النوايا الحسنة وحدها لا تكفي ...

علي مسعاد
عضو الإتحاد الدولي للإعلام الإلكتروني

الحملة التحسيسة ، التي تقوم بها وزارة الوظيفة العمومية و تحديث الإدارة ، في هذه الأيام ، عبر الملصقات و الوصلات الإشهارية في وسائل الإعلام السمعية البصرية ، من أجل الحد من إستفحال ظاهرة الرشوة ، بالنظر إلى تفاقمها و إنتشارها كفيروس خطير ، في المجتمع المغربي ، مبادرة محمودة ، برأي الكثيرين ، بحيث لا يمكن لعاقل ، أن يجحد المجهودات الجبارة ، التي تقوم بها الوزارة المعنية ، للحد من هذا الفيروس الفتاك، الذي أصبح يفرض نفسه ، على الجهات المعنية ، بقوة الواقع اليومي المعاش ، في الإدارات و المؤسسات و الهيئات ، التي من المفروض أن تقوم بواجبها ، اتجاه المواطنين ، لكنها تسير وفق منطق " دهن السير يسير " و غيرها من الأساليب الغير الشريفة ، التي تجبر المواطنين على ركوب قطار " الرشوة " ضدا على قناعاتهم و مبادئهم الشخصية .
و لأن الأمر استفحل بشكل كبير ، وبات يشكل أمرا واقعا ، لم يعد أمر السكوت على مثل هذه الظواهر ، في دولة الحق و القانون ، أمرا مقبولا ، من طرف الجهات المعنية ، بمحاربة الظاهرة ، وذلك بدق ناقوس الخطر ، عبر الحملات الإشهارية و التحسيسية ، لتوعية المواطن بحقوقه وواجباته ، وكذا لتحيق تكافؤ الفرص و الشفافية في الإدارات و المؤسسات العمومية في علاقتها مع المواطنين .
ولأنها مبادرة محمودة و غير مسبوقة ، و لقيت ترحيبا و إستحسانا ، من طرف الجميع ، إلا أن طرحها ، في هذه الظرفية بالذات و بهذا الشكل ، يطرح عدة إشكاليات و أسئلة ، لعل أبرزها : هل الحملات التوعوية وحدها تكفي للحد من إستفحال الظاهرة ؟ا
خاصة إذا إتفقنا ،بأن النوايا الحسنة وحدها لا تكفي ...
فالرشوة ، كغيرها من الفيروسات الفتاكة ، التي أصبحت تنخر المجتمع المغربي ، ما كانت لتستفحل بهذا الشكل ، لو لم تجد الأرضية ، خصبة للترعرع في مجتمع ، غاب فيه الوازع الديني و القيم الأخلاقية و الدينية ، عن الأفراد ، في معاملاتهم و سلوكاتهم ، التي جرفتها الإغراءات المادية و عصر الكماليات و الإيتيكيت ، التي زادت الأمر ، إستفحالا بالنظر إلى محدودة الإمكانيات الفردية و الطموحات الجارفة ، في مجتمع الإستهلاك .
ما أصبح أمر معالجة ، الكثير من الظواهر الإجتماعية السلبية ، يستدعي إستحضار التنشئة الإجتماعية من " الأسرة ، المسجد ، المدرسة ، الإعلام ، الشارع ، وسائط الإتصال الحديثة " ، ليقوم كل بدوره ، في تربية جيل ، قادر على مقاومة الإغراءات المادية ، بثقافة القناعة .
لأنه ، بإعتقادي الشخصي ، من شأن تكامل ، عمل هذه المؤسسات ، كل من جانبه ، الحيلولة دون تغلغل الفيروس ، في جسد أنهكته الظروف الإقتصادية الصعبة و الإجتماعية القاهرة ، زادها حدة ضعف الوازع الديني و الاخلاقي و القيمي ، لدى الأفراد ، بحيث لا يمكن معالجة ظاهرة إجتماعية ما ،دون تقاطع الإرادات و المجهودات ، لوضع حد نهائي لها ، حتى لا تبقى الحملات موسمية ، تنتهي بانتهاء الفترة الزمنية المخصصة لها ، لكن دار لقمان تبقى على حالها ، حتى يعلن عن إنطلاق حملة تحسيسة جديدة ، وهكذا دواليك ، دون أن تقطف ثمارها .