حديث بين خروفين
"أما فخر سلالتي أنا، فذاك ما حدثتني به جدتي، ترويه عن أبيها، عن جده، وذاك حين توسَّمت فيّ مَخايلَ البطولة، ورجَت أن أحفظ التاريخ
قالت: إن أصلنا من دمشق، وإنه كان في هذه المدينة رجل سبَّاع، قد اتخذ شبل أسد فرباه وراضه حتى كبر، وصار يطلب الخيل، وتأذى به الناس،
فقيل للأمير: هذا السبُعُ قد آذى الناس، والخيل تنفر منه، وتجد في ريحه ريح الموت، وهو ما يزال رابضا ليله ونهاره على سُدَّة بالقرب من داركفأمر فجاء به السبـَّاع وأدخله إلى القصر، ثم أمر بخروف مما اتـُّخذ في مطبخه للذبح، وأدخلوه إلى قاعة، وجاءَ السَبَّاعُ فأطلق الأسد عليه، واجتمعوا يرون كيف يسطو به ويفترسهقالت جدتي:فحدثني أبي قال: حدثني جدك: أن السبَّاعَ أطلق الأسد من ساجوره وأرسله، فكانت المعجزة التي لم يفز بها خروف ولَم تُؤثر قطُّ إلا عن جدنا، فإنه حسب الأسد خروفا أجَم لا قرون له، ورأى دقة خصره، وضمور جنبيه، ورأى له ذيلا كالألية المُفرغة الميتة، فظنه من مهازيل الغنم التي قتَلَها الجدب، وكان هو شبعان ريان، فما كذب أن حَمل على الأسد ونطحه، فانهزم السبُعُ مما أذهله من هذه المفاجأة، وحسب جدنا سبًعا قد زاده الله أسلحة من قرنيه، فاعتراه الخوف وأدبر لا يلويوطمع جدنا فيه فاتبعه، وما زال يُطارده وينطح، والأسد يفر من وجهه ويدور حول البركة، والقوم قد غلبهم الضحك،
والأمير ما يملك نفسه إعجابا وفخرا بجدنافقال: هذا سبُعٌ لئيم،خذوه فأخرجوه، ثم اذبحوه، ثم اسلخوهفأخِذ الأسد وذُبح، وأعتِقَ جدنا من الذبح، وكان لنا في تاريخ الدنيا: إنسانها وحيوانها أثران عظيمان، فجدنا الأول كان فداء لابن نبيّ، وجدنا الثاني كان الأسد فداءه