منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 11
  1. #1

    مقاطع من روايتي( تراجانا)

    الحقيقة كاملة عصيّة على الظهور للواقع, يقال و يحكى عن بعض منها, ويبقى الكثير من جوانبها غامضة وكأنه فقط مسموح لحدّ معين, و كأنها خطوط حمراء, لا يمكن لأحد أن يقترب منها, مما يجعل أمثالنا يميل للتكهنات, ومحاولة إيجاد التفسيرات بما تحتمل ولا تحتمل, وكذلك خلق المبررات لأن تكون منطقية قدر الإمكان , وأن تحاكي الحدث في
    بعض جوانبه وجزئياته.
    والحقيقة من الحق, وهي جليّة واضحة, غير قابلة للتجزيء, فإما أن تؤخذ كاملة وكما هي, أو يعتبر خلاف ذلك تجديفاً في عكس التيار.

    مقاطع من روايتي( تراجانا)
    بقلمي محمد فتحي المقداد
    بصرى الشام

  2. #2
    فالحقيقة في عيون الكثيرين كمثل طاسة الحمّام في السوق والرغوة تندلق منها, وفي حقيقتها, ماء قليل من قليل من بشارة الصابون التي تخلط تنتج تلك الرغوة الهائجة.
    فلا رجاء لبلوغ حقيقة و أن تقوم لها قائمة
    إلا برعاية ضمير يقظ ..
    ولا ينفع الضمير الغائب..
    ولا ينفع ضمير مُغيّب ..
    ... ولا ينفع ضمير ميّت..
    و لا ضمير فاسد أو منحرف..
    فضلاً عمّن تخلّى عن ضميره, أو ممن في الأصل لا يملك ضميراً..
    فالحقيقة واحدة.. متوحدة.. لا تنفصل .. ولا تتجزأ .. والجميع يسعى لها, ولكل شيخ طريقته في بلوغها.. وهي ثابتة راسخة لا تتغير و تتبدل , والمتغيّر هو فهم الناس للتعبير عمّا يظن أنه الحقيقة برأيه, وهو يكون قد وقع في متاهة الوهم.
    وكثيراً ما يتجافى الفهم القاصر مع الحقيقة, و لا يبلغ حتى أنصاف الحقائق أو معشارها.
    وكذلك فإن الحقيقة حرّة لا يملكها أحد..
    ولا أحد يمتلك الحقيقة كاملة..
    ولا يستطيع أحد أن يدعي امتلاك النسخة الأصلية منها ..
    الله عز وجل هو الحقيقة المطلقة في الوجود .. وكل باحث يظن أنه يملكها, ولكن الواقع ينبئ عن الكون بجغرافيته الواسعة و المتسعة, و فلك ومجرات وبحار و محيطات و سهول وأشجار و أودية وجبال وإنسان وحيوانات , وتعاقب الليل والنهار و الهواء والدفء والبرد, كل ذلك وسواه ما هو إلا تعبير عن مظاهر تلك الحقيقية المطلقة- الله- .
    فالإنسان هو المكرّم في هذا الكون, الذي جعله الله خليفة فيه, لحمله الأمانة, وجعل الكون كله في خدمة ورفاه البشرية, وفي كلام ابن عطاء الله السكندري رحمه الله تعالى, في حكمه العطائية:" لقد أنار الظواهر بأنواره وآثاره, وأنار السرائر بأنوار أوصافه, لذلك أفَلَتْ أنوار الظواهر, و لم تأفل أنوار القلوب والسرائر, ولذلك قيل: إن شمس النهار تغرب باللي = -ل وشمس القلوب ليست تغيب ".
    وكذلك:" ولولا ظهوره في المكونات ما وقع عليها وجود إبصار, ولو ظهرت صفاتُه, اضمحلت مكوناته". وكذلك:" سَتَرَ أنوار السرائر , بكثائف الظواهر إجلالاً لها أن تُبْتَذَل بوجود الإظهار , وأن يُنادى عليها بلسان الإشهار".
    وهنا تظهر قيمة استخدام العقل في التفكير للوصول إلى الحق والحقيقة المطلقة.. ومن : "عرف الحق شهده في كل شيء, ومن فنِيَ به غاب عن كل شيء, ومن أحبه لم يؤثر عليه شيئاً ".

  3. #3
    سوف اتابع إن كان هناك متابعة.
    سلمت لنا دوما
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  4. #4
    يبدو أنه من عشاق التاريخ.., وقال:
    "فلا تاريخ بلا حياة..
    الحياة .. تعتبر مادة التاريخ الأساسية..
    الفراغ بياض لصفحات التاريخ..
    كثيرون هم الذين تكلّسوا على عتبات الماضي..
    لا يحيدون في حديثهم و في تفكيرهم.. قال.. وقال ..
    كان أبي ..
    كان جدي..
    يغوص للأعماق في .. قال .. وكان..
    تسأله : " وأنتَ ماذا..؟.
    وماذا أنت.. ؟ .
    تترهل الإجابات على شفتيه..حيرةٌ لا تستطيع الإفصاح عن نفسها..
    وذلك بعد أن فقدْ بوصلتها.."

    بقلمي ( محمد فتحي المقداد)*

  5. #5
    لماذا .. أنا
    في مرحلة زمنية سابقة, لا أذكر تاريخها بالضبط, اطمأن فطين وهو صديق الحميم لي, ودفع لي بجميع أوراقه المتناثرة والمبعثرة.. وهو الذي كان حريصاً على كل قصاصة منها, إيماناً منه بأنها ستعود الروح لها, وتدبّ الحياة في أوصالها..وذلك عندما أيقن بمقدرتي على كتابتها, إعادة تدويرها على شكل حدث روائي, والعودة إليها بين الحين والحين من خلال رواية الأحداث المدونة على أوراقه وقصاصاته, ولكن الأهم بين هذه الأوراق على الإطلاق هو الدفتر مكتوب بكامل صفحاته والمرقمة بأعلى كل صفحة.. ومن الأهمية الكبرى له بأن فطين قام بتدوين سيرته الذاتية فيه, آماله وطموحاته, أفراحه وأحزانه, كبواته وعثراته, وذلك من بدايته عند مولده, وظروف الحياة القاسية التي صاحبته منذ أيامه الأولى في هذه الدنيا..وانطلاقته في دروب البحث عن الذات, وعن المستقبل فراراً من واقع مؤلم وجد نفسه فيه نتيجة انفصال الأبوين في وقت مبكر من ولادته ومجيئه للدنيا, و بعد أن شبّ و اشتدّ عوده, وبإصراره على الخطوة الأولى استطاع الخروج من القوقعة, والتي أعاقت الكثير من أمثاله, فيمن يتشابه مع حالته الاجتماعية و المعاناة التي لم تتوقف, إلا بانتهائهم إلى القبر, بعد أن يلوذون هناك بصمتهم الموجع بأبديته في المملكة العظمى للصمت.حيث ... تغادر الأرواح أجسادها..... وتُكبّل الإرادات..... وتتحجر العيون..... ويتوقف نبض القلوب ..... وتدفن الأجساد .. والتي ستصبح وليمة رائعة للديدان التي لا تأبه نَتَن الروائح التي دفنت تحت التراب رحمة وإكراماً..... هذه الأجساد سلكت طريق اللاعودة أبداً, المختلف بكل حيثياته, وسيؤدي إلى تلف الخلايا, وتفتت اللحم عن العظم والذي بدورة سيبلى.. ويذوب الجسد بأكمله ليتحول إلى حفنة تراب ..وينطفئ ذكر الإنسان, إلاّ من ولد صالح يدعو له, أو من علم ينتفع به, أو صدقة جارية في مصالح وشؤون العامة.ولكنّ النسيان سيمحو ذكر أي إنسان لا يملك من هذه الأشياء شيئاً.. وفي الحلة المقابلة لهذه, سيُذكر شرار الخلق بشرورهم, والظالمون بظلمهم, والطغاة بطغيانهم, و تنهال عليهم اللعنات جيلاً بعد جيل, لعمق الأثر والخراب الذي أحدثوه وامتدت آثاره لما بعد مماتهم. ويعتقد أن لكل إنسان نصيب من اسمه, وفطين وقد اكتسب الفطنة وبُعد النظر للمستقبل, ولذلك أقدم على خطوته تلك, إيماناً منه بأن جهده وعصارة فكره وتجربته لن تضع سدىً.وأن هذه الأوراق لن يكون مصيرها عند بائع الفلافل, يلف بها السندويتشات و من ثم ترمى في الزبالة, بعد الانتهاء من استخدامها.أو أن تكون كوقود في مدفأة في ليل شتائي بارد, من أيام كانون الثاني وذلك بعد انقطاع الوقود والبحث عنه بكل السبل, حتى يلجأ الكثير للحطب وبقايا الأغصان وكثيراً ما يصل الحال أن يوقدوا متاعهم خوفاً من الموت برداً..وقد أطلق يدي بلا ضابط في رواية الأحداث التي سطرها في أوراقه وأصبحتُ قيّماً على هذا التراث .. ونصّبتُ نفسي راوية لمذكرات فطين بعد التفويض الكامل منه بلا قيد و لا شرط. من هنا بدأت الفكرة..بغية الوصول إلى هناك.. إلى القرّاء.. إلى المستقبل, حفظاً من الضياع والاندثار .... وعليه توكلت ..بقلمي( محمد فتحي المقداد)*بصرى الشام

  6. #6
    هناك قلة قليلة في كل المجتمعات التي تقول فتفعل, فيكون قولها فعلها, وهم الفئة الفاعلة بقوة تأثيرهم على الآخرين, والذين غالباً ما يستجيبون لدواعي أفكارهم وتميزهم.
    والتأثيرات بالطبع حسب كل شخص في موقعه السياسي أو الديني أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو الفكري. والفكر يعتبر صبغة لكل التأثيرات المصطبغة بتوجهات صاحبها, ولذلك فإذا كانت موجهة فتكون حياتها وبقاءها ببقاء الموجّه الذي يقف خلفها, مصيرها مرتبط ببقائه مهيمناً على الساحة, ومفاتيح اللعبة بيده.فالقلة القليلة هي حسب قانون نابليون, فهي لا تساوي أكثر من 7% في المجتمع وهي الفئة الواعية, ولذلك قام نابليون بتوجيه جهوده لكسب الأغلبية 93% و التي ستكون الكومة الكبيرة التي تبتلع الأقلية الواعية, وكما قيل: ( الكثرة غلبت الشجاعة),ويقل تأثير هذه الفئة على مجريات الحياة لصالح تأثيرات القائد الموجّه, و الذي يطمح لصناعة الأمجاد, ولكن في ظل الفئة فهو لا يستطيع مجاراتها لمحدودية سقفه, تحت مظلّة الفئة تلك.لذلك كان من الواجب تشتيت وتبديد جهود هذه الفئة, والعمل على تقزيمها, ووضع العراقيل في طريقها, وتشويهها في عيون الأكثرية لتنفضّ عنها, وحتى يكون الطريق الآخر هو الأسهل والسالك, وفيه تبدو جليّة منجزات القائد واضحة, و بالتالي ستتحول هذه المنجزات إلى حزام يطوّق أعناق الكثرة التي غشيتها الدعاية الباهرة, فغسلت أدمغتهم, وأصبحوا مضللين وقد بهرهم اللمعان الزائف.ثم تطوّرت حالتهم ليكونوا لسان حال اللمعان يمجدّون ويسبحون بحمده.. بعد أن سلّموا أنفسهم وقلوبهم وعقولهم بلا مقابل.. سوى, قال.. وكان..هنا وقفت الفئة القليلة الواعية عاجزة عن إيصال فكرتها, لتخترق حاجز الغشاوة التي ضللت الفئة المقابلة, واصطدمت بآذان صمّاء, وقلوب قد ران عليها, وعقول مقفلة. إن تقابل المشروع الواعي.. والمشروع المسيطر , وقد وقفا في صفين متناقضين, كل يحاول الإنقضاض على الآخر المخالف له, لإزاحته من الطريق.. وتمهيده لتجنيد الأنصار.. وتكثيرهم بكل السبل.. وتكثير الأيدي المصفقة, والأفواه الهاتفة.. حتى وإن كانت على قاعدة الغاية تبرر الوسيلة.. فلا مانع لديهم. الفعل مرتبط بفاعل..والفعل بكل تأكيد.. سيقع على مفعول به..الفاعل شامخ منتشي ..والمفعول به مخذول منكسر..الفاعل صاحب قبضة تملك عصا..المفعول به منفعل بحركة العصا.. والخوف نصب عليه..الفاعل كان سيفقد مشروعه.. لولا وجود المفعول به..لولا المفعول به.. لن يكون هناك فاعل بكل تأكيد..بقلمي ( محمد فتحي المقداد)*بصرى الشام

  7. #7
    قوقعة المكان
    قوقعة المكان.. أصبحت قمقماً حبس أنفاس الزمان.. كبّلت الأجسام بمتين الحبال .. شدّتْها بقوة, فأوثقت الأفكار .. التي كادت تتكلّس كالملاط فيما بين الحجارة السوداء.. وهي آثار المدينة أجسام ارتحلت.. نسيت أفكارها هناك.. ارتحل الوطن داخلها فكان الدم الذي يسري في العروق .. دوام الإرتحال, أصبح فينا كأخيام البدو المهاجرة.. تعود عصافير أرواحنا من أقاصي الكون, لأعشاشها في أبنية القرية المهجورة والعالية.. تتجاوز المسافات, عائدة من أجل الطمأنينة بقلمي- ( محمد فتحي المقداد)* بصرى الشام

  8. #8
    كل حجر له قصة ورواية, أو حكاية طويلة تستحق التوقف والإنصات لها, كونها تروي تاريخ أمم وحضارات وصراعات.. أمم سادت ثم بادت..ولكن الحجر الرخامي الأبيض, الذي يبدو أنه غطاء لأحد المدافن الحجرية الرومانية, والتي يسمونها( رانات), بالفعل هو كاد يخلع عقل نوّاف, لروعته ودقة نحته, واستفاضت به روح الفنان ذو الحس المرهف, وهو يتلمس بيده صورة مجسم التمثال النافر, وكأنه اتخذ من الحجر سريراً وقد أخذ عليه غفوة فاضطجع, وكأنه في الحقيقة حيث التفاصيل الدقيقة, وتسمّر في مكانه وهو يتأمل, وانفتحت نافذة روحه على مشاهد ذلك الملك أو القائد,الذي حكم وظلم وأرعب شعبه وقاده للمعارك والمهالك, ومن نجا منه عاد لتجرع قساوة عيش الذل والمهانة في ظل قائده الذي جنى كل ثمرات شعبه في سبيل بناء أمجاده الشخصية.وراح نوّاف يقرأ سيرتهم ويستعرضها, كما لو أنها كشريط سينمائي صامت كأفلام شارلي شابلن, بحركات سريعة وعصبية, توحي بالتوتر المصحوب بالضحك من تلك الحركات برغم بساطتها.بينما لآلئ انحدرت على خديه ساخنة بسخاء, ليمسحها بمنديل أخرجه من جيبه, انتبه فطين , ما هذه الدموع, ولماذا يا صديقي؟.-يبكيني حال ذلك الرجل النحّات, أو مجموعة النحّاتين الذين عملوا ربما لسنة أو أكثر في تصنيع التمثال هذا.. وحرارة الشمس صيفاً وبرد الشتاء.. والدماء التي تنزّ من أيديهم إثر الضربات الطائشة من المطارق على أعقاب الأزاميل.. دموع مجرد خيال راوده.. عذابات الواقع, وقد جمدت بخيالاتها المشاعر والأحاسيس, من القنوات الفضائية وهي تقذف بآلاف الصور من القتل والتدمير وأنهار الدماء . تبلدت القلوب والعقول أمام هذا السيل الجارف..قاتل يستعرض عضلاته..ضحايا تروي مآسيها.. صرخاتهم لامست أسماعنا..أنينهم لم يهزّ شعرة فينا..تسابق محموم, للفتل والسحل والتمثيل والتدمير..تسابق محموم للفضائيات لنقل الصور المرعبة..وسائل إعلامية بلا مشاعر.. ومذيعون ومذيعات يؤدون وظيفتهم المطلوبة منهم, وما هم سوى يرددون ما كتب أمامهم, أقرب إلى الببغاء التي تردد ما يطلب منها بالمحاكاة.مذيع عبارة عن موظف, كثيراً ما يقرأ خبراً مخالفاً لقناعته, ولا يستطيع تعديل كلمة واحدة.. هناك مسؤول إعداد الأخبار.. الخاضع بدوره لسياسة المحطة في طريقة صياغة الخبر وتوقيت إذاعته, و المأمول منه إعادة صياغة طريقة تفكير الناس, والعمل على غسل الأدمغة, من خلال تسويق خطط شيطانية تعمل على تضليل الرؤية, وتشتيت إجماع الناس.. ربما الخوف من اجتماعهم على فكرة, أياً كانت .هناك أياد خفية ترسم..وعقول تخطط..وتتأني في حصد النتائج..ولا تتعجل بقطف الثمار..وأموال قذرة تبذل في كل السُّبُل لتعهير القيم..والعمل على تفتيت نسيج المجتمعات من الداخل.. يصبح الرجل مؤمناً.. ويمسي كافراً من الكذب والتضليل الإعلامي..تختلط الأمور., حتى تصعب الرؤية.. والقدرة على معرفة الحق والصواب من الباطل والخبث..

  9. #9
    عزيزي:
    لو استطعت أن أحلم بأني سأجلس على مثل هذا الكرسي الذي جلس عليه الامبراطور, فإن ذلك سيكون من المستحيلات السبعة في الدنيا..
    ولما أجاز لي عقلي الباطن, بمثل هكذا حلم كأنه متهوّر, لو حدثتني به نفسي, لخفت من نفسي أن تشِيَ بي إلى أعوان السلطان من ذوي الحرص أن تبقى أحلام الناس دون الخط المرسوم, ولكن هناك أحلاماً تخطّت الخطو فاصطدمت بجدار رهيب من الخوف, و بجدار من سجون القهر و القتل.
    التي أعدّها تراجان.. ونيرون .. وفرعون.. وهامان.. وكسرى لتهذيب أخلاق شعوبهم, وهؤلاء هم أئمة السلطة في الإمبراطوريات التي حكموها على مدار التاريخ, عوامل مشتركة تجمع بينهم رغم تباعد أزمانهم, الطغيان على كل الأصعدة الذي أفسد حياة شعوبهم, كثيراً ما حرفها عن حقيقة توجهاتها.
    وكذلك الكرسي قد أصبح رمزاً للحكم, وجميعهم قد جلس عليه منذ الاستيلاء عليه أو توليه إلى الممات, إما قتلاً أو قدراً.
    وهذا النوع من الكراسي, يلتصق بمن يجلس عليه, لا يستطيع التخلي عنه, فإذا ما همّ بالقيام جذبه, و إذا ابتعد قليلاً أرسل بهالته الجاذبة ليعيده للجلوس لأنه لا يحب أن يشغر, فيكون عُرضة لصراع المتصارعين الذين ريما بحماقة اندفاعهم فيدمرونه انتحاراً, وهم قد بدؤوا بالانتحار أولاً, استماتة في الوصول للجلوس.
    فالكراسي لا ديمومة أمان لهاو ليست بعيدة المنال عن كل طموح مغامر ذو يد ملوّثة بمصافحتها ليد الشيطان, أو لمن كان توافُق هوامير قد قبضت على مفاتيح الحياة في بلاد أصبحت مزارع أبقار حلوب تدرّ عليهم, ودجاجاً يبض ذهباً.
    لكن عجلة تطور الحياة التقنية قد امتدت يده وخيوطه للكراسي بالتعهد بتحسينها, وقد
    تفننوا في إدخال تقنيات رفاه للذي سيجلس عليها, وأصبحت متحركة كالكثبان الرملية تتحرك مع هبوب الرياح العاتية لأماكن أخرى, وأخطرها على الإطلاق ذوات العجلات, و في حركات غير محسوبة تائهة في غيّها ممكن أن تنقلب بصاحبها, ويقع على أم رأسه فينتهي تاريخه وكثيراً ما تكون مصارعهم عند أرجل الكراسي أو أمامها, حيث أصبحت الكراسي شاهدة على عصور من الصراعات الدامية في سبيل الوصول إليها وكثيراً ما قالت:" لو دمت لغيرك, ما وصلت إليك".
    فالكراسي كما البوابات ذات صمت عميق, بوحها قليل, ولكن على الحاذق أن يقرأ أو يستقرئ بمقدمات صحيحة حتى يحصل على نتائج سليمة, وبما أنها أصبحت رموزاً معروفة, فلها أدواتها التي تحيطها هالة من الحراس والأُذّان والحُجّاب والأبواب المتتالية, والتفتيش ووسائل الأمان والتأمين حتى تمثل بين يدي من يجلس وهو المقصود لحاجة, أو إحقاق حق, أو نصرة, أو غير ذلك..
    وكل ذلك يدور ضمن القصور الفارهة, والتي لا فرق بينها وبين هذه القلعة والسوار العالية والحراسات على جميع الزوايا ليلاً ونهاراً, وكأنها سجون لكن الفرق بينهما, قصر من الداخل ونزيله هو السجين الدائم الخائف من رعيته وهو يحتجب عنهم.
    فطين مسترسل بحديثه هذا و عيناه ثابتتان على دائرة القمر يستمد منها الكثير, كذلك صديقه المنصت بكل جوارحه ولم ينبس ببنت شفه.
    روحانية عجيبة تجلّت عليهما, حتى أنهما كادا أن يغيبا عن الوجود, لولا السلام الذي يلقيه المارة القاصدين للمشي وشم النسيم, أو العابرين لبيوتهم القليلة والمعدودة جنوبي القلعة, الأمر الذي يقطع عليهما سلسلة الأفكار التي تذهب بعيداً لحواف الكون مع ضوء القمر , و تغوص في مجاهل التاريخ وقراءته بطريقة مختلفة تماماً, وقراءة ما بين السطور تشي باستخلاص العبرة.
    وتابع في أفكاره المسترسلة, أو تداعي الأفكار, وقال:
    هل أصبح تاريخنا عبئاً علينا؟.
    هل جلب لنا المتاعب والصعاب من الماضي ليرميها في طريقنا الآن, لكي نتعثر بها, كما تعثر بها أوائلنا ؟.
    هل الذاكرة الوطنية لشعوبنا العربية أصبحت مثقوبة, بحيث صارت عبئاً على حاضرنا, بقدر ما كان يرتجي أن تكون حوافز لهجرة الواقع المؤلم بكافة تفاصيله, وتصنع قفزة نوعية تنقلنا بأمان للمستقبل؟.
    أنظر فأرى, فسحة واسعة من الأوطان, وأتفاءل مطمئناً إلى الوفرة المادية التي تجعلنا الأوائل عالمياً في كافة المجالات, ولكن لما أرجع لهذياني التاريخي الذي أصبح في ذهني على الأقل مجرد وساوس تاريخية ينوء بها العديد من البلدان.
    أم هل أصبحنا عبئاً وعالة على تاريخنا؟.
    وذلك عندما عدنا نستجرّه نتيه فخراً بمآثر أجدادنا ونحن متكئون وقد ناءت بنا هممنا من مكان جلوسنا, فضلاً عن القيام بعمل ما على قانونه وحقيقته.
    بينما نحوز على الكثير من الجغرافيا والكثير من التاريخ, الذي أثقل كاهلنا, تتقاتل العربان من أجل التاريخ.
    ومراسم الصلح بين المتخاصمين تحفل بحفلة دسمة من التاريخ.
    وانقسمت الأمة الواحدة على التاريخ.
    وأصبحت مزقاً متشرذمة.
    ولا تزال قبيلتا عبس و ذبيان يراهنان على الفرس السبوق, نصب أعينهما التاريخ.
    وأصبح الوطن الواحد ( 22 دولة ) وذلك من أجل التاريخ.
    وجاءت جيوش الاستعمار من وراء البحار على وطننا, ونهبت الخيرات وأذلّت العباد بالقتل والتشريد, لتفسيرها الديني للتاريخ, والذي جنوا من ورائه سلّة اقتصادية غنية أشبعتهم وأجاعتنا وأصبحنا نستورد طعامنا.
    وفي كل هذا تحولت إلى المنطق الذي ربما أكون قد أوغلت في مجاهله حتى أصبحت في المنطقة الرمادية, على الأقل بنظرتي المتواضعة

  10. #10
    أليس من المستغرب أن نتجول في المنطقة الرمادية التي تسبق السوداء القاتمة بدرجة واحدة فقط؟.
    ألا يكفي أن نعيش الحاضر الذي نملكه, إذا كانت العودة للتفكير في الماضي سترشقنا بآلامها؟.
    وهل من فائدة ترتجى من آمالنا المتجددة بغموض مستقبلنا؟.
    إذا كان خيار الموت السهل مطروحاً علينا في كفّة و الانصياع لاستجلاب مثالب التاريخ, والتي ستملي علينا القهر والذل المغموس بالدماء, فالموت يكون هو الخيار الأمثل؟.
    الناس ت...تصارع على الماضي, ومن أجل استحضار الماضي يبدو أنهم انتزعوا أنفسهم من الحاضر, وابتعدوا شططاً و إيغالاً في سحيق الماضي, وعطلوا ماكنة عقولهم من الاستخدام المثمر في حياتهم الحاضرة, بل استثمروها في نبش الفتن من الصفحات السوداء من تاريخ الأمة, واستعادوها, وهي برسم التطبيق على حاضرهم ومستقبلهم بقوة العصا.

    ( مقاطع من روايتي - تيراجانا - )

    بقلمي محمد فتحي المقداد

    سوريا \ بصرى الشام

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. مقاطع زمنية
    بواسطة رغد قصاب في المنتدى فرسان التصويب
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-22-2016, 04:11 AM
  2. جميع مقاطع خدمة العفاسي Zain للجوال MP3
    بواسطة عبدالله جنينة في المنتدى خاص بالهواتف النقالة
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 11-20-2009, 08:33 AM
  3. روايتي الاولى
    بواسطة محمداقبال في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 09-30-2009, 08:00 PM
  4. مقاطع صغيرة
    بواسطة محمود مغربى في المنتدى فرسان النثر
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 08-03-2009, 04:47 PM
  5. مقاطع اليها .. مقاطع الى
    بواسطة محمود مغربى في المنتدى فرسان النثر
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 07-22-2009, 05:19 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •