الوَرَم إما أن يستأصلَ وإما أن يستأصلَ..
فإن لم يتم هذا ولا ذاك..
فالحل الوحيد المتبقي هو أن يستأصلَ..

"أ" رجل مصاب بورم خبيث في "المخ"..

جسده هزيل يتضاءل، قواه ضعيفةٌ تتهاوى، آلامه وأوجاعه تتفاقم، كلُّ شيء فيه ينهار، وهو يتجه نحو نهايته المحتملة بسرعة فائقة..

"ب" الرجل نفسه تحت الجراحة في غرفة العمليات، بعد أن قرَّر استئصالَ "الورم" من مخه..
طاقمٌ من الأطباء والممرضين يعبثون بجسده، كلُّ مباضع الجراحين تنهش فيه، الأجهزة والآلات الطبية تسجِّلُ تفاصيل الموت والحياة في جسده المستسلم، جمجمته مفتوحة على مصاريعها، مخة تحت قضم الملاقط والمقصات، دمه ينزف، وصفائح الدم البديل معلقة في كل مكان، الكل متوتر، الارتباك سيد الموقف، النتيجة غير مضمونة، ومع ذلك فالعملية مستمرة أيا كانت نتيجتها، فمنذ أن تمَّ وضع أولِّ مبضع في دماغه، لم يعد هناك مجال للتراجع..

"ج" الرجل نفسه بعد أن نجحت العملية وتمَّ استئصال الورم من مخه..
منهك، شاحب، يمشي بصعوبة وبمساعدة غيره، غذاؤه بحساب، وشرابه بحساب، وانقطاعه عن الدواء يهدد حياته، أهله والممرضون يسهرون على رعايته، حتى يتماثل للشفاء التام، فبدون هذه الرعاية الدقيقة والمدروسة والمتواصلة، قد يخسر كلَّ شيء وينتكس، وربما تفقد الجراحة التي أجراها قيمتَها، فكل الفيروسات تتربص به، وكل المايكروبات والجراثيم، تتصيد لحظةً تضعف فيها مقاومته، أو يغفل رُعاتُه وحُماتُه عن الاهتمام به، كي تنقضَّ عليه، وتُفْشِلَ كلَّ الإنجاز الذي ترقَّبَه وأمِلَه الجميع من استئصال الورم من دماغه..

"د" الرجل نفسه بعد أن شُفِيَ تماما من مرضه..
غابت التأثيرات الآنية والجانبية لكلِّ مضاعفات مرضه، انقضت فترة النقاهة بسلام وأمان، يبدو قويا متماسكا، يمشي محافظا على توازنه، دونما حاجة إلى مساعدة أحد، واثقا من نفسه، تهرب من حوله ومن محيطه كلُّ الفيروسات والجراثيم التي كانت تتربص به، بعد أن أصبح محصَّنا ضدها، وها هو يمارس حياته بمنتهى الطبيعية، منتج، فعال، شريك إيجابي في الحياة، ولا يستغني عنه كل محيطه..

"أ" يمثل صورةً عن واقع "الدولة شعبا وإقليما"، وهي تحت حكم دكتاتورية مستبدة، وكومبرادورٍ متغوِّل تحالفَ مع بيروقراطٍ فاسد..

"ب" يمثل صورةً عن واقع "الدولة شعبا وإقليما"، وهي تحت وقع حالة "ثورة" أو "انتفاضة" أو "حراك تغييري"..

"ج" يمثل صورةً عن واقع "الدولة شعبا وإقليما"، بعد أن يتغير النظام ويستلم القادة الجدد سدَة السلطة والحكم..

"د" يمثل صورةً عن واقع "الدولة شعبا وإقليما"، بعد أن تستقر الأوضاع وتسود الديمقراطية وقواعد الحكم المدني التَّعدُّدي..

إن الانتقال من "أ" إلى "د" لا يمكنه أن يتِمَّ بدون العبور على جسر حتمي هو "ب" و"ج"..

وعلينا أن نحدِّدَ خياراتِنا وأن نقبل بنتائجها..

فإما أن نبقى في "أ"، وإما أن نطمح إلى "د"..

فإن استسلمنا لفكرة البقاء في "أ"، فعلينا أن نتحمل النتيجة الحتمية، وهي الهاوية والكارثة واستفحال الورم يوما بعد يوم، إلى أن يصل إلى مرحلة لا إمكانية فيها للتعايش معه، فنموت أو نقرر استئصاله في الوقت الضائع..

وإن قررنا المضي قدما وراء فكرة انتقالنا إلى "د"، فعلينا أن نتحمل النتيجة الحتمية لذلك..

والنتيجة المحتَّمة لهذا الخيار، هي أن ننتقل إلى "د" عبر "ب" بكل معطياتها، ثم عبر "ج" بكل معطياتها أيضا