هيمنة أمريكا واختلال العالم ..! 2





نشر في جريدتي الرؤية / العرب





قال الروائي الأمريكي " هنري ميللر " مرةً عنأمريكا : " أنا أرى أمريكا مثل مرض منتشر .. أنا أرى أمريكا لعنة سوداءعلى العالم " ..!

" العرب فرحوا كثيراً بسقوط الاتحاد السوفياتي، لكنهمحزنوا عندما وجدوا أن العالم أصبح في يد قطب متحكم وحيد وهو أمريكا، فترحموا على الحربالباردة. والآن يعود التوازن إلى الساحة الدولية بصعود قوى جديدة تنافس القطب الأمريكي.أيهما أفضل أن يكون العالم بيد قوة مهيمنة واحدة أم أن يكون هناك توازن قوى كي يمنعتوحش وانفراد قوة واحد بالعالم؟ "

هذا ما عرضة الإعلامي في قناة الجزيرة الدكتور " فيصلقاسم "على صفحات تواصل الإجتماعية في التويتر والفيس بوك ؛ وهذا يدفعناللتساؤل : لماذا وكيف ومتى أصبحت أمريكا على رأس زعامة العالم اليوم ..؟!

ذهب " أمين معلوف " في كتابه " اختلالالعالم " إلى عرض منشور للمؤرخ البريطاني " أرنولد توينبي " والذيقسم العالم من خلال نظرة شاملة للبشرية إلى ثلاث مراحل وعرضها بالتفصيل في اثنيعشر مجلدا ضخما تحت عنوان " دراسة التاريخ " ؛ أما المرحلة الأولى ماقبل التاريخ كانت حياة البشر وحيدة النمط في كل مكان لأن الاتصالات كانت بطيئةووتيرة التغير أكثر بطئا أيضا .. أما المرحلة الثانية والتي دامت حوالي أربعة آلافوخمسمائة سنة من آخر مرحلة ما قبل التاريخ حتى السنة 1500م قبل الميلاد كان التغيرأسرع من الانتقال مما أحدث تفاوتا شديدا في المجتمعات البشرية .. أخيرا مرحلةالثالثة منذ القرن السادس عشر تزايدت سرعة الاتصالات وبالتالي سرعة التغير وتوحدتالبيوت على الأقل تكنولوجيا واقتصاديا .. ومنذ توقف الحرب الباردة في آخرالثمانينات أخذ التطور الذي وصفه توينبي نحو حضارة إنسانية موحدة يجري على وتيرةمختلفة تماما وفي بيئة استراتيجية متبدلة بوضوح فقد وجدت حكومة ، هي حكومةالولايات المتحدة الأمريكية نفسها مكلفة في الواقع بأداء دور سلطة عالمية وباتتمنظومة قيمها القاعدة المسكونية وأمسى جيشها الشرطي العالمي وحلفاؤها تابعينوأعداؤها خارجين على القانون وهو وضع لا سابق له في التاريخ ..

ما الذي أهلّأمريكا لتصبح حكومة عالمية ..؟! مما لا شك أن تطور وسائل الإتصالات دور قوي جدا فيتغير شامل في بنية العالم ؛ وقديما كانت ثمة أمم وحضارات تحكم العالمكالإمبراطورية الرومانية وكانت تمتد بعيدا بحيث لا تغيب الشمس عن ممتلكاتهاوالإمبراطورية الإسبانية في القرن السادس عشر والإمبراطورية البريطانية في قرنالتاسع عشر وغيرها والمعروف أن الإمبراطوريات السالفة لم تحز على وسائل تقنية التيكانت تسمح لها بأن تتدخل كما تشاء في طول الكرة الأرضية وعرضها ولا بأن تعيق قيامدولة منافسة ..

وبات اليوم معتطور وسائل الاتصالات العالم بكامله تحت فضاء سياسي موحد ، تحت جناح أمريكا ،وهناك عوامل ساهمت بقوة في تزعم أمريكا عرش العالم وذلك من خلال قدرتها الاقتصاديةوالعسكرية والاجتماعية هذه العوامل في زمن ما اكسبتها شرعية عالمية ، ولكن هذهالشرعية نفسها بدأت اليوم تتراجع خاصة بعد حرب أمريكا على العراق وأفغانستان ..وهنا نشير إلى أن أمريكا قبل 11 من ستمبر ليس كما بعد 11 من ستمبر في رؤية العالمعلى الأقل ، ولكن إذا رجعنا للواقع سوف نرى أن أمريكا جرت على يديها عدة حروبومجازر قبل أحداث 11 من ستمبر ؛ ففي ديسمبر عام 1989 م بعد مرور ستة أسابيع علىسقوط جدار برلين تدخلت أمريكا عسكريا في باناما ضد الجنرال نورييغا ثم حرب العراقالأولى عام 1991م والتدخل في الصومال وهايتي وحرب البوسنة غيرها من المداهناتالعسكرية ؛ فعلتها أمريكا في ذاك الوقت لتثبت للعالم الأجمع أنها الآمر في هذاالكوكب وعلى الجميع إطاعتها ..!

بينما جاءتأحداث 11 من ستمبر لتكون حجة تشجب عليها جرائمها ؛ فلقد ألقي قفاز فتاك في وجهأمريكا وقد شهد العالم ردود فعل المتسلسلة على ذلك غزوات وانتفاضات وإعداماتومجازر وحروبا أهلية واعتداءات صارخة أنهكت دولا وحضارات ..!

وأمريكا اليوممضطرة للحروب وغير قادرة على التراجع عن ذلك ؛ فبعد أن صرعت عدوها العالمي الرئيسيوجدت نفسها تخوض غمار مشروع هائل ينهكها ويدفع بها إلى التيه وذلك أن تروض بمفردهاكوكبا يستحيل ترويضه كما يرى " معلوف " ..

وأسباب حروبأمريكا اليوم هي حصة تدني الغرب النسبية في الاقتصاد العالمي حسبما ابتدأ قبيلانتهاء الحرب الباردة وحمل عواقب خطيرة والذي جعل الدول الغربية على رأسها واشطنتحافظ بواسطة التفوق العسكري على ما لم يعد يمكن أن تحافظ عليه بواسطة التفوقالاقتصادي ولا بواسطة السلطة المعنوية .. واليوم مع التراجع الإقتصادي غدا استخدامالسلاح أمرا عاديا ؛ كي تحافظ على هيمنتها وسيطرتها ، فالملاحظ للعيان أن تدخلاتأمريكا جعلها تنحدر اقتصاديا ولا تكف عن الاستدانة وتعيش بشكل واضح على مستوى يفوقطاقتها ولكن لأنها تحوز تفوقا عسكريا فقد عمدت إلى استغلال هذه الورقة الرابحة كيتعوض فقدان قدرتها في الميادين الأخرى .. فهي لا تنفك تهيمن على العالم رغم كلالظروف التي تمر بها ولا مجال للتراجع فهي لن تسمح لغيرها في إحكام قبضته علىالعالم خاصة موارد النفظ وأهميته لنهوض اقتصادها ، وهي لديها قاعدة تسير علىمنوالها لو أنها تخلت عن الهيمنة وفسحت المجال لقوى منافسة فلسوف تخسر زعامتهاوتنساق في سيرورة من الإضعاف والإقفار ..!

بعد حرب العراقبغض معظم العالم أمريكا بقيادة الرئيس بوش فقد أفلست أخلاقيا وبغضوا إعادة ترشيحبوش ولكن الشعب الأمريكي أعاد ترشيحه ، وبعد أعوام مضت ظهر رجل نال مبدئيا رضىالعالم ورشحه الأمريكان .. في قضايا الترشيح تبادر إلى ذهن الكاتب " أمينمعلوف " معظلة انتخاب رئيس الولايات المتحدة اليوم ؛ فبما أن أمريكا تتحكم فيوضع العالم وتمس مصيرهم وبالتالي فالذين ينتخبونه يجدون أنفسهم مكلفين بأداء دورلا يخصهم قانونا ؛ لأن خياراتهم تتبدى غالبا ذات تأثير حاسم في مستقبل الآسيويينوالأوروبيين والأفارقة والأمريكيين الجنوبيين .. " معلوف " عرض الفكرة.. فكرة مشاركة الآخرين من العراقيين والكولمبيين والصينيين وغيرهم في انتخاب رئيسأمريكا ثم استبعد الفكرة .. ولكن ذلك لا يمنع أن نفكر نحن كقراء وكمتابعين في هذهالفكرة وطرحها على مستوى العالم ؛ فأمريكا اليوم تتدخل في كل صغيرة وكبيرة في شؤونغيرها وعلى مستوى عالمي ؛ فلماذا لا يكون من حق العالم نفسه والذي تحت جناح أمريكافي أن يكون لهم حق كالأمريكيين في انتخاب رئيس أمريكا ..!

ولو ألقينانظرة شاملة على عالمنا اليوم لرأينا أن معظم الحكومات أول غاياتها هي أن تجعلنفسها مقبولة عند الدول العظمى على رأسها أمريكا ورضاها أهم من مصالح شعبها ورضاه ؛كي يحتفظ بالحكم لهذا فقدت هذه الحكومات اليوم شرعيتها في نظر شعوبها بينما أمريكاهي أيضا تعاني من المشكلة نفسها فقدان شرعية من عدم اقتناع العالم بأعلويتهاوزعامتها ؛ ولهذا البشرية في حالة حصار ولكن الفارق أن شرعية أمريكا لا تشكل فارقاذات تأثير عليها مقارنة ببقية حكومات الدول والتي إن فقدت رضى أمريكا وموافقتهاعنها لسقطت سقوطا مدوياً ..!

ويرى "معلوف " أن أمريكا لن تستعيد شرعيتها من قبل العالم كله إلا إذا فلحت في أنتعمل في مصلحة العالم الأجمع وليس في مصلحتها فقط ؛ فالمطلوب هذه المرة لا يقتصرعلى تنشيط الاقتصاد وإعادة الاعتبار إلى بعض الاهتمامات الاجتماعية بل المطلوببناء واقع عالمي جديد وعلاقات بين الأمم جديدة ونمط لأداء العالم جديد يضع حداللاختلالات الستراتيجية والمالية والأخلاقية والمناخية ولكي تتمكن القوة العظمى منالاضطلاع بهذه المهمة العملاقة ينبغي لها أن تستعيد شرعيتها ؛ قطعا لأمريكا اليوممنافسون وأعداء ؛ لهذا إن أرادت الحفاظ على مركزيتها العظمى فعليها أن تكونمتصالحة مع ذاتها وعليها أن تمارس دورها العالمي في حدود احترامها للآخرين وأنتسعى إلى غرس مفهوم التعايش بينها والأمم الأخرى بشكل حقيقي وفاعل أي بمعنى أكثرأناقة " اختراع رؤية جديدة للعالم " ..

فهل ستبقىالهيمنة الأمريكية كما هي أم تتراجع فوق ما بها من شرعية متأرجحة ..؟! أقول هذاوأنا اقرأ خبر صدور كتاب الرئيس الأمريكي " أوباما" الجديد " اخدعني مرتين " والذي كتبه كي يمنحهالأمريكيون فرصة إعاد ترشيح أخرى وكي يكسب شرعية العالم ؛ فالكتاب يضمن مخططاًعاماً لاستخدام ما يسمى " بالأجندة الخضراء" لإعادة توجيه التمويلالمخصص للدفاع، فوفقا لدراسة بعنوان " تغير المناخ والهجرة، والصراع "هناك عدة سيناريوهات للتصدي للأزمات المعقدة في القرن الــ 21 ويتضمن هذا مبادرةلإعادة توجيه واستخدام ثروة أميركا بإعادة توزيع الموارد إلى البلدان النامية ؛ كيتستفيد من تجارب أمريكا .. وبالتالي هذا اعلان صارخ عن زعامة أمريكا وسعيها الحثيثلضّخ هيمنتها بشكل قاطع ولكن هذه المرة بحجة اختلال البيئة المناخية وتأثيره علىالعالم الأجمع فهل نيتّها صادقة هذه المرة أم أنه مجرد ركوب الأمواج ونهب ثرواتالعالم الآخر ..؟!

التاريخ القادموحده سيأتينا بالخبر اليقين وإنا منتظرون ..!





ليلى البلوشي

Lailal222@hotmail.com