حديثا لهذا الأسبوع سيكون عن السهر، فحال أمتنا هذه الأيام معكوس عن حال من سبقهم وبات المرء محلا للضحك بين قومه إذا علموا بأنه ينام مبكرا وربما لقبوه بالدجاجة لأن الدجاج ينام مبكرا ...بحثت في الحديث الشريف فما وجدت حذيثا واحدا يحث على السهر فأرجوا أن تقرأوا ما جمعته
روى البخاري (568) ومسلم ( 647) عَنْ أَبِي بَرْزَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ الْعِشَاءِ ، وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا"
قال النووي : " وَسَبَب كَرَاهَة الْحَدِيث بَعْدهَا أَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى السَّهَر , وَيُخَاف مِنْهُ غَلَبَة النَّوْم عَنْ قِيَام اللَّيْل , أَوْ الذِّكْر فِيهِ , أَوْ عَنْ صَلَاة الصُّبْح فِي وَقْتهَا وَلِأَنَّ السَّهَر فِي اللَّيْل سَبَب لِلْكَسَلِ فِي النَّهَار عَمَّا يَتَوَجَّه مِنْ حُقُوق الدِّين ، وَالطَّاعَات ، وَمَصَالِح الدُّنْيَا ". انتهى" شرح صحيح مسلم " (5/146).
قال القرطبي : " وقد قيل: إن الحكمة في كراهية الحديث بعدها أن الله تعالى جعل الليل سكناً ، أي يُسكن فيه ، فإذا تحدث الإنسان فيه فقد جعله كالنهار الذي هو متصرف المعاش ، فكأنه قصد إلى مخالفة حكمة الله تعالى التي أجرى عليها وجوده ". انتهى من " تفسير القرطبي" (12 / 138) بتصرف .
وكَانَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ يَضْرِب النَّاس عَلَى ذَلِكَ وَيَقُول : أَسَمَرًا أَوَّلَ اللَّيْل وَنَوْمًا آخِرَهُ ؟" . انتهى من " فتح الباري" (2 / 73) .
وهذا هو الموافق لسنة الله في جعل الليل محلاً للنوم والراحة ، والنهار للعمل والكسب ، كما قال تعالى : ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ ، وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ). وفي سورة الأنعام : (وجعل الليل سكنا) ليل تهدأ به الأنفاس ، وتسكن فيه الأعضاء والحواس ، وتحصل فيه الراحة والإيناس ، جعل الله الليل برحمته وفضله وقت منام ، وهدوء عام وقال تعالى : ( وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا ) ففي الليل سكينة وقرار ونوم وراحة ، وفي النهار نشاط وعمل.
أحاديث أخرى تصب في نفس المعنى:
١- عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : ( مَا نَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الْعِشَاءِ ، وَلَا سَمَرَ بَعْدَهَا ) ، رواه ابن ماجه (702) وصححه الألباني .
٢- عن صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال : "اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا ... الحديث" رواه أبوداود والترمذي وأحمد في المسند وغيرهموفي لفظ آخر للحديث وهو الشائع على ألسن الناسعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( بورك لأمتي في بكورها) صححه الألباني في صحيح الجامع (2841)قال المناوى: وأحق ما طلب العبد رزقه في الوقت الذي بورك له فيه ، لكنه لا يذهب إلى طلبه إلا بعد الشمس وقبله يمكث ذاكرا مستغفرا حتى تطلع كما كان يفعل المصطفى صلى الله عليه وسلم.
٣- وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان جُنحُ الليلِ ، أو أمسَيتُم ، فكُفُّوا صبيانَكم ، فإنَّ الشياطينَ تنتَشِرُ حينئذٍ ، فإذا ذهبَتْ ساعةُ الليلِ فخَلُّوهم ، وأَغلِقوا الأبوابَ واذكُروا اسمَ اللهِ ، فإنَّ الشيطانَ لا يَفتَحُ بابًا مُغلَقًا) صحيح البخاري (3304)، صحيح مسلم (٢٠١٢)
وهنا نحتاج إلى التربية الصحيحة السوية ، حتى يعود الناس إلى رشدهم ، ويراجعوا فطرتهم ودينهم ، قال تعالى : " فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون " ، نعم يا عباد الله ، إن حقيقة الفطرة أن تميل النفس إلى الحق ، ومن خرج عن هذا الأصل ، فلعارض عرض لفطرته أفسدها ، وعيب أعيبها.
استساغ كثير من الناس السهر والسمر ، حتى ضيعوا صلاة الفجر ، بل ربما خرج وقتها ، فوقعوا في المحذور ، وارتكبوا الممنوع ، وتكاسلوا عن أداء الصلاة في الوقت المشروع ، وكانوا في دائرة المنافقين ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " أثقل الصلاة على المنافقين ، صلاة العشاء والفجر ، ولو يعلمون ما فيهما من الخير والأجر والرغائب لأتوهما ولو حبواً " [ متفق عليه ] ، فناهيكم عن السمر المذموم ، والسهر المشئوم ، فإنهما مطية إلى عذاب الله ، وعظيم عتابه ، وشديد عقابه ، إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً ، بارك الله لي ولكم في الكتابين الوحيين ، وجعلني وإياكم من المتبعين لهدي سيد المرسلين
يستثنى من الكراهة ما إذا وجدت الحاجة للسهر أو كانت فيه مصلحة راجحة .لقوله صلى الله عليه وسلم : (لَا سَمَرَ إِلَّا لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ : لِمُصَلٍّ ، أَوْ مُسَافِرٍ ) رواه أحمد (3907) وصححه الألباني بمجموع طرقه.ويقاس على هذا : كل ما كان فيه مصلحة أو هناك حاجة داعية إليه، قال النووي : " قَالَ الْعُلَمَاء : وَالْمَكْرُوه مِنْ الْحَدِيث بَعْد الْعِشَاء هُوَ مَا كَانَ فِي الْأُمُور الَّتِي لَا مَصْلَحَة فِيهَا، أَمَّا مَا فِيهِ مَصْلَحَة وَخَيْر فَلَا كَرَاهَة فِيهِ، وَذَلِكَ كَمُدَارَسَةِ الْعِلْم، وَحِكَايَات الصَّالِحِينَ ، وَمُحَادَثَة الضَّيْف، وَالْعَرُوس لِلتَّأْنِيسِ، وَمُحَادَثَة الرَّجُل أَهْله وَأَوْلَاده لِلْمُلَاطَفَةِ وَالْحَاجَة، وَمُحَادَثَة الْمُسَافِرِينَ بِحِفْظِ مَتَاعهمْ أَوْ أَنْفُسهمْ، وَالْحَدِيث فِي الْإِصْلَاح بَيْن النَّاس، وَالشَّفَاعَة إِلَيْهِمْ فِي خَيْ، وَالْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر، وَالْإِرْشَاد إِلَى مَصْلَحَة وَنَحْو ذَلِكَ , فَكُلُّ هَذَا لَا كَرَاهَة فِيهِ , وَقَدْ جَاءَتْ أَحَادِيث صَحِيحَة بِبَعْضِهِ , وَالْبَاقِي فِي مَعْنَاهُ ". انتهى " شرح صحيح مسلم " (5/146) .وبوب عليه النسائي في المناقب عن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمر عند أبي بكر الليلة في الأمر من أمر المسلمين وأنا معه.
والله أعلم والله الموفقأخوكم أبو رند
لا تنسوا إخوانكم في سوريا من صالح الدعاء