عمر سليمان، نحو سباق الرئاسة مرةً أخرى !
د. عادل محمد عايش الأسطل
في خطوة مفاجئة، وحسبما أعلنت اللجنة "منسقة الحملة الانتخابية" لترشيح "عمر سليمان" لخوضه سباق رئاسة الجمهورية، بأنه كان متوقعاً إعلان "سليمان" ترشيح نفسه لخوض الانتخابات الجمعة أو السبت، إلاّ أنه آثر الانسحاب من الانتخابات. وكان أعلن اللواء "سليمان" مدير المخابرات المصرية العامة، ونائب الرئيس المصري السابق مبارك، عن اعتزامه الانسحاب من سباق الترشح لمنصب رئاسة مصر، واعتذاره للذين منحوه الثقة وقاموا بعمل توكيلات له، قاربت من 50 ألف توكيل، وكان أشار في بيان له الأربعاء 4 ابريل/نيسان، أنه قام بخدمة الوطن لأكثر من نصف قرن وأنه حاول التغلب على المعوقات ومتطلبات الترشح الإدارية والتنظيمية والمادية، إلاّ أنه لم يتمكن من ذلك، وكانت تلك المعوقات، تفوق قدراته، وأنه يتمني للوطن أن يسير علي الطريق الصحيح نحو المستقبل. ولكن كما يبدو كانت هناك عقبات أخرى، لم يشأ الإفصاح عنها، فقد كشفت مصادر، أن اللواء لم يستطع إقناع المؤسسة العسكرية، بالموافقة على خوض سباق انتخابات الرئاسة، بسبب أنه كان يرأس جهازاً أمنياً حساساً، وهو المخابرات العامة، وفى حالة فشله في الفوز بمنصب الرئاسة، فسينسحب الأمر على فشل الجهاز، وهو ما ترفضه المؤسسة العسكرية. وبجانب هذه المعوقات فإن هناك عامل مهم، وهو أن اللواء "سليمان"، على خلاف شديد مع قيادة عسكرية نافذة، وأن العلاقة معها متوترة، وأن هذه القيادة لا ترغب فى خوضه للانتخابات الرئاسية، خاصة وأنه كان من أبرز أركان نظام مبارك، وكان يحمل ملفات سرية، نالت من العلاقة بينه وبين القيادات العسكرية البارزة، ومن ثم فإن هذه القيادة النافذة بعثت برسائل مهمة لنائب رئيس الجمهورية السابق، ترى ضرورة غيابه عن الحلبة السياسية، فى هذه المرحلة المهمة والحرجة، التى تمر بها البلاد، وأن ينأى بنفسه عن شبهة إفساد سمعة الجهاز "الأمني الحساس" ، والمؤسسة العسكرية، فى صراع الانتخابات. وفور إعلانه، فقد صدرت ردود فعل قلقة وغاضبة، من جهات خارجية ومحلية، لاسيما قلق الولايات المتحدة الأمريكية، التي وصفت القرار بغير الصائب، حيث كان يحظى بثقة أمريكية، بعد خضوعه لتدريبات خاصة بإدارة الأزمات، خلال ثمانينيات القرن الماضي بمعهد ومركز جون كينيدي الخاص للحروب في فورت براغ بنورث كارولينا الأمريكية.
ومن ناحيتها كانت أعربت إسرائيل في وقتٍ سابق عن ترحيبها بترشح عمر سليمان للرئاسة في مصر، واعتبرت احتمالات فوزه في الانتخابات الرئاسية المقبلة في مصر كبيرة وجيدة، حتى على المرشحين المعروفين بانتماءاتهم للمعسكر الإسلامي، وعلى رأسهم "عبد المنعم أبو الفتوح" والمرشح السلفي "حازم أبو إسماعيل".
وأيضا كان نال قسطاً وافراً، واستحساناً من قبل وسائل الإعلام الأمريكية والإسرائيلية، حيث شجع الإعلام الأمريكي ترشحه لرئاسة مصر، معتبراً أنه يحظي بثقة العالم العربي ومعروف بقيادته الحكيمة. وكانت ذكرت "إذاعة الجيش الإسرائيلي" غاليه تساهل": بأن ترشح سليمان للرئاسة من شأنه أن ينافس بقوه خصومه السياسيين، وبخاصةً الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، ووزير الخارجية الأسبق "عمرو موسى" في السباق، وبالتالي الإبقاء على حالة الاستقرار بين البلدين.
وعليه، فكما يبدو، اجتمعت عدة دوافع ومحفزات، أيضاً خارجية ومحلية، بالرغم من جملة العقبات التي سردها هو نفسه أوجهات أخرى، فقد آثر العدول عن قراره بالانسحاب، بحجة ضغط الجماهير وتأييدهم الواضح له، بعد أن دعوا إلى تسيير مليونيات، في جميع أرجاء مصر تطالبه بالتراجع عن الانسحاب، وكان أعلن عن ذلك، من داخل مقر خيمة جمع توكيلات التأييد بالعباسية، خلال بيان أصدره، قال فيه" الإخوة والأخوات من أبناء مصر الغالية، لقد هزتنى وقفتكم القوية وإصراركم على تغيير الأمر الواقع بأيديكم. إن النداء الذى وجهتموه لى "أمر" وأنا جندى لم أعصِ أمراً طوال حياتى، فإذا ما كان هذا الأمر من الشعب المؤمن بوطنه لا أستطيع إلاً أن ألبى هذا النداء، وأشارك فى الترشح، رغم ما أوضحته لكم فى بيانى السابق من معوقات وصعوبات». وكانت أعلنت الجبهة الثورية لترشيح" سليمان" للرئاسة عن إصرارها وتمسكها الكامل بترشيحه لرئاسة الجمهورية، بعدما صرح مقربون منه، أنه كان رفض فى وقت سابق الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية، لأن ذلك مرهون باختيار رئيس توافقي. حيث تزعم الجبهة أن "سيلمان" هو المرشح الوحيد القادر، على إنقاذ مصر مما تمر به من مشاكل ضخمة، وعلى كافة المستويات المختلفة.
بعد أن دعا مؤيدو وأنصاره، إلى تنظيم مسيرة إلى بيته، حيث انطلقت المسيرات من بعد صلاة الجمعة، من أجل الضغط عليه وإقناعه بالعدول عن قراره بالاعتذار عن خوض سباق الترشح لرئاسة الجمهورية، فى الوقت الذى أكد فيه مسئولو حملته الانتخابية، صدمتهم من قرار اعتذاره، مؤكدين على أن الدعوة للمسيرة وجدت صدىً لدى محبيه ومؤيديه، وقد شارك الآلاف فى المسيرات، كانوا رفعوا الرايات والأعلام المصرية واليافطات والصور المختلفة التي تدعوه للعودة وفي نفس الوقت كانت تحمل عبارات تحمل مضامين وعبارات مناوئة لجماعات ومرشحين آخرين، وكان أبرزها المنطلقة من أمام المبنى القديم لكلية الشرطة بميدان العباسية وحول مسجد النور بالمنطقة، وميدان روكسي داخل منطقة مصر الجديدة. وكانت منظمات حقوقية كانت اتهمت اللواء "سليمان" بالتورط في "استجوابات عنيفة" لمعتقلين متهمين في قضايا إرهاب ضمن برنامج سري لوكالة المخابرات الأميركية (سي.آي. أي). ويوضح دور سليمان في "الحرب على الإرهاب" العلاقات التي تربط الولايات المتحدة الأميركية والنظام المصري، وكان نال الإشادة والثناء من قبل واشنطن، بعد أدارته لمفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين وبين الفلسطينيين أنفسهم. حيث يمثل بالنسبة للمخابرات الأميركية شريكاً موثوقاً به لجهوده في مواجهة خطر الجماعات الإسلامية الجهادية دون تردد. وبصفته مديراً للمخابرات، تبنى سليمان برنامج "السي آي أي" لتسليم معتقلي ما يسمى الإرهاب، الذين كانوا ينقلون إلى مصر وبلدان أخرى، حيث يستجوبون سراً، ودون إجراءات قانونية. ومن بين الانتقادات التي وجهت إليه، تعليق جهود إتمام صفقة شاليط، وعلاقته بتشدده إزاء حركة "حماس" التي كانت سيطرت على القطاع منذ أواسط العام 2007، وبموقفه من الحصار الذي فرضته إسرائيل على قطاع غزة. كما كان محل اتهام، من قبل "محمد حسنين هيكل"، بقيامه المساعدة، في تهريب رجل الأعمال المصري "حسين سالم" وبرفقته 450 مليون يورو، عقب ثورة "25 يناير" إلى خارج مصر، وأنه ساهم بتسهيل دخول الأموال إلى دولة الإمارات.
على أية حال، كان اللواء "عمر سليمان" قد رفض دوماً، الترشح لمنصب رئاسة مصر، والدخول في أتون الانتخابات وحتى أوائل مارس/آذار الفائت، ولم تكن واضحةً بعد، الدوافع التي جعلته يتقدم بترشحه، تماماً كما كانت المعوقات التي دفعته إلى الاعتذار عن مواصلته لها، ومن ثم إلى العودة والقبول بالسباق وخوض الانتخابات مرةً أخرى.
القاهرة
الجمعة 6/4/2012