ان حرية الرأي والتعبير قيمة عليا في حياة الناس، وهي من مصادر الخلق والإبداع وتنمية الخيال الأدبي والفني في كل الاتجاهات الممكنة، فضلاً عن أنها تعطي الأمل والثقة للناس في قيام نظام اجتماعي وسياسي سليم يحترم الفرد ويقدر مشاعره وضميره الأدبي. وتعطي حرية التعبير للإنسان قدرة المشاركة بإخلاص وفعالية في الحياة الاجتماعية العامة والمساهمة في دفع التقدم الاجتماعي إلى الأمام مما لا يفسح المجال أمام نمو النفاق الاجتماعي وطغيان الانتهازية وسيادة العلاقات المزيفة القائمة على المصالح الشخصية البحتة التي تجد ضالتها في عهود الظلام وكبت الحريات. ويقول الشاعر بيرم التونسي، وهو يتعرض لأهمية حرية التعبير وممارسة حق النقد، (.. ولولا النقاد لهلك الناس، وطغى الباطل على الحق، ولامتطى الأراذل ظهر الأفاضل، وبقدر ما يخفت صوت الناقد يرتفع صوت الدجال).

ذلك إن الإنسان كائن فكري، ويغطي الفكر مجمل نشاطاته العقلية والبدنية، فما نقوم به من نشاطات ذهنية وما نتحرك مادياً إلا بناءاً على فكرة مسبقة، وحركة الفكر الإنساني، هي الحركة الأهم في حياتنا جميعاً، لما يترتب عليها من رؤى ونشاطات تتم ظهر بصور منوعة من الإبداع الإنساني كالنتاج الفني والأدبي والعلمي فضلاً عن السلوك الاجتماعي اليومي لبني البشر ونشاطهم البدني، ومثلما تحكم قوانين المنطق نظام الكون، فإنها تحكم سياقات الفكر الإنساني أيضا باعتباره جزء من ذلك النظام، وحينما تتحقق الحرية بأنواعها وتفصيلاتها الدقيقة فان ذلك يدفع بالفكر الإنساني إلى أقصى حدوده الممكنة، وهذا ما يذكرنا بالأفكار الخلاقة التي نمت وازدهرت في عصور النهضة الأوربية التي كانت نتاجا وابنا شرعيا لنمو وتطور الحريات العامة، وحينما تتعرض حركة الفكر لقيود خارج حدود قوانين المنطق، أو حينما تستبعده عن العمل والتأثير سلوكيات مثل التعصب والهوى والإرادة الطائشة والرغبات الآنية وخاصة السياسية منها، ا ، فان حُجب الفكر الحر النير المتطور عن عقول الناس ونظرهم فلا شك في إن يحل محله ما هو متخلف وسلفي وحرية التعبير لا تعني تعليق الحرية على صحة التعبير أو على مدى مطابقته لمعايير جامدة لا يمكن إن تتطور بتطور المجتمع، وانسجاما مع ذلك ذهبت المحكمة الدستورية العليا في مصر في حكم لها بشأن حرية الرأي بشكل عام إلى القول (... حق الفرد في التعبير عن الآراء التي يريد إعلانها، ليس معلقاً على صحتها، ولا مرتبطاً بتمشيتها مع الاتجاه العام في بيئة بذاتها، ولا بالفائدة العملية التي يمكن إن تنتجها، وإنما أراد الدستور بضمان حرية التعبير إن تهيمن مفاهيمها على مظاهر الحياة في أعماق منابتها بما يحول بين السلطة العامة وفرض وصايتها على العقل العام فلا تكون معاييرها مرجعاً لتقييم الآراء التي تتصل بتكوينه ولا عائقاً دون تدفقها. وحيث إن من المقرر كذلك إن حرية التعبير، وتفاعل الآراء التي تتولد عنها، لا يجوز تقيدها بأغلال تعوق ممارستها، سواء من ناحية فرض قيود مسبقة عليه نشرها، أو من ناحية العقوبة اللاحقة التي تتوخي قمعها • بل يتعين أن ينقل المواطنون من خلالها -وعلانية

فتنص المادة 179 من قانون العقوبات المصري علي ( يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 24 ساعة ولا تزيد عن ثلاث سنوات كل من أهان الرئيس ) في البداية نوضح إن المناخ السياسي والثقافي والاجتماعي يؤثر بقوة علي مفهوم العيب والاهانة في الجرائم التعبيرية وقضايا النشر تماما كما يؤثر مدي الإيمان بحرية الرأي والتعبير وانتقاد القائمين علي الحكم والشخصيات العامة ورئيس الدولة فجريمة اهانة الرئيس لا تختلف كثيرا عن الركن المادي في جريمة اهانة الموظف العام ناو من في حكمة في نص المادة 179 من قانون العقوبات وتخضع هذه الجريمة ( اهانة رئيس الجمهورية ) لنفس الضوابط المقررة للاهانة بصفة عامة كثيرا مايحدث خلط بين والاهانة والسب للان كل منهما يمكن إن يكون مبهما وغامضا فالاهانة لفظ عام يشمل كل ما يفيد معني العدوان علي الكرامة أو الاعتبار كما إن القانون استعمل كلمات القذف والسب والاهانة بمعني واحد تقريبا ويعاقب علي نشر الألفاظ التي تخدش الأشخاص واعتبارهم سواء كانت تلك الألفاظ قذف أو سب أو افتراء أو اهانة واهانة الرئيس كما عرفها الفقه القانوني هي والاهانة هي كل فعل أو لفظ أو معني يتضمن المساس بالكرامة أو الشعور أو الإخلال من شأن رئيس الدولة فتشمل كل ما يمس الشرف أو الكرامة أو الإحساس ولا يشترط لتوافر والاهانة إن تكون الأفعال أو الأقوال مشتملة علي القذف أو سب بل يكفي إن تدخل العبارات التي توجه لشخص رئيس الجمهورية وتشمل علي نقد للاعمالة في إطار النقد المباح طالما أنها لا تشمل علي تعريضا من شانة أو يضعف من سلطة رئيس الجمهورية أو ينقص الحق الذي يستمده من الدستور كما ينبغي إن يعتبر نقد رئيس الجمهورية في إطار حرية التعبير إلا إذا تم استخدام عبارات مهينة حقا خاصة وان كثير ممن ينتقدون عمل الرئيس يطالبون الإصلاح وهدفهم مصالح الجماهير

ومن هنا ينبغي اعتبار ما يكتبه هؤلاء أو يصرحون به سواء من المطالبين بالإصلاح أو أصحاب الأقلام الحرة والمعارضين بمثابة نصح وتبصير وتنبيه وليس عيبا أو تطاول أو اهانة والملاحظ إن جريمة السب والقذف اهانة رئيس الجمهورية تتزايد وتيراتها خلال مراحل الضعف التي تمر بها الدولة ومؤسساتها للان التشريع المصري جاء خاليا من تعريف الاهانة قد لاتختلف المعاني اللغوية للاهانة والسب والعيب كثيرا من المعاني القانونية وما ذهب إلية الفقه القانوني ولعل المشرع قد رأي إن جريمة اهانة رئيس الجمهورية اشد خطرا من اهانة الموظف العام بوصفة رأس الدولة والواجب احترامه ورأي مبررا لذلك ما تقتضيه الأمر من الاحترام واللازم توافره لشخص رئيس الجمهورية ويختلف الأمر في الدولة الديمقراطية حيث يتمتع الإفراد عامة والصحافة خاصة ذوي الصفة العمومية في نطاق حياتهم العامة وما يعتنقون من مبادئ ومذاهب النقد والتجريح خاصة في الخلافات السياسية التي تحدث خلال المعارك السياسية التي تحدث خلال المعارك الانتخابية والتطاحن السياسي فلم يحدد القانون العبارات التي تعتبر اهانة في حق رئيس الدولة بل ترك ذلك لقاضي الموضوع الذي علية إن يحيط بالوسط الذي تطلق فيه الألفاظ موضوع الاتهام وتقدير ذلك الوسط بمدلولاتها مع الوضع في الاعتبار التوقير للازم لشخص المجني علية دون التمسك بحرفية العبارات للاختلاف الدلالة باختلاف الزمان والمكان وتخضع لتقدير قاضي الموضوع ولرقابة محكمة النقض فعلية إن يثبت في حكمة تلك العبارات التي وقعت من الجاني واعتبرها اهانة لرئيس الجمهورية
ومن ثم فان ما نراه اليوم من محاكمات وتطاول على الصحفيين وارهابهم هذا يؤكد مدى الارهاب الفكرى لحريه الراى وهذا ما نعهده فى زمن الطغيان السابق !بل واننا نجد تحجيم لحريه الابداع وحريه الراى وهذا الصنيع يدخلنا فى مساله الرئيس الاله والرئيس هو مواطن عادى وخادم للشعب وليس الها وهذا يذكرنا بالخليفه فى العصور العباسيه والامويه فقد كان الخليفه انذاك هو بمفهوم الاله فمن يعترض عليه او ينقده فهو مجرم فى حق الله تعالى !وقد ذكر لنا التاريخ عن خلفاء حكموا الناس بصفتهم انصاف الهه او مفوضيين من قبل الله لحكم العباد !وكما كان هناك ايضا نفس العمل اثناء عصور اوروبا المظلمه ففى العصور الوسطى كان قسطنطين الها والكهنه الهه يتحدثون باسم الله فهم ابناءه يحكمون بتفويض منه ولا يخطئون!ومن ثم يجب ان لا يعاقبون البته بل وجب على شعوبهم ان يسمعوا ويطيعوابلا نقاش !وهذا ما يسمى بنظريه التفويض الالهى او الرئيس الاله!

تعتبر هذه النظرية من أقدم النظريات التي فسرّت نشأة الدولة وهي تعتبر الدولة نظام إلهي أي أن السلطة قادمة من عند الله فيجب تقديسها وطاعتها وقد تطورّت مع مرور الزمن وزيادة الوعي لدى الإنسان و نضج تفكيره، فقد كان للساحر والمشعوذ في العصور الأولى مكانة كبيرة لأنه كان صلة الوصل بين الناس والقوى الخفيةوالغيبية التي تدير مناحي حياتهم المختلفة فكان يحدد الأوامر والنواهي، ومن ثم تحولت السلطة من الساحر إلى الكاهن ثم إلى تطبيق إرادة الآلهة في كل تصرفات الإنسان وكانت هذه هي السلطة السائدة في المدن القديمة وأعتمد عليها الملوك في أوروبا في القرنين السلدس والسابع عشر لمماراسة السلطة المطلقة، وقد أقرّتها المسيحية في البدء ثم حاربتها.-تأليه الحاكم

2-الإختيار المباشر للحاكم من خلال التفويض الإلهي الخارج عن إرادة البشر

3-الإختيار غير المباشر للحاكم الناشئ عن العناية الإلهية



1-تأليه الحاكم

سادت هذه النظرية في العصور الأولى عندما كان الإنسان الأول يعتمد على القوى الخفية طلبا للعون وسعيا للأمن و الطمأنينة ثم أصبح المجتمع يعتمد على الأساطير و الرهبنة فأختلطت السلطة السياسية بالدين والعقائد مما أضفى عليها قدسية فأصبح الحاكم والزعيم إله يجب طاعته والخضوع له وحتى تقديم القرابين له وهذا ماكان سائد عند الرومان وموجود في اليونان واليابان والهند ومصر.

ففي مصر الفرعونية كان يعتبر فرعون أنه يأتي من أصلاب الألهة أو أنه إله كما كان في عهد الأسرة الرابعة والخامسة فيجب طاعته و تقديم القرابين له حيث أن العبادة هي عبادة فرعون وهذا جعل فكرة الملكية الإلهية متأصلة في الفكر المصري حيث أستغلتها الأسرات الأولى لدعم حكمها، وهذا ماخلق صراع بين الملكية المصرية وحكومة الكهنة.

وفي الهند كانت قوانين مانوا القديمة تمنح سلطات دينية للملوك من الإله الأكبر براهما حيث يجب طاعتهم و تقديسهم،وفي اليابان كان الميكايدو أي الملك ينظر إليه أنه الله حتى بعد الهزيمة في الحرب العالمية الثانية.

وفي المدن الرومانية كان الحال نفسه ففي روما كان النظام ملكي مطلق حيث كان الملك رئيس الديانات ويضع القوانين و يطبقها و أختفى هذا الشئ في العصر الجمهوري وعاد في العصر الإمبراطوري وكانت ديانة الإمبراطور هي الديانة الرسمية للدولة ، وكانت تقام للملك الشعائر الدينية وعند موته يصبح إله وتصبح عبادته ديانة الدولة الجديدة.وبهذا فإن تأليه الحاكم يجعله مقدسا ووجب طاعته و عدم مخالفته فهو بذلك لا يمكن مناقشته أو نقده أو توجيهه.

2-نظرية التفويض الإلهي الخارج عن إرادة البشر

تذهب هذه النظرية إلى أنّ من يحكم الدولة سواء كان ملكا أو حاكما (السلطة السياسية) تستمد شرعيتها و سلطتها من الله أو ما يسمى القوة العليا، وسادة هذه النظرية في الفكر القديم فكان يعتقد أن الأمبراطور في الصين يستمد سلطته من السماء وأن له السلطة المطلقة وكان يساعده مجلسان الأول مجلس أعيان وهو من الأمراء والأرستقراطين والثاني من خيرة رجال الدولة وهو مجلس الوزراء،و جاء في الديانة اليهودية أن الله هو مصدر السلطة وهو من يستطيع نزعها ،وفي الديانة المسيحية كان مايقوم به الحاكم من إكراه و عقاب هو بسبب الخطيئة الأولى فيجب دائما طاعته إلاّعند مخالفه تعاليم الكنيسة فقال بولس أن جميع الناس يجب خضوعهم للسلطات العليا لأن الله وضعها في يد الملوك و أن للسلطة الإلهية سيفان 1- سيف السلطة الدينية الذي وضعه الله في يد البابا 2- سيف السلطة الزمنية الذي وضعه الله في يد الأمبراطور،وهذا ما دعى إليه كثير من رجال الكنيسة منهم القديس بييروامبرواز و بول والبابا ليون الثالث عشر.

وفي القرنين السادس والسابع عشر تطورت النظرية في إنجلترا وأخذت شكل الحق المقدس للملوك أما في فرنسا فكان عصرها الذهبي في القرنين السابع والثامن عشر حيث ساد المثل القائل أن ملك فرنسا لا يستمد ملكه إلا من الله وسيفه في إشارة لمعارضة السلطة الدينية قليلا ،فالويس الرابع عشر ذكر في مذاكراته أن سلطة الملوك مستمدة من الله وهم مسؤولون أمامه وحده لا من الشعب وكان الحال كذالك في ألمانيا حيث رددها غليوم الثاني.

وإعتمادا على هذه النظرية أعطيت السلطة السياسة قداسة دينية مما أدى إلى إستبد الملوك بشعوبهم وبررو سلطتهم المطلقة لأنهم غير محاسبين إلى من الله ،ولكن ما إن تلاشت هذه النظرية بسبب يقظة الشعوب و ظهور أفكار حديثة.

3-نظرية التفويض الإلهي الناشيء عن العناية الإلهية

ترى هذه النظرية أن الله لايختار الملوك بإرادته مباشرة ولكن العناية الإلهية توجه الأحداث والأفراد لإختيارهم ومن أنصارها بوسوية وبونالد وجوزيف دى مستر، وتعلل النظرية سلطة الحاكم وتتسع للديمقراطية المستمدة من إرادة الله وبذالك يمكن أن يستبد الحاكم بالسلطة لأنه يستمدها من الله .

فبعد إنهيار الإمبراطورية الرومانية في القرن الخامس أصبحت الكنيسة مسيطرة على المسحيين فأدى ذلك إلى سيطرتها على السلطة الزمنية حيث أصبح البابا يسيطر على الحاكم ،ولكن مع الزمن إنحسر دور الكنيسة لعوامل عدة منها إقتصادية و إجتماعية وفكرية.

ويسميه البعض بالنظام الثيوقراطى
و تعني حكومة الكهنة أو حكومة دينية.

تتكون كلمة ثيوقراطية من كلمتين مدمجتين هما ثيو وتعني الدين وقراطية وتعني الحكم، وعليه فان الثيوقراطية هي نظام حكم يستمد الحاكم فيه سلطته أو بالأحرى شرعيته مباشرة من الإله. وتعتبر الثيوقراطية من أنواع الحكم الفردي الذي كان يحكمها الملك عن طريق الوراثة و لا يجوز لأحد مخالفته باعتباره خليفة الله، حتى قيل من يخالف الخليفة فقد يخالف الله، أما نشأة الثيوقراطية فهي تجمع عدد من الناس و اتفقوا على إعطاء القوي منهم إمكانياتهم أما القوي كان غائباً وبالتالي أصبح ليس معنيا بالأمر و بذلك أصبح يفعل مايريد.

كان أول من سك مصطلح "ثيوقراطية" هو جوزيفوس فلافيوس (Josephus Flavius) في القرن الأول الميلادي لوصف الحكومة القائمة عند اليهود. في حين يعترف اليونانيون بثلاثة أنواع من الحكم: الملكية، الأرستوقراطية، و الفوضوية، كان نظام الحكم عند اليهود لا يندرج تحت أي من أنظمة الحكم الآنفة. لقد فهم جوزيفوس الثيوقراطية على أنها شكل رابع من أشكال الحكومة يكون فيه ما يقوله الله في كتابه المقدس هو فقط مصدر الحكم. ومع حلول حقبة التنوير في أوروبا، بدأت الثيوقراطية تأخذ دلالة سلبية بشكل كبير، خصوصا على أيدي الفيلسوف الألماني هيجل.

ولقد كان أوروبا في عصورها الوسطى نموذج من هذا النوع من الحكم، حيث امتدت سيطرة الكنيسة ورجالها إلى كافة نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمعات الأوروبية، كان لها أثرها الواضح في توليد رد فعل عنيف تجاه تدخل رجال الدين في حياة الأفراد بأي صورة من الصور، فكان أن ظهرت الحركات القومية والمذاهب الفردية والنظريات الديمقراطية كردود فعل لممارسات رجال الدين المسيحي المتعدية في أوروبا العصور الوسطى، وكان أن ترجم الفكر السياسي الأوروبي رفضه لممارسات رجال الكنيسة في العصور الوسطى إلى رفض للدين ذاته فظهرت الحركات العلمانية التي ترمي إلى الفصل التام بين الدين والسياسة، مؤكدة أن الدين مكانه ليس البرلمان ولكن دور العبادة، وهي الفكرة التي تقوم عليها المجتمعات السياسية في أوروبا وأمريكا حتى وقتنا الحالي.

وتشهد المجتمعات الإسلامية في الوقت الحالي خبرة عكسية خاصة في الدول التي تبنت مفاهيم القومية وغيرها من الأفكار التي سادت المجتمعات الغربية نتيجة لخبرتهم التاريخية السابق الإشارة إليها، فمعظم المجتمعات الإسلامية تشهد حركة فكرية قوية تحاول تقديم تفسير لحالة التدهور والتخلف التي يحياها العالم الإسلامي، ويؤكد بعض المفكرين الإسلاميين على أن السبب الرئيسي للتدهور والتخلف في كافة مناحي الحياة والذي تشهده المجتمعات الإسلامية إنما يرجع إلى استبعاد القوانين الإسلامية من التسيد على كافة مناحي الحياة دينية ومدنية معاً، وهذا جعل فريق من العلمانيين وأعداء المنهج الإسلامي يقولون: يدعو هذا التيار الإسلامي إلى ضرورة العودة إلى تطبيق القوانين الدينية وإلى ضرورة إعطاء رجال الدين مكانتهم الصحيحة في الهيئة الحكومية تشريعياً وقضائياً بل وكاستشاريين للقائمين على السلطة التنفيذية إذا لم يكن الأخيرون متفقهين في أمور الشريعة الإسلامية، وهو ما يعتبر لب المفهوم الثيوقراطي في الحكم، وهذا الكلام غير صحيح على الإطلاق لأن الثيوقراطية شكل من أشكال الحكومات النصرانية الغربية، يحكم فيها الدولة قسيس، أو كاهن أو مجموعة قساوسة، ويكون فيها لرجال الدين سلطة في الأمور المدنية والدينية.

وقد اعتقد كثير من القدماء أن إلههم، أو آلهتهم قد سلموا القوانين إلى حكوماتهم (نظرية التفويض الإلهي عند الغربيين النصارى) فقد كان يُعتقد أن مدونة (قوانين) حمورابي قد نزلت وحياً من السماء، وقد سميت الحكومة التطهيرية في ماساشوسيتس بالولايات المتحدة ثيوقراطية.

وقد استمرت لسنوات كثيرة على أساس الطاعة للقانون الإلهي كما يفسره رجال الدين النصارى، والحكومة أو علماء الدين في الإسلام ليسوا وسطاء بين العبد وربه، فضلاً عن أن الدين الإسلامي نفسه ليس به رجال كهنوت، كما أن العلماء أو الحكومة في الإسلام ليسوا أوصياء من الله على خلقه.

والثيوقراطية كانت في غاية في هذه النظريات تبرير السلطة التي يتمتع بها الحكام في مواجهة المحكومين، حتى تكون لتلك السلطة قداسة في نفوس الناس، يخضعون لها ويتلقون أوامرها بدافع من أنفسهم، لأن سلطة الحكام مستمدة من الله، وهم خلفاء الله في أرضه، ولا يسألون أمام شعبهم لأن سلطتهم مطلقة، وإنما يسألون أمام الله الذين منحهم هذه السلطة.تمثل الثيوقراطية (الدولة الدينية) في ثلاثة أصناف:

أولا : الطبيعة الإلهية للحكام.

ثانيا : نظرية الحق الإلهي المباشر.

ثالثا : نظرية الحق الإلهي غير المباشر.

* الصنف الأول من النظرية الثيوقراطية يقول إن الحكام هم " آلهة " يعيشون بين البشر ويحكمونهم وهو صنف ظهر في الممالك والإمبراطوريات القديمة في مصر والصين وبلاد فارس . وقد زالت هذه النظرية منذ زمن بعيد وآخر بقاياها كان موجودا لدى إمبراطور اليابان حتى الحرب العالمية الثانية حين انتهت والى الأبد النظرة " المقدسة " لإمبراطور اليابان .

* الصنف الثاني من هذه النظرية يقوم على أساس أن الحاكم هو من البشر وليس له من طبيعة إلهية كما كان يدعي الفراعنة، لكنهم يعتبرون أنفسهم " إن الإله اختارهم للسلطة " وقد خصهم وحدهم بممارسة السلطة دون تدخل من سكان الأرض الذين عليهم فقط طاعة حكامهم وان معصيتهم تعتبر معصية لله. وقد اعتنقت الكنيسة المسيحية هذه النظرية فنادي بها الكهنة والقديسون بان " الإرادة الإلهية " هي مصدر كل سلطة على الأرض. وقد استخدم ملوك فرنسا هذه النظرية استخداما كليا لفرض سيطرتهم الدكتاتورية على الشعب وخاصة لويس الرابع عشر خلال القرن السابع عشر.

* الصنف الثالث فقد اعتمد على نظرية الحق الإلهي غير المباشر التي ترى أن الله هو الذي يختار الحاكم ليس مباشرة بل بواسطة هداية الشعب لانتخاب هذا أو ذاك من الحكام بإرشاد وتوجيه من الإرادة الإلهية ، أي الاختيار هنا يتم بطريق غير مباشر .

حيث يتم اعتبار الحاكم هو مبعوث العناية الإلهية و أنه ملهم لا يخطي ثاقب الرأي حاد البصر و البصيرة حكيم الحكماء و فقيه الفقهاء و لا يجوز لكل ما تقدم أن يعارضه أحد لأنه وحده الذي يملك الرؤية الوحيدة الصحيحة فهو يعلم و الناس لا يعلمون و هو يري و الآخرون عميان و هو يسعي دائما للصواب و الحق و العدل وإن بدا للبعض عكس ذلك. من كل ما سبق و لكل ما سبق فلا يمكن معاقبته و لا الخروج عليه و من يفعل ذلك فقد خرج على الناموس و فقد بذلك أي حق في الرحمة و التعاطف من النظام الذي نصب قائده فوق الجميع فلا شيء له قداسة فوق قداسة الحاكم.

الجيوش تجيش بإشارة من أصبعه و القوانين تعدل حسب رغبته و الإعلام يتحدث بما يريد و يشتهي و العالم كله يسير علي هواه فزياراته للخارج كلها ناجحة و مشروعاته كلها صالحة و خطاباته كلها مليئة بالحكم التي تستدعي أن ُتسأل أبحر من المداد من أجل شرحها للعامة الذين لا يستطيعون أن يفهموا ما جاء بالخطاب من درر البيان ومن حجج لا يستطيع أحد من البسطاء فهمها إلا من خلال الترجمان و بعث الروح في كلمات الزعيم الملهم. و الحكام في هذه الدول دائما على الحق حتى لو اتخذوا قرارا و عادوا فيه فهم في المرة الأولي حكماء و في المرة الثانية عباقرة و ربما في المرة الثالثة جهابذة. المهم أنهم ليسوا كالبشر يخطئون أو حتى يسيئون التقدير. أنهم أنبياء هذا الزمان و كل زمان يتحولون بالبلاد من نظام إلى نظام و نفس الأشخاص يصفقون و يرقصون و يمجدون النظام الأول و يمدحون وينثرون الشعر فرحا بالنظام الثاني. ومن الحكومات التي إنتهجت هذه الطريقة من الحكم نستعرض قسم منها وهي كالتالي.

إيران

توصف حكومة إيران بأنها "جمهورية ثيوقراطية". يقوم مجلس منتخب نصف عدد أعضاءه بتعيين فقيه إسلامي مدى الحياة في منصب القائد الأعلى. مجلس الخبراء، الذي يعتر جهة تنفيذية في الحكومة، يحمل مسؤولية تحديد ما إذا كانت التشريعات القانونية مطابقة لشريعة الإسلام بالإضافة إلى مهمته في منع الناخبين الذين لا يرى فيهم الأهلية الكافية من الترشح.

الفاتيكان

في 1929، اعترف بشكل رسمي بالفاتيكان كمدينة مستقلة بعد عقد اتفاقيات مع الحكومة الإيطالية. ينتخب "مجمع الكرادلة" (College of Cardinals) ، و هو تجمع لرجال الدين الكاثوليكيين، الأب الذي يكون بعد ذلك رئيسا. ينتخب الأب لفترة تمتد إلى مدى حياته، و يحق للكرادلة فقط انتخابه. يعين الأب وزير الخارجية المسؤول عن العلاقات الدولية. يخع القانون هنالك لإملاءات الأب و اجتماعات يعقدها رجال الدين .

فلورنسا

أثناء فترة حكم الراهب الدومينيكاني جيرولامو سافونارولا (1494-1498) (Girolamo Savonarola) يمكن وصف ذلك الحكم بالثيوقراطي. خلال فترة حكمه، كما حرقت الكتب غير المسيحية، التماثيل ، كتب الأشعار، و غيرها في ما عرف ب "مشعلة الأباطيل". بالإضافة إلى جعل الشذوذ الجنسي جريمة عاقبتها الإعدام .

كما يمكن اعتبار حكم المهدي في السودان، و حكم طالبان في أفغانستان، حكمان ثيوقراطيان.

الإسلام والثيوقراطية

في البلاد العربية والإسلامية يختلف موقع الدين عن موقعه لدى الأمم الأخرى، فالبيئتان الاجتماعية والثقافية في مجتمعاتنا تختلفان عن نظيراتهما في المجتمعات غير المسلمة، وتتصفان بأنهما تعطيان أهمية خاصة للدين.

مشكلة العلاقة بين الدولة والدين تتجلى في صيغ تعتبر مختلفة عن تلك التي استخدمت لدى الآخرين، وفي الإسلام لا يوجد مفهوم واضح يقضي بفصل الدين عن الدولة، أي التفريق بين ما هو ديني وما هو دنيوي، والإسلام يتضمن كلا الأمرَيْن في الحياة الاجتماعية. لذلك فقد نشأ تفاهم ضمني بين المؤسسة الدينية والسلطة السياسية، أسهمت بمقتضاه المؤسسة الدينية في حشد التأييد الشعبي اللازم للسلطة القائمة، وفي المقابل أخذت السلطة السياسية على عاتقها الالتزام بمبادئ الإسلام كما يتم تعريفها من قبل النخب الدينية، والقبول بطروحات الفقهاء في تفسير مجالات الحياة الاجتماعية.

ومنذ أن بدأت موجة المد الديني المعاصرة، يدور الحديث في أوساط المثقفين حول قيام حكم "ثيوقراطي"، ويتحدث آخرون عن أن الحكومات المتواجدة في إيران، وفي السودان- إلى عهد قريب- وأفغانستان أثناء حكم "طالبان"، أنها حكومات "ثيوقراطية"، فهل يعني ذلك أن الإسلام "ثيوقراطي"؟ الجواب على هذا التساؤل محير جداً، فهو يحمل في طياته الأمرين: نعم ولا، وكلاهما قد يصح.

العديد من المفكرين في الغرب يصفون الإسلام بأنه نظام "ثيوقراطي" في الوقت نفسه الذي يرفض فيه مفكرو البلاد العربية والإسلامية ذلك، ويردون عليه بسخط شديد. ومن جانبنا نشير إلى أنه وفقاً للمصطلحات التي يستخدمونها يعتبر كلا الطرفين محقاً اعتماداً على المعنى الذي يراد به من مصطلح "ثيوقراطية".

من وجهة نظر المفكرين الإسلاميين والمؤرخين وعلماء "الثيولوجية" الذين يرفضون فكرة أن الإسلام ثيوقراطية يعتبر معنى المصطلح واضحاً جداً، فكما يشير هؤلاء، لا يوجد في الإسلام الصحيح كنيسة أو نظام كنسي، ولا رهبان وكهنة بالمعنى الخاص بقدسية الكاهن والمؤسسة التي ينتمي إليها. وفي الإسلام لا توجد دولة دينية على نمط الفاتيكان يرأسها البابا الذي يحيط به ويتبعه رهبان وأحبار، مثلما لا يوجد مجلس كنسي، ولا يوجد أيضاً تراتب لرجال الدين.

ووفقاً لذلك يجادل هؤلاء بأنه طالما أن الثيوقراطية تعني وجود حكومة تقيمها الكنيسة ويحكمها الرهبان، فإن النتيجة هي أن الإسلام ليس ثيوقراطية، وأنه لا يمكن أن يكون كذلك جملة وتفصيلاً.

أما بالنسبة لوجهة النظر المقابلة، فإن معنى الثيوقراطية مختلف تماماً، فهؤلاء يوافقون على أنه لا يوجد كهنوت في الإسلام بمعنى وجود سلطة مقدسة تقوم بدور الوساطة بين الإنسان والخالق، ولكنهم يقولون بوجود نمط من الكهنوت المهم جداً بالمعنى السيسيولوجي للمصطلح. هذا الكهنوت يتكون من فئة من الرجال المتخصصين في الدين الإسلامي يحصلون على أوضاعهم عن طريق التعلم عوضاً عن ممارسة الوساطة أو التمتع بالوضع التراتبي، وهم من ناحية عملية يمارسون دوراً كالذي يمارسه رجال الدين المسيحي، ولكن بطرق مختلفة وعلى أسس مختلفة. وهؤلاء يعتبرون قضاة وثيولوجيين في الوقت نفسه، لأن الشأنين متداخلان في الإسلام، وبوظيفتهم تلك يقومون بتطبيق شرع الله لأكثر الأهداف عملية، لذلك فهم يمارسون السلطة بطريقة واقعية، رغم أن تلك السلطة ليست هي السلطة السياسية الصرفة.

بعض المفكرين يرون أن الإسلام من حيث المبدأ، إن لم يكن من حيث الممارسة يعتبر "ثيوقراطياً" بطريقة أخرى أكثر عمقاً، فإذا ما كانت "الثيوقراطية" تعني من ناحية لغوية أن سلطة الخالق فوق كل سلطة أخرى، فإن الإسلام كان دائماً عبارة عن "ثيوقراطية" من ناحية نظرية على الأقل.

أما المسيحيين القدماء خاصة في روما القديمة كان القيصر إلهاً، وفي المسيحية يعيش القيصر والإله جنباً إلى جنب. أما في الإسلام فإن الله واحد أحد وهو خالق كل شيء والمسيطر على كل شيء ولا يشاركه في ذلك أحد، وهو مصدر كل شيء بما في ذلك سلطة الدولة وسيادة القانون ومن يحكمون ويطبقون ذلك القانون، وكل من يقول بغير ذلك فهو عدو الله، فالله له الملك من قبل ومن بعد.

الثيوقراطية الأمريكية

قبل أربعة عقود، ألف كيفين فيليبس- المتخصص آن ذاك في الاستراتيجية السياسية- كتابه "الأغلبية الجمهورية المتصاعدة" الذي نشر عام 1969، طرح عدة أسئلة في غاية الأهمية حول السياسة الأمريكية ونهجها الثيوقراطية حسب رأيه، وكيف ستؤثر التغييرات السكانية والاقتصادية التي شهدتها أمريكا، وعلى مستقبل الحزبين الرئيسيين على المدى البعيد؟

وقد كانت إجابته على هذا السؤال، والتي كانت مفاجئة في ذلك الوقت، هي أن عملية انتقال الناس والموارد من الولايات الشمالية الصناعية القديمة إلى الجنوب والغرب (وهي المنطقة التي يسميها هو دائماً "بحزام الشمس") ستؤدي إلى نشوء أغلبية جمهورية تتميز بالمزيد من المحافظة، وستهيمن على السياسة الأمريكية لعدة عقود.

وقد كان فيليبس متفائلاً في نظرته إلى تلك التوقعات التي توصل إليها. حيث أنه، حسب اعتقاده، أن وجود حزب جمهوري يتمتع بالمزيد من القوة، سيحافظ على الاستقرار والنظام في مجتمع يواجه الحيرة، ويواجه تغييرات عنيفة في بعض الأحيان. وقبل فترة وجيزة من نشر كتابه، انضم الرجل إلى إدارة الرئيس نيكسون، وذلك للمساعدة في خدمة التغييرات التي تنبأ بها.

وقد ظل فيليبس كاتباً سياسياً طيلة العقود التي تلت تلك الفترة، غير أنه منذ مدة طويلة هدَّأ من حماسه للتحالف الجمهوري الذي ساعد في بنائه. وكتابه الأخير (وهو الكتاب الثالث عشر) يلقي من خلاله نظرة عامة وتاريخية على العالم السياسي الذي اجتهد في بنائه التحالف المحافظ خلال العقود الماضية. فهو لم يعد ينظر إلى حكومة الجمهوريين على أنها مصدر للاستقرار والنظام. بل على العكس من ذلك، يقدم رؤية مرعبة للتطرف الأيديولوجي، والاستهانة بالمسؤوليات المالية، وتفشي خطير للطمع وضيق الأفق. (الفصل الأخير في كتابه بعنوان "الأغلبية الجمهورية الضالة"). وفي عصر الكتب الأكثر مبيعاً في كلا الجانبين من التقسيم السياسي، فإن كتاب "الثيوقراطية الأمريكية" ربما يكون من التحليلات الأكثر خطورة لما يمر به العالم اليوم، وما يمكن أن يكون عليه بعد عدة سنوات. ومع أنه لا يخلوا من الانفعالات، إلاّ أنه وعلى العكس من التعليقات السياسية الشديدة والأكثر صراحة التي ظهرت في السنوات الأخيرة، قد تم بحثه بشكل واسع، وهو في مجمله يعد تحليلاً مقنعاً بشكل مرعب.

وبالرغم من أن فليبس ينتقد ما يعتبرها سياسات خطيرة لإدارة بوش، إلاّ أنه لا يضيع كثيراً من الوقت في تقييم أفكار وتصرفات الرئيس ومستشاريه. وبدلاً من ذلك، يقوم بتحديد ثلاثة اتجاهات عامة ومتصلة ببعضها البعض-وهو يعتقد أن كل هذه الاتجاهات ليست جديدة على عهد بوش، ولكنها استفحلت بفعل السياسات التي انتهجتها إدارته- وهذه الاتجاهات مجتمعة تهدد مستقبل الولايات المتحدة والعالم.

ويقول فيليبس، أن المسيحيون الذين يؤمنون بالنبوءات، عادة ما يقومون برسم رؤيتهم للسياسة والعالم حول إشارات بعض النصابين من العلماء الإنجيليين الذين يعرفون بالعرافين-ومن بين هذه الإشارات الحرب على العراق، وسكنى اليهود في جميع أراضي إسرائيل التوراتية، وحتى ظهور الإرهاب. ويبين فيليبس عن قناعة تامة بأن إدارة بوش مدت يدها إلى هؤلاء المؤمنين وشجعتهم على أن ينظروا إلى سياسات الرئيس على أنها استجابة لفكر ما قبل الألفية (premillennialist). وهو يقترح أيضاً أن الرئيس وأعضاء إدارته الآخرين ربما يؤمنون هم أنفسهم بهذه الأمور، أي أن المعتقدات الدينية هي الأساس الذي تقوم عليه سياساتهم، وليس كمجرد تخطيط مرحلي لإقناع الشعب. والدليل الذي يسوقه فيليبس على هذا الأمر يثير قلقاً شديداً، ولكنه ليس حاسماً.

ويقول فيليبس أن خلق ثقافة الدَّين الوطني، بالرغم من أنه تفاقم بفعل السياسات التي انتهجتها إدارة بوش، إلاّ أنها كانت مجال عمل الكثيرين لعدة قرون مضت ومن بين هؤلاء ألان غرينسبان، والذي قال عنه فيليبس بشكل لاذع؛ أنه تجاهل الديون المتصاعدة بشكل غير مسؤول حتى يتجنب التأثير في طفرة سوق الأسهم المالية التي ساعد في إيجادها. والأهم من كل ذلك أنه نتاج تحول الاقتصاد الأمريكي إلى اقتصاد مالي-وهو التحول من التصنيع إلى اقتصاد يعتمد على تحريك وإدارة الأموال- وهو الاتجاه الذي يقول فيليبس أنه تم تشجيعه عن طريق الاستغراق في النفط، وكذلك (وبدرجة أقل) بالمعتقدات الإنجيلية عن "النشوة" الوشيكة، والتي ترى في التخطيط للمستقبل أمر غير ضروري.
وهذا بالضرورى يستتبع تاريخيا البلاد الاسلاميه فلم تعرف البلاد الاسلاميه حكما رشيدا الا بعد انتهاء خلافه الخلفاء الراشدين فاصبح الامر والحكم يعتمد بشكل اساسى على نظريه الوراثه ومن ثم خلق الاستبداد وصناعه نمط جديد لم تعرف الدوله الاسلاميه الا وهو التفويض الالهى مما صنع استبدادا باسم الدين !وحكما لا ينتهى الا بموت الحاكم وتوريث ابنه له !وهذا النظام الشمولى الاستبدادى بنى على نظريه الاحقيه بالولايه حتى وان كان الحاكم جاء بلا شورى وان كانت غالبا شورى وبيعه مزيفه وبالاكراه كما تم اختراع شىء مستحدث مع اعاده انتاج الاستبداد وهو بزوغ فجر الدوله البوليسيه فمن يعترض فليس له الا احد المصيرين القتل او لسجن كما انه قامت تلك النظريه بنجاح وبمباركه علماء محسوبين على الدين فكان بلاط الحاكم يعج بالفقهاء والشعراء والموسيقين والادباء والساسه الذين يزينون له السوء حتى انه جاء الخليفه ابو جعفر المنصور باربعين فقيها يؤكدون له انه ما على الخليفه حساب!
كما هو من اصل لتلك النظريه البشعه حيث قال( مخاطباً المسلمين في موسم الحج: " ايها الناس انما انا سلطان الله في ارضه، اسوسكم بتوفيقه وتسديده، وتاييده وتبصيره، خازنه على فيئه اعمل بمشيئته، واقسمه بارادته، واعطيه بأذنه ... قد جعلني عليه قفلاً، اذا شاء يفتحني لاعطائكم وقسم ارزاقكم فتحني، واذا شاء ان يقفلني عليها اقفلني " (ابن قتيبة/ عيون الاخبار)
وقد هيمن هذا النوع من الحكم على امتداد حكم الدولتين الاموية والعباسية (663 – 1258 )، اي منذ القرن السابع وحتى القرن الثالث عشر ، وليس من المستغرب ان تطول مدة حكم بعض الخلفاء حتى تضرب الرقم القياسي ( كما في تعبيراتنا المعاصرة) فقد كانت مدة خلافة الناصر لدين لله 46 سنة و10 أشهر و28 يوما، الا ان هذا الرقم القياسي يبدو اعتياديا ومعتدلا اذا ما قورن بفترة مكوث حكام الدول الاسلامية المعاصرين الذين يعزُ عليهم التخلي قيد انملة عن مقاعدهم الى حين يقبض سبحانه وتعالى ارواحهم فيتركوها بكل تركاتها لاولادهم حتى ولو لم يبلغوا سن الرشد! او تتسلط عليهم حركة انقلابية عسكرية تزيحهم عن اماكنهم بعنف ليحل محلهم الاسوء والاغشم، وحينما نريد ان نتعرف على فكر الاستبداد نتلقف معاصريه من العلماء الذين شاهدوه ونقدوه ووقفوا له بالمرصاد كالمؤرخ والعالم الكواكبى فى كتابه طبائع الاستبداد يذهب الكثيرون من المؤرخين والباحثين إلي أن شهرة المفكر السوري عبدالرحمن الكواكبي ترجع إلي كتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، حيث يتضمن هذا الكتاب مجموعة من المقالات والبحوث عن أثر الحكم الاستبدادي في الأمم والشعوب.
حتي قورن ـ في زمانه ـ بكتاب العقد الاجتماعي للمفكر الفرنسي جان جاك روسو حيث أودع الكواكبي في هذا الكتاب خلاصة آرائه السياسية في نظام الحكم واستبداد الحكام من منظور إسلامي مستنير حيث نقد فيه الكواكبي بعض حكام الأمم الإسلامية. ولعلنا نحتاج الآن إلي الاقتراب من مواقف هذا المفكر قبل الاشارة إلي مضمون كتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد فمواقف هذا المفكر تبدو من تعامله مع القوي والقضايا في عصره, مثل موقفه من السلطان عبدالحميد المتربع علي عرشه في قصر بلدز بتركيا الذي نستشعره في قوله: الاستبداد أشد وطأة من الوباء, وأكبر هولا من الحريق, وأعظم تخريبا من السيل, وأذل للنفوس من السؤال.. إذا نزل بقوم كما نزل في الدولة العثمانية, سمعت أرواحهم هاتف السماء ينادي القضاء القضاء, وموقفه من الأغنياء الحانين هاماتهم للظلم: ومن طبائع الاستبداد أن الأغنياء اعداؤه فكرا, وأوتاره عملا, فهم رباط المستبد يذلهم فيهنئون ولهذا يرسخ الذل في الأمم التي يكثر أغنياؤها, أما الفقراء فيخافهم المستبد خوف النعجة من الذئب وموقفه من مفكري الأمة وموجهيها ممن جنحوا إلي الرياء والنفاق وإذا كان كبار الأمة قد ألفوا الرياء والنفاق مرضاه للمستبد فعامة الناس سيألفونها حت يضطر أكثر الناس اباحة الكذب والخداع والنفاق والتذلل وامانة النفس حتي تصبح القيم الإسلامية العليا المعروفة اعتبار التصاغد أدبا, والتذلل لطفا والتملق فصاحة, وترك الحقوق سماحة, وقبول الإهانة تواضعا والرضا بالظلم طاعة وحرية القول وقاحة, وحب الوطن جنونا.. وعن المضللين في الدين: والواقع أن الحكام وبطانتهم من العلماء المضللين قد أفسدوا الأديان واستخدموها لتحقيق مطامعهم وأهوائهم يبقي الاشارة إلي هذا الكتاب الذي كان من الكتب القليلة التي هزت أركان العالم الإسلامي. ففيه رأي الدين في الاستبداد وما يراه بعض الافرنج من أن الاستبداد السياسي هو نتيجة للاستبداد الديني, إلا أن الكواكبي يرد علي ذلك في كتابه بأن الإسلام لا ينطبق عليه ما ينطبق علي غيره من الأديان, لأنه مبني علي الأصول الديمقراطية الرفيعة, والشوري النزيهة.. شوري أهل الحل والعقد وشاورهم في الأمر, ثم ان الإسلام لا يعرف سلطة دينية, ولا صكوك غفران, ولكن انقسام المسلمين وتفرقهم جعلهم علي ما رآهم الكواكبي عليه من تخاذل وضعف وهوان. ويبحث هذا الكتاب, كيف يخشي المستبدون العلم لانه نور, وهم يريدون الرعية تعيش في ظلام حتي يستطيعون بسط سلطاتهم.. فالعلم ينير العقول ويعرف النفوس حقوقها.. ولذلك اهتم به الإسلام وجعله مع التفكير فريضة.لذلك فان معرفة الإسلام على حقيقته هى الفريضة الغائبة ، فالخلفاء غير الراشدين فرضوا نوعية من التدين الذي يحمي استبدادهم وظلمهم واستئثارهم بأموال الناس وتحكمهم في رقاب البشر وأعراضهم .. وهذه النوعية من التدين طغت على الإسلام الحقيقي الذي طبقه النبي عليه السلام في أول دولة إسلامية قامت وسارت على حرية العقيدة وحرية الرأي والديمقراطية السياسية والعدل الاجتماعي..ومن الشورى التى أقرها الإسلام إلى الديكتاتورية والاستبداد والقهر والظلم الذى فُرض على الشخصية العربية والإسلامية مع ظهور التوريث على يد معاوية بن أبى سفيان، الأمر الذى جعل الحكم الإستبدادى راسخاً ومتينا لفترات طويلة عبر العصور التاريخية ولم يكن ذلك استسلاما للأمر الواقع من قبل الشخصية العربية والإسلامية لذلك القهر والطغيان، أو دليلا على مسخ الشخصية، ولكن بطبيعة الحال فالمستبد جبان لكنه يستمد شجاعة وقوة زائفة من خوف ووهن وجهل الناس من التفات أعوانه حوله ممن اشتراهم بالأموال وأصحاب المصالح الخاصة، وكل هؤلاء لديهم قدرة على قمع الشخصية العربية فى لحظات من الغفوة وغياب الوعى لديها ولم تكن تعرف الدولة الإسلامية القائمة على الشورى ذلك الحكم حتى عصر الخلفاء بالتحديد حتى النصف الأول من حكم الخليفة عثمان بن عفان، رضى الله عنه و كان للشخصية العربية خطوات ضد الظلم والطغيان بين التمرد والخروج والمطالبة بالحقوق، ففى مصر الفرعونية قام المصريون بالثورة على الحكم الثيوقراطى بمساعدة يوسف – عليه السلام بتحويل الحكم الثيوقراطى إلى عدالة السماء، وأزال استبداد كهنةَ معبد أمون أصحاب الحكم الثيوقراطى، لكن مع مرور الزمن عاد الحكم مرة أخرى وذلك بسبب غياب الوعى لدى الشخصية المصرية حينذاك
وفى مصر البطلمية، قام المصريون بالعديد من الثورات ضد الحكم الإمبراطورى المستنزف لخيرات البلاد بيد أن هذه الثورات باءت جميعها بالفشل ولم يكن ترحيب الأقباط بالفتح الإسلامى لمصر فى ذلك الوقت حباً فى شخصية عمرو بن العاص وحدها ولكن كى يتخلصوا من الحكم الإستبدادى، بذلك استطاع الفتح الإسلامى تخليص المصريين من الحكم الرومانى وفى العصر الأموى والعباسى والفاطمى ظهر الاستبداد من بعض الخلفاء ولكن قوبل هذا الاستبداد بخروج المصريين على الخلفاء والسلاطين، أن السبب فى وجود الحكم الاستبدادى هو غياب وجود مؤسسة رقابية على الحاكم؛ ففى عصر الخلفاء الراشدين كان مبدأ الشورى أو المشاورة هو السائد حينذاك، وحرص الشيخان أبو بكر وعمر – رضى الله عنهما على عدم مخالفة المشورة، والدليل على ذلك فى فتح مصر كان الخليفة عمر بن الخطاب قلقاً من هذا الفتح؛ فكيف يعيد الجيش الذى فى طريقه إلى مصر وينزل من هيبته وكيف لايعمل بمبدأ الشورى بعد مخالفة عثمان بن عفان الفتح، استطاع الخروج من ذلك الأمر دون مخالفة الشورى مع الحفاظ على هيبة الجيش فقد أرسل إلى عمرو بن العاص يطلب منه العودة اذا لم يكن قد دخل أرض مصر فإذا دخل يكمل الفتح
وبذلك استطاع هذان الشيخان السير على نحو مثالى على هدى السنة النبوية، وقد تميزا بالزهد والإيمان ولم يكن هناك حاجة لوجود رقابة على الحاكم، ولكن بعد عهد الشيخين أبى بكر وعمر، ومع تطور الأحداث وتعقدها، دعت الحاجة لوجود رقابة ومساءلة للحاكم وكان ذلك أول صدام بين الرعية والحاكم فى زمن خلافة عثمان – رضى الله عنه عندما أنكر الناس عليه محاباته لأهله وإيثارهم بالإمارة والعطايا، لكن لعدم وجود نصوص متفق عليها انتهى بهم الأمر إلى طريق مسدود فأنقضوا عليه وقتلوه وتطورت الأحداث بعد ذلك وأصبح الأمر فى يد معاوية إلى أن أدخل القاعدة الأساسية للاستبداد – التوريث – فى الحكم المستبد فى لحظة جلوسة على عرشه ووضع تاجه الموروث على رأسه يرى نفسه كأنه إنسان صار إلهاً والحكومة تكون طبعاً مستبدة فى كل فروعها من المستبد الأعظم إلى الشرطى إلى الفرّاش إلى كناس الشارع ولا يكون كل صف إلا من أسفل أهل طبقته أخلاقاً؛ لأن الأسافل لا يهمهم طبعا الكرامة وحسن السمعة، إنما غاية مسعاهم أن يبرهنوا لمخدومهم بأنهم على شاكلته وأنصار لدولته، وبهذا يأمنهم المستبد ويأمنونه، فيشاركهم ويشاركونه
وهذه الفئة المستخدمة بكثرة عددها أو قلتها ترتبط بشدة الاستبداد وخفته ارتباطا إطراديا، فكلما كان المستبد حريصاً على زيادة المحافظين عليه احتاج إلى مزيد من الدقة فى اتخاذهم من أسافل المجرمين الذين لا أثر عندهم لدين أو لذمة وينكر المستبد حق الأمة ويرى نفسه فرق النقد والمساءلة، كما يصادر الحريات ويقمعها وينكر رأى الأخر وينفرد برأيه، ضارباً عرض الحائط بضرورة الأخذ بالمشورة فضلا عن عدم تفريقه بين ماله الخاص وبين أموال بيت المال المال العام وفى القرآن الكريم ورد ذكر فرعون كلقب يطلق على الحاكم المستبد والذى يدعى الربوبية كما فى قوله تعالى على لسان فرعون فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى النازعات وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِى قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِى مِن تَحْتِى أَفَلا تُبْصِرُونَ الزخرف ويدعى أيضا الألوهية كما فى قوله تعالى وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي القصص فالحاكم المستبد يبدأ فيدعى بأن كل البلد ملكه الشخصي، ويتصرف على هذا الأساس ثم ينتقل إلى التصرف على أساس أن الناس ملكه أيضا هاتان الصفتان من صفات الحاكم المستبد تعرفان من مدى صلاحياته ومن أسلوب حكمه، فالناس الذين يعيشون تحت سيطرته لهم صفة الأشياء، والمجتمع على الهامش بما فيه من مؤسسات بسبب استسلامهم للاستبداد، لذلك يصفهم تعالى بالفسق بقوله فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِين الزخرف
لقد مر مصطلح الديكتاتورية خلال التاريخ بمراحل منها ديكتاتورية نظام القياصرة الرومان حيث كانت بعض الأزمات تستدعى حل مؤسسات الدولة مؤقتاً ثم يتم انتخاب مجلس قنصلى يجمع السلطات فى يده وينفرد بالرأى ليقوم بحل الأزمات المطروحة خلال فترة زمنية تنتهى بعدها صلاحية هذا المجلس وكان الخوف من تمديد فترة حكم المجلس القنصلى أن يؤدى إلى حكم استبدادى لا ينتهى
وبقى مفهوم الديكتاتورية غائباً عن الاستخدام تقريباً حتى جاءت ديكتاتوريات القرن العشرين وقامت بإحياء هذا المصطلح خاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية حيث تم اعتبار نظم الحكم القائمة على الشمولية والقمع نظما ديكتاتورية وقديما لم تكن هناك ديكتاتورية للنظام والمؤسسات بل كان هناك الديكتاتور الحاكم الفرد ونظام حكم الديكتاتور الرومانى كان قانونياً ولم يكن له مؤسسات ديكتاتورية تابعة له ويمكن اعتبار الديكتاتورية فى عهد الرومان مثل حكومة مؤقتة مهمتها حل أزمة محددة
وفى عصر النهضة صار الحكم الاستبدادى يستند إلى مؤسسات كاملة والاستبداد كتعبير قديم هو ما يعنى الديكتاتورية حديثا وقد استعمل مصطلح الاستبداد فى زمن الامبراطوريات بينما مصطلح الديكتاتورية يطلق على الأنظمة الجمهورية ويعتبر النظام السياسى نظام ديكتاتورى عندما تكون كل الصلاحيات مجتمعة فى يد الحاكم
وفى القرن التاسع عشر عندما استخدم ماركس تعبير ديكتاتورية البروليتاريا وهى الطبقات الدنيا أو الفقيرة فى المجتمع، حيث كان يعتبر أنه على البروليتاريا كطبقة اجتماعية أن تستخدم القوة فى تحقيق أهدافها ووصولها للسلطة بالثورة على الدولة المستبدة، ويرى بعض الباحثين أن تعبير الديكتاتورية كتعبير سلبى بمعنى القهر والظلم بدبدأ استخدامه بعد الحرب العالمية الأولى وقد تطور مفهوم الديكتاتورية عامة وأصبح مرادفا لمفهوم الاستبداد والحكم المطلق وباعتبار أن التاريخ يعيد نفسه وأنه فى كل مرة يعيد نفسه يكون أكثر تطورا، فإننا نتساءل هل ستتحول الأنظمة الجديدة التى نتطلع اليها الى ما يشبه الأنظمة السابقة ولكن بشكل أسوا؟، فإذا حدث ذلك ستكون النتيجة أيضاً أسوأ وأصعب فى التعامل معها بكثير من سابقتها إن الناس الذين يريدون التغيير لم يتغيروا ولم تتغير لديهم المفاهيم والأفكار والثقافة لأنهم من نفس المجتمع الذى تم تشكيل مفاهيمه وأفكاره وثقافته فى ظل النظام السابق، وبالتالى فما الجديد الذى سوف يقدمه من سيتم انتخابه من نفس المجتمع؟ وهل عند اجتماع السلطة والثروة لديه سوف تتغير الأمور؟ ويصبح من يعمل من أجل مصالح الناس اليوم هو من يعمل من أجل مصالحه هو غداً، ويبدأ من جديد نظام تنعدم فيه العدالة ويتفشى فيه الفساد الإدارى والمالى والظلم الاجتماعى بصيغ متطورة أكثر
ان المطلوب تغييره ليس فقط الأنظمة بل المجتمعات أيضا، ولن يتم ذلك الا فى وجود الدولة المدنية الديمقراطية والتى ستؤسس لمنظومة تعليمية صحيحة مع تجديد للخطاب الدينى والثقافى والاعلامى على أسس علمية، كما تعمل على تأسيس أنظمة قادرة على التعامل مع تطور الحياة بكل جوانبها وقادرة على تكوين الأشخاص القادرين على إدارة الدولة من خلال قيم ثابتة تحكم النظام عندها سوف يتساوى جميع أفراد المجتمع والتعامل معهم سيكون على أسس وقوانين لا يحق لأى فرد مهما كان أن يغير فيها أو يتجاوزها
وبالرجوع الى آيات القرآن الكريم نجد أن مصر قام فيها أول وأقدم حكم استبدادى فى التاريخ، وعليه فانه من السهل أن تقوم الطبقة العليا المستفيدة من التسلط بتحويل أى حاكم الى فرعون، وفى النصف الثانى من القرن العشرين تعاقب على حكم مصر أكثر من فرعون مع وجود التيار الدينى الطامح للحكم وكلاهما قائم على الاستبداد السياسى أو الدينى، وكلاهما لا يعترف بالآخر لقد تم استخدام التيار الدينى السياسى لإرهاب المصريين من فكرة وصول المتطرفين للحكم، وذلك من خلال تشجيع التدين القائم على الفكر الوهابى المتطرف وسيطرته على الساحات الدينية والتعليمية والاعلامية، ولكن التطرف تطور ليتمرد على الدولة نفسها فأصبح الصراع علنيا بين الحكومة والتيارات الدينية وهو صراع بين نظام سياسى يمارس الاستبداد بمسمى الديمقراطية وتيار دينى يمارس الاستبداد بمسمى الشورى، مع أن الديمقراطية والشورى ضد الاستبداد، وكل من النظام السياسى المستبد والتيار الدينى المتطرف يمثلان نوعان من الديكتاتورية يخدم كل منها الآخر ولا يستغنى عنه لقد جرى تنشيط التيار الدينى لتبرير استمرار فرض الطوارئ للتخلص من كل من يعارض الحكومة، مما أدى الى وجود الدولة البوليسية العسكرية حيث الحاكم هو القائد الأعلى للجيش والشرطة معا، وبالتالى تم الانفصال بين أقلية حاكمة ومعها التحالف الذى يخدمها من رجال الدين والقانون والصحافة والاعلام والمعارضة التى يصنعها النظام من ناحية، وبين أغلبية صامتة عجزا ويأسا وخوفا حتى عن المشاركة فى الانتخابات من ناحية أخرى وقد شهدت تسعينيات القرن العشرين ظهور المجتمع المدنى وتنظيماته من الجمعيات الأهلية والمراكز البحثية والمؤسسات الحقوقية لكى تساعد المجتمع على إدارة بعض شئونه بعيدا عن سيطرة الحكومة وتسلطها، بحيث تكون هى الفاعلة فى الجهاد من أجل الديمقراطية وحقوق الانسان، كما أن عليها أن تقوم بملء الفراغ بين الأقلية الحاكمة والأغلبية الصامتة مع وجود منصب الرئاسة وسقوط النظام بعد ثورة يناير ومع ظهور عجز وفشل البيروقراطية الحكومية التى تدخلت فى كل شىء بلوائحها وقراراتها ولم تفلح الا فى نشر الفساد وتضييع مصالح الناس فالمنتظر أن تبادر منظمات المجتمع المدنى بتكوين حكومة انتقالية تضع دستورا جديدا وتقوم بتنقية التشريعات من القوانين الاستبدادية ثم تضع أساسا تشريعيا لاصلاح سياسى وفكر دينى وثقافى واجتماعى، وتضع الآلية التى تضمن التداول السلمى للسلطة وفق نظام ثابت وراسخ كما فى الدول الديمقراطية، من حيث نشر مفاهيم المجتمع المدنى والديمقراطية وحقوق الانسان لارساء الوعى بالحقوق والواجبات وتعلم الديمقراطية والشفافية مما يعطى أملا فى مستقبل أفضل ان الديكتاتورية والتسلط لهما جذور عميقة داخل مجتمعاتنا، ولفظ سلط فى اللغة يعنى اطلاق السلطة والقدرة، وقد ورد لفظ سلط مرة واحدة فى القرآن الكريم فى قوله تعالى وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ من الآية من سورة النساء، كما ورد لفظ يسلط مرة واحدة فى قوله تعالى وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ من الآية من سورة الحشر، والتسلط اجتماعيا يعنى فرض رأى أو موقف أو فكرة بالقوة سواء أكانت هذه القوة مادية أو معنوية، وقد يكون التسلط موجها من الكبار إلى الصغار أو من الكبار إلى الكبار أو من الصغار إلى الصغار أو من جنس نحو الجنس الآخر الرجل نحو المرأة أو العكس فالتسلط لا يرتبط بفئة دون غيرها فعلى مستوى الأسرة يرى الأباء والأمهات أن طاعة الأبناء لهم أمر مفروغ منه فيتسلطون على الأبناء وينكرون عليهم أبسط الحقوق فيما يتعلق بدراستهم أو عملهم أو الشخص الذى يقررون الارتباط به أو غير ذلك من المسائل الشخصية، كما أن وجود الزوج المتسلط أو الزوجه المتسلطه فى البيت كارثة أسريه فالتسلط ليس صفة تخص الرجل وحده فكثير من النساء أيضا لهن هذه الصفه
وعلى مستوى العمل فان المدير المتسلط هو نتيجة نظام وظيفى مختل يمنحه سلطات بلا حدود تغريه بالظلم والتجاوز فى حين يمنع مرؤوسيه من المطالبة بحقهم أو الشكوى ان الديكتاتور هو ابن مجتمعه وبعد أن يصل للحكم فانه يدعم البيئة الفاسدة التى تعطيه الاستمرارية وممارسة ديكتاتوريته، حيث بوجود الديكتاتورية تتكون داخل المجتمع قيم فاسدة وسلبية ويعانى المجتمع من غياب القيم العليا كالعدل والحرية
أما عن تدعيم ديكتاتورية الحاكم من خلال الفكر الدينى فيتم من خلال تحجج البعض بأن طاعة الحاكم وان كان مستبدا واجبة لأنها من طاعة أولى الأمر ومما أمر به تعالى ولكن الله تعالى لا يأمر بطاعة الظالمين، ونقرأ قوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِى شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً النساء وفى الآية جعل تعالى مرجعية الحكم فى التنازع بين المؤمنين وأولى الأمر الى الله تعالى والى الرسول عليه الصلاة والسلام ولم يدخل أولى الأمر فى تلك المرجعية، كما أن عبارة وَأُولِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ يمكن فهمها على أن أولى الأمر هم أيضا مثلكم فى طاعة الله ورسوله
ولو أن الله تعالى قال وأولى الامر عليكم لعلمنا أنهم الحكام ولكنه تعالى قال منكم أى أنه سيكون منكم من يتولون الأمور الدنيوية من قضاء و تجارة و جهاد و معاملات وغيرها، فإذا تنازعتم فى أمر من هذه الأمور فى حياة الرسول عليه الصلاة والسلام فهو القاضى و له الحكم بكتاب الله ومن بعده يكون الله تعالى هو الحكم وذلك باتباع القرآن الكريم
ونلاحظ أن الأمر وهو مفرد الأمور له معانى متعددة فى القرآن فالأمور تشمل كل نواحى الحياة وبالتالى فإن أولى الأمر هم أصحاب التخصص فى علوم الحياة المختلفة بما فيها من سيقومون بادارة حكم البلاد، كما أن مفهوم أولى الامر بالمعنى الشائع لا يصح حيث يأمر تعالى بطاعة أولى الأمر طاعة عمياء ثم يفرض أمر أخر وَشَاوِرْهُمْ فِى الْأَمْر آل عمران مما يتطلب التشاور واظهار الأراء المختلفة والاتفاق على الرأى الغالب وجعل المرجعية الأعلى هى القرآن الكريم
ونقرأ قوله تعالى وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِى الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً النساء والآية توضح أن الذين يستنبطون الأمور هم أولو الأمر كل فى تخصصه وتكرار كلمة منهم للتأكيد على أن أولى الأمر بصيغة الجمع تعنى أصحاب الفهم والاختصاص فى الأمور الحياتية المختلفة، ونلاحظ أنه تعالى لم يذكرمصطلح ولى الأمر مفرد والا كان المقصود هو الحاكم
اذن فالمستبد يصنع شعبه بنشر التعصب بين فئات الشعب دينيا ومذهبيا حتى ينشغلوا بالصراع فيما بينهم وحتى يستعين كل منهم على الآخر به، من وسائل التسلط مبدأ فرق تسد، كما ورد فى قوله تعالى إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِى الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا من الآية من سورة القصص، وأيضا زيادة الفساد فى الأرض كما فى قوله تعالى وَفِرْعَوْنَ ذِى الأَوْتَادِ الَّذِينَ طَغَوْا فِى الْبِلادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ الفجر
وينتقل الحاكم المتسلط من تكذيب المصلحين إلى البطش، كما فى قوله تعالى فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاء الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِى ضَلالٍ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِى أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّى أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِى الأَرْضِ الْفَسَادَ غافر لقمع المطالبة بالحرية أو المطالبة بالاصلاح والتغيير
والديكتاتور يصنع شعبه عبر سيطرته على الاعلام والتعليم والحياة الدينية وحجب المعلومات واضطهاد المفكرين الأحرار ومطاردة المبدعين فهو حاقد على كل عالم وكل مفكر وكل مبدع لأن لديهم احتراما للذات بسبب تفوقهم وتميزهم، ولا وقت لديهم للتقرب منه لذلك يستريح الديكتاتور لأهل الثقة من الفاشلين فى العلم والخبرة الذين حصلوا بالتزوير والغش والواسطة على شهادات لا يعرفون عنها شيئا ووظائف لا يصلحون لها
فى ظل الحكم الديكتاتورى يصبح على سبيل المثال أى موظف مسئولا عن مخازن أو خزينة بها عهدة بالملايين بينما مرتبه لا يتعدى الملاليم فى الشهر، أى أن الحكومة تسمح له ضمنيا بالاختلاس مما أدى الى كوارث فى مواسم الجرد فعندما يأتى وقت التفتيش على المخازن يشب فيها حريق ثم يقال أن سببه ماس كهربائى مع أنها حرائق متعمدة للتغطية على السرقة، ثم تطورت الأمور وعرفنا الخصخصة التى تعنى أن تخسر شركة القطاع العام الناجحة أو يتم تدمير جزئى للمصنع المنتج من خلال عدم صيانة الماكينات أو عدم تجديدها ليتأهل المصنع للبيع بأبخس الأثمان ويستفيد من هم وراء الخصخصة بعمولات بيعه والتى تفوق ثمنه، هنا تتحول السرقة العادية الى حرق و تدمير أصول يملكها المجتمع وتعيش عليها ألاف العائلات
فالديكتاتور ينجح فى تحويل السرقات المتفرقة الى فساد عام يعتاده الناس مع الوقت، ولأن الديكتاتور يصنع شعبه فان الشعب يدمن التعود على القهر فالعلاقة بين الشعب والحاكم علاقة تبادلية فكلاهما يؤثر بالآخر، فلو كان الحاكم عادل ستتحسن أخلاقيات المجتمع ولو كان ظالم فسيفسد أخلاقيات المجتمع، ولا يحدث ذلك الا فى النظم التى تقوم على فكرة الحاكم الفرد ولا تقوم على نظام المؤسسات، بينما فى النظم التى تقوم على نظام المؤسسات يكون الحاكم فيها موظف يؤدى مهام محددة لدى الدولة والتى تتكون من مجموعة مؤسسات تدير شئون الدولة وتراقب هذه المؤسسات بعضها بعضا
وفى النظم التى تتركز كل سلطاتها بيد الحاكم تصبح المؤسسات أداة لتحقيق أهدافه وأهداف بطانته ولا مكان فيها لتحقيق أهداف الشعب وطموحاته، لذلك نجد الديكتاتور الفاسد يريد شعبا فاسدا حتى يعطيه المبرر لممارسة التسلط عليه، فمن رضى بالفساد وعاش من خلاله وأصبح جزءا من منظومة الفساد فانه لا يشعر بالحاجة الى التغيير لأنه سيخسر مكاسبه التى اعتادها اذا انتهى الفساد، والسؤال هل سيستمر الفساد داخل المجتمع لو سقط الديكتاتور الفاسد؟ ونجد أن الفساد يعتمد انتشاره على غياب الشفافية وتزايد جرائم الرشوة واستغلال النفوذ واهدار المال العام فى ظل غياب الرقابة والمحاسبة وانعدام الوازع الدينى وتردى الوضع الاقتصادى وغيرها من المظاهر السلبية التى تم تدعيمها فى المجتمع، حتى صار الناس أكثر استعدادا لتقبل الفساد القائم بدلا من محاربته نتيجة لوجود خلل فى منظومة القيم الاجتماعية والثقافية، ومنها انتشار قيم سلبية تساعد على التسلق كالكذب والنفاق والخداع مع غياب الصدق والأمانة والاجتهاد، ومن الحلول المقترحة لمواجهة استمرار الفساد وحماية الأجيال القادمة منه أنه يجب العمل على مستويين الأول على مستوى الادارة حيث يجب إعادة صياغتها ليتم القضاء على فكرة الانفراد بالإدارة وذلك من خلال وجود رقابة فاعلة داخل مؤسسات الدولة، اضافة الى توفير حد أدنى من الحياة الكريمة للمواطن، والثانى على مستوى الأسرة والتعليم بالتنشئة السوية للطفل على قيم الصدق والنزاهة والانتماء للوطن
امنذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى اليوم سيطرت فكرة المستبد العادل على كثير من الكتاب والمصلحين العرب والتى ترى أنه لا مانع من وجود مستبد على أن يكون عادلا ليتولى النهوض بالعالم الإسلامى، ونجد أنه من غير المنطقى أن يوجد مستبد وعادل فى نفس الوقت لأنه لا يجتمع الاستبداد وهو من الظلم مع العدل، فالمستبد لا يظلم فرداً فقط بل يظلم شعباً، والأغلبية من الناس تحيا صامتة فى عهده من خلال ثقافة الاستعباد التى يتم ترسيخها فى الأذهان عن طريق بعض رجال الدين الذين يخدمون المستبد بجعل الأغلبية الصامتة تخضع له باسم الفكر الدينى السائد والذى يعطى الحق للمستبد أن يظلم وما على الناس الا الصبر والطاعة كما يتم اعتبار نقد الحكام والثورة عليهم عيبا إن لم يكن حراما
والمستبد لا يعرف سوى اصدار الأوامر وفرض تنفيذها بلا معارضة، وإذا كان الله تعالى قد جعل الناس أحراراً فى الإيمان والكفر فإن المستبد يصادر هذه الحرية فيقيم محاكم التفتيش وقضايا الحسبة والردة، كما يصل الى مصادرة الحرية الدينية واضطهاد المختلفين عنه فى الدين والمذهب، أما الذى يحكم فى دولة دينية فهو يجعل نفسه الحاكم بأمره فى الدنيا ومن خلال سلطته الدينية يمارس سلطته السياسية حيث لا مجال لمناقشته فى السياسة أوغيرها لأن مناقشته كفر يستوجب القتل
ومع انتشار الظلم تنشأ قيم وصولية انتهازية على عكس العدل الذى يعطى الحق لأصحابه، لذلك فهناك تناقض بين الاستبداد والعدل، ونستنتج أن مقولة المستبد العادل استخدمت حتى تبرر أعمال المستبد وتمنع الشعب من الثورة وذلك من خلال اضفاء شرعية دينية على المستبد العادل تجعل ممن يقوم بالثورة ضده كالخارج عن الملة والدين، وهنا يكمن نجاح الديكتاتور فى تشكيل المجتمع الذى يرضى بأفعاله لأن المجتمع يمارس أفراده نفس طقوس التسلط والاستبداد تجاه بعضهم البعض، لذلك فاننا بحاجة الى تغيير جذرى بالقيم المجتمعية أى أننا بحاجة لثورة اجتماعية لقد سجلت ثورة يناير تحول تاريخى فى الحياة المصرية نحو الحرية وبناء مستقبل أفضل فيجب الحذر من صعود الحركات المتطرفة والأصولية المترقبة للانقضاض على نتائج الثورة واستخدامها للخطاب الدينى فى إثارة المشاعر وإشاعة الأحقاد والكراهية بين أفراد المجتمع وتحريف مسار الثورة نحو مستقبل مجهول وذلك بالاستفادة من انتشار الفقر والجهل وما يتركانه من انفعالات عشوائية فى ردود الأفعال فى ظل ظروف لم ينضج فيها الوعى بالاختيار الديمقراطى الحر فيتحرك الناس عبر انفعالاتهم فى وقت الانتخاب ليختارو من لا يؤمن بالديمقراطية فتضيع طموحاتهم وتسرق ثورتهم ويتحول الصندوق الانتخابى إلى صندوق إعادة انتاج للتخلف والاستبداد ومع تلك النتائج الانتخابية السيئة لن تقوم أى نهضة فى المجتمع نتيجة لغياب الفكر النقدى وغياب العقل الفلسفى الذى يقطع الصلة مع العقل المتطرف الذى يعمل جاهدا لإقصاء الباحثين والمشتغلين فى المجالات المعرفية والعلمية مما يؤدى الى انعدام التفكير العقلانى المتنور مع اشاعة ثقافة الخرافة وانتشار أنماط من الصراع الطائفى مما يؤدى الى تفتيت الوحدة الوطنية للمجتمع
لقد استطاعت النظم الدكتاتورية عبر السنين أن تحول الغالبية من الناس إلى جموع سهلة الانقياد لا تحمل أى مشروع للنهضة بل تحمل صفات السلبية وعدم الاهتمام بالوقت ومقاومة التغيير وضعف ثقافة التساؤل والنقد واضطراب منهجية التفكير ان من الأهداف الأساسية لارسال الرسل وانزال الكتب معهم هو اقامة العدل، يقول تعالي لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِى عَزِيزٌ الحديد فإقامة الناس للعدل هى اقامة لشرع الله من خلال محاولات الناس للوصول لهذا العدل بالجهاد السلمى ثم الجهاد بالسلاح أو الحديد ذو البأس الشديد، وهكذا يستمر الجهاد الانسانى بالفكر والكلمة والفعل لتحقيق العدل ومن هذا الصراع المتكرر يثور المظلوم على الظالم فتسقط نظم الاستبداد والديكتاتورية حتى لا يتحكم الفساد فى الأرض، كما فى قوله تعالي وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ من الآية من سورة البقرة
ان مكافحة الديكتاتورية تعتبر من أولويات المواقف المطلوبة، ونقرأ قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الأَرْضِ قَالُواْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا النساء ولم يستثن منهم تعالى الا الضعفاء من النساء والرجال والأطفال فى قوله إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً النساء فقد سامحهم الله بقوله فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا النساء ونلاحظ كيف لم يعف تعالى عن القادر على مكافحة الاستبداد حتى ولو أدى العبادات، وأن العقيدة الإسلامية لا تقبل بالتسلط بكل أنواعه حتى ولو كان المستبد من الصائمين المصلين ودافعى الزكاة ان اقامة العدل على المستوى الفردى تتوقف على مشيئة الانسان وارادته الحرة وقد يلزم لهذا الاختيار جهادا ونضالا ثم تأتى مشيئة الله تعالى لتؤكد على هذا الاختيار، يقول تعالي وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ العنكبوت
كما أن اقامة العدل على المستوى الجماعى فى المجتمع تتوقف على مشيئة الناس وارادتهم الجماعية الحرة لتحقيق العدل من خلال المبادرة بمقاومة الظلم السائد، وذلك باستبدالهم للقيم السلبية مثل الخضوع والتواكل والأنانية بقيم ايجابية مثل الحرية والعدل والدفاع عن الحق، فالتغيير يجب أن يحدث فى النفس والفكر بوجود ارادة قادرة فاعلة، ثم تأتى مشيئة الله تعالى تالية لتؤكد على ارادة الناس، كما فى قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ من الآية من سورة الرعد، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ الأنفال حيث إن التغيير يجب أن يبدأ من إرادة الناس من أجل تحقيق الأفضل
وحين نعود للاستبداد كنظريه تتبع التفويض الالهى نقول كما قال الدكتور امام عبد الفتاح امام ان الأصل فى الاستبداد أن يكون بشرياً فيذوق إنسان بلسان وفم دنسين دماء أهله ويشردهم. وينتهى به الأمر الى أن يصبح طاغية ويتحول الى ذئب - على حد تعبير أفلاطون! لكن البشر هالهم أن يتحول واحد منهم الى طاغية. فإذا كانت له هذه الطبيعة الغريبة فلابد أن يكون من سلالة أخرى تفوق سلالة البشر فأضفوا عليه طبيعة قدسية إلهية. هكذا إلّه المصريين القدماء فرعون مثلما فعل البابليون مع جلجامش. والشرق عموما بمن فيهم الفرس مع الإسكندر!وعندما ظهرت الديانات السماوية ظهر معها مصطلح خاص لهذه الفكرة الغريبة وهو الثيوقراطية Theocracy فهى كلمة مؤلفة من مقطعين يونانيين Theos أى "اله" و Kratia أى حكم بمعنى الحكم لله أو السلطة لله "أو الحاكمية لله" . الخ وقد صاغه لأول مرة المؤرخ اليهودى يوسيفوس Josephus (100- 37 ق.م ) الذى ولد فى أورشليم ودرس الآداب العبرية واليونانية – وكان يعنى بهذا المصطلح التصور اليهودى للحكومة على نحو ما جاء فى التوراة التى تذهب الى أن القوانين الإلهية هى مصدر الالتزامات السياسية والدينية معاً. فالله عند يوسيفوس "هو الذى يحكم الشعب اليهودى بطريقة مباشرة أحياناً كما حدث عند خروجهم من مصر "عندما ارتحلوا فى طريق البّرية. وكان الرب يسير أمامهم نهارا فى عمود سحاب ليهديهم فى الطريق, وليلاً فى عمود نار ليضيء لهم لكى يمشوا نهاراً وليلاً, لم يبرح عمود السحاب نهاراً وعمود النار ليلاً من أمام الشعب" (خروج 13: 20-21 ) كما يحكم الإله "يهوه" الشعب اليهودى بطريقة غير مباشرة أحيانا أخرى عن طريق الأنبياء – كما كان يحدث مع النبى موسى عندما يطلب منه الرب أن يبلغ بنى إسرائيل أن يفعلوا كذا وكذا (قارن مثلاً الإصحاح الرابع عشر من سفر الخروج).وهكذا تغيرت طبيعة الاستبداد وأصبحت دينية فالسلطة مصدرها الله يختار مَنْ يشاء لممارستها, ومادام الحاكم يستمد سلطته من مصدر علوى فهو يسمو على الطبيعة البشرية وبالتالى تسمو إرادته على إرادة المحكومين إذ إنه هو المنفذ للمشيئة الإلهية. ولقد لعبت هذه الفكرة دوراً كبيراً فى التاريخ, وقامت عليها السلطة فى معظم الحضارات القديمة وأقرَّتها المسيحية فى أول عهدها وإنْ حاربتها فيما بعد ثم استند إليها الملوك فى أوروبا فى القرنين السادس عشر والسابع عشر لتبرير سلطتهم المطلقة واختصاصاتهم غير المقيدة.على أن هذه الفكرة قد تطورت واتخذت ثلاث صور متتابعة هي: فى الأصل كان الحاكم يُعدّ من طبيعة إلهية فهو لم يكن مختاراً من الإله بل كان الله نفسه وقد قامت الحضارات القديمة عموما فى مصر وفارس والهند والصين على أساس هذه النظرية وكان الملوك والأباطرة يُنظر إليهم باعتبارهم آلهة وقد وجدت هذه الفكرة نفسها عند الرومان الذين كانوا يقدسون الإمبراطور ويعدونه إلها وإنْ كان الشرق هو أصلها ومنبعها!تطورت النظرية مع ظهور المسيحية ولم يُعد الحاكم إلها أو من طبيعة إلهية ولكنه يستمد سلطته من الله فالحاكم إنسان يصطفيه الله ويودعه السلطة, وفى هذه الحالة تسمى النظرية "نظرية الحق الإلهى المباشر" لأن الحاكم يستمد سلطته من الله مباشرةً دون تدخل إرادة أخرى فى اختياره ومن ثم فهو يحكم بمقتضى الحق الإلهى المباشر.منذ العصور الوسطى وأثناء الصراع بين الكنيسة والإمبراطور قامت فكرة جديدة مقتضاها أن الله لا يختار الحاكم بطريقة مباشرة وأن السلطة – وإن كانْ مصدرها الله – فان اختيار الشخص الذى يمارسها يكون للشعب. وبعبارة أخرى ظهر الفصل بين السلطة والحاكم الذى يمارسها فالسلطة فى ذاتها من عند الله و لكن الله لا يتدخل مباشرة فى اختيار الحاكم و إن كان من الممكن أن يرشد الأفراد الى الطريق الذى يؤدى بهم الى اختيار حاكم معين. ومن ثم فالله يختار الحاكم بطريقة غير مباشرة. ويكون الحاكم قد تولى السلطة عن طريق الشعب بتوجيه من الإرادة الإلهية أو بمقتضى الحق الإلهى غير المباشر. ( نظرية الحق الإلهى غير المباشر)ولقد حاول بعض المسيحيين إقامة دولة دينية استبدادية على نحو ما فعل الراهب والمصلح الدينى سافونا رولا Savonarola (1452-1498) الذى شن حملة عنيفة ضد الفساد الأخلاقى الذى عرفته الكنيسة فى عصره. وبعد نفى آل مدتشى من فلورنسا وكان قد شملهم بحملته أنشأ فى هذه المدينة جمهورية دينية فنقم عليه الكرسى البابونى واتهمه بالهرطقة فشنق وأحرقت جثته على مرأى من سكان فلورنسا جميعاً. وكذلك حاول جون كالفن (1509- 1564) John Calvin اللاهوتى الفرنسى نشر راية الإصلاح البروتستانتى فى فرنسا ثم فى سويسرا ثم أنشأ حكومة صارمة فى جينيف وتميزت الكالفينية بالاستبداد والتزمت والصرامة.ويقول برتراند رسل إن الذين حاولوا إقامة الدولة المسيحية أرادوا محاكاة الدولة اليهودية ووراثتها. ومن هنا كانت محاولة الملوك إبان العصور الوسطى ارتداء عباءة الدين أو الادعاء بأنهم يستمدون سلطاتهم من الله تبريراً لاستبدادهم!أما فى العالم الإسلامى فقد كان الخليفة الثالث عثمان بن عفان هو أول مَنْ زعم أنه يحكم بتفويض إلهى عندما ثارت عليه الجموع من مختلف أنحاء الدولة الإسلامية: من مصر ومن الكوفة ومن المدينة. الخ بعد أن دب الفساد فى الدولة وطلبوا إليه أن يختار أمراً من ثلاثة إما أن يتنحى أو أن يسلم إليهم أقربائه أو يقتلوه ولكنه رفض العروض الثلاثة وقال عن التنحى عبارته الشهيرة "والله ما كنتُ لأخلع سربالاً سربلنيه الله"(أى لباسا ألبسنيه الله) – وكان ذلك أول إعلان بأن عباءة الخلافة يرتديها الحاكم بتفويض من الله فلا يخلعها بناء على طلب الناس "وكتب إلى معاوية فى الشام وإلى بنى عامر بالبصرة وإلى أهل الكوفة يستنجدهم فى بعث جيش يطرد هؤلاء من المدينة" – وكانت الثورة وتسور الناس الدار وكان منهم محمد بن أبى بكر الذى أمسك بلحيته وهو يقول "على أى دين أنت يا نعثل؟! " وصاحت عائشة فى الجموع " أقتلوا نعثلاً, قتل الله نعثلا!" تعنى عثمان] نعثل: الشيخ الأحمق [ وتركته وذهبت إلى مكة!ثم جاء الأمويون الذين أعلنوا أن الخلافة حق من حقوقهم ورثوه عن عثمان كما عبرّ الشعراء عن ذلك:وأشاع بعضهم فى أهل الشام أنهم استحقوا الخلافة لقرابتهم لرسول الله ثم استقروا على النظرية التى حكموا على أساسها ودعموا بها ملكهم الاستبدادى وهى أن الله اختارهم للخلافة وأتاهم الملك وأنهم يحكمون بإرادته ويتصرفون بمشيئته وأحاطوا خلافتهم بها له من القداسة حتى أصبح معاوية فى نظر أنصاره "خليفة الله على الأرض" وهكذا أصبحت السلطة من الله وليس للناس فيها رأى ولا مشورة وراح الشعراء يرفعون من نغمة التقديس إلى التأليه فلا يجد ابن هانى الأندلسى (938-973 م) بعد ذلك أى حرج فى أن يقول للخليفة الفاطمى المعز لدين الله:د ذلك أى حرج فى أن يقول للخليفة الفاطمى المعز لدين الله:
ما شئتَ لا ما شاءتْ الأقدارُ
فاحكم فأنت الواحد القهارُ
وكأنما أنت النبيُ محمد
وكأنما أنصارك الأنصار
وهكذا نجد أن استعداد الشرقيين لتأليه الحاكم ليس وليد اليوم وإنما هو أمر موغل فى القدم منذ أن كان فرعون هو الإله الذى لا راد لقضائه فهو يعرف كل شيء بما فى ذلك مصلحة الشعب نفسه ثم مروراً بالعصر الوسيط حيث كان الخليفة الذى عينه الله بحكمته ليسوس الناس ويروضهم لما فيه صلاحهم فى الدنيا والآخرة إلى أن اخترعنا فكرة الزعيم الأوحد والمنقذ الأعظم والرئيس المخلّص ومبعوث العناية الإلهية والمعلم والملهم الذى يأمر فيطاع لأنه استعار صفة من صفات الله" لا يُسألُ عما يَفعلُ وهُمْ يُسألونْ " فأحلنا الاستبداد البشرى – بأيدينا – ليصبح استبداداً دينياً!
وفى ختام البحث نتسائل ونجيب لماذا يشعر الحاكم دوما بانه فوق القانون والشعب معا شىء عجيب فى حكامنا الحكام عندنا لا يحاسبون ولا يموتون ولا يخطئون وكان الشعب خدم له وعبيد وقطعان من الماشيه يسيرها كيفما يشاء ووقتما يشاء وهذا هو الواقع الذى نحيا فيه والحكام فى بلادنا العربيه والاسلاميه فوق الشعب والقانون فعلا الا ما رحم ربى فكل حاكم يحكم وكانه ملك هذه الاوطان وما فيها من خيرات وشعوب والحاكم فى بلادنا مستعد ان يضحى بالغالى والنفيس من اجل ان يبقى فى كرسى الحكم ونظريه المؤامره دوما فى قاموسه فالشعب دائما يتامر عليه ويريد السيطره على الحكم وقديما كانت التهمه جاهزه ومتوفره فى حق اى صوت حر يخرج حتى لو كان رجل دين والجريمه موجوده منذ القدم (انت متهم بقلب نظام الحكم)انت متهم بافساد المجتمع انت ارهابى انت وانت واتهامات عديده المهم ان يكون هو الحاكم والشعب هم العبيد له كفرعون تماما والحكام فى بلادنا لا يحاسبون لانهم بالبديهه لا يخطءون ولانهم لا يخطئون فمن الطبيعى ان لا يحاسبون لان من يستطيع ان يحاسب الحاكم المكلف اصلا من قبل الله تعالى احيانا والمكلف من قبل النخبه احيانا والمكلف من قبل الله يدخل فى مفهوم الولايه الدينيه او الحكم الدينى فهل يجوز محاسبه حاكم فوضه الله تعالى بالحكم لا طبعا انه من هذا المنطلق يستطيع ان يفعل ما يريد دون محاسبه او تعقيب اما من حكم بتفويض من النخبه فينقسم الى قسمان الاول النخبه العسكريه التى انقلبت على الحاكم السابق وامتلكت هى زمام الامور كما حدث فى ثوره يوليو فمنذ ثوره يوليو وحتى الان ويحكم مصر العسكر حتى وان كانو فى زى مدنيين وحكم وانقلاب العسكر اثبت الواقع والتاريخ انه حكم ناقص ومتسلط ولا يجلب غير الفساد والهلاك والقسم الثانى هى الحكم عن طريق النخبه القانونيه حينما يكون هناك فراغ سياسى كموت حاكم او حدوث ثوره وتلك لم تحدث الا فى امور ضيقه وقد تفرضها الظروف عموما ان من يحكم فى اوطاننا يشعر انه يملك رغم ان الحكم غير التملك فليس فى الضروره لانك تحكم وتسوس بانك تملك فالحكم غير الملكيه الا انه رغم الفرق الكبير بينهما الا ان الذى يحكم عندنا يملك الشعب فالشعب مسخر عند الحاكم فمفهوم ان السلطات للشعب وان الحاكم ما هو الا منفذ لرغبه الشعب الذى جاء به الى الحكم او حتى رضى به ولم يخرج عليه ذلك المفهوم لم ياتى فى بال احد حكامنا ابدا ومفهوم ان الحاكم مسخر لخدمه الشعب لم يعمل بها تاريخيا الا النذر القليل والحقيقه ان الاستعباد جاء على لسان اكثر المفسرين والمفكرين ودائما ما نجد عبر التاريخ من يناهض ذلك الاستعباد لان الحاكم لم ياتى ليستعبد شعبه او يضر به وظهرت نظريه الحاكم المستبد والاستبداد والاستبداد نظريه قديمه معناها الحكم المطلق والحاكم المستبد لا يخضع للمسائله او المحاسبه ولا يطبق عليه قانون لانه فوق القانون وقد ظهرت تلك الطريقه فى العصرين الاموى والعباسى رغم وجود الاسلام الذى يدعو الى تحقيق العداله ورقى الفرد و يرسخ لمبادىء الشورى والعداله والمساواه الا ان العصرين الاموى والعباسى ومن ثم الفاطمى بعد ذلك كانت عصورا لانتشار نظريه المستبد وهى نظريه لم يعرفها الاسلام اصلا الا انها نفذت وطبقها حكاما مسلمون وباسم الاسلام فصارت عند البعض مثلا يحتذى به وشكل من اشكال الحكم الاسلامى الا ان الاسلام رفضها بل وحاربها وخلقت تلك النظريه ما يعرف بالاستبداد السياسى

الاستبداد السياسي هو الانفراد بالسلطة، ومعنى استبد به: أي انفرد به يقال: استبد بالأمر، يستبد به استبداداً إذا انفرد به دون غيره
يستبد به استبداداً إذا انفرد به دون غيره ويكتسب الاستبداد معناه السيئ في النفس من كونه انفراداً في أمر مشترك،فإدارة الأمة وولايتها تعود إليها برضاها، فإذا قام أحد وغلب الأمة وقهرهافي أمر يهمها جميعا، وانفرد بإدارتها دون رضاها، فقد وقع في العدوانوالطغيان.

وهذا الاستيلاء والسيطرة على أمر الأمة دون رضى منها يفتح أبواب الظلم والفساد وضروب العدوان وهو ما يسمى "الاستبداد السياسي".
فالحكم والولاية العامة على المسلمين حق للأمة، ولا يجوز الانفراد بها دون مشورة لهم كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " من بايع رجلاً من غير مشورةالمسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا "(2) وجاء في زيادة: "إنه لا خلافة إلا عن مشورة"(3).

فالاستبداد السياسي هو التغلب والاستفراد بالسلطة، والسيطرة التامة على مقاليد الدولة واغتصابها من الأمة دون مشورة و رضى منهم.

والاستبداد جزء من الطغيان وليس مرادفا له،
وقد ظهرالاستبداد في الأمة الإسلامية في وقت مبكر، وذلك بعد ولاية معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، والذي عهد بالخلافة من بعده لابنه يزيد، وقال: "من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع لنا قرنه، فلنحن أحق به ومن أبيه" وقد كانت هذه البداية في تحويل الحكم من الشورى إلى الوراثة، وهذا ما لم يكن معهوداً في زمن الخلفاء الراشدين الذين هم النموذج التطبيقي للفكر السياسي الإسلامي. وبهذا انتزع حق الأمة في تولية الأصلح بطريقة جماعية شوريّة إلىتولية الأبناء والذريةوان كانت تنقصهم الكفاءة وفي الأمة من هو أصلحمنهم.

وهذا الإنفراد في تولية الخلفاء فتح على الأمة الإسلامية باب شر عظيم لازال يضعفها حتى وصلت إلى الحالة المزرية الآن، واستحكام الاستبداد فيها،وتولي الأشرار لأمرها، وإضعاف دور شعوبها مما سبب ضعفها أمام الأمم الأخرى. وقد وقفعلماء الصحابة من هذه الظاهرة الغريبة المفضية إلى الطغيان موقفاً قوياًوأنكروا على معاوية رضي الله عنه ومن ذلك أن عبد الرحمن بن أبي بكر قطع خطبة معاوية وقال له: "إنك والله لوددت أنا وكّلناك في أمر ابنك إلى الله،وإنا والله لا نفعل، والله لتردنّ هذا الأمر شورى بين المسلمين أولنعيدنها عليك جذعة ثم خرج
ولما قال مروان ابن الحكم في بيعة يزيد:"سنة "أبي بكر" الراشدة المهدية " رد عليه عبد الرحمن ابن أبي بكر فقال: "ليس بسنة "أبي بكر"، وقد ترك أبو بكر الأهل والعشيرة، وعدل إلى رجل من بني عدي؛ أن رأى انه إلى ذلك أهل ولكنهاهرقلية
ولما كلم معاوية رضي الله عنه عبد الله بن عمر رضي الله عنه في أمر استخلاف ابنه يزيد قال له ابن عمر رضي الله عنه:" إنه قد كان قبلك خلفاء لهم أبناء، ليس ابنك بخير من أبنائهم، فلم يرو في أبنائهم ما رأيت أنت في ابنك، ولكنهم اختاروا للمسلمين حيث علموا الخيار، وأنت تحذرني أن أشق عصا المسلمين، وأن أسعى في فساد ذات بينهم، ولم أكن لأفعل، إنما أنا رجل من المسلمين فإذااجتمعوا على أمر فإنما أنا رجل منهم"
يقول ابن كثير: " لما أخذت البيعة ليزيدفي حياة أبيه كان الحسين ممن امتنع من مبايعته هو وابن الزبير ، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وابن عمر وابن عباس " وقد كان امتناع هؤلاء الصحابة، وهم أعلم الناس في زمانهم لعلمهم الأكيد بآثارالاستبداد على الأمة، وخطره عليهم، بل وصل الأمر إلى الخروج المسلح بعدوفاة معاوية رضي الله عنه، ولم تستقر الدولة ليزيد، وقد استمر الخروج المسلح على الاستبداد زمنا طويلا

إن هذه المواقف القوية ضد الاستبداد تدل على بطلان نسبة إقرار الاستبدادإلى الدين، فإن الدين لم يأمر بالتغلب والظلم، بل أمر بالشورى {وشاورهم في الأمر} [آل عمران/159], {وأمرهم شورى بينهم}[الشورى/38] , وقد أجمع الصحابةرضوان الله عليهم على أن الولاية العامة لا تكون إلا بشورى ورضى من الأمةوهذا ما كانت به الولاية لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين.

والإمامة لا تتم إلا بالبيعة، وهي عقد من العقود، وقاعدة الشريعة الإسلامية في العقود هي ضرورة رضى المتعاقدين، وهي من جنس الوكالة.

فالحاكم وكيل عن الأمة في تطبيق أحكام الإسلام، ولهم خلعه إذا خالف مقتضى العقد بالكفر أو الظلم
يقول الامام والمفكر محمد الغزالى رحمه الله فى كتابه الاسلام والطاقات المعطله(
الحكم الذي ساد بلاد الإسلام من بضعة قرون كان طرازاً منكراً من الاستبداد والفوضى . .
انكمشت فيه الحريات الطبيعية، وخارت القوى المادية والأدبية، وسيطر على موازين الحياة العامة نفر من الجبابرة أمكنتهم الأيام العجاف أن يقلبوا الأمور رأساً على عقب، وأن ينشروا الفزع في القلوب، والقصر في الآمال، والوهن في العزائم .
والحكم الاستبدادي تهديم للدين، وتخريب للدنيا، فهو بلاء يصيب الإيمان والعمران جميعاً. وهو دخان مشئوم الظل، تختنق الأرواح والأجسام في نطاقه حيث امتد. فلا سوق الفضائل والآداب تنشط، ولا سوق الزراعة والصناعة تروج .
ومن هنا حكمنا بأن الوثنية السياسية حرب على الله وحرب على الناس. وأن الخلاص منها شيء لا مفر منه لصلاح الدنيا والآخرة.
وقد أصيب الإسلام في مقاتله من استبداد الحاكمين باسمه. بل لقد ارتدت بعض القبائل، ولحقت بالروم فراراً من الجور ....
وعندما يوضع رأس فارغ على كيان كبير فلابد أن يفرض عليه تفاهته، وأثرته، وفراغه. . .
ومن هنا تطرق الخلل إلى شئون الأمة كلها، فوقعت في براثن الاستعمار الأخير؛ لأن الخلفاء والملوك والرؤساء كانوا في واقع أمرهم حرباً على الأمة الإسلامية، أو كانوا في أحسن أحوالهم تراباً على نارها، وقتاماً على نورها.
فلو خلوها وشأنها لاستطاعت الدفاع عن نفسها، متخففة من أعباء هؤلاء الحكام، ومن جنون العظمة الذي استولى عليهم .
ثم إن الإسلام ينكر أساليب العسف التي يلجأ إليها أولئك المستبدون في استدامة حكمهم واستتباب الأمر لهم . إنه يحرم أن يضرب إنسان ظلماً، أو أن يسفك دمه ظلماً.
فما تساوى الحياة كلها شيئا إذا استرخصت فيها حياة فرد. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق". فأشد الجرائم نكراً، أن يقتل امرؤ من الناس توطيداً لعزة ملك أو سيطرة حاكم . وفي حديث عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يجيء المقتول يوم القيامة آخذاً قاتله وأوداجه تشخب دماً عند ذي العزة جل شأنه، فيقول: يا رب، سل هذا، فيم قتلني؟ فيقول المولى عز وجل: فيم قتلته؟ قال: قتلته لتكون العزة لفلان . . . قيل: هي لله". وفي التعذيب دون القتل، وهو ما ينتشر في سجون الظلمة، يروي أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من جرد ظهر مسلم بغير حق لقى الله وهو عليه غضبان".
ويقول أيضا: "ظهر المسلم حمى، إلا بحقه". يعني أن المسلم لا يجوز أن يمس بسوء أبداً، إلا أن يرتكب ذنباً أو يصيب حدًّا، فعندئذ يؤخذ منه الحق الثابت في دين الله.
إن الجو المليء بما يصون الكرامات، ويقدس الدماء والأموال والأعراض هو الجو الذي يصنعه الإسلام للناس كافة، وهو – بداهة - الجو الذي يحسنون فيه العمل والإنتاج. فحيث تسود الطمأنينة، ويختفي الرعب، ينصرف العامة إلى تثمير أموالهم، وتكثير ثرواتهم؛ لأنهم واثقون أن حصاد ما يغرسون لهم ولذراريهم، فهم غير مدخرين وسعاً في العمل والإنتاج . إلا أن هذه البيئة الوادعة الآمنة المشجعة على الكدح والكسب تقلصت رقعتها في الأمة الإسلامية خلال القرون الأخيرة!!. ووقع الفلاحون والصناع وأهل الحرف المختلفة في براثن أمراء يحكمون بأمرهم لا بأمر الله. فكانت عقبى الترويع المتجدد النازل على رؤوسهم أن أقفرت البلاد وصوَّح نبتها، وعمَّ الخراب أرجاءها .
وتستطيع أن تلقي نظرة عجلى على تاريخ مصر خلال المائتي سنة الأخيرتين، فيما كتبه عبد الرحمن الجبرتي. إنك ترى من الأحداث ما لا ينفد عجبك له. حكام يطلبون من المال من الناس كلما تحركت رغبة الطلب في نفوسهم. فإذا الضرائب تفرض دون وعي، والأملاك تصادر دون حق. وخصومات على الحكم تشعل جذوتها عصابات طامعة من أصحاب الجاه وعشاق السلطة، وتسفك فيها الدماء بغزارة، ولا يفوز فيها إلا أقدر الفريقين على الفتك، وأطولهم يداً بالأذى .
ما هذا؟ أمة انفرط عقدها فليس يمسكها شيء، وضاع أصلها فلا تستحي من سلوك.
وتشبثت بها الفتن طولاً وعرضاً، فهي كحريق هائل كلما ظن أنه انطفأ في ناحية اندلع في ناحية أخرى.!! ومن البديهي أن تمحق أسباب العمران بله مظاهر الحضارة في أتون هذه الفوضى الضاربة. .!! البديهي أن تضطرب شئون الري، وأن يفر الفلاحون من زراعة الأرض، وأن يعيش أهل المدن وكأنهم يستعيرون أعمارهم يوماً بيوم. فإذا كان القُطر المصري البائس صورة لأقطار الأمة الإسلامية المنتشرة بين المحيطين، فأي مستقبل ترقبه لمثل هذه الأمة التي عزَّ فيها الداء واستفحل الخطب؟؟ إن سقوطها في مخالب المستعمرين الغزاة كان النتيجة الحتم!! وتخلفها في ميدان الحياة المتدفعة المتدفقة هنا وهناك أمر لم يكن منه بد. والمسئول عن هذه الجريمة النكراء هو الاستبداد السياسي الذي وقعت البلاد فريسة له، وكان دين الله بين ضحاياه الكثيرة . يجب أن نعلم أن الناس يتهيؤون للعمل العظيم، ويتجهون إليه بأفكار رتيبة مستريحة، حين يكون الشعور بالأمن مستولياً على أقطار أنفسهم. أما حيث تستخف الذئاب الحاكمة وراء جدران الدواوين، وتنقضُّ متى شاءت على أقرب فريسة لها، فهيهات أن يزدهر إنتاج، أو يستقيم سعى.
الحريات الكاملة ضرورة لنشاط القوى الإنسانية وتفتح المواهب الرفيعة.
إن النبات يذبل في الظل الدائم، ويموت في الظلام، ولن تتفتح براعمه، وتتكون أثماره إلا في وهج الشمس. كذلك الملكات الإنسانية، لا تنشق عن مكنونها من ذكاء واختراع، إلا في جو من الإرادة المطلقة، والحرية الميسرة .
والعالم الإسلامي ـ ونقولها محزونين ـ نُكب بمن رد نهاره الضاحي ليلاً طويلاً . نكب ـ في العصر الماضيـ بحكام ظنوا البشر قطعاناً من الدواب، فهم لا يحملون في أيديهم إلا العصا .
والحاكم الذي لا تألف رعيته منه إلا العصا جرثومة عبوديتها أولاً. وهو القنطرة التي تمهد للإذلال الخارجي أخيراً . ونحن موقنون بأن الاستعمار الذي نشر غيومه في ربوع الأمة الإسلامية كان ومازال لا علة له إلا هذا الضرب من الحكومات .
ومما يقترن بالاستبداد السياسي ولا ينفك عنه، غمط الكفايات، وكسر حدتها، وطرحها في مهاوي النسيان ما أمكن. ذلك أن المستبد يغلب عليه أن يكون مصاباً بجنون العظمة. وربما اعتقد أن كل كفاية إلى جانب عبقريته الخارقة صفر لا تستحق تقديراً ولا تقديماً . .
وإذا أكرهته الظروف على الاعتراف بكفاية ما، اجتهد في بعثرة الأشواك أمامها، واستغل سلطانه في إقصائها أو إطفائها.
وفي رأيي أن حظوظ الأمم من الكفايات متساوية، أو متقاربة، وأن أولي النباهة والمقدرة عند أية دولة في الغرب، لا يزيدون كثيراً عن أمثالهم في أي شعب شرقي .
كل ما هنالك أن قيادة الجماهير في أوروبا وأمريكا أخذ طريقه الطبيعي إلى أيدي الأذكياء الأكفاء . أما في الشرق الإسلامي مثلاً فإن القياد ـ بأسباب مفتعلة ـ ضلَّ طريقه عن أصحابه الأحقاء به، وسقط في أيدي التافهين والعجزة . وهذه الأسباب المفتعلة يقيمها ـ عن عمد ـ الاستبداد السياسي حيث يظهر ويسود.
إن المستبد يؤمن بنفسه قبل أن يؤمن بالله. ويؤمن بمجده الخاص قبل أن يؤمن بمصلحة الأمة .
ومن هنا يعول على الأتباع الفانين فيه، يحشدهم حوله، ويرفض الاستعانة بالكفايات التي لا تدين بالولاء له، ولا يبالي بحرمان الوطن، أو الدين من مهارتهم.
وتأخر العالم الإسلامي في القرون الأخيرة مرجعه انتشار هذا الوباء! فإن منع الرجل القوي من القيام على الأمانات العامة تضييع له ولها، تضييع ينطق لسانه بهذه الشكاة:

لم لا أُسَلُّ مِن القِراب وأُغمد * * * لم لا أُجرَّدُ والسيوف تُجرَّدُ؟

أو كما قال الآخر، كاشفاً عن عواقب حرمان الأمة فيما ينوبها من أزمات:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا * * * ليوم كريهة وسداد ثغر!!
وطبيعة الرجل الكفء كراهية الهوان والتحقير. ألا ترى موقف عنترة بن شداد حين هوجمت قبيلته، وكان أبوه قد وظَّفه في الرعي والخدمة؟ لقد تطلعت إليه عند اشتداد الهجوم، وافتقاد الأبطال!! وجاء شداد مسرعاً يطلب من الابن المحقر المبعد أن يقود حركة المقاومة!
وقال عنترة ـ مندداً بموقف أبيه منه : إن العبد لا يحسن الكر والفر، ولكنه يحسن الحلاب والصر! فقال الوالد المحرج: كر وأنت حر . واسترد الفارس مكانته ، فاستعادت القبيلة كرامتها، وحسناً فعل شداد، وحسناً فعل ابنه !
إن الملكات الإنسانية العالية في ندرة المعادن النفيسة من ذهب وماس ولؤلؤ ومرجان.
وإضاعتها خسارة يعز معها العوض المكافئ.
وانهيار التاريخ الإسلامي في القرون الأخيرة يرجع ـ كما أسلفنا ـ إلى ذوبان الكفايات وسط عواصف من الهوى والجحود. وإلى استعلاء نفر من الرجال الذين تقوم ملكاتهم النفسية على إحسان الخطف والتسخير، وربط الأتباع بهم على أساس المنفعة المعجلة!
وشئوننا المادية والأدبية من عدة قرون تدور حول هذا المحور.
فبينما كانت أوروبا تنتفض من خمولها، وتهب الرياح رخاء في أرضها، ويجد العباقرة الفرص مضاعفة أمامهم ليفكروا ويكتشفوا ويخترعوا .
وبذلك تمهد الطريق أمام الذكاء الإنساني الرفيع كي يسير ويشد وراءه القافلة الحانية عليه المعجبة به، في ذلك الوقت نفسه، كان الشُّطار عندنا من الأمراء والعمد يتنازعون على حكم المدائن والقرى، ومؤهلاتهم للسيادة المنشودة لا تعدو القدرة على سحق الخصوم.
فكيف تصلح أمة تتكتل أحزابها حول عصبية السلطان المسروق بدل أن تتجمع حول مثل عالية، ومبادئ نبيلة؟
لقد جنت علينا هذه الأحوال يقيناً، وجنينا من طول بقائها في بلادنا تأخراً في المظاهر الأولى للعمران ، بله تأخراً في مجال الإجادة والابتكار. وفي أثناء مغيب الحرية عن بلد ما، يقل النقد للأغلاط الكبيرة، أو يختفون، وتضعف روح النقد عموما، أو تتوارى.
وهذه حال تمكن للفساد، وتزيد جذوره تشبثاً بالبيئة العليلة. وحاجة الأمم للنقد ستظل ما بقي الإنسان عرضة للخطأ والإهمال، بل ستظل ما بقي الكملة من البشر يخشون ويخافون الحساب!
ومادامت العصمة لا تعرف لكبير أو صغير، فيجب أن يترك باب النقد مفتوحاً على مصراعيه . ويجب أن يحس الحاكم والمحكومون بأن كل ما يفعلون أو يذرون موضع النظر الفاحص والبحث الحر . فإن كان خيرا شجعوا على استدامته . وإن كان شرًّا نبهوا إلى تركه، وحذروا من العودة إليه، بعد أن يرفع الغطاء عن موطن الزلل فيه . وقيمة النقد في إحسان الأعمال وضمان المصالح لا ينكرها عاقل. وإنما هلكت الأمم الهالكة لأن الأخطاء شاعت فيها دون نكير، فما زالت بها حتى أوردتها موارد التلف. ونحن لا نحب لأمتنا هذا المصير.
إن أغلب الناس إذا أمن النقد لم يتورع عن التقصير في عمله، ولم يستح من إخراجه ناقصاً وهو قدير على إكماله! وقد كان خالد بن الوليد بصيراً بهذه الطبيعة عندما أعاد تنظيم الجيش الإسلامي في موقعة اليرموك على أساس تمتاز به كل قبيلة، وينكشف به صبرها وبلاؤها، وتحمل به تبعتها من النصر والهزيمة، تبعة غير عائمة ولا غامضة . .
وكانت التعبئة الأولى للجيش تخلط بين الناس في كيان عام، وتتيح لأي متخاذل أن يفر من معرة التقصير، فلا يدرى بدقة: من المسئول؟ وعقل الألسنة عن الكلام في عمل الاستبداد والمستبدين ضيع على أمتنا مصالح عظيمة خلال الأعصار السابقة. إذ طمأن العجزة والمفسدين، وجعلهم يسترسلون في غيهم، فما يفكرون، في إطراح كسل، ولا ترك منقصة . . . أما الحريات التي تقدسها الأمم الديمقراطية فإنها مزقت الأغطية عن كل الأعمال العامة، وجعلت الزعماء ـ قبل الأذناب ـ يفكرون طويلا قبل إبرام حكم، أو إنفاق مال ، أو إعلان حرب، أو ابتداء مشروع كبير .
بل جعلتهم في مسالكهم الخاصة يوجلون من أي عمل يثير حولهم القيل والقال . . .
ولا شك أن هذه الحريات حاجز قوي دون وقوع العبث بشئون الأمة، أو نذير بتقصير أجله إذا وقع، ومؤاخذة أصحابه بغير هوادة. ولو نظرنا إلى الحرب العالمية الثانية لوجدنا في أحداثها ما يستدعي العبرة، فقد انتصر الألمان في مراحلها الأولى انتصاراً خطيراً، بيد أن خصومهم سرعان ما شرعوا يستفيدون من أخطاء الحكم الفردي القائم ضدهم.
وكانت هذه الأخطاء من الجسامة بحيث نستطيع اعتبارها السبب الأول في انكسار القوم.
لقد حارب هتلر الروس ضارباً بآراء قواده عرض الحائط، فكانت هذه أولى مصائبه.
تم رفض خطة أولئك القادة لمنع نزول الحلفاء بشواطئ فرنسا، ونفذ خطة من تفكيره هو وتفكير بعض متملقيه، فكان أن فتحت الجبهة الثانية. ثم وقع الألمان بين شقي الرحى. وتحول انتصارهم الأول اندحاراً من أبشع ما روى التاريخ .
ذلك أن الأمور لا تصلح أبداً برجل واحد يدعي العلم بكل شيء، ويعتقد أن العناية حبته بما حرمت منه سائر الخلق . . .!! ويؤسفنا أن نقول: إن تاريخنا العلمي والاجتماعي والسياسي كان ينزل خلال القرون الأخيرة من مزالق إلى منحدرات، ومن منحدرات إلى هاويات؛ لأن أزمة النشاط المادي والأدبي كانت في أيدي أفراد يكرهون النقد، ولا يحبونه من أحد، ولا يسمحون بجو يوجده وينعشه .
والغريب أن هؤلاء الرجال ـ عندما يوزنون بحساب النبوغ والقدرة ـ لا ترجح بهم كفة.
فكيف يصلح بهم وضع، أو تقوم بهم نهضة، أو تنشط بهم قوة للبناء والإنتاج؟!
حاجة المسلمين إلى الحريات البناءة ـ في تاريخهم الأخير ـ أزرت بهم، وحطت مكانتهم،
على حين نعمت أجناس أخرى بتلك الحريات، فتحركت بقوة، ثم اطرد سيرها في كل مجال، فإذا هي تبلغ من الرفعة أوجاً يرد الطرف وهو حسير.
وزاد الطين بلة شيء آخر، أننا عندما اتصلنا بالغرب في أثناء القرنين الماضيين، وشعرنا بضرورة الاقتباس منه والنقل عنه، كانت أفهامنا من الصغار ـ ولا أقول من الغفلة ـ بحيث لم تلتفت إلا للتوافه والملذات .
فالحرية التي تشبثنا بها، ليست هي حرية العقل في أن يفكر ويجد ويكتشف،
بل حرية الغريزة في أن تطيش، وتنزو، وتضطرم. وسرعان ما احتلت الملابس الأوروبية أجسامنا، والأثاث الأوروبي بيوتنا، والعادات الأوروبية ـ في الأكل والنوم ـ أحوالنا . . .
أما تألق الذهن! وجودة التفكير، وإطلاق القوى البشرية من مرقدها تسعى وتربح فذاك شأن آخر.
ومن السهل على القردة أن تقلد حركات إنسان ما، أفتظنها بهذا التقليد السخيف تتحول بشراً؟! ولقد رأينا المسنين من الرجال، والأحداث من العيال، يأخذون عن أوروبا الكثير من مظاهر المدنية الحديثة، وهي مظاهر نبتت خلال حضارة الغرب كما تنبت "الدنيبة" خلال حقول الأرز.
إنها شيء آخر غير حضارةالغرب التي ارتفع بها واستفاد منها.
فهل هذا الأخذ الغبي رفع خسيستهم، أو دعم مكانتهم؟
كلا، إنهم ما زادوا إلا خبالاً . والواقع أن اليابان نهضت نهضة كبرى فيأواخر القرن التاسع عشر للميلاد. والصين نهضت نهضة أشمل وأخطر في منتصفالقرن العشرين.
وكلتا الأمتين حرصت على تقاليدها الخاصة في اللباس والطعام وما إليهما،وعبت من مناهل المعرفة الحقيقية ما غيَّر حالتها تغييراً تامًّا. أما نحنفقد هجرنا الموضوع إلى الشكل، بل تخبطنا فيما ندع وننقل على حساب دينناوتاريخنا، فلم نصنع شيئا .
الحرية التي نريدها ليست في استطاعة إنسان ما، أن يلغو كيف شاء! فما قيمةصحافة تملأ أوراقها بهُراء لا يصلح فاسداً، ولا يقيم عوجاً؟! الحرية التينريدها ليست في قدرة شاب على العبث متى أراد.
فما قيمة أمة تصرف طاقات الأفراد في تيسير الخنا وإباحة الزنا؟ الحرية التييحتاج إليها العالم الإسلامي تعني إزالة العوائق المفتعلة من أمام الفطرةالإنسانية، عندما تطلب حقوقها في الحياة الآمنة العادلة الكريمة، الحياةالتي تتكافأ فيها الدماء، وتتساوى الفرص، وتكفل الحقوق، وينتفي منها البغي،ويمهد فيها طريق التنافس والسبق أمام الطامحين والأقوياء، ويمهد طريقالاندثار والاستخفاء أمام التافهين والسفهاء، فلا يكون لهم جاه، ولا يقدسلهم حمى.
يقول افلاطون فى الاستبداد(إنالمستبد يستولي على السلطة بالقوةويمارسها بالعنف، بعد ذلك يسعى أولاًإلى التخلص من أخطر خصومه، ويكثر منالوعود، ويبدأ بتقسيم الأراضي ممايجعله شعبياً ومحبوباً، وهو ما ينفكيفتعل حروباً ليظل الشعب بحاجة دائمةإلى قائد، وهذه الحروب تفقرالمواطنين من خلال ما يدفعونه منضرائب باهظة، فيضطرون إلى زيادةساعات العمل مما لا يدع لهم وقتاًللتآمر على المستبد، والحرب تساعدهعلى التخلص من معارضي سياسته، حيثيقدمهم إلى الصفوف الأولى في المعركة. إن ذلك كله يدعو إلى استياءالجماهير، حتى أعوانه الذين رفعوهإلى السلطة، وهنا لا يجد أمامه إلاالقضاء على المعارضة بما يملكه منوسائل العنف والقوة، فيزيد من تسلحه،ومن حرسه الخاص من المرتزقة ممايتطلب نفقات طائلة، فيلجأ المستبدإلى مزيد من نهب خزائن الشعب الذييدرك –بعد فوات الأوان- أنه وضع فيحالة استعباد مسيّس)
يقول جمال الدين الافغانى(الإنسانالحقيقي هو الذي لا يحكم عليه إلاالقانون الحق الموسس على دعائم العدلالذي رضيه لنفسه)
ويقول الامام محمد عبده(إنالاستبداد المطلق ممنوع، منابذلحكمة الله في تشريع الشرايع، فإنهنبذ للدين وأحكامه، وسعي خلف الهوىومذاهبه، وذهاب لخفض كلمة اللهالعليا، وفرق لإجماع السلف الصالح منالمؤمنين، إذا لم يبيحوا في جميعأمورهم أن يتولى عليهم من يخالفالكتاب والسنة إلى أحكام شهوته وهواه)ويرى بعض المفكرين وصناع التاريخ ان نظريات الحكم تتنوع وان نظريه الاستبداد قد يخرج عنها ما يسمى بالمستبد العادل وتلك التقسيمات جاءت حسب الاحداث وظهرت فى الفلسفات الغربيه وتبلورت حتى تعممت عندنا واستعملها حكامنا واختار كل حاكم ما يتماشى مع طبيعته ونفسيته ومصالحه فمصطلح “المستبدّ العادل” ويشير إلى أنّه قد ظهر أوّل ما ظهر في أوربا، واستخدمه في البداية المؤرّخون الألمان للتعبير عن نظام معيّن في الحكم في تاريخ أوربا، كما أنّ هذا المصطلح يدلّ على التحالف بين الفلسفة والسلطة المطلقة الذي به تتمّ سعادة الشعوب، وانتقل هذا المصطلح إلى الشرق العربيّ والإسلامي، إذ أنّ جمال الدين الأفغاني رأى فيه الحلّ الحقيقيّ لمشكلات الشرق، وبرأيه فإنّ المستبدّ العادل يحكم بالشورى، ويؤكّد الأفغاني على هذا المصطلح في كتابه “الخاطرات” بقوله “لا تحيا مصر ولا يحيا الشرق بدوله وإماراته إلا إذا أتاح الله لكلّ منهم رجلا قويا عادلا يحكمه بأهله على غير التفرّد بالقوّة والسلطان”.. ينتقد الكاتب هذا المصطلح الغريب بالتركيز على التناقض الواضح فيه (المستبدّ العادل) إذ كيف يمكن لحاكم أن تجتمع لديه صفتان إحداهما تنفي الأخرى.
وهو ما يظهر مصطلح الطاغيه والطغيان ليس ظاهرة خاصة بمنطقة محدّدة من العالم دون غيرها، ونطالع في التاريخ نماذج لطغاة حكموا شعوبهم في أكثر من منطقة من العالم، كالطغاة اليونانيين والفراعنة وطغاة بابل وفارس…الخ إلا أن الطغيان في الشرق (الطغيان الشرقي) أكثر شمولا وأشدّ قسوة وأبقى مدى زمنية، يصف المؤلف بواقعية دقيقة صورة الطاغية عندنا (في العالم العربي ) بأنه الشعب وهو مصدر كلّ السلطات، وأن أيّ نقد أو هجوم على سياساته هو نقد وهجوم على الدولة بأسرها لأنه هو الدولة، والنقد لا يصدر إلا منه، ولا يمكن لأي شخص آخر ممارسته، إنه يمد الحبل السرّيّ إلى جميع أفراد المجتمع فيتنفّسون شهيقا كلّما تنفّس ولا تعمل خلاياهم إلا بأمره فهو “الزعيم الأوحد” و”الرئيس المخلص” و”مبعوث العناية الإلهية” و” القائد والمعلّم” والملهم الذي يأمر فينصاع المجتمع لأوامره، وهو يعبّر عن مصالح المواطنين ويعرفها بصورة أفضل منهم لأنّهم “قصّر” لم يبلغوا بعد سنّ الرشد والبلوغ، وكيف يمكن للقاصر إدراك الخطأ من الصواب، والحقّ من الباطل، لقد انتشرت هذه الظاهرة “التوحيد بين الحاكم والشعب” لتصبح “الكلّ في واحد” وبصدد هذه الظاهرة “الطغيان الشرقي” يتحدّث أرسطو فيقول : “يتمثل الطغيان بمعناه الدقيق في الطغيان الشرقيّ حيث تجد لدى الشعوب الآسيوية على خلاف الشعوب الأوروبية طبيعة العبيد، وهي لهذا تتحمّل حكم الطغاة بغير شكوى أو تذمّر”، إذن ما يلاحظه المرء من اعتياد جماهير القرن العشرين لطغيان الطغاة وعدم معارضتهم له وتحمّلهم لمظالمه وجرائمه بحقّهم ليس أمرا غريبا طالما أنّ لهذه الظاهرة جذورا تاريخية ممتدّة إلى عصور موغلة في القدم، اعتاد فيها سكان هذه المنطقة العيش مع الطغاة في ذلّ وهوان، وللأسف فإنّ مفهوم أرسطو هذا امتدّ إلى الفكر الأوروبي الحديث، مع تغيّر طفيف من خلال بعض رموزه كمونتسيكو إذ يرى أن “الحكومة المعتدلة هي أصلح ما يكون للعالم المسيحي، وأن الحكومة المستبدة هي أصلح ما يكون للعالم الإسلامي”، لا شك أنّه يقول ذلك بسبب عدم قراءته للإسلام الذي يدعو إلى حرية العقيدة والتفكير وإلى الشورى بين الناس، هذا مع العلم أنّ الإسلام لم يقل إنّ كلّ سلطة سياسية مستمدّة من الله، وهو المبدأ الذي يبرّر الطاعة العمياء المطلقة والاستسلام الكامل لأوامر الطاغية وتعليماته أينما وجد.
والحقيقة التي لا جدال حولها هي أنَ الأمم الشرقية أصبحت تنشد الحكم الاستبدادي لطول اعتيادها عليه، إذ أنَ أبناء هذه الأمم يدبّجون القصائد التي تتغنّى بأياديه البيضاء على الناس، وأصبح ” الحاكم الشرقي” لا يجد حرجا في تسخير الصحافة والإذاعة والتلفاز وجميع وسائل الإعلام للحديث عن بطولاته وانتصاراته وأمجاده، ويستخدم طغاة الشرق في العصر الراهن أحدث تكنولوجيات الغرب المستوردة وعلوم العصر في خدمة آلة القمع والإرهاب، وهنا يمكن القول بتعانق التخلّف الفكري المستوطن - لدى هؤلاء الطغاة- مع التقدم التكنولوجي المستورد في جدلية القمع المنظم ضد الجماهير.
والطاغيه مصطلح. و على أية حال فإن بعض المؤرخين يذهبون إلى احتمال أن تكون هذه الكلمة الجديدة التي استخدمها الشاعر في وصف الملك - وهي كلمة » الطاغية «كلمة ليديةويعتقد البعض الآخر أن الكلمة الإنجليزية التي تعني طاغية Tyrant قد تكون مشتقة من اسم ترها Tyrha الدينية الليدية. و معنى اللفظ هو " قلعة " .لكن هناك رأيا آخر يرد الكلمة إلى القبائل التركية القديمة التي كانت تعيش متفرقة في آسيا العليا ، وهي تركستان الحالية: " و كان الفرس يسمون هذه البلاد توران " فكان اسم ترك أو تورانيه اسما لجنس القبائل المتوحشة. و صار توران عند اليونان يلفظ » تيران « ومعناها طاغية أو عات. و لفظة ترك عند العثماني مرادفة لكلمة بربري. ويذكر البستاني أيضا تحت مادة »طاغية :« ويقال طغى فلان أي أسرف في المعاصي و الظلم ، و الطاغية : الجبار ، و الأحمق وا لمتكبر والصاعقة والمراد به هنا من تولى حكما فاستبد وطغى و تجاوز حدود الاستقامة والعدل تنفيذا لمآربه فيمن تناوله حكمه أو بلغت سلطته إليه.. و يقول كذلك »و في كتب اللغة أن الطاغية لقب ملك الروم ، وقد وردت بهذا المعنى في تواريخ العرب ولعلهم أرادوا بها معنى يفيد معنى اللفظة اليونانية » تيرانوس « وأصل معناها عندهم ملك أو أمير و وردت بهذا المعنى في بعض كتبهم وكتب الرومان «. و الواقع أن البستاني يخلط هنا بين كلمة » طاغية « و كلمة » مستبد « التي أطلقها الأباطرة البيزنطيون على أبنائهم على نحو ما سنعرف بعد قليل ، رغم أنه هو نفسه يدرك أنهما كلمتان متمايزتان ، يقول » ربما خلط البعض بين الطاغية و المستبد من الحكام فالبون بينهما بون عظيم فالمستبد من تفرد برأيه و استقل به فقد يكون مصلحا يريد الخير ويأتيه أما الطاغية فيستبد طبعا مسرفا في المعاصي و الظلم و قد يلجأ في طغيه إلى اتخاذ القوانين والشرائع سترا يتستر به فيتمكن مما يطمح إليه من الجور و الظلم والفتك برعيته وهضم حقوقها. و قد يكيف فظائعه بقالب العدل فيكون أشر الطغاة و أشدهم بطشا ممن تناولتهم سلطته. و قد اختصت الأمم والكتبة لقب طاغية بالملوك و لم يطلقوه على كل من طغى منهم ".
و البستاني يشير هنا إلى أن لقب " الطاغية " مصطلح سياسي يطلق على الحاكم المتعسف على الرغم من أنه لغويا قد يطلق على الأفراد أيضا و سوف نرى أفلاطون فيما بعد يوسع معنى اللفظ ليطلق على الحاكم و على الفرد في آن معا. و يشكو البستاني من أن الناس .كن أن تتقبل »الطغيان « بغير شكوى أو تذمر و هي الصفة التي سوف يلصقها أرسطو بالشرقي و يرى أنهم يحملون طبيعة العبيد و لهذا السبب لا يتذمرون من حكم الطاغية ". و في التاريخ ما يشير إلى أن الرعية قد تبكم أو لا تبالغ في الشكوى إذا تسلط طاغية عليها أن الجبن يأخذ منها كل مأخذ فيخمد أنفاسها وترضخ صاغرة كأنها تتقي شر نقمت () خلافا لو اعتلت السلطة فتجاهر الرعية بطالبها و لا يحول بطش الطاغية دون تألبها و المطالبة بما تروم من حقوق ".
ويختم البستاني حديثه عن »الطاغية « بطرح المشكلة التي كثيرا ما أثيرت في تاريخ الطغاة و أعني بها السؤال : أيجوز قتل الطاغية ?! " رأت العلماء في كل عهد و آن أن للأمم أن تلجأ إلى ما تيسر لها من الوسائل تخلصا من الطغاة و سوغوا لها الفتك بهم فأتاحوا لها قتلهم و لم يعتبروا من قتل طاغية مجرما بل أوجبت له بعض القوانين المكافأة. قال شيشرون عن قوانين اليونان إنها تقضي بمنح من قتل طاغية الجائزة الأوليمبية . و له أن يسأل القاضي ما يتمنى وعلى القاضي إجابة سؤاله! فهو قانون يجيز القتل و قال بعضهم بوجوب نبذه لأن الطغي مسألة يستكره حسمها بالسيفو سوف نعود إلى هذه ا لمشكلة فيما بعد.
و علينا الآن أن نستكمل تاريخ هذا المصطلح. الواقع أن كلمة »الطاغية «Tyrant لم تكن تعني بالضرورة في بداية استخدامها حاكما شريرا في العصور اليونانية القديمة و على وجه التحديد في القرنين السابع و السادس قبل الميلاد كانت الكلمة تعني في بعض استخداماتها » ملك « أو » حاكم « بل قد يسمى الملك بالطاغية في سياق المديح أو اﻟﻤﺠاملة . ثم بدأت الكلمة تحمل معنى كريها- هو الذي لا تزال تحمله حتى الآن - ابتداء من الجيل الثاني من طغاة الإغريق. ففي العصر الكلاسيكي سرت شحنة من الكراهية لكل من يشتم منه أنه يعمل على تنصيب نفسه »طاغية « و مع ذلك فقد استخدم » أسخيلوس « و »سوفوكليس « في القرن الخامس كلمة طاغية Tyrannos لترادف لفظ » الملك".
غير أن فلاسفة القرن الرابع قبل الميلاد لاسيما أفلاطون وأرسطو- كما سنرى فيما بعد - أعلنوا بوضوح حاسم التفرقة بين اللفظين فلفظ » الملك « يطلق على الحاكم الجيد أو الصالح في حين تطلق كلمة الطاغية على الحاكم الفاسد أو الشرير و عندما اعتزل » صولون « Solon السياسة وتفرغ للشعر نجده يشير إلى أنه رفض أكثر من مرة أن يكون »طاغية « و لكن أن نفهم ما الذي كان يعني الطغيان في أثينا في ذلك الوقت ؟ . لقد كان »صولون « يقصد أنه كان متساهلا للغاية مع الأرستقراطيين و أنه رفض مصادرة أملاكهم و أراضيهم و إعادة توزيعها كما هي عادة الطغاة عندما يصلون إلى الحكم.
و هذا ما فعله كبسليوس Cyplcselus طاغية كورنثه الشهير عام 650 قبل الميلاد الذي يفتتح المؤرخون به » عصر طغاة الإغريق)، و خلفه ابنه بريندر Preinder 625 - 585 ق.م. و لقد اهتمت معظم الآداب القديمة التي تحدثت عن الطغاة اهتماما خاصا بالفرص غير العادية المتاحة أمامهم للاستمتاع باللذات الحسية اﻟﻤﺨتلفة . ومن هنا كان أفلاطون بارعا عندما جعل غاية هذا الحكم إشباع شهوات الحيوان الأكبر) . على نحو ما سنعرف بعد قليل 15 ) وعندما فسر صولون لأصدقائه سبب رفضه لوظيفة » الطاغية « ركز كل حديثه حول المغريات المادية التي يكون الطغاة قلقين بشأنها.
أما من حيث الشكل الدستوري لهذا الضرب من ضروب الحكم فلم يكن للطغيان دستور و لا للطاغية مركز رسمي محدد فإذا ما أطلقت عليه البلاد لقب »ملك « أو »طاغية « فلا يهم لأن المحور الأساسي هو الاعتراف بسلطانه و بتمركز جميع السلطات في يده فلا قانون إلا ما يأمر به حتى ولو خالفت أوامره القوانين القديمة للبلاد بل إنه هو نفسه قد يصدر أمرا جديدا ( قانونا جديدا ) يخالف ما أصدره قبل ذلك و لهذا فليس ثمة غرابة إذا ما وجدنا التناقض شائعا في حكم الطغاة! فقد تكون القوانين أو القرارات التي أصدرها مبنية على الانفعال والانفعال بطبيعته وقتي ومتقلب وقد يكون القرار بالغ الخطورة لأنه يمس حياة إنسان مثلا! ( ).
لكن مع نمو الديقراطية في اليونان أصبح الحكم الذي ينفرد به رجل واحد أمرا بغيضا ومن ثم ازدادت الكراهية للطغيان بل أصبح قتل الطاغية Tyrannicide واجبا وطنيا15 . و في القرن الرابع لخصت الفلسفة اليونانية - ممثلة في أفلاطون ثم أرسطو - هذه الكراهية للطاغية الذي أصبح حكمه أسوأ أنواع الحكم على ظهر الأرض على نحو ما سنعرف بعد قليل عند الحديث عن نظرية هذين الفيلسوفين عن الطاغية . و يهمنا الآن أن نلخص أهم السمات العامة للطغيان التي يمكن استخلاصها من تاريخ »طغاة الإغريق « فيما قبل ظهور الفلسفة :
1- الطاغية رجل يصل إلى الحكم بطريق غير مشروع فيمكن أن يكون قد اغتصب الحكم با لمؤامرات أو الاغتيالات أو القهر أو الغلبة بطريقة ما. و باختصار هو شخص لم يكن من حقه أن يحكم لو سارت الأمور سيرا طبيعيا لكنه قفز إلى منصة الحكم عن غير طريق شرعي وهو لهذا: »يتحكم في شؤون الناس بإرادته لا بإرادتهم ويحاكمهم بهواه لا بشريعتهم و يعلم من نفسه أنه الغاصب و المعتدي فيضع كعب رجله في أفواه ملايين من الناس لسدها عن النطق بالحق والتداعي لمطالبته .
2 - لا يعترف بقانون أو دستور في البلاد بل تصبح إرادته هي القانون الذي يحكم و ما يقوله هو أمر واجب التنفيذ و ما على المواطنين سوى السمع والطاعة.
3 - يسخر كل موارد البلاد لإشباع رغباته أو ملذاته أو متعه التي قد تكون في الأعم الأغلب حسية وقد كانت كذلك بالفعل عند طغاة اليونان الأقدمين و ر بما كانت كذلك في الشرق القديم والوسيط أيضا أو قد تكون » متعته « في طموحاته إلى توسيع ملكه وضم المدن اﻟﻤﺠاورة أو الإغارة على بعضها لتدعيم ثروته.. . الخ أو إقامة إمبراطورية.. . الخ.
4 - ينفرد مثل هذا الحاكم بخاصية أساسية في جميع العصور و هي أنه لا يخضع للمساءلة و لا للمحاسبة و لا للرقابة من أي نوع! والواقع أن الطغيان في أي عصر ».. . صفة للحكومة المطلقة العنان التي تتصرف في
شؤون الرعية كما تشاء بلا خشية حساب ولا عقاب محققيين ). و الحكومة لا تخرج من هذه الصفة ما لم تكن تحت المراقبة الشديدة و المحاسبة التي لا تسامح فيها . ومن هنا ينبغي علينا ألا نندهش عندما نقرأ في كتب التراث أن الوليد بن عبد الملك استفسر ذات مرة في عجب »أيمكن للخليفة أن يحاسب !؟) والسؤال هنا عن الحساب من الله.
دع عنك أن يجرؤ البشر على ذلك.
و الواقع أن هذه الخاصية بالغة الأهمية لأنها العلامة الحاسمة التي تفرق بين عائلة الطغيان أيا كان أفرادها و بين الأنظمة الديمقراطية التي يحاسب فيها رئيس الدولة كأي فرد آخر فلا أحد يعلو على القانون فعلا لا كلاما و لا خطابة.
و هكذا يقترب الطاغية من التأله فهو يرهب الناس بالتعالي والتعاظم ويذلهم بالقهر والقوة وسلب المال حتى لا يجدوا ملجأ إلا التزلف له و تملقه!.. . و عوام الناس يختلط في أذهانهم الإله ا لمعبود والمستبدون من الحكام » و لهذا خلعوا على المستبد أو الطاغية صفات الله: كولي النعم والعظيم الشأن والجليل القدر و ما إلى ذلك! وما من مستبد سياسي إلا ويتخذ له صفة قدسية يشارك فيها الله أو تربطه برباط مع الله ولا أقل من أن يتخذ بطانة من أهل الدين يعينونه على ظلم الناس باسم الله. و بذلك يصبح هو: الحاكم القاهر الواهب المانع الجبار المنتقم المقتدر الجليل الملك المهيمن المهيب الركن.. إلى آخر الأسماء الحسنى التي تسمى بها واحد من أعتى طغاة الشرق في تاريخنا المعاصر دون أن يجد في ذلك حرجا ولا غضاضة ) !! .. فسبحان الله رب العرش عما يصفون لا يسأل عما يفعل وهم يسألون (الأنبياء آية 21 .
يس هناك إجابة حاسمة. و على أية حال فإن بعض المؤرخين يذهبون إلى احتمال أن تكون هذه الكلمة الجديدة التي استخدمها الشاعر في وصف الملك - وهي كلمة » الطاغية «كلمة ليدية 3. ويعتقد البعض الآخر أن الكلمة الإنجليزية التي تعني طاغية Tyrant قد تكون مشتقة من اسم ترها Tyrha الدينية الليدية. و معنى اللفظ هو " قلعة " 4 .لكن هناك رأيا آخر يرد الكلمة إلى القبائل التركية القديمة التي كانت تعيش متفرقة في آسيا العليا ، وهي تركستان الحالية: " و كان الفرس يسمون هذه البلاد توران " فكان اسم ترك أو تورانيه اسما لجنس القبائل المتوحشة. و صار توران عند اليونان يلفظ » تيران « ومعناها طاغية أو عات. و لفظة ترك عند العثماني مرادفة لكلمة بربري 5 ". ويذكر البستاني أيضا تحت مادة »طاغية :« ويقال طغى فلان أي أسرف في المعاصي و الظلم ، و الطاغية : الجبار ، و الأحمق وا لمتكبر والصاعقة والمراد به هنا من تولى حكما فاستبد وطغى و تجاوز حدود الاستقامة والعدل تنفيذا لمآربه فيمن تناوله حكمه أو بلغت سلطته إليه.. 6 ". و يقول كذلك »و في كتب اللغة أن الطاغية لقب ملك الروم ، وقد وردت بهذا المعنى في تواريخ العرب ولعلهم أرادوا بها معنى يفيد معنى اللفظة اليونانية » تيرانوس « وأصل معناها عندهم ملك أو أمير و وردت بهذا المعنى في بعض كتبهم وكتب الرومان 7«. و الواقع أن البستاني يخلط هنا بين كلمة » طاغية « و كلمة » مستبد « التي أطلقها الأباطرة البيزنطيون على أبنائهم على نحو ما سنعرف بعد قليل ، رغم أنه هو نفسه يدرك أنهما كلمتان متمايزتان ، يقول » ربما خلط البعض بين الطاغية و المستبد من الحكام فالبون بينهما بون عظيم فالمستبد من تفرد برأيه و استقل به فقد يكون مصلحا يريد الخير ويأتيه أما الطاغية فيستبد طبعا مسرفا في المعاصي و الظلم و قد يلجأ في طغيه إلى اتخاذ القوانين والشرائع سترا يتستر به فيتمكن مما يطمح إليه من الجور و الظلم والفتك برعيته وهضم حقوقها. و قد يكيف فظائعه بقالب العدل فيكون أشر الطغاة و أشدهم بطشا ممن تناولتهم سلطته. و قد اختصت الأمم والكتبة لقب طاغية بالملوك و لم يطلقوه على كل من طغى منهم 8 ".
و البستاني يشير هنا إلى أن لقب " الطاغية " مصطلح سياسي يطلق على الحاكم المتعسف على الرغم من أنه لغويا قد يطلق على الأفراد أيضا و سوف نرى أفلاطون فيما بعد يوسع معنى اللفظ ليطلق على الحاكم و على الفرد في آن معا. و يشكو البستاني من أن الناس .كن أن تتقبل »الطغيان « بغير شكوى أو تذمر و هي الصفة التي سوف يلصقها أرسطو بالشرقي و يرى أنهم يحملون طبيعة العبيد و لهذا السبب لا يتذمرون من حكم الطاغية ". و في التاريخ ما يشير إلى أن الرعية قد تبكم أو لا تبالغ في الشكوى إذا تسلط طاغية عليها أن الجبن يأخذ منها كل مأخذ فيخمد أنفاسها وترضخ صاغرة كأنها تتقي شر نقمت ( * ) خلافا لو اعتلت السلطة فتجاهر الرعية بطالبها و لا يحول بطش الطاغية دون تألبها و المطالبة بما تروم من حقوق ".
ويختم البستاني حديثه عن »الطاغية « بطرح المشكلة التي كثيرا ما أثيرت في تاريخ الطغاة و أعني بها السؤال : أيجوز قتل الطاغية ?! " رأت العلماء في كل عهد و آن أن للأمم أن تلجأ إلى ما تيسر لها من الوسائل تخلصا من الطغاة و سوغوا لها الفتك بهم فأتاحوا لها قتلهم و لم يعتبروا من قتل طاغية مجرما بل أوجبت له بعض القوانين المكافأة. قال شيشرون عن قوانين اليونان إنها تقضي بمنح من قتل طاغية الجائزة الأوليمبية . و له أن يسأل القاضي ما يتمنى وعلى القاضي إجابة سؤاله! فهو قانون يجيز القتل و قال بعضهم بوجوب نبذه لأن الطغي مسألة يستكره حسمها بالسيف 10" . و سوف نعود إلى هذه ا لمشكلة فيما بعد.
و علينا الآن أن نستكمل تاريخ هذا المصطلح. الواقع أن كلمة »الطاغية «Tyrant لم تكن تعني بالضرورة في بداية استخدامها حاكما شريرا في العصور اليونانية القديمة و على وجه التحديد في القرنين السابع و السادس قبل الميلاد كانت الكلمة تعني في بعض استخداماتها » ملك « أو » حاكم « بل قد يسمى الملك بالطاغية في سياق المديح أو اﻟﻤﺠاملة . ثم بدأت الكلمة تحمل معنى كريها- هو الذي لا تزال تحمله حتى الآن - ابتداء من الجيل الثاني من طغاة الإغريق. ففي العصر الكلاسيكي11 سرت شحنة من الكراهية لكل من يشتم منه أنه يعمل على تنصيب نفسه »طاغية 12 « و مع ذلك فقد استخدم » أسخيلوس « و »سوفوكليس « في القرن الخامس كلمة طاغية Tyrannos لترادف لفظ » الملك 13 ".
غير أن فلاسفة القرن الرابع قبل الميلاد لاسيما أفلاطون وأرسطو- كما سنرى فيما بعد - أعلنوا بوضوح حاسم التفرقة بين اللفظين فلفظ » الملك « يطلق على الحاكم الجيد أو الصالح في حين تطلق كلمة الطاغية على الحاكم الفاسد أو الشرير 14 . و عندما اعتزل » صولون « Solon السياسة وتفرغ للشعر نجده يشير إلى أنه رفض أكثر من مرة أن يكون »طاغية « و لكن أن نفهم ما الذي كان يعني الطغيان في أثينا في ذلك الوقت ؟ . لقد كان »صولون « يقصد أنه كان متساهلا للغاية مع الأرستقراطيين و أنه رفض مصادرة أملاكهم و أراضيهم و إعادة توزيعها كما هي عادة الطغاة عندما يصلون إلى الحكم.
و هذا ما فعله كبسليوس Cyplcselus طاغية كورنثه الشهير عام 650 قبل الميلاد الذي يفتتح المؤرخون به » عصر طغاة الإغريق ( * 2 )، و خلفه ابنه بريندر Preinder 625 - 585 ق.م. و لقد اهتمت معظم الآداب القديمة التي تحدثت عن الطغاة اهتماما خاصا بالفرص غير العادية المتاحة أمامهم للاستمتاع باللذات الحسية اﻟﻤﺨتلفة . ومن هنا كان أفلاطون بارعا عندما جعل غاية هذا الحكم إشباع شهوات الحيوان الأكبر) . على نحو ما سنعرف بعد قليل 15 ) وعندما فسر صولون لأصدقائه سبب رفضه لوظيفة » الطاغية « ركز كل حديثه حول المغريات المادية التي يكون الطغاة قلقين بشأنها.
أما من حيث الشكل الدستوري لهذا الضرب من ضروب الحكم فلم يكن للطغيان دستور و لا للطاغية مركز رسمي محدد فإذا ما أطلقت عليه البلاد لقب »ملك « أو »طاغية « فلا يهم لأن المحور الأساسي هو الاعتراف بسلطانه و بتمركز جميع السلطات في يده فلا قانون إلا ما يأمر به حتى ولو خالفت أوامره القوانين القديمة للبلاد بل إنه هو نفسه قد يصدر أمرا جديدا ( قانونا جديدا ) يخالف ما أصدره قبل ذلك و لهذا فليس ثمة غرابة إذا ما وجدنا التناقض شائعا في حكم الطغاة! فقد تكون القوانين أو القرارات التي أصدرها مبنية على الانفعال والانفعال بطبيعته وقتي ومتقلب وقد يكون القرار بالغ الخطورة لأنه يمس حياة إنسان مثلا! ( ( * 3 ).
لكن مع نمو الديقراطية في اليونان أصبح الحكم الذي ينفرد به رجل واحد أمرا بغيضا ومن ثم ازدادت الكراهية للطغيان بل أصبح قتل الطاغية Tyrannicide واجبا وطنيا15 . و في القرن الرابع لخصت الفلسفة اليونانية - ممثلة في أفلاطون ثم أرسطو - هذه الكراهية للطاغية الذي أصبح حكمه أسوأ أنواع الحكم على ظهر الأرض على نحو ما سنعرف بعد قليل عند الحديث عن نظرية هذين الفيلسوفين عن الطاغية . و يهمنا الآن أن نلخص أهم السمات العامة للطغيان التي يمكن استخلاصها من تاريخ »طغاة الإغريق « فيما قبل ظهور الفلسفة :
1- الطاغية رجل يصل إلى الحكم بطريق غير مشروع فيمكن أن يكون قد اغتصب الحكم با لمؤامرات أو الاغتيالات أو القهر أو الغلبة بطريقة ما. و باختصار هو شخص لم يكن من حقه أن يحكم لو سارت الأمور سيرا طبيعيا لكنه قفز إلى منصة الحكم عن غير طريق شرعي وهو لهذا: »يتحكم في شؤون الناس بإرادته لا بإرادتهم ويحاكمهم بهواه لا بشريعتهم و يعلم من نفسه أنه الغاصب و المعتدي فيضع كعب رجله في أفواه ملايين من الناس لسدها عن النطق بالحق والتداعي لمطالبته 16 .
2 - لا يعترف بقانون أو دستور في البلاد بل تصبح إرادته هي القانون الذي يحكم و ما يقوله هو أمر واجب التنفيذ و ما على المواطنين سوى السمع والطاعة.
3 - يسخر كل موارد البلاد لإشباع رغباته أو ملذاته أو متعه التي قد تكون في الأعم الأغلب حسية وقد كانت كذلك بالفعل عند طغاة اليونان الأقدمين و ر بما كانت كذلك في الشرق القديم والوسيط أيضا أو قد تكون » متعته « في طموحاته إلى توسيع ملكه وضم المدن اﻟﻤﺠاورة أو الإغارة على بعضها لتدعيم ثروته.. . الخ أو إقامة إمبراطورية.. . الخ.
4 - ينفرد مثل هذا الحاكم بخاصية أساسية في جميع العصور و هي أنه لا يخضع للمساءلة و لا للمحاسبة و لا للرقابة من أي نوع! والواقع أن الطغيان في أي عصر ».. . صفة للحكومة المطلقة العنان التي تتصرف في
شؤون الرعية كما تشاء بلا خشية حساب ولا عقاب محققيين ( 17 ). و الحكومة لا تخرج من هذه الصفة ما لم تكن تحت المراقبة الشديدة و المحاسبة التي لا تسامح فيها 18 . ومن هنا ينبغي علينا ألا نندهش عندما نقرأ في كتب التراث أن الوليد بن عبد الملك استفسر ذات مرة في عجب »أيمكن للخليفة أن يحاسب !؟ ( * 4 ) والسؤال هنا عن الحساب من الله.
دع عنك أن يجرؤ البشر على ذلك.
و الواقع أن هذه الخاصية بالغة الأهمية لأنها العلامة الحاسمة التي تفرق بين عائلة الطغيان أيا كان أفرادها و بين الأنظمة الديمقراطية التي يحاسب فيها رئيس الدولة كأي فرد آخر فلا أحد يعلو على القانون فعلا لا كلاما و لا خطابة.
5- و هكذا يقترب الطاغية من التأله فهو يرهب الناس بالتعالي والتعاظم ويذلهم بالقهر والقوة وسلب المال حتى لا يجدوا ملجأ إلا التزلف له و تملقه!.. . و عوام الناس يختلط في أذهانهم الإله ا لمعبود والمستبدون من الحكام » و لهذا خلعوا على المستبد أو الطاغية صفات الله: كولي النعم والعظيم الشأن والجليل القدر و ما إلى ذلك! وما من مستبد سياسي إلا ويتخذ له صفة قدسية يشارك فيها الله أو تربطه برباط مع الله ولا أقل من أن يتخذ بطانة من أهل الدين يعينونه على ظلم الناس باسم الله 19 . و بذلك يصبح هو: الحاكم القاهر الواهب المانع20 الجبار المنتقم المقتدر الجليل الملك المهيمن المهيب الركن.. إلى آخر الأسماء الحسنى التي تسمى بها واحد من أعتى طغاة الشرق في تاريخنا المعاصر دون أن يجد في ذلك حرجا ولا غضاضة ) !! .. فسبحان الله رب العرش عما يصفون لا يسأل عما يفعل وهم يسألون (الأنبياء آية 21 .



يرى بعض المؤرخين ان مساله الحكم تتنوع فينوعوا فيها ومنهم من يقسمها الى اقسام عده فهناك الحكم الثيوقراطى والذى يسميه البعض الحكم الدينى وهناك الحكم المستبد او الاستبدادى وهناك الحكم الديمقراطى وهناك تقسيمات اخرى الا ان الاسلام رغم انه لا يوجد فيه نظريه محدده للحكم الا انه يبنى على العداله والشورى وحسن السيره ولو حتى جاء الحاكم من الشعب ولم يكن عالما او رجل دين المهم ان يكون عادلا نزيها حرا وحيث انه لا توجد صوره محدده فى الاسلام نستطيع ان نحدد منها شكل الدوله ونوع الحكم الا ان المؤرخين وصناع التاريخ اقروا بان سمه الدوله الناجحه هى الدوله العادله والدوله التى اتخذ فيها نظام الحكم من العدل والشورى والراى الحر والحريه والمساواه اشكالا وتم تطبيقها فالحكم السليم هو الذى يبنى على العداله مع تحرى الظلم والبعد عنه وتلك السياسه لم تتحقق فى الواقع الا فى عهد النبوه والخلفاء الراشدين من بعده فكانت هى الدوله الحقيقه وهو النظام الامثل للحكم على مر العصور واننا حينما نقرا التاريخ ونعرضه جيدا نجد ان النظام السياسى الاسلامى فى عصر النبوه والخلفاء الراشدين هو النظام الامثل بل والمثالى للحكم السليم والذى حث عليه الاسلام ونادى به وبعد تلك العصور النديه فى نظم الحكم الرشيد انقلب الحكم من قوامه الشورى والاختيار الى ملكيه وملك بغيض تفشى فيه الظلم والجبروت واستغلت سلطه الدين ونظريه التفويض الالهى بدات على الساحه وانبرى الشعراء يقسمون بان الحكم جاءهم بتفويض الله لهم وانبرى الوضاعون فى وضع الاحاديث لتاكيد تلك النظريه الجديده فكان الاعلام بلغه العصر وقتها كله منصب لمصلحه الحاكم وعائلته الالهيه والمفوضه من قبل الله فى حكم الناس وترسخت تلك النظريه البغيضه فى اذهان الجميع ومن كان يرفض او يعارض تلك النظره كان يفتك به ويقتل وكم قامت الحروب والفتن من اجل ذلك ودخل المسلمون فى صراع دموى وحروب متكرره فانقلب الحال من دوله مدنيه حث عليها الاسلام يكون الحكم فيها للامه والحاكم يتم اختياره برضا الشعب ويحاسبه ويقومه وان راى فيه ظلما خرج عليه الى حاكم ورث الحكم بتفويض من الله باعتباره حاكما باسمه سبحانه وتعالى ولا يجوز محاسبته او خلعه مهما فعل وتلك النظره رسخها بعض العلماء خاصه ائئمه الحديث فاتخذوا من بعض الاحاديث المشكوك فيها او التى قيلت لحاله خاصه لترسيخ تلك الفكره من انه لا يجوز خلع الحاكم ان ظلم وتجبر بل كان هناك علماء ما يسمون بعلماء السلطه واغلبهم من علماء الحديث وجاءت النظريات الفلسفيه والفلاسفه لترسيخ تلك النظره الخاطئه وانبرى الفلاسفه والكتاب وحتى الشعراء لتاكيد ان الحاكم ظل الله فى ارضه يحكم بما يراه الله تعالى وانه مكلف من قبل الله تعالى ومع ترسيخ تلك النظريه فى تاريخنا الاسلامى تلاشت النظريه القديمه التى يتولى الحاكم فيها السلطه باختيار ورضا الناس الى توارث فالحاكم لا يترك الحكم حتى يموت وتتخذ البيعه لابنه وهو انتخاب شكلى يشبه الاستفاءات العصريه وهذا النظام هو من يريده البعض من قوى الظلام تطبيقه فى العصر الحالى رغم انه ليس النظام الامثل بل اسوء نظام عرفه التاريخ الاسلامى
يقول الشاعر شيلى (»حرالايقيدهقيد s ولايخضعلسيد sبليكونإنسانايتمتعبالم 'ساواةولاينتمي
إلىطبقة s أوقبيلة s أوأمة sويكون صاحب العرش على نفسه)والحقيقه تلك النظره التى يقولها شيلى هى الحقيقه فالحاكم فى ظل هذا النظام مستبد وطاغيه وسوف نتعرف على تلك الصفات فى الصفحات القادمه
لقد توفى النبى صلى الله عليه وسلم ولم يسمى وليا له وهذا مما يؤكد ان الحكم فى الاسلام ليس دينيا ابدا تبعا لنظريه التفويض وانما ترك الامر شورى بين الصحابه لذا اجتمع الصحابه بما يسمى بسقيفه بنى ساعده واجتمعوا بعد شد وجذب على ما ذكرته كتب التاريخ واتفقوا على توليه الامر لابى بكر رضى الله عنه ويصف المسيو ماكدونالد ان هذا الاجتماع يشبه مناقشات وامؤتمر سياسى دارت فيه الاراء لاختيار الحاكم وفق الاساليب الحديثه والحقيقه ان اجتماع الصحابه لاختيار الحاكم انما هو ما يشبه الانتخابات فى العصر الحالى وانما سموها بيعه صغرى ثم بعدها جاءت البيعه الكبرى حينما اعلن ابى بكر فى خطبته الشهيره فيما بعد وقبل ان نستطرد لما بعد نود ان نوضح انه لا يمكن ان تجمع الامه على حاكم بعينه فرغم من الرضا العام على توليه ابى بكر وهو بالطبيعى احق بالحكم بعد النبى الا انه كانت هناك قوى معارضه ظاهره كانت او خافيه وتلك قوام الحكم السليم
والحقيقه ان المساله لم تكن محسوبه لانه رغم موت النبى الا ان هناك فئه من المسلمين لم تكن تتوقع موت النبى علاوه على ذلك ان النظام الجديد للحكم لم يكن معمولا له او مرتبا ورغم ذلك كان ما حدث فى سقيفه بنى ساعده هو النظام السليم للحكم فلم يولى النبى احد اقرباءه مثلا فلم يولى عليا او غيره لتولى امر المسلمين وترك الامر شورى بينهم وتلك الشورى هو ما يسمى فى عصرنا بالانتخابات فجاء الحاكم برضا الشعب والتوافق عليه فى اطار دوله مدنيه يحكمها رجل من ابناء الشعب يثق الناس فى عدله ونزاهته واخلاقه فلم يدعى انه مكلف من قبل النبى او انه جاء ليحكم بديلا عن الله او انه ظل الله فى ارضه بل ظهرت فى خطبته الادله الدامغه على انه واحد منهم وليس بافضلهم فان اصلح واتقى اطاعوه وان جار وذل خلعوه وهذه صفه الحكم الحقيقى فى الاسلام
وقال ابى بكر(ايها الناس وليت عليكم ولست بخيركم فان احسنت فاعينونى وان اسئت فقومونى )والحقيقه ان ما يسمع هذا الكلام يثق تماما فى ان ابى بكر مفوض من الشعب وجاء اختياره من الشعب وانه هو ذا الشكل الحقيقى للحكم فى الاسلام وفى خطبته دليل قوى على ان الحاكم مهما كان ليس بعيدا عن المحاسبه والعقاب وان من حق الشعب ان يحاسبه ويعزله ان طغى وتجبر وظلم كما انه يطلب من الشعب ذلك بمتهى سعه الصدر وكانه واحد منهم واننا نلبتمس فى قوله العظمه والجلال فكان حكم ابى بكر هو المثال وهو الطريقه المثلى للحكم فى الاسلام
ثم لما احس ابى بكر بالموت اقر للناس بان يختاروا لهم حاكما فلما احتار الناس رجعوا له فرشح لهم عمر رضى الله عنه ونلاحظ هنا امران ان ابى بكر علق توليه عمر على رضا الناس وان ابى بكر لم يقدم احدا من اهله لتوليه الخلافه ثم تولى عمر الحكم بنفس الطريقه المثلى لطريقه ابى بكر فقال(الا من راى منكم فى اعوجاج فليقومه)فقام احدهم ولو بالسيف قال نعم ولو بالسيف وتخيل معى تلك العظمه والروعه من عمر رضى الله عنه
انه لا ينكر انه يمكن ان يخطىء لانه فى النهايه بشر كما انه يطلب من الشعب ان يحاسبه ويقومه ان اعوج او اخطا ولو بالسيف وتلك حكمه بالغه تؤكد لنا ايضا انه يجب الخروج على الولاه ان طغوا وتجاوزوا صلاحياتهم ومن حق شعوبهم ان تعزلهم او تخرج عليهم وكان عمر مثال للحاكم الورع العادل وقد ذكر التاريخ الموثق اطرافا من عدلبه وسمه حكمه الرشيد العادل وكان يقول لاهله(لو علمت ان احدا منكم وقع فى شىء مما نهيت عنه الا اضعفت له العقوبه)وكان رضى الله عنه ذكيا فقد انشا الدواوين ونظام الحسبه ومصر الامصار ووطد القضاء وفى عصر عمر ترسخت بذور الحكم الديمقراطى المدنى الرشيد ففى عصره ترسخت مبادىء محاكمه ومحاسبه الولاه وكفلت حريت الراى والمعارضه وكان يحصى ثروات عماله قبل الولايه وبعدها مما يعرف باقرار الذمه الماليه فى عصرنا وكان يحاسبهم ويقاضيهم ويشد عليهم وكان عهدا نبتت فيه وتفعلنت الديمقراطيه باشكالها المعروفه وتوسعت مبادى العداله والحريه والاخاء والمساواه فلا جريمه ولا عقوبه الا بنص والشبهات تدرا الحدود وانتشرت حريه الراى والعقيده وقوى المعارضه وانفتحت الدوله الصغيره على العالم اخذت من علومها وصناعتها وكان للفتوحات اثر بالغا فى ذلك فكان عصر عمر ترسيخا قويا للحكم الرشيد المثالى والامثل
ثم تولى بعده عثمان رضى الله عنه وحدثت الفتن بعد ست سنوات من حكمه حتى دخلت البلاد فى فتن داخليه وخارجيه وتولى على رضى الله عنه الخلافه الا انها كانت فى فتره فتن ومحن لا نريد ان نؤرخ لها حتى تغير الحال وتبدل من حكم مثالى سليم الى حكم اتخذ من القوه والفتك وسياسه التنكيل والتعذيب مجالا فصار الحكم ملكيا وراثيا جاء بحد السيف بعيد كل البعد عن الحكم الرشيد المدنى الذى دعى اليه الاسلام وحث عليه


لقد انتهى عصر الفتن بين الصحابه والذى كان مقدر له من قبل كما اخبر الرسول صلى الله عليه وسلم وانتهت دوله الشورى والعداله والحكم الرشيد الحكم الذى يختار فيه الشعب حكامه ويعزلهم ويحاسبهم ان اخطاوا ويناصرهم اذا عدلوا الى عهد جديد استمر زمنا طوبلا وهو عهد الملكيه وتحول البلاد والعباد من حكام الى محكومين عبيد والى احرار الى سجناء مقيدين ومن شورى الى انفراد بالسلطه وصنع القرار ومن عداله اجتماعيه متوافره ومرسخه الى الكيل بمكيالين واستغلال النصوص للمصالح الخاصه وتاويلها بحسب المزاجيه
الى حكام مستبدين راو فى انفسهم انهم الاولى والافضل لتولى شؤؤن العباد وان لولاهم لهلكوا يحكمون بامر الله دون محاسبه او منازعه او تدخل لاحد مهما كان
وبدا هذا العصر بما اطلق عليه المؤرخين عام الجماعه بتولى امير المؤنين وامير الملوك سيدنا معاويه الحكم
وقف سيدنا معاويه ليعلن مبادىء سياسته التى سوف يحكم ويسير عليها قائلا(اما بعد فوالله ما وليتها بمحبه عرفتها منكم ولكنى جالدتكم هذا بسيفى مجالده)العقد الفريد لابن عبد ربه
وقال (ولقد رضت لكم نفسى على عمل ابى قحافه واردتها على عمل عمر فنفرت من ذلك نفارا شديدا)العقد الفريد لابن عبد ربهوقال (ايها الناس اعقلوا قولى فلن تجدوا اعلم بامور الدنيا والاخره منى )البدايه والنهايه
ان الناظر لعموم ما قاله امير المؤمنين معاويه رضى الله عنه يتاكد ان المساله اصبحت مستقله وان الملك اخذ بالقوه وانه يعترف بانه لم يتولى الحكم برضا الناس وانه لن يسير على نهج الخلفاء بل كرهت نفسه ذلك وكان هذا اكبر خروج على تعاليم الاسلام فى نظام الحكم الرشيد الذى ارسخ له الخلفاء الراشدين من قبله وقد وضع الاموييون نظاما واسسا لخلافتهم الجديده تنبنى على انهم احق بالخلافه ورثوها عن سيدنا عثمان المقتول ظلما والثانيه انهم احق بها لقرابتهم من رسول الله بل اشاعوا ذلك عمدا والثالثه انهم استقروا على النظريه الشيطانيه وهى التفويض الالهى وان الله اختارهم لحكم العباد وما هم الا اداه لتنفيذ اراده الله سبحانه وتعالى فكان معاويه فى نظر اقرانه خليفه الله وابنه يزيد امام المسلمين وعبد الملك بن مروان امين الله وامام الاسلام ولتعميم ونشر تلك النظريه (التفويض الالهى)وترسيخ دوله الكهنوت الجديده اشاعو مبدا وسلطه الجبر فلا سلطه الا لله ولا للناس فيها دخل او مشوره ابتداءا من عهد عبد الملك ابن مروان الى نهايه عهدهم يقول زياد ابن ابى سفيان الذى اول من رسخ لتلك النظريه الخبيثه(ايها الناس انا نسوسكم بسلطان الله التى اعطانا )وقد انبرى الشعراء لتوطيد تلك النظريه الجديده فقال الاخطل لعبد الملك ابن مروان وقد جعل الله الخلافه فيكم بابيض لا عارى الخوان ولا جدب
وقال له جرير /الله طوقك الخلافه والهدى والله ليس لما قضى تبديل وقال الفرزدق/فالارض لله ولاها خلافته وصاحب الله فيها غير مغلوب/والحقيقه ان تلك النغمه الجديده كما انبرى فيها والاشاده بها الشعراء والخطباء انما هى وباء تفشى فيما بعد وقد اخذها المسلمون عن من سبقهم وقد قال المؤرخون ان تلك النظريه كان معمول بها منذ تاريخ الفراعنه وحتى بذوغ الاسلام وليس هذا فحسب بل ان نظريه التفويض الالهى او ما يعرف (بالدوله الدينيه)هى افشل نظريه للحكم على وجه الارض لما يعتريها من الاستبداد والظلم والقهر وتنموا فيها العصبيه والكره للاخر وليس فيها من تعاليم الاسلام شىء يذكر ولاهى اصلا من الدين وانما اخترعها الخبثاء للانفراد بالسلطه وتوريثها والانفراد بصنع القرار وصنعت تلك النظريه جيل من الطغاه والسفاحون باسم الدين وخلقت الاستبداد والطغيان وفى قول الخطيب ابن المقنع اثناء اخذ البيعه ليزيد ما يؤكد ذلك قال(امير المؤمنين هذا واشار الى معاويه وان هلك فهذا واشار الى يزيد ومن ابى فهذا واشار الى سيفه فقال له معاويه اجلس انك سيد الخطباء)
وتلك حقائق ذكرها التاريخ وهى ان دلت تدل الى مدى الاستخفاف بالناس والاستبداد بالراى ونشر الفوضى وحاله من الارهاب العام فهل هذا هو الحكم الذى دعا اليه الاسلام وهل الدوله الدينيه التى رسخها سيدنا معاويه هى الدوله الاسلاميه الحقه اين دور الناس فى اختبار الحكام اين العداله او الشورى اين عهد ابى بكر وعمر ونظريه ان اسات فقومونى وان احسنت فاعينونى وانا ولى اليتيم ان تلك الافه التى حلت بالامه انما كان يجب ان تستاصل بالحديد والنار الا انه قدر وكان مكتوب على تلك الامه منذ القدم
ثم اخذت البيعه ليزيد وكانت شكلا شبيها بالستفتاءات العصريه وقد حدد معالمها الخطيب السابق ابن المقنع وحينما تمت البيعه ليزيد عارض ذلك الفعل الصحابه ومنهم عبد الله ابن عمر وقال له لقد احدثت امرا خطيرا فى الاسلام مما احدث فتنا وشرورا عظيمه فيما بعد وكان قائد يزيد مسلم بن عقبه ياخذ البيعه له من الناس عنوه وعلى انهم عبيد ليزيد ومن قال ابايعه على كتاب الله وسنه رسوله يضرب عنقه سبحان الله وبسبب نظريه التفويض الالهى(الدوله الدينيه)انتشر ارهاب السلطان وتعسف فى استعمال الحقوق ونبذ الشعوب وارهبهم وجاهدهم بالسيف ارهب الجميع حتى يرضخوا لفرعون الصغير وخرج على يزيد معارضين كثر وكفى بوقعه الحره الشهيره دليلا على سوء النظام الجديد الكهنوتى الارهابى المستبد وكل ذلك من اجل ان يحكم فرعون الصغير ماذا فعل (قتل خلق كثير من الصحابه ونهبت المدينه وفض فيها الف عذراء وسفكت دماء اغلب بنى هاشم واستبيحت المدينه ثلاثه ايام وتم رمى الكعبه بالمنجانيق وذلك لاجبار الناس على السمع والطاعه
وقد تكلم المؤرخون فى تلك الايام وافاضوا فيها وهى كانت نقطه بل نقاط سوداء فى تاريخنا الاسلامى لان من ارتكب تلك المجازر كان منا مسلما وكان حاكما واميرا للمؤمنين سبحان الله اتلك هى الصوره المثلى للحكم الاسلامى اين تلك الدوله التى انشات على الطغيان وقتل الصحابه وهدم الكعبه واغتصاب النساء وسفك دماء بنى هاشم وقتل الحسين رضى الله عنه واهله من حكم ابى بكر وعمر اهذه صوره الحكم الرشيد كيف ذلك من يستطيع ان يقر بان نظريه الدوله الدينيه هى النظام الامثل للحكم من يظن ذلك مجرد ظن فانه بلا عقل وهنا وقفات الاولى ان نظريه التفويض الالهى ليست من الاسلام وان الارهاب والطغيان والانفراد بالسلطه ليست من الاسلام وان التوارث ليس من الاسلام وانما الشورى فى توليه الحاكم واستعمال الديمقراطيه والحوار وحريه الراى وترسيخ العداله والمحاسبه كما عهدناهافى عصر ابى بكر وعمر رضى الله عنهما تلك هى الصوره المثلى لنظام الحكم فى الاسلام


انالواقع والتاريخ يثبتان ان الحكم الرشيد هو الحكم الذى يشارك فيه الشعب الحاكم اقتسام السلطه وصنع القرار حيث الشفافيه والمحاسبه والنهوض معا بالامه والحفاظ على تقدمها ورقيها لا يكون بالانفراديه والاستبداد بالراى والحكم معا اما من يصنع المجد لنفسه ويستبد بالاخرين فليس هذا بحكم وطالما اننا جميعا خلقنا احرارا فلماذا يزج بنا بعيدا عن المشاركه فى صنع القرار ولو بتقديم الراى والمشوره ان الامه التى يتعاون فيها ابناءها جميعا امه فى طريقها الى النجاح والقوه اما الامه التى يستقل فيها شرذمه معينه بالحكم وصنع القرار فيعود ذلك بالوبال والفشل على الامه دون شك
ان الفكره التى رسخها الفيلسوف جون لوك وروسو كانت تقرر الحريه والعداله فى ظل المجتمع الفرنسى خاصه هو المبدا العام والطبيعى فالحريه اساس الرقى والتقدم اما فرض الاستبداد والاستعباد فطريق الى الفشل والانكسار وفى العالم الاسلامى كما اسلفنا وخاصه بعد معاويه رضى الله عنه نجد انظمه قمعيه فاسده اتخذت التدين شكلا ولم تحافظ على مقومات الحكم الرشيد بل استعملت القوه والبطش وفرض نظريه التفويض الالهى على الناس وان الحاكم انما هو اداه ويد الله فى ارضه يحكم بما يراه الله تعالى فلا محاسبه ولا نقاش فالامر قد نفذ
وتذكر كتب التاريخ تلك الحقائق وتفيض فيها فنجد ان بعد انقضاء عهد الفرعون الصغير يزيد نجد الخليفه (اسما)عبد الملك ابن مروان ويروى المؤرخون انه لم يكن هناك افقه ولا اعلم بكتاب الله منه قبل توليه الخلافه وانه اى عبد الملك كان من التقوى والورع والخلق الحسن ما يحسد عليه وقال ليزيد وقتها حين اراد محاربه عبد الله ابن الزبير(اتعرف الى من تسير ابن حوارى رسول الله واول مولود فى الاسلام اما والله لو ان اهل الارض اطبقوا على قتله فجميعهم فى النار)الا ترى التقوى والورع الا ترى الجمال والخلق والتدين انه عبد الملك ابن مروان الفقيه المتدين الورع انظر له حينما بويع بالخلافه ماذا فعل قال على المنبر(فلست بالخليفه المستضعف ولست بالخليفه المافون ولست بالمداهن الا انى لا ادواى هذه الامه الا بالسيف والله لان امرنى احد بعد بتقوى الله لضربت عنقه)الا ترى منتهى الاستبداد ولك كلامه السابق عن عبد الله ابن الزبير الذى يجعلك تبكى الما انظر ماذا فعل به بعد توليه الخلافه ارسل له اربعون الفا على راسهم الحجاج والحد فى الحرم وفى قلب الكعبه ورماها بالمنجانيق وقتله هو واصحابه داخل الكعبه غيله وظلما ليستقيم له الحكم على ما قاله السيوطى فى تاريخ الخلفاء
والحجاج السفاح المعروف هو الذى وطد لبنى اميه الحكم وفى زمن عبد الملك نرى الارهاب وسفك الدماء والطغيان وقتل الصحابه والقهر والجبروت حتى قال الحجاج (لو امرت احدا بالخروج من هذا الباب وخرج من غيره لضربت عنقه)منتهى الاستخفاف بالبشر وكان دماء الناس سهله واستباحتها معتاده وسفك الدماء وقتل الناس ظلما امر عادى كانك تاكل قطعه من الكيك امر عجيب حقا لقد بنى عبد الملك (خليفه المسلمين)الورع التقى دولته بالاستبداد وقتل جميع المعارضين وسفك دماء الصحابه والارهاب العلنى والتعسف فى استعمال القوه ولا مانع من استعمال افظع الجرائم المهم توطيد ملك خليفه المسلمين ظل الله فى ارضه وقس على ذلك جميع او اغلب الحكام فى عهد بنى اميه حتى بلغ الاستبداد التحقير من الحساب ويتسائل الوليد ابن عبد الملك(هل على الخليفه من حساب)فجاءه اخوه يزيد باربعين عالما وشيخا ليقرروا انه ما على الخليفه حساب تخيل اجرام منقطع النظير واستخفاف ليس له حدود وتلاعب بالدين واضح وكان التاريخ يعيد نفسه فنظريه التفويض الالهى او بمعنى عصرى الطغيان نفس النظام ونمط واحد منذا الامس وحتى اليوم حاكم لا يخطىء ولا يحاسب ولا يمكن ان يحاسب فكيف يحاسب من وهبه الله واختاره للحكم وعصابه تتحكم فى البلاد والعباد وشعب مقهور مظلوم مغلوب على امره وحكام لا يهمهم غير السلطه والمال والجبروت وعلماء دين خانوا دينهم علنا واثروا الخيانه وباعو الدين بعروض الدنيا ارضاءا للحاكم المستبد خليفه الله فى الارض
من العرض السلبق تتضح لنا امورا هامه اولا ان نظريه التفويض الالهى او الدوله الدينيه هى اختراع حكام خبثاء ارادوا السيطره على مقدرات الشعوب باسم الله وتحت عباءه الدين وثانيا ان فى ظل تلك المنظومه لا يخلق الا نظام وحيد وهو الاستبداد والطغيان وانه فى ظل هذا النظام لا يوجد الا قانون وحيد وهو الذى يتخذ ضد الشعب اما ان يطبق على الحكام فلا فسلطه القانون ليس لها وجود فى الحكم المستبد فالسلطه المستبده لا تخضع للقانون وثالثا ان نظام الانتخاب او البيعه كان صوريا وشكلا فلا رضا للناس فى اختيار حكامهم وكانها فبركه اعلاميه لاضفاء شرعيه زائفه على حكم مستبد معروف فيه الحاكم مسبقا ورابعا ليس هناك حريه للفكر فى الحكم المستبد فالراى راى الحاكم وعصابته ومن يدلى براى فى امور السياسه نهايته محتومه لا شك فى ذلك مصير المعارض القتل او الزج به فى السجون


لقد اخذت فكره الحكم الاستبدادى فى العالم الاسلامى وقتا وجهدا من المفكرين عبر التاريخ الا انه يجب التنويه لاشياء هامه منها ان كتاب التاريخ لم ينظروا كالنظره الحاليه على ان هذا حكما طاغيا مستبدا لانهم تصوروا كما تصور الكثير ان نظريه التفويض الالهى والدوله الدينيه نظريه مقدسه لا يجوز المساس بها كما كان رواد الحديث يصرحون فقد اجمع ائئمه او كتاب الحديث وخاصه الذين حشروا انفسهم فى كتابه التاريخ ان المساله عاديه وطبيعيه وفسروها على انها تعاليم دينيه مستوحاه من السنه والكتاب معا وتحججوا بعده احاديث نبويه ليؤكدوا على ترسيخ تلك النظريه المشؤمه وما نراه من اصرارهم المميت فى تفعيل مساله عدم الخروج على ولى الامر بل يراها اغلبهم انها من الكبائر ومجرد طرحها يؤدى الى الفتنه وكان هذا التصور واضحا عند اغلب كتاب التاريخ خاصه ائئمه الحديث ولذا لا نندهش حينما يؤكد ابن كثير ان الحجاج كان سفاحا مبير الا انك تندهش حينما يمدحه ويلتمس ليزيد مثلا العذر فى ما فعله فى الصحابه والحقيقه ان التصور لمفهوم الاستبداد لم يتخذ شكلا مشينا الا مع بذوغ فلسفات حديثه كما انه ظهرت ايضا تاريخيا وفى عهد الامويون وغيرهم اطوارا من المعارضه تدعوا الى هدم نظريه التفويض الالهى كما تدعوا الى الخروج على االحكام الظلمه ولو حتى بالقوه الا انها كانت نظريات او فلسفه محدوده وغير مرغوب فيها احيانا وتتضح نفس النظره للحكم الجديد والغير متعارف عليه زمن الخلفاء فى العصر العباسى ايضا فهو نفس النهج ونفس المدرسه من الطغيان السياسى يقول السيوطى عن السفاح او خلفاء بنى العباس انه قال عند توليه الحكم(استعدوا فانا السفاح المبيح والثائر المبير)ويؤكد السيوطى انه قتل فى اول خلافته عدد رهيب من بنى اميه حتى يستقيم له الملك ونفس القصه عندما تولى الاموييون الحكم مساله تتحكم فيها النزعات العرقيه ولا اعتبار للدين فكل حسب قبيلته وانتماءه القبلى وليس الدينى ونكتشف فى النهايه ان الشعوب او المحكومين هم المظلومين والمغلوب على امرهم وهم من يدفع الثمن
وصارا البيعه اعلانا جبريا بالموافقه واستسلام قهرى للحاكم لا رضا للشعوب فيها ويحكى السيوطى ان السفاح قتل عدد لا يعد من بنى اميه وفرد عليهم سماطا لياكل هو واقرانه فرحين بالنصر والدماء تنزف من الناس معلنه عن عهد مدهش من سفك الدماء والطغيان باسم الدين ويروى السيوطى ايضا ان السفاح حينما تولى الحكم اخرج جثث بنى اميه من القبور ومثل بهم وجلدهم واحرقهم ونثر رمادهم فى الهواء ثم نجد نفس التصور التاريخى الذى اشرنا له من قبل لنجد السيوطى يقول(ومع ذلك كان الرجل شديد التدين وكان نقش خاتمه الله ثقه عبه المؤمن)ونحن اذ نسمع او نقرا تلك الاقاويل نندهش من علامه كالسيوطى او ابن كثير كيف يكون السفاح متدين وقد فعل ما فعل شىء عجيب الا اننا كما اوردنا من قبل عن التصور لهؤلاء فى قراءه احداث التاريخ مما يدل على شيئين الاول الفكر القاصر لهم فى تحليلهم للتاريخ السياسى والثانى الخلط بين الدين والسياسه الذى يصرون فيه على ان لا سياسه طالما يحكم رجل طبقا لنظريه التفويض الالهى بل ويؤكدون انه كان متدينا وتلك مصيبه كبرى فكيف يكون متدينا وهو القاتل والسفاح ويرى البعض ان مسائل القتل وسفك الدماء فى العهد الاموى والعباسى جاءت على خلفيه احداث نظريه التفويض الالهى فالحقيقه ان الخليفه لا يقتل الا بامر الله كما انه يحكم بامر الله فلا شك فى انه على حق فالسياسه والدين يختلطان ولا فرق فان قتل الخليقه وسجن وعذب فبامر الله ولا معقب وان حكم وظلم وقهر فبامر الله وهو يرى ما لا يراه الناس ولما اتى الخليفه السفاح العباسى براس مروان بن اميه قال(الحمد لله الذى ظفرنى بك ونصرنى عليك واظهرنى عليك)الا تراه فى منتهى السعاده بذلك النصر المبين انهم ولاه يحكمون بما يراه الله ويقتلون باسمه ويتحكمون فى العباد بصفتهم اوصياء على الناس وموكولون من قبل الله بذلك العمل الخالد الجليل والحقيقه انه مع بدايه العصر العباسى وانتهاء حكم السفاح تتضح الصوره اكثر فاكثر فنرى الخليفه المنصور ليؤكد نظريه التفويض الالهى وتوطيد الدوله الدينيه ليقرر(ايها الناس انما انا سلطان الله فى ارضه اسوسكم بتوفيقه وتسديده وحارسه على ماله اعمل فيه بمشيئته )على ما روى السيوطى
وتلك النظريه هى الاصل وغيرها يعد خروجا عن الحقيقه وقد قامت المعارضه وقتل ابو جعفر من اهل بين النبى ما لا يعد ولا يحصى لتوطيد ملكه فلغه القتل اسهل وايسر وهى الطريق الرائع للسيطره والاستمرار فى الحكم وقد استمر طغيانه عشرين عاما وتلك حقائق تاريخيه لا نستطيع ان ننكرها لانها وردت فى جميع كتب التاريخ الموثقه وقراءه التاريخ تحتاج الى اعمال العقل تماما فيما يقال ثم يقاس ما نقراه ونعرضه على الشرع ثم نتاكد من مصدر الحدث هل هو حقيقى ام ملفق والنظره المتفحصه تؤكد ان مفهوم الدوله الدينيه او التفويض الالهى كانت هى الاصل على مر التاريخ الاسلامى لكن مع تفاوت من عصر لاخر ومن زمن لغيره وحينما نقرا عن الاحداث عن تلك النظره المشبوهه نجدها لا تمثل الحكم الذى دعا اليه الاسلام كما وجدناها فى عهد الخلفاء الراشدين ابى بكر وعمر من استعمال الشورى والراى والعداله ورضا الشعوب والمسائله والمحاسبه ومن التعاليم الاخرى للحكم الرشيد والحقيقه ان الحكم الحقيقى هو الذى يكون فيه الخليفه منتخبا من الشعب ومسؤل سياسيا ويخضع للعزل وللقانون وللمحاسبه وليست له حصانه تحول بينه وبين محاسبته كما انه من حق الجميع نقده ومحاكمته جنائيا ان اخطا كما يخضع للمسائله المدنيه ولاحكام المعاملات الشرعيه ويحق للجميع ملاحقته قضائيا ويقول الامام محمد عبده(الخليفه عند المسلمين ليس بالمعصوم ولا هو مهبط الوحى ولا من حقه الاسئثار بتفسير الكتاب والسنه )فالامه هى التى نصبته خليفه فمن حقها ان تخلعه متى شاءت فهو حاكم مدنى وليس الها او مكلف من قبل الله بحكم الناس فهو ليس ممثلا للسلطه الالهيه انما هو مختار من الشعب فبينه وبين الشعب عقد يجب من تنفيذه بالشورى وتطبيق العداله والقانون واذا حاد وجب على الشعب خلعه متى راو المصلحه فى ذلك العزل والامه تملك سلطه التشريع بالاجماع والحاكم لا يملك منها شىء والحاكم خادم لامته مطيع لشعبه
يقول لوركا(ما الانسان دون حريه يا ماريانا قولى لى كيف استطيع ان احبك اذا لم اكن حرا كيف اهبك قلبى اذا لم يكن ملكى)
وفى الختام لهذا البحث نستنتج انه من الغير معقول ان الرئيس او الحاكم ان يكون فوق المحاسبه او النقد لانه باختصار ليس الها !ومن ثم فان نقده او مسائلته شىء هام ومن صميم الاسلام كما راينا من خلال البحث مما يؤكد بعد تاصيل الفكره السابقه وشرحها شرحا مستفيضا انه لا توجد ما يسمى بجريمه اهانه الرئيس !وانما الرئيس فرد من افراد الشعب ليس معصوما كما انه ليس فوق البشر بحال بل ان نقده واجب وتقويمه ان اعوج ضروره تفرضها الشريعه !ومن خلال البحث تعرفنا ان اختراع ما يسمى بنظريه التفويض الالهى سواء المباشر او الغير مباشر هى صناعه خبثاء السلطه والدين والذين توافقت مصالحهم مع مصلحه الحاكم مما انتج ما يسمى بالاستبداد السياسى والدينى معا وتجسيدا لنظريه ان الحاكم معصوم فلا يجوز نقده او تقويمه فهو باختصار جاء بتفويض الهى مع العلم بان الشعب هو الذى جاء به الى الحكم سواء بانتخابه او بسكوته على جبروته ورضائه بالمهانه والذل فالشعوب هى التى تصنع الحكام وليس العكس وحيث ان ذلك كذلك فقد جاء الرئيس بانتخاب الشعب له واختياره فلابد ان يسعى لمصلحه هذا الشعب ولا يستعمل معه لغه الاستبداد او نظريه التفويض الالهى او يستعمل معه اسلوب الارهاب الفكرى بغلق الصحف التى تعارضه وسجن كل معارضيه فتنقلب الدوله الى دوله بوليسيه باسم الدين وكان الرئيس نبيا ووزراء الصحابه !وهذا ما لا يقبله عقل او دين وانما يجب ان يتحمل الرئبس النقد حتى وان كان لازعا لان فى نقده اصلاح له ولشعبه!اما انه لا يتحمل ويعود بنا الى الارهاب الفكرى تحت اسم جديد وبثوب جديد هو الثوب الدينى فستعود بنا الحاله الى التطرف والانحراف والفساد وتصبح مصيبتنا فى ديننا زتظر فرقا تكفيريه واخرى تناهضها وتلمع نجوم الحروب الطائفيه والاهليه ونعود للخلف الاف السنين لان الحريه التى ضحى من اجلها الشعب لا يمكن ان يستغنى عنها مطلقا حتى لو استعمل الرئيس سلطه من حديد فالشعب قادر على ان يفل الحديد ويتخلص من طغاته مره اخرى ولن يسكت هذه المره فمن عرف طريق الحريه لن يعود للظلام والجبروت مره اخرى!
كما انه يجب على الرئيس ان يتسع صدره للجميع فلابد من قوى معارضه له ولنظامه حتى يشعر الجميع ان هناك من يصحح الاخطاء يحاسب وتكون هناك مراقبه فعاله لا شكلا حتى نخرج من الظلمات الى النور واذا اراد الرئيس ان يعشقه شعبه فعليه ان يبدا بالاصلاح فى جميع المجالات فالمفاسد كثيره والتركه ثقيله فعليه ان يلم شمل الجميع حتى يتحد ابناء الوطن بكافه طوائفه ومنظماته على قلب رجل واحد لاصلاح الوطن فالحكم الحقيقى مشاركه لا تسلط وانفراديه بصنع القرار !وان يبدا الرئيساصلاح الاقتصاد والشرطه وان يعيد الامن للناس وان يبدا نهضه حقيقيه لا شعارات براقه دون نتائج ملموسه على ارض الواقع عليه ان يبدا اصلاحا تعليميا وصحيا ونهضه علميه وقانونيه وفكريه وزراعيه عليه ان ينهض بالوطن يشاركه الجميع حتى يكون رئيسا للمصريين لا لفصيل واحد هو ينتمى له والا لعدنا لنفس العهد السابق وزمن الحزب الواحد والمعارضه الكرتونيه!
من هنا يصبح الرئيس حينما نجد نهضه حقيقه وظاهره وملموسه من هنا فلسوف يحترمه ابناء شعبه ولا يتحملون اهانته بل لن يتلفظون بكلمه تسىء اليه فقد نفذ لهم رئيسهم طلباتهم وعاشوا بكرامه وحريه ولمسوا العداله تتحقق فعلا بل لمسوا تغييرا حقيقا لا كلاما فكل فرد من ابناء الشعب سيتذكر حاكمه بكل خير وسيصبح بطلا شعبيا وتاريخيا
وذلك بالفعل والنهضه الحقيقه على ارض الواقع ولا يلتفت الى من يعارضونه فتلك ظاهره صحيه فلم يجتمع العالم على الايمان برسول الله والاعتراف به نبيا ورسولا فكيف يريد هو ان يجتمع عليه شعبه؟!وتلك الظاهره الصحيه والمعارضه البناءه هى من تخلق المحاسبه والمسائله وتصنع النهضه وتخلق روح البعمل والانتاج والنشاط للجميع وليس للرئيس او وزراءه فحسب بل تلك هى المنافسه الشريفه التى يخشى كل طرف ان يضر بشعبه بل يسعى لمصلحته وكرامته وصناعه حريته وعودتها من جديد واعاداه النهضه له ولاسرته ووطنه !فى ظل من التسامح وتقبل الراى الاخر حتى لو كان يراه هو مهينا له !فانها ضريبه السلطه وشعار النجاح وبدايه للنهضه الحقيقه !