاجب: "والسبعة متواترة فيما ليس من قبيل الأداء كالمد والإمالة وتخفيف الهمز ونحوه" اهـ من النشر (1/13).
ولا يتأتى لأحد إثبات التواتر في أداء متصل إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الوقف على كل كلمة فيها الهمز بالتسهيل لحمزة ولا تواتر إمالة كل كلمة فيها هاء التأنيث للكسائي ولا تواتر الإدغام الكبير في كل جزئياته لأبي عمرو.
ولأجل هذه الحقيقة الكبرى أعلن ابن الجزري أن اشتراط التواتر ينتفي معه كثير من حروف الخلاف الثابت عن السبعة وغيرهم وكما فسّره ابن الحاجب وخصصه بما كان من قبيل الأداء كالمد والإمالة ومذاهبهم في الهمز ...
وفي غير ما كان من قبيل الأداء ككلمات الفرش فإن أعلى درجات صحتها هو اجتماع النص والأداء في كتب المصنفين من طرق الرواة مثل ابن مهران (ت 381 هـ) في غايته وعبد المنعم بن غلبون ( ت 389 هـ ) في إرشاده وطاهر بن غلبون (ت 399 هـ ) في تذكرته ومكي بن أبي طالب ( ت 437 هـ ) في تبصرته وأبي الفضل الخزاعي ( ت 408 هـ ) في المنتهى والطرسوسي ( ت 420 هـ ) في المجتبى والمهدوي ( ت 430 هـ ) في هدايته أبي عليّ المالكي ( ت 438 هـ ) في روضته وأبي عمرو الداني ( ت 444 هـ ) في جامعه وتيسيره وتعريفه وغيرها وابن فارس الخياط ( ت 452 هـ ) في جامعه وأبي الحسين الفارسي ( ت 461 هـ ) في جامعه وغيرهم في أمهات أودعها من حملوا إلينا القرآن عذبا وسلسلا تفاصيل أداء دوّنوه في حياتهم كما تلقوه من المقرئين أثناء قراءتهم القرآن من أوله إلى آخره ودوّنوا مع الأداء المنصوص تلقيهم أحرف الخلاف بالتحديث.
تلكم الأمهات خصوصا في القرنين الرابع والخامس هي أعلى درجات الصحة أي متواترة لا يصح نسخها إلا بنصوص سابقة لا أسانيد متأخرة ظنية العدالة والضبط والدقة.
أما الأمهات في القرن السادس فما بعده فهي عالة على نصوص المصنفين في القرنين الرابع والخامس وعلى أدائهم غير المنصوص وعلى تحديثهم بأحرف الخلاف.
وأما الأمهات في القرون الثلاثة الأولى فهي الغاية القصوى والكنز الأعظم والعلم والدليل لقربها من الأداء الأول ولمعاصرتها نشأة تعدد القراءات والروايات.
ولا قيمة لطعن على أداء منصوص في أمهات كتب القراءات إلا يكن بنص سبقه من مثله أو أضبط منه.
وإن من المغالطة الإعلان عن هيمنة الأسانيد المعاصرة على أداء مدون منصوص قرأ به القرآن من أوله إلى آخره أئمة القراءات كابن مهران وابني غلبون والداني والقلانسي كل منهم عن شيوخه مسلسلا إلى الرواة والقراء أنفسهم.
إن الأسانيد المعاصرة قد تطاول عليها العمر وأضْحتْ مَظنَّةَ الوهْمِ والمتاجرةِ ولِيَتَزَيّن بها من لا يفقهون ولا يدرون ما الرواية ولا الدراية، وإن من المتأخرين المعاصرين من قد زعموا رواية الهاء الخالصة مسلسلة في أسانيدهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
إن الأداء بالقرآن كله أو بعضه لا يحتاج إلى اشتراط أو اقتران الإسناد، كما لا قيمة للأسانيد المتأخرة عند غير المتقنين المتخصصين أئمة الإقراء، ولعل الذين ينكرون هذه الكلية أن يجيبوا على التساؤلات التالية:
1. في أواخر العهد النبوي: أفيدونا عن رسائل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك وتضمنت رسالته إلى هرقل عظيم الروم قوله تعالى ﴿قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون﴾ آل عمران، تلك الرسالة سلّمها الرسول بها على هرقل ودفعها هرقل إلى وزيره لفكّ الخاتم وقراءتها وترجمها، أترون الوزير وهو يقرأ تلك الآية قد قرأ من القرآن أو من كلام البشر؟
2. أرأيتم عامة الناس عبر التاريخ الإسلامي منذ عصر التابعين إلى يومنا هذا ولا يحملون أسانيد ولا إجازات يقرأون القرآن في صلاتهم ويتلونه آناء الليل وأطراف النهار هل يتأتى وصف ما يقرأون وما يتلون بأنه من كلام البشر؟
وإنما أمهات القراءات قد أضافت نصوصا بضبط كلمات القرآن المختلف في أدائها وتلاوتها كما تلقاها المصنفون من طرق الرواة، ضبطا يؤهِّل المتأخرين لتلاوة كلمات القرآن دون الخطإ في أدائها.
ولو غلب التحقيق لتوقفت الأسانيد عند المصنفين من طرق الرواة. وكل منهم ضمّن كتابه أسانيده بأدائه القرآن قراءة وبتلقيه أحرف الخلاف تحديثا.
وكان من تدليس البيان التعريضُ بشذوذ طريق ابن نفيس لكل من قالون والأزرق التي عليها مدار تلاوة وأداء المغاربة جميعا في ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وشنقيط وما وراءها من بلاد السودان منذ ألف سنة إلى يومنا هذا ، ولا يخفى أنها تميزت عن الحرز والتيسير والدرر اللوامع وإنما حوت الطيبة والنشر بعضا منها، وتفصيلها في كافي ابن شريح وتجريد ابن الفحام وتلخيص العبارات لابن بليمة وإقناع ابن الباذش .
وأكبر من هذا التدليس زعم البيان تقوُّلا بغير علم إجماع علماء المشرق والمغرب على عدم تلقي هذه الأوجه بالقبول، بل لا يسلم لهم زعمُ إجماع المتخصصين في المشرق فما بال البيان بأهل المغرب؟
وإن طالب العلم من قطر شنقيط قد اتصل مباشرة بأئمة الإقراء في المغرب فأنكروا وأنكر معهم الإخوة المتخصصون في الجزائر، فمن أين علم البيان إجماع علماء المغرب إلا يكن من وحي الخيال والمزاج والتمني؟
ولقد كنت ولا أزال بصدد دعوة الخواص أئمة القراءات المعاصرين إلى اجتماع عاجل يتدارسون الأمر ولعلهم يجددون علم القراءات بإحياء الأداء الأول الأداء بالمصاحف العثمانية الخمسة مستعينين بأمهات كتب القراءات في القرنين الرابع والخامس في العصر الذهبي لتدوين القراءات وبما سبقه من نصوص في القرون الثلاثة الأولى.
يتواصل
ثانيا: تعريف مدلول الشذوذ
إن مدلول الشذوذ في القراءات يشمل :
1. الشذوذ عن المصاحف العثمانية وهو ما تخلف عنها من قراءات بعض الصحابة.
2. والشذوذ عن القياس في لسان العرب نحو كسر سين يحسب بصيغة المستقبل لنافع والمكي والبصريين والكسائي وخلف وإنما قياس مستقبل حسب فتح العين للأربعة المسكوت عنهم.
3. والشذوذ عن الأداء والطريق الواحدة أو ما يسمى بتركيب الطرق كالقراءة بوصل ﴿اصطفى البنات﴾ لمن كان يقرأ للأزرق إذ لا يخفى تخلفها عن أداء الأزرق رغم صحتها عن الأصبهاني عن أصحابه عن ورش.
4. والشذوذ كمصطلح عند العامة في مقابلة القراءات المشهورة التي لا يزال الأداء بها متصلا، وكذلك ألِف الخاصة هذا المصطلح فجذبهم إلى خطإ منهجي صرفهم عن التحقيق.
ولا يخفى تواتر المصاحف العثمانية وشذوذ ما تخلّف عنها من قراءات الصحابة التي لم تتضمنها العرضتان الأخيرتان كما لا تخفى صحة القسم الثاني وهو الشذوذ اللغوي كتغليط ابن مجاهد وطعن ابن جرير في بعض الأحرف، ولا يخفى جواز القسم الثالث تيسيرا على العامة لعدم تمكّنهم من تحرير الطرق بقيد وشرط معلوم.
وأحسن الظنّ بأصحاب البيان أنهم قصدوا القسم الرابع ولكن: ليت شعري كيف درى أصحاب البيان شذوذ ما وراء طرق طيبة النشر ؟ وقد برئ ابن الجزري نفسه من تلك الدعوى كما في آخر كتابه منجد المقرئين قال:" لا أقطع بأن ما عدا العشر غير متواتر؛ فإن التواتر قد يكون عند قوم دون قوم، ولم أطلع على بلاد الهند والخَطا وأقصى المشرق وغيره، فيحتمل أنها تكون عندهم متواترة" اهـ محل الغرض منه.
وكذلك أعلن ابن الجزري في نشره (1/41-43) متوكئا على نص نفيس عن ابن حيان الأندلسي منه: "... وهل هذه المختصرات التي بأيدي الناس اليوم كالتيسير والتبصرة والعنوان والشاطبية بالنسبة لما اشتهر من قراءات الأئمة السبعة إلا نزر من كثر وقطرة من قطر ، وينشأ الفروعي فلا يرى إلا مثل الشاطبية والعنوان فيعتقد أن السبعة [ يعني الأحرف السبعة ]محصورة في هذا فقط ، ومن كان له اطلاع على هذا الفن رأى أن هذين الكتابين ونحوهما من السبعة كثغبة من دأماء وتربة في بهماء ، وهذا أبو عمرو ابن العلاء الإمام الذي يقرأ أهل الشام ومصر بقراءته اشتهر عنه في هذه الكتب المختصرة اليزيدي وعنه رجلان الدوري والسوسي ، وعند أهل النقل اشتهر عنه سبعة عشر راويا : اليزيدي وشجاع وعبد الوارث والعباس بن الفضل وسعيد بن أوس وهارون الأعور والخفاف وعبيد بن عقيل وحسين الجعفي ويونس بن حبيب واللؤلؤي ومحبوب وخارجة والجهضمي وعصمة والأصمعي وأبو جعفر الرؤاسي فكيف تقصر قراءة أبي عمرو على اليزيدي ويلغى من سواه من الرواة على كثرتهم وضبطهم وثقتهم وربما يكون فيهم من هو أوثق وأعلم من اليزيدي ؟
وننتقل إلى اليزيدي فنقول : اشتهر ممن روى عن اليزيدي الدوري والسوسي وأبو حمدان ومحمد بن أحمد بن جبير وأوقية أبو الفتح وأبو خلاد وجعفر بن حمدان سجادة وابن سعدان وأحمد بن محمد بن اليزيدي ، وأبو الحارث الليث بن خالد ، فهؤلاء عشرة فكيف يقتصر على أبي شعيب والدوري ويلغى بقية هؤلاء الرواة الذين شاركوهما في اليزيدي وربما فيهم من هو أضبط منهما وأوثق ؟
وننتقل إلى الدوري فنقول : اشتهر ممن روى عنه ابن فرح وابن بشار وأبو الزعراء وابن مسعود السراج والكاغدي وابن برزة وأحمد بن حرب المعدل .
وننتقل إلى ابن فرح فنقول : روى عنه ممن اشتهر : زيد بن أبي بلال وعمر بن عبد الصمد وأبو العباس بن محيريز وأبو محمد القطان والمطوعي وهكذا نزل هؤلاء القراء طبقة طبقة إلى زماننا هذا فكيف وهذا نافع الإمام الذي يقرأ أهل المغرب بقراءته اشتهر عنه في هذه الكتب المختصرة ورش وقالون وعند أهل النقل اشتهر عنه تسعة رجال : ورش وقالون وإسماعيل بن جعفر وأبو خليد وابن جماز وخارجة والأصمعي وكردم والمسيبي ؟
وهكذا كل إمام من باقي السبعة قد اشتهر عنه رواة غير ما في هذه المختصرات فكيف يلغى نقلهم ويقتصر على اثنين ؟ وأي مزية وشرف لذينك الإثنين على رفقائهما وكلهم أخذوا عن شيخ واحد وكلهم ضابطون ثقات ؟ وأيضا فقد كان في زمان هؤلاء السبعة من أئمة الإسلام الناقلين القراءات عالم لا يحصون وإنما جاء مقرئ اختار هؤلاء وسماهم ولكسل بعض الناس وقصر الهمم وإرادة الله أن ينقص العلم اقتصروا على السبعة ثم اقتصروا من السبعة على نزر يسير منها انتهى " اهـ من النشر .
قلت : ولا يخفى أن إسماعيل القاضي والمسيبي كانوا أعلى رتبة وأجل شأنا وأضبط وأوثق من قالون وورش وكذلك أخبرني شيخي صدّاف بن محمد البشير رحمه الله حين قراءتي عليه سنة 1409هـ وكان يعجب كثيرا من قصور الهمم عن القراءة بكتاب التعريف عن نافع لأبي عمرو الداني.
وبعيدا عن التفصيل والبيان زعم البيان شذوذ بعض الأوجه في كتاب التعريف باستدلالات ثلاث:
1. عدم تواتر القراءة بها من لدن عصر المؤلف إلى عصرنا هذا
2. إجماع علماء المشرق والمغرب على عدم تلقي هذه الأوجه بالقبول
3. مخالفتها للمتلقى بالأسانيد المتواترة عن أهل الأداء الثقات عن الإمام نافع المدني
قلت: ولا تعدو هذه الفتيا الوصف بالتدليس على الأمة والقول بغير علم.
أما التدليس فلأن ابن الجزري نفسه لم يزعم التواتر في طيبته ونشره بل اختار القول بالشهرة والاستفاضة لفرط أمانته العلمية، وإنما الشهرة والاستفاضة لوصف الأداء غير المنصوص، أما الأداء المنصوص في أمهات كتب القرآن فهو أكثر من متواتر.
قال ابن الجزري في النشر (1/13):"وإذا اشترطنا التواتر في كل حرف من حروف الخلاف انتفى كثير من أحرف الخلاف الثابت عن هؤلاء السبعة وغيرهم" اهـ
وقال عمرو ابن الحاجب: "والسبعة متواترة فيما ليس من قبيل الأداء كالمد والإمالة وتخفيف الهمز ونحوه" اهـ من النشر (1/13).
ولا يتأتى لأحد إثبات التواتر في أداء متصل إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الوقف على كل كلمة فيها الهمز بالتسهيل لحمزة ولا تواتر إمالة كل كلمة فيها هاء التأنيث للكسائي ولا تواتر الإدغام الكبير في كل جزئياته لأبي عمرو.
ولأجل هذه الحقيقة الكبرى أعلن ابن الجزري أن اشتراط التواتر ينتفي معه كثير من حروف الخلاف الثابت عن السبعة وغيرهم وكما فسّره ابن الحاجب وخصصه بما كان من قبيل الأداء كالمد والإمالة ومذاهبهم في الهمز ...
وفي غير ما كان من قبيل الأداء ككلمات الفرش فإن أعلى درجات صحتها هو اجتماع النص والأداء في كتب المصنفين من طرق الرواة مثل ابن مهران (ت 381 هـ) في غايته وعبد المنعم بن غلبون ( ت 389 هـ ) في إرشاده وطاهر بن غلبون (ت 399 هـ ) في تذكرته ومكي بن أبي طالب ( ت 437 هـ ) في تبصرته وأبي الفضل الخزاعي ( ت 408 هـ ) في المنتهى والطرسوسي ( ت 420 هـ ) في المجتبى والمهدوي ( ت 430 هـ ) في هدايته أبي عليّ المالكي ( ت 438 هـ ) في روضته وأبي عمرو الداني ( ت 444 هـ ) في جامعه وتيسيره وتعريفه وغيرها وابن فارس الخياط ( ت 452 هـ ) في جامعه وأبي الحسين الفارسي ( ت 461 هـ ) في جامعه وغيرهم في أمهات أودعها من حملوا إلينا القرآن عذبا وسلسلا تفاصيل أداء دوّنوه في حياتهم كما تلقوه من المقرئين أثناء قراءتهم القرآن من أوله إلى آخره ودوّنوا مع الأداء المنصوص تلقيهم أحرف الخلاف بالتحديث.
تلكم الأمهات خصوصا في القرنين الرابع والخامس هي أعلى درجات الصحة أي متواترة لا يصح نسخها إلا بنصوص سابقة لا أسانيد متأخرة ظنية العدالة والضبط والدقة.
أما الأمهات في القرن السادس فما بعده فهي عالة على نصوص المصنفين في القرنين الرابع والخامس وعلى أدائهم غير المنصوص وعلى تحديثهم بأحرف الخلاف.
وأما الأمهات في القرون الثلاثة الأولى فهي الغاية القصوى والكنز الأعظم والعلم والدليل لقربها من الأداء الأول ولمعاصرتها نشأة تعدد القراءات والروايات.
ولا قيمة لطعن على أداء منصوص في أمهات كتب القراءات إلا يكن بنص سبقه من مثله أو أضبط منه.
وإن من المغالطة الإعلان عن هيمنة الأسانيد المعاصرة على أداء مدون منصوص قرأ به القرآن من أوله إلى آخره أئمة القراءات كابن مهران وابني غلبون والداني والقلانسي كل منهم عن شيوخه مسلسلا إلى الرواة والقراء أنفسهم.
إن الأسانيد المعاصرة قد تطاول عليها العمر وأضْحتْ مَظنَّةَ الوهْمِ والمتاجرةِ ولِيَتَزَيّن بها من لا يفقهون ولا يدرون ما الرواية ولا الدراية، وإن من المتأخرين المعاصرين من قد زعموا رواية الهاء الخالصة مسلسلة في أسانيدهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
إن الأداء بالقرآن كله أو بعضه لا يحتاج إلى اشتراط أو اقتران الإسناد، كما لا قيمة للأسانيد المتأخرة عند غير المتقنين المتخصصين أئمة الإقراء، ولعل الذين ينكرون هذه الكلية أن يجيبوا على التساؤلات التالية:
1. في أواخر العهد النبوي: أفيدونا عن رسائل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك وتضمنت رسالته إلى هرقل عظيم الروم قوله تعالى ﴿قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون﴾ آل عمران، تلك الرسالة سلّمها الرسول بها على هرقل ودفعها هرقل إلى وزيره لفكّ الخاتم وقراءتها وترجمها، أترون الوزير وهو يقرأ تلك الآية قد قرأ من القرآن أو من كلام البشر؟
2. أرأيتم عامة الناس عبر التاريخ الإسلامي منذ عصر التابعين إلى يومنا هذا ولا يحملون أسانيد ولا إجازات يقرأون القرآن في صلاتهم ويتلونه آناء الليل وأطراف النهار هل يتأتى وصف ما يقرأون وما يتلون بأنه من كلام البشر؟
وإنما أمهات القراءات قد أضافت نصوصا بضبط كلمات القرآن المختلف في أدائها وتلاوتها كما تلقاها المصنفون من طرق الرواة، ضبطا يؤهِّل المتأخرين لتلاوة كلمات القرآن دون الخطإ في أدائها.
ولو غلب التحقيق لتوقفت الأسانيد عند المصنفين من طرق الرواة. وكل منهم ضمّن كتابه أسانيده بأدائه القرآن قراءة وبتلقيه أحرف الخلاف تحديثا.
وكان من تدليس البيان التعريضُ بشذوذ طريق ابن نفيس لكل من قالون والأزرق التي عليها مدار تلاوة وأداء المغاربة جميعا في ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وشنقيط وما وراءها من بلاد السودان منذ ألف سنة إلى يومنا هذا ، ولا يخفى أنها تميزت عن الحرز والتيسير والدرر اللوامع وإنما حوت الطيبة والنشر بعضا منها، وتفصيلها في كافي ابن شريح وتجريد ابن الفحام وتلخيص العبارات لابن بليمة وإقناع ابن الباذش .
وأكبر من هذا التدليس زعم البيان تقوُّلا بغير علم إجماع علماء المشرق والمغرب على عدم تلقي هذه الأوجه بالقبول، بل لا يسلم لهم زعمُ إجماع المتخصصين في المشرق فما بال البيان بأهل المغرب؟
وإن طالب العلم من قطر شنقيط قد اتصل مباشرة بأئمة الإقراء في المغرب فأنكروا وأنكر معهم الإخوة المتخصصون في الجزائر، فمن أين علم البيان إجماع علماء المغرب إلا يكن من وحي الخيال والمزاج والتمني؟
ولقد كنت ولا أزال بصدد دعوة الخواص أئمة القراءات المعاصرين إلى اجتماع عاجل يتدارسون الأمر ولعلهم يجددون علم القراءات بإحياء الأداء الأول الأداء بالمصاحف العثمانية الخمسة مستعينين بأمهات كتب القراءات في القرنين الرابع والخامس في العصر الذهبي لتدوين القراءات وبما سبقه من نصوص في القرون الثلاثة الأولى.
يتواصل