( هناك أشخاص لا تتجاوز أحلامهم حدود اللعبة .. ولعبة الحياة أكبر من احلامهم )
مونوبولي
إنما النرد أرقامٌ وأمنيةٌ ، تمناها – هو - مع كل رميةٍ عشوائيةٍ ، يحاول جاهداً ان يصبغها بنكهة المنطق ، حين يُلقي به على رقعةٍ كرتونيةٍ ، رُسم على حدودها مربعات ٌ، وأسماء ٌ لمدنٍ تمنى زيارتها كثيراً ، وسجنٌ له بداخله ذكريات مريرة ، و صناديق حظٍ تشبه اليانصيب إلا قليلا ، ونقود مزيفةٌ وزِعت بالتساوي بينه وصاحبه ، ونقطة بدايةٍ تقف عليها قطعة ٌ بلاستيكية ، وأخرى تشبهها بلون ٍ مختلف .
وبينـّـا هو شارد الذهن ِ ، إذ يُشير له صاحبه : أن الق ِ بنردك ، إني أراك من المترددين ..!
فيلقى بنرده بعد أن طبع عليه قبلة الحظِ ، والأرقام تتقلب ذات اليمين وذات الشمال ، حتى استقرت على الرقم ( 6 ) .. فيبتسم وهو يقفز بقطعته إلى حيث أشار النرد .
( باريس ) يا مدينة الجن والملائكة ، كان مستمتعاً وهو يدفع بنصف نقوده المزيفة ، ويستلم صك ملكيتها أمام صاحبه ، وللحظات كان يشعر ببرودة الطقس كأنه يقف على شرفة برجها الشهير ..!
قال له صاحبه وهو يحاوره " أرأيت لو أنك َ استثمرت نقودك في غيرها ، لكان لك حظ عظيم " ، فهز رأسه في رفض ٍ كما لو أنه يعلم غيب النرد ِ ..!
التنقل بين المدن من خلال النرد يشعره بتلاشي الحدود ، وبانتصاره الوهمي على جميع السفارات التي رفضت أن تمنحه تأشيرة الدخول إلى بلادها .
كان يضحك على صاحبه كلما ألقى بنرده وحرك قطعته إلى مربع جديد ، ومدينة جديدة ، فيشتريها بأثمان قليلة ، ويقول له " إنك تضيع نقودك في مدنٍ لا تسمن ولا تغني من جوع.
فيجيبه صاحبه في ثقةٍ " سنرى من يكون له الغلبة في النهاية ، إني لأراك - عما قريب – من المفلسين .. " ، فيصمت صاحبه ويبتسم .
أمّـا هو .. فيلقى بنرده ، فيطأ مدينة ًجديدة ، ويرفض شرائها ، وعيناه لا تحيدان عن مدينة روما المجاورة لباريس ٍ التي امتلكها .. يحلم ببناء فنادق تُفلسِ نازليها ، وبنقوده التي سيستردها ولو بعد حين .
وإذ تراه فرحاً حين أعلن النرد استقرار قطعته على صندوق الحظ ، فيقول لصاحبه " آلآن سترى كيف سأقفز على كل المحطات وأتوجه إلى روما مباشرةً فأشتريها، وستعلم يا صاحبي من منـّا حظه اليوم عظيم "
( اذهب إلى نقطة البداية ، ولك من النقود مائتان )
يقرأ تلك البطاقة ويستبشر خيراً ، ويحرك قطعته إلى حيث أشار له النرد في استعداد منه لرميته القادمة ، ولا زال صاحبه يمشي الهوينة ويشتري المدن في تأنٍ وحكمةٍ .
يتمعن في قلقٍ أملاكه بعد الدورة الأولى ، والتي كان له من الحظ فيها ، ثلث النقود وصك ملكية باريس ، ولا يزال في تمعنه حتى يستفيق على كلمة صاحبه ( العب ) .
فيتمتم في أذن النرد وهو يلقيه ، ينشده التوقف عند الرقم ( 5 ) ، والنرد كمن يضع أصابعه في أذنه ويستغشي ثيابه ، فتارةً يستقر على مدينةٍ أخرى فيرفض شراءها ، وتارةً يلقي به إلى الصندوق مرةً اخرى .
وصاحبه يتداول النقود والشراء والبناء ، فيبني البيت تلو البيت والفندق تلو الفندق ، ويرنو إلى موعد سقوط قطعة غريمه على أراضيه ، فيسلب منه ثلث نقوده المتبقي .
( اذهب إلى مدينة روما )
يقفز ضاحكاً ويصفق في ابتهاجٍ حين يقرأ تلك العبارة ، ويقول لصاحبه في ظفر
" آلآن سأشتريها "
يشعر بالحظ يبتسم له ، ويعكف على عد نقوده التي لم تكن كافيةً لشرائها ، فيدفع بما لديه ويرهن صك ملكية باريسٍ ، فتصبح روما – ولو لوهلةٍ – ملكاً له ، حتى وإن أفلس .
رهن مدينة باريس كان يؤرقه ، ودقات قلبه تتزايد مع كل رميةٍ للنرد ، والنرد يقفز بين المدن ، فيطأ بيتاً لصاحبه تارةً ، وتارةً اخرى يعلق في شرك إحدى فنادقه ، فيطالبه صاحبه بالسداد ويعجز على تلبية طلبه ..
يتهاوى برج باريس ٍ أمامه ، ويسقط حق ملكيته لها لبنك اللعبة ، وبرج بيزا يزداد ميلاً مع كل رمية نرد له حتى كاد ان يهوي على رأسه ..!
صوت من حولهم يخفت رويداً رويداً ، والظلام ينتشر بسرعة كما النار في الهشيم ، يرافقه صوت السجان آمراً ( ناموا ولا تستيقظوا ) ..
يفرح هو بقدوم السجان ، ويهمس في أذن صاحبه السجين ( غداً ستكون باريس وروما ملكي ، ولسوف تراني أقف على برج بيزا ، ولن أقع على أرض الزنزانة مرة ً أخرى )
يبتسم له صاحبه ، ويستسلمان لنوم عميق .
تمت