ماذا يعمل المحقق للمخطوطة؟ .. والترقيم والرموز في الكتابة
بسم الله الرحمن الرحيم
ماذا يعمل المحقق للمخطوطة
مقدمة البحث:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد حبيب الله، وعلى آله وأصحابه ومن تبع هداه.
أمَّا بعد: فإني رأيت أنَّ بعض الإخوة الذين يرومون تحقيق أي مخطوط في أي علم يقوم بتحقيقه، يخبط فيه خبط عشواء دون سبق علم بضوابط التحقيق بل يجريه على حسب هواه واجتهاده فما بين مُسهب في الهامش بما هو حشو ولا علاقة للتحقيق به، وما بين مقل مخل فيه.
فوضعتُ هذه الأسطر ليهتدي بها المحقق وليتقرب من صواب التحقيق وعلى وجه الضبط والتدقيق.
فأرجو من المحقق الإمعان بها والالتزام بما سطرته في صفحاتها سائلا من المولى التوفيق للجميع إنه مجيب سميع، فأقول:
شروط من يحقق أو يشرف على تحقيق للمخطوط ثلاثة:
أولا: أن يكون فاهما لنصوص الكتاب وبإمكانه شرح عباراته.
ثانيا: أن يكون على سعة بعلم النحو والصرف واللغة.
ثالثا: أن يكون على سعة أو اطلاع على منهج التحقيق ويراعي الأمور الآتية:
1. أن يلتمس مؤلَّفا لا يزال مخطوطا لم يُطبع، فإن تعسر أو تعذر فلا مانع من تحقيق كتاب مطبوع دون تحقيق؛ لأنه في حكم المخطوط، مع الحرص على وجود مخطوط له.
2. يلتمس نُسَخَا للمخطوطة ويحرص على العثور على ما لا يقل عن ثلاثة نسخ أو ما يتيسر.
3. إذا عَثَر على النسخ يختار واحدة منهن أُمَّاً وأساسا ليستنسخ عليها، والتفضيل بين النسخ يكون لأحد الأمور الآتية:
أ. نسخة بخط المؤلف.
ب. أو نسخة هي أقدم النسخ خطا.
ج. أو أن تكون كاملة لا نقص فيها.
د. أو أن يكون خطها أوضح من غيرها.
4. يَنسخ على ورق مخطط يكتب سطرا ويترك آخر إلى آخر الصفحة اليسرى، واليمنى يتركها للهوامش.
5. يهيئ قصاصات ورق عند النسخ مع علب متعددة يكتب على واحدة الآيات، وعلى الأخرى الأحاديث والآثار، وعلى الأخرى الأعلام، وعلى الأخرى الشعر، وعلى الأخرى الأماكن والمدن، وعلى الأخرى المذاهب والفِرَق، وعلى الأخرى المصادر التي اعتمدها مؤلف الكتاب؛ وذلك للإفادة منها أيضا في تنظيم الفهارس حيث يمكنه أن يرتب الأوراق على حروف الهجاء دون تعب، وكذا المصادر التي يعتمدها المحقق يكتبها في قصاصة مع التعريف به ويضعها في علبة.
6. بعد الانتهاء من النَسخ يقابل ما كتبه على هذه النسخة مع شخص آخر ليتدارك ما سقط منه أثناء النسخ.
فإذا انتهى من استنساخ ورقة من المخطوطة جرد ما فيها مما ذكرنا في الفقرة (4) وكتبها مع رقم الصفحة المكتوبة وأودعها العلبة الخاصة بها.
فإذا كتب ورقة أخرى أيضا جردها، فالشيء الجديد يكتبه بقصاصة ثم يودعه أيضا، والمكرر يخرج الورقة الخاصة به ويضع رقم الصفحة المكتوبة عليها.
7. إذا انتهى من استنساخ ورقة من المخطوطة وضع خطا مائلا ووضع رقم الورقة ورَمْزَ المخطوطة هكذا 3/أ، الرقم الأول رقم الورقة والحرف رَمْزُ المخطوطة مثلا.
8. يأخذ نسخة أخرى من المخطوطة ويقابلها مع ما كتبه من النسخة السابقة، فإن وجد كلمة ساقطة أو عبارة أو سطرا كتبه على السطر الأبيض ورَمَزَ بعد ذلك إلى رمز (ب).
وان اختلفت لفظة في نسخة (ب) مع ما في (أ) تكتب، كأن تكون مثلا في (أ) (جاء) وفي (ب) (أتى) يضع كلمة أتى فوق جاء ويضع رمز (ب) إلى أن تنتهي من مقابلة نسخة (ب).
9. تأخذ نسخة (ج) فتقابلها، وأي اختلاف من زيادة أو حذف أو تغيير كلمة تؤشره في السطر الأبيض وتكتبه وترمز بجنبه (ج) وهكذا كل النسخ.
10. بعد الانتهاء من مقابلة جميع النسخ تعود إلى الأول وتقرأ، فالآية تبين في الهامش سورتها ورقمها، والحديث تخرجه وتنقده من حيث القوة والضعف في الهامش، والكلمة الساقطة من (أ) وترى النص يحتاجها، نضعها ونضع رقما عليها ونقول في الهامش: الكلمة الفلانية -تذكرها في الهامش- ساقطة من ألف، وإن كانت لا تنفع النص تتركها وتكتب في (ب) و(ج): زيادة الكلمة الفلانية، وتضع مكانها [....] هكذا.
11. وهكذا إذا كان الساقط من (أ) أكثر من كلمة تضعها بين معقوفتين [ ]، فإن احتاجها النص تضع رقما وتقول في الهامش: ما بين المعقوفتين ساقطة من (أ) ومن (ب) أو من (ج)، وإن لم تكن فيها فائدة تضع هكذا [...] وتضع رقما وتكتب في الهامش: هذا الزائد، وتبين أنه زائد في (ب) و(ج) أو في أحدهما إن وجد في أحدها.
12. إذا وجدتَ كلاما في (ب) أو في (ج) أو فيهما قد حُذِفَ من (أ) وأضفتَه إليها فإيَّاك أن تقول: الزيادة من (ب) أو من (ج)، وقل: ساقطة من (أ)؛ لأنه لا زيادة بين النسخ إلا إذا كان الكلام أو الكلمة لا معنى لها فلا نضعها وقل: في (ب) و (ج) زيادة كذا.
13. اختلاف الألفاظ المختلفة تكون قد جمعتها في السطر الأبيض أمامك فاختر الأنسب للمتن وتُثَبِّتُه.
14. إن اتفقت النسخ على الخطأ في النحو مثلا ولا وجه لهذا الخطأ فإنك تُصَحِّح الخطأ وتشير إلى ما زدته أو غيرته لإصلاح اللفظ، وتقول: هذا من زيادتي، أو تصحح وتذكر الخطأ في الهامش في كل النسخ.
15. إذا حصل خلل في فهم العبارة واتفقت النسخ على ذلك فراجع مصدرا مماثلا للكتاب وقف على نفس العبارة، فإن وجدت هناك كلمة في الكتاب المماثل أو كلمات يُفهم المعنى بوجودها فزدها لتعديل عبارة النص وضعها بين معقوفتين وقل: ما بين المعقوفتين زِيْدَ من الكتاب الفلاني، وإذا اقتضى فهم النص زيادتها ولم تجدها في المماثل فزدها وقل: ما بين المعقوفتين من زيادتي.
16. إنسب الشعر لقائله وديوانه إن وُجِدَ، فإن لم تجد فإلى مصدر أسبق من الكتاب المُحَقَّق.
17. وَثِّق النصوص المنقولة له من مصادرها، وأَشِر إلى مصدرها التي أتى بها المؤلف منها إن وُجِدَت أو إلى ما يماثله إن لم تجد نفس المصدر، على أن يكون قد أُلِّفَ قبل هذا الكتاب.
18. لا تُوَثِّق كل نص في الكتاب، بل النص الذي ينقله من مصدر أو عن شخص توثِّقه من كتاب ذلك الشخص أو من ذلك المصدر وتشير في الهامش، فإن لم تجد كتابه فإلى مصدر مماثل أسبق من هذا الكتاب.
19. تهتم بما يستحق أن يُبدأ به من رأس السطر، وتهتم برموز ترقيم الخط، وضع الآية والحديث بين قوسين هلالين.
20. تُترجِم بسطرين في الهامش لكل علم عندما يمر بك أول مرة، ولكل مكان أو مذهب أو فرقة، وإذا كان مشهورا فلا حاجة أن تُترجِم، أو تقول: هو أشهر من أن يُعَرَّف، وتكتب عنه ترجمة قصيرة.
21. تشرح المفردات اللغوية الغامضة في الهامش، وتُعَرِّب غير العربية وتشير إلى مصدر.
22. المصدر الذي توثِّق منه تكتب في الهامش توضيحا له عند ذكره أول مرة، اسم الكتاب والمؤلِّف والمُحقِّق والناشر وتاريخ النشر.
23. إذا تكرر الحديث تقول: تقدم تخريجه في ص كذا، وكذا العَلَمُ إذا أعيد بعد فترة طويلة.
24. تكتب تعليقا توضيحيا لكل عبارة غامضة، ولا مانع أن توجز في الهامش آراء أخرى أغفلها المصنف دون استدلال لها أو ترجيح.
25. إذا صَحَّحْتَ أو وضعت الصواب في الأصل وأشرت إلى المخالف في الهامش فلا حاجة لأن تكتب في الهامش (والصواب ما أثبتُه)؛ لأنك في عملك هذا قد وضعت الصواب في الأصل والخطأ بالهامش.
26. لا يجوز تعديل أو زيادة أي كلمة يُجَوِّزُ أهل النحو فيها الوجهين، فالفعل المسند إلى المؤنث الظاهر المجازي إذا جاء مذكرا لا تغيره إلى التأنيث؛ لأن تذكيره جائز، وكذا حذف الفاء في جواب (أما) وقل في الهامش: الأولى ذكر الفاء.
27. إذا حَصَلَتْ نقول في صفحة واحدة كلها من مصدر واحد وجزء واحد وصفحة واحدة فلا تكرر الأرقام بالهامش بالأسطر بل اجمعها وأشر إلى المصدر واكتب (1و2و3) اسم الكتاب والجزء والصفحة، ولا يُشترط توالي الأرقام بل يمكن أن تكتب إذا اختلفت هكذا (2و5و8).
28. إذا رأيت النص صعب الفهم وبمعناه في مصدر آخر مثله، لا يجوز حذف النص وإبداله بلفظ من نقله بالمعنى بل يمكنك الإفادة منه بجملة أو كلمة تُعَدِّل بها نص الكتاب الذي تحققه.
29. الأقواس [ ] هذا الشكل يسمى معقوفتين للفظ المزاد، ويوضع مكان المحذوف وللعناوين التي تزيدها على المؤلف [...].
( ) هذان القوسان للآية والحديث، وإذا وُجِدَ نص منقول بنصه يوضع بين هذين القوسين، أي يوضع بين علامات التنصيص هكذا "........." .
30. علامات الترقيم لابد منها، فراجعها، ولا سيما المحقق يجب عليه الالتزام بها.
31. تحقيق المخطوطة لا يحتاج إلى كتابة خاتمة؛ لأنها تُكتب لما توصلت إليه، والتحقيق ليس فيه أكثر من منهجك في التحقيق.
32. عندما تذكر المصادر في الهامش فاذكر الأسبق تاريخا فالأسبق.
33. عندما تنظم المصادر أو الأعلام أو الأماكن أو أي شيء تسرده كمراجع للكتاب أو في الدراسة أو عند إعداد الفهارس، فاعتمد حروف الهجاء في التنظيم، وضعْ الكلمات أو الكتب حسب نظامها.
34. لفظ (ابن) أو (أب) أو (أم) ولفظ (أل) لا تُحسب في التنظيم، فأبو بكر في الباء، وأم كلثوم في الكاف، والطالب في الطاء.
35. إذا اتفقت الكلمتان الأوليان فراعِ الترتيب في الثانية مع مراعاة الحرف الأول ثم الثاني ثم الثالث وهكذا، فإن اتحدت الكلمات فراعِ الحروف في اسم المؤلف، وإن اتفقت فراعِ اسم أبيه ثم اسم جده.
36. تنظيم الأحاديث بموجب الحرف الأول للجزء الموجود من الحديث في المخطوط.
37. أما بالنسبة للآيات فنظِّمْها على حسب ترتيب السور وترتيب الآية في السورة.
38. أذكر في فهرس الآيات والأحاديث والأعلام وغيرها رقم الصفحات التي مَرَّ بها الاسم أو الآية أو الحديث، والترجمة تكون في أول رقم لذا ضعه بين قوسين (30) 36، 40، 45 وهكذا، ليعرف الرقم الذي فيه الترجمة.
كتابة البحوث:
39. إذا طُلِبَ منك كتابة بحث فحاول أن تُوَحِّد الآراء وتجعل البحث هكذا، مثلا:
الرأي الأول - الجواز مطلقا، وبه قال: فلان، والراجح من قول فلان.
الرأي الثاني - المنع مطلقا، وبه قال: فلان، وفلان، والمرجوح من قول فلان، وهكذا.
الرأي الثالث – التفصيل، وبه قال: فلان، وفلان.
40. أذكر أدلة كل رأي معه وناقشها معه إن احتاجت إلى المناقشة، ثم الأصح ما تراه راجحا مع بيان أسباب الترجيح.
41. جدول المراجع والمصادر لوضعه منهجان:
أ- تُقَدِّم اسم الكتاب وتأخذ اسم مؤلِّفه وطبعته وتاريخها والناشر والمحقق -إن كان مُحَقَّقَا- وعلى حسب حروف الهجاء.
ب- تُقَدِّم اسم المؤلف على حسب حروف الهجاء، تذكره مرة واحدة ثم تنظم تحت اسمه مصادره على حسب الحروف ولا تكرر اسم المؤلف، وهي الحكمة من تقديم اسم المؤلف حتى لا يتكرر.
دراسة عن مُؤَلِّف المخطوط وعن المؤَلَّف نفسه
لابد من أن يسبقَ تحقيق النص دراسة عن المؤلِّف وعن الكتاب، وعلى هذا يكون التحقيق من قسمين:
1. قسم الدراسة.
2. قسم تحقيق النص.
قسم الدراسة يكون في: دراسة عن حياة المؤلف، ثم دراسة عن الكتاب.
أولا: الدراسة عن حياة المؤلِّف تكون كما يأتي:
1. هويته: اسمه، ولقبه، وكنيته، ونسبه، ونشأته، وتاريخ ولادته ووفاته.
2. عصره السياسي.
3. عصره الاجتماعي.
4. عصره الاقتصادي.
مع بيان أثر العصر على حياته العلمية.
5. حياته العلمية:
أ- تلقيه العلم، ورحلاته العلمية.
ب- مؤلفاته، وبحوثه، وفتاويه.
ج- ثناء العلماء عليه.
د- مشايخه.
ه- طلابه.
ثانيا: الدراسة عن الكتاب:
1. توثيق نسبة الكتاب إلى المؤلف من المصادر الخاصة.
2. أسلوبه ومنهجه.
3. وصف نسخ المخطوطة أو المطبوعة غير المحققة مع تصوير الورقة الأولى والأخيرة لكل نسخة، وتوضع عند الوصف.
4. مصطلحاته.
5. الملاحظات عليه.
6. المصادر التي اعتمدها المؤلِّف.
ثم يختم ذلك بمنهج المُحَقِّق في التحقيق.
ملاحظة: إذا اشترك في تحقيق الكتاب أكثر من واحد، يُكَلَّف أحدهم بالدراسة، ويُكَلَّف بجزء من تحقيق النص أقل من زملائه كما سنذكر ذلك.
ثم بعد ذلك يبدأ بالقسم الثاني، وهو تحقيق النص.
توزيع المخطوط الكبير
إذا أريد تحقيقُ مخطوط كبير، وأراد مجموعةٌ من الطلاب أو غيرِهم الاشتراكَ في تحقيقه، فإن لوحاتِها أو صفحاتِها تُوزَّعُ إليهم بالسواء، إلا أنَّ مَن يأخذ بدايتها يُكلَّفُ بلوحاتٍ أقلَّ ممّا يُكلَّفُ به الآخرون؛ وذلك لأن الدراسةَ للمؤلِّفِ والكتابِ سيُكَلَّف هو بها ويكتب عنها بإسهاب.
أما الآخرون: فإنهم يُكَلَّفون بموجزٍ مختصرٍ جدا للمؤلِّف ودراسةٍ عن الجزء المُكَلَّف هو بتحقيقه فقط، ويكون نصيبُه من تحقيق المخطوط أكبرَ.
وإن كان الآخرون طلابا في مرحلة الدراسات العليا وارتأت المؤسسةُ العلميةُ تكليفَهم بعمل إضافةً إلى تحقيق جزءٍ مِن المخطوط فيمكن اختيارُ مسألتين مِن موضوع المخطوط ليكتبَ بحثا علميا بهما مع تطبيقاتِهما على مسائلَ معاصرةٍ، وتُعتبرُ ملحقا بالجزء المخطوط مع الفهارس فقط.
وإذا طُبعَ المخطوطُ استُلَّت هذه البحوثُ مِن كلِّ قِسمٍ، ولا تُطبعُ مع الكتاب، ويمكن طباعتُها مجتمعةً بكتاب مستقل، أو تُنشر في مجلة علمية كلٌّ باسم باحثِهِ.
ما لا علاقة له بالتحقيق
بعض الأساتذة يُقلِّلُ مِن شأن جهد التحقيق ويراه عملا يسيرا لا يستحق المحقق من خلاله نيلَ درجة علمية عليه؛ لأن هذا الأستاذ لم يمارس التحقيقَ بالشكل الذي ذكرته سابقا، ولو مارسه لعلم أنّّ التحقيقَ فيه جهدٌ وبحثٌ ومتابعةٌ في المصادر أشدُّ مِن كتابة الموضوع.
لذا نجد البعضَ يطلب مِن المحقق أن يزيدَ في الهامش أمورا لا علاقة لها بالتحقيق ولا يُقِرُّها المتخصِّصون به، مِن ذلك:
1. التعريف للموضوع بالهامش لغة واصطلاحا.
2. بيان مشروعية الموضوع من الكتاب والسنة والإجماع والمعقول.
3. والطامة الكبرى أن يُكَلِّفَه في الهامش ببحث الموضوع بحثا علميا يذكر الآراء وأدلتها ومناقشتها والترجيح، ويُحَوَّلُ التحقيقُ إلى مباحثَ عديدةٍ في الهامش.
4. يُكَلِّف المحقق بنقل نصوص في الهامش مشابهةٍ لما ورد في نص المخطوطة مع توثيقها من مصادرها، وفي هذه الأمور إثقالٌ للهامش وجعلُه يطغى على النص.
5. التوثيق يجب اختصاره في الهامش على ما سبق ذكره فقط، ومن المصادر المذكورة أيضا، وهي من كتاب قائل القول أو صاحب النص، فإن لم يجد له مصدرا فمن مصدر آخر أسبقَ زمانا من المخطوطة.
نعم إن ذَكَرَ صاحب المخطوط للمسألة عدةَ آراء ولم يُفَصِّل إلا بعضها، جاز ذكر البقية بشكل موجز بدون استدلال أو مناقشة أو ترجيح.
ولا مانع من أن يزيد المحقق في الهامش دليلا يخدم الموضوع ولم يذكره المؤلف فقط.
وأيُّ تجاوز لطريقة التحقيق أكثرَ مما ذكرت فإنه خارج عن نطاق التحقيق الفني، ولا يقره المتخصصون به.
وما ذكرته هو أحد منهَجَي التحقيق، والمنهجُ الآخرُ لا يوافق على إضافة أي شيء في الهامش سوى: تقويم النص، ونسبة الآيات إلى سورها وذكر رقمها، وتخريج الحديث، وتوثيق النص المنقول، والترجمة للأعلام بما لا يزيد على سطرين، وشرح الكلمة الغريبة لغة فقط.
هذا وأرجو للمحقق والمشرف التوفيق والسداد في عملهما ... والله ولي التوفيق.
الترقيم
الترقيم: وضع علامات بين أجزاء الكلام المكتوب لتُمَيِّزَ بعضه من بعض آخر، أو لتوقيف الصوت به عند قراءته.
وأشهر علاماته العلامات الآتية:
1. الفصلة: وترسم هكذا: ،
2. الفصلة المنقوطة: وترسم هكذا: ؛
3. الوقفة: وترسم هكذا: .
4. النقطتان: وترسمان هكذا: :
5. علامة الاستفهام: وترسم هكذا: ؟
6. علامة التأثر: وترسم هكذا: !
7. القوسان الهلالان: وترسم هكذا: ( )
8. علامة التنصيص: وترسم هكذا: (( )) أو " "
9. الشَرِطَة: وترسم هكذا: -
10. علامة الحذف: وترسم هكذا: ...
مواضيع استعمال هذه العلامات
أولا: الفصلة:
والغرض من وضعها أن يسكت القارئ عندها سكتة خفيفة جدا؛ لتميز بعض أجزاء الكلام من البعض، وتوضع في المواضع الآتية:
أ- بين الجمل التي يتركب من مجموعها كلام تام الفائدة، مثل: إن محمدا تلميذ مهذب لا يؤذي أحدا، ولا يكذب في كلامه، ولا يقصر في دروسه، ومثل: محمود لا يكرهه أحد، سواء أكان من إخوانه، أم من معلميه.
ب- بين الكلمات المفردة المتصلة بكلمات أخرى تجعلها شبيهة بالجملة في طولها، مثل: ما خاب تاجر صادق، ولا تلميذ عامل بنصائح والديه ومعلميه، ولا صانع مجيد لصناعته، غير مخلف لمواعيده.
ج- بين أنواع الشيء وأقسامه، مثل: إن التبكير في النوم وفي الاستيقاظ منه يكسب الإنسان ثلاث فوائد: صحة البدن، وصفاء العقل، وسعة الرزق. ومثل: فصول السنة أربعة: الربيع، والصيف، والخريف، والشتاء.
د- بعد لفظة المنادى، مثل: يا علي، أحضر الكتاب.
ثانيا: الفصلة المنقوطة:
والغرض منها أن يقف القارئ عندها وقفة متوسطة، أطول بقليل من سكتة الفصل، وأكثر استعمالها في موضعين:
أ- بين الجمل الطويلة التي يتركب من مجموعها كلام مفيد؛ وذلك لإمكان التنفس بين الجمل عند قراءتها ومنع خلط بعضها ببعض بسبب تباعدها. مثل: إن الناس لا ينظرون إلى الزمن الذي عمل فيه العمل؛ وإنما ينظرون إلى مقدار جودته وإتقانه.
ب- بين الجملتين تكون الثانية منها سببا في الأولى، مثل: طردت المدرسة خليلا؛ لأنه غش في الامتحان. أو تكون مسببة عن الأولى، مثل: محمد مجد في كل دروسه؛ فلا غرابة أن يكون أول فصله.
ثالثا: النقطة أو الوقفة:
وتوضع في نهاية الجمل التامة المعنى، مستوفية كل مكملاتها اللفظية، مثل: إذا تم العقل نقص الكلام. ومثل: خير الكلام ما قلَّ ودلَّ، ولم يطل فيمل. .
رابعا: النقطتان:
وتستعملان لتوضيح ما بعدهما وتميزه مما قبله، وأكثر استعمالهما في ثلاثة مواضع :
1. بين الكلام والقول المقول -أي المتكلم به- أو ما يشبههما في المعنى، مثل: قال حكيم: العلم زين، والجهل شين. ومثل: من نصائح أبي لي كل يوم: لا تؤخر عمل يومك إلى غدك.
2. وبين الشيء وأقسامه أو أنواعه، مثل: أصابع اليد خمس: الإبهام، والسبابة، والوسطى، والبنصر، والخنصر. ومثل: اثنان لا يشبعان: طالب علم، وطالب مال.
3. وقبل الأمثلة التي توضح القاعدة، وقبل الكلام الذي يوضح ما قبله، مثل: بعض الحيوان يأكل اللحم: كالأسد، والنمر، والذئب. وبعضه يأكل النبات: كالفيل والبقر والغنم. ومثل: أجزاء الكلام العربي ثلاثة: اسم، وفعل، وحرف. ومثل: الكذب صفة دنيئة: تجعل صاحبها محتقرا بين الناس، لا يوثق بكلامه وإن صدق.
خامسا: علامة الاستفهام:
توضع في نهاية الجملة المستفهم بها عن شيء، مثل: محمد أهذا خطك؟ متى حضرت؟ ما عندك من الأخبار؟ كيف ترسم هذا الشيء؟ لِمَ تكره الألعاب الرياضية؟ من هذا القادم؟ أين ساعتك؟ أي الفريقين بارع في اللعب؟.
سادسا: علامة التأثر:
وتوضع في آخر الجملة التي يعبر بها عن الفرح أو الحزن أو التعجب أو استغاثة أو دعاء، مثل: يا بشراي! نجحت في الامتحان! وآااأسفاه! ما أجمل هذا البستان! النار النار! أغيثونا! ويل للظالم! مات فلان! رحمة الله عليه!.
سابعا: القوسان:
توضعان في وسط الكلام مكتوب بينهما الألفاظ التي ليست من أركان هذا الكلام، كالجمل المعترضة، وألفاظ الاحتراز والتفسير، مثل: القاهرة (حرسها الله) أكبر مدينة في أفريقيا، ومثل: إن كان لي ذنب (ولا ذنب لي) فما له غيرك من مسامح. ومثل: حُلْوان (بضم فسكون) مدينة جنوبي القاهرة: طيبة الهواء، بها حَمَّامات كبريتية.
ويمكن وضع الجملة المعترضة بين شرطتين هكذا - - .
ثامنا: علامة التنصيص:
ويوضع بين قوسيها مزدوجتين كل كلام ينقل بنصه وحرفه، مثل: قال الشافعي "لمس المرأة ناقض للوضوء".
تاسعا: الشَرِطَة أو الوصلة، وتوضع:
1. بين ركني الجملة إذا طال الركن الأول؛ لأجل تسهيل فهمها، مثل: التاجر الصغير -الذي يراعي الصدق والأمانة مع جميع من يعامله من كل الطبقات- يصير بعد سنوات قليلة من أكبر التجار.
2. بين العدد والمعدود إذا وقعا عنوانا في أول السطر، مثل: التبكير في النوم واليقظة يكسب:
أولا - صحة البدن.
ثانيا - وفور المال.
ثالثا - سلامة العقل.
عاشرا: علامة الحذف:
وتوضع مكان المحذوف من الكلام للاقتصار على المهم منه، أو لاستتباع ذكر بعضه، مثل: جبل المقطم أشهر جبال مصر ... بنى عليه صلاح الدين الأيوبي قلعته المشهورة، وجددها مجدد مصر المرحوم محمد علي باشا، وبنى بها مسجده العجيب، وكان بها مضجعه الأخير.
ملحوظة : لا يوضع من هذه العلامات في أول السطر إلا القوسان وعلامة التنصيص.
أ.د. عبد الملك عبد الرحمن السعدي
منقول من موقع الأمة الوسط