مفاجاتان فلسطينيتان جديدتان هزليتان، فما العمل؟!
"قريع" و"هنية" يمهدان الساحة الفلسطينية لكارثتين
الأول بعدم استبعاد حل الدولة الواحدة، والثاني بإسقاط خيار المقاومة

منظمة التحرير الفلسطينية هي بدايةُ تجسيد مشروع "الهوية الفلسطينية" في الفترة "1969 – 1974"، وابنتها الحرام "السلطة الفلسطينية" خاتمة هذا التجسيد منذ "مدريد" و"أوسلو"، تمهدان الرأي العام الفلسطيني والعربي والدولي للتنازل عن الهوية الفلسطينية، التي أضاعتا نصف قرن من عمر هذا الشعب وهذه الأمة وهما تعتبرانها "قدس الأقداس"، في تقديمها على كل مشاريع التحرير والتغيير.. إلخ.
وحركة حماس التي لم تعرف من القضية الفلسطينية سوى "فلسطين من البحر إلى النهر"، و"حي على الجهاد"، تعد العدة – كما صرح بذلك هنية – كي تتحول إلى حزب سياسي، بعد أن اكتشفت فجأة أن العمل السياسي والدبلوماسي أجدى لمستقبل حماس في المرحلة القادمة التي أسفر عنها الربيع العربي – انتبهوا إلى الأفضلية لمن، إنها لحماس وليست لفلسطين – هكذا هو تصريح هنية.. يعني إما أن الأولوية لحماس وليس لفلسطين، وإما أن فلسطين هي حماس، فما كان جيدا لحماس فهو جيد قطعا لفلسطين بالضرورة!!!!
إنها سياسة الاختزال المقيتة القائمة على تقديس ما لا يقدس..
اختزال القضية الفلسطينية إلى "هوية" يتم التوهم بأنها قد تتحقق حتى بلا جغرافيا مستقلة، أو حتى من خلال التنافس مع الصهيونية ديمغرافيا، في الجغرافيا التاريخية لفلسطين على المدى البعيد.. هذا الوهم الذي ترسخ في اللاوعي الفلسطيني الرسمي – وأركز هنا على كلمة الرسمي التي تعني النظام الوظيفي الفلسطيني، وليس بالضرورة الشعب الفلسطيني – باعتباره مقدسا إلى الحد الذي أُعْطِيَ لدى صناع الوظيفية الفلسطينية، الأولوية على حساب الجغرافيا المستقلة، عبر بدء الترويج لقبول التزاوج غير الشرعي مع "إسرائيل" ديموغرافيا، على حساب التزاوج الشرعي مع الأردن في جغرافيا مستقلة!!!!!
واختزال فلسطين في حركة "حماس"، حتى أصبح مستقبل فلسطين قضية وشعبا مرهونا بمستقبل حماس التي ليست سوى جزءا من الماضي ومن صميم المشكلة وليست حلا لها.. ومادام الربيع العربي قد أوصل إلى السلطة في مصر وتونس والمغرب وليبيا وغدا في سوريا والأردن – لا قدر الله – حواضِن حماس الإخوانية، فيحق للفلسطينيين أن يأمنوا على قضيتهم، فقد تم ضمان مستقبل آمن لحماس، وبالتالي فلها أن تبيع أيديولوجية المقاومة في سوق النخاسة السياسية، في ظل قناعة من قبلها بأننا معنيون بقبول هذه الانتكاسة لمجرد أنها "حماس" التي تريدنا أن نقتنع بأنها هي ذاتها فلسطين، وبأن مستقبلَها هو ذاته مستقبل فلسطين!!!
أيها السادة، فلننتبه إلى ما يلي..
هناك خمسة مشاريع مطروحة للتعامل مع القضية الفلسطينية في المرحلة القادمة يمثل كل مشروع منها خيارا قائما بذاته، وستكون هي تحديدا مربط الفرس في الحراك السياسي القادم في كل من الأردن وفلسطين، وبناء عليها ستتحدد الفروقات الجوهرية بين الكتل السياسية التي ستمثل مستقبل العمل السياسي في الساحتين، مع التأكيد على أن حماس ليست سوى جزءٍ من الماضي وتراكماته، وأن الحل ينطوي على اعتبارها جزءا من أثقال ذلك الماضي أيديولوجيا وسياسيا، وإن كانت قد وُفِّقَت في إعطاء نموذج للمقاومة يستحق الوقوف عنده، ويقوي العزيمة بأن هذا العدو مشروع قابل للهزيمة بكل سهولة إذا انتهجنا النهج الصحيح في مقاومته..
أولا.. مشروع الركض وراء "الهوية الفلسطينية" للضفة كمقدمة للإقامة دولة فلسطينية بأي ثمن سياسي.. وهذا هو مشروع مدريد وأوسلو وقرار فك الارتباط.. الذي كان ثمنه غاليا جدا وهو سجن كل أفق للمقاومة والثورة الفلسطينية في قمقم الضفة الغربية المحتلة إسرائيليا.. وهاهم دهاقنته وكهنته في الضفة الغربية، يعلنون فشله بالفم المليان ويؤسسون للمشروع الثاني وهو مشروع الدولة الواحدة، أي مشروع "اللاهوية الفلسطينية".. وبالتالي فما لا شك فيه أن دهاقنته وكهنته في الأردن أيضا سيتساقطون وينزوون حتما..
ثانيا.. مشروع "اللاهوية الفلسطينية"، ممثلا في خيار "الدولة الواحدة" التي سيبحث الفلسطينيون فيها عن مستقبل هويتهم من خلال ديمقراطية إسرائيل، وقدرتهم على التوالد والتناسل فيها ليتسابقوا مع اليهود في حسابات الإنجاب.. وهو المشروع الذي يسعى إليه فلول المشروع السابق خشية أن تنجرَّ الساحتان الأردنية والفلسطينية إلى واحد من الخيارات الثلاثة التالية عقب استكمال مراسم دفن المشروع السابق..
ثالثا.. مشروع الإبقاء على وضع "الهوية الفلسطينية" كما هو لدى سماسرة الوظيفية الفلسطينية ووفق رؤيتهم الأيديولوجية في الهوية، والقائمة على ما مهد له له قرار فك الارتباط، دون الانجرار وراءهم بعد فشلهم في مشروعهم الوارد في "أولا"، وذلك من خلال الدعوة لضرورة إعادة إنتاج الأردن وفلسطين على قاعدة المقاومة، مع الإبقاء على وضع "الهوية الفلسطينية" في الموقع نفسه الذي نتج عن ذلك القرار، حتى لو بقي سجال الهوية في الأردن مستمرا ومثيرا للعراقيل في وجه التغيير الديمقراطي والاجتماعي. والتأسيس لضروة إقناع الفلسطينيين والأردنيين على حد سواء بأنهم معنيون بقبول التغيير في الأردن بحسم العلاقة بينهما على قاعدة التجاوب مع متطلبات الكتلة الحرجة في الأردن وهي كتلة "الأردنيين من أصل فلسطيني" بشكل هلامي لا حسم فيه لموضوع الهوية أيديولوجيا، والإبقاء عليه وجدانيا وعاطفيا.. وأتباع هذا المشروع مضطرون للقبول بقرار فك الارتباط في جانب ورفضه في جوانب أخرى، فيقعون في تناقضات تعصى على التأصيل الأيديولوجي المتماسك القادر على حسم الأمور العالقة بشكل منطقي..
رابعا.. مشروع "النموذج السنغافوري" الذي يريد أن يسحب من الأردنيين من أصل فلسطيني كافة حقوقهم السياسية القائمة على فكرة المواطنة الأردنية"، والاكتفاء بمنحهم حقوقا مدنية واقتصادية فقط، تصورا من دعاة هذا المشروع أن هذا هو الحل الذي يمهد لبقاء القضية الفلسطينية ثابتة وفارضة لنفسها في كل المحافل، واعتقادا منهم أنه هو الذي يحافظ على حق العودة.. إلخ. وهو نموذج نسميه "السنغافوري" لأنه مقدمة حقيقية لتكرار تموذج سنغافورة الكارثي الذي سيسقط "الهوية الأردنية" عن الأردن، كما أسقط ذلك النموذج الهوية الماليزية عن سنغافورة.. بعد أن يتم التأسيس بهذا المشروع لكل العناصر التي يمكن دفعها إلى استنساخ نموذج سنغافورة سيء الذكر..
خامسا.. مشروع "الهوية الفلسطينية" لدولة فلسطينية مستقلة وفق الشرعية الدولية التي يؤسس لها قرار التقسيم وقرار حق العودة، في ضوء قناعة بأن هذا المشروع هو ذاته مشروع التحرير الذي يتطلب مقدمة ضرورية له، هو مشروع التغيير في كل من الأردن والضفة الغربية ثقافيا وسياسيا، بدءا من حسم جدل الهوية أيديولوجيا بشكل نهائي وقاطع وبات. تمهيدا لمشروع التحرير ذاك.. وهو مشروع تم العمل على القضاء عليه في عام 1988، لحساب "أولا".. وهذا المشروع يعني فيما يعنيه، العودة عن قرار فك الارتباط، للقضاء جذريا على كل مبررات التأصيل للمشاريع الأربعة السابقة والمشكلات الأيديولوجية والسياسية الناجمة عنها، ولإعادة منظمة التحرير لتتموضع في دائرة أوسع من خط الهدنة الذي فرضه عليها المشروع الأول في مطالبها، بإعادة فرض سقف قرار التقسيم كحد أدنى، وإعادة إنتاج كافة مفاعيل الصراع والتغيير في الإقليم على هذا الأساس، وهو المشروع الذي يعيد للأردن اللاوظيفي الذي نسعى إليه دوره الحقيقي في تحمل مسؤولياته التاريخية تجاه الأرض المحتلة، ويؤسس لعلاقة جديدة بين الشعبين وممثلي الشعبين تتجاوز كل المؤامرات التي تم بواسطتها تأجيل كل مشاريع التغيير والتحرير منذ أكثر من أربعة عقود، عندما تمت تصفية الثورة التي كانت تؤسس لمشروعي التغيير والتحرير من القاعدة الآمنة "الأردن الوطني العروبي اللاوظيفي"..
فأي المشاريع تعتقدون أنه الأقدر على إعادة إنتاج القضية والصراع ومشروعي التحرير والتغيير، وفي المحصلة مشروع الهوية الفلسطينية، مع العلم بأن إسرائيل لن تقبل بأي مشروع يجسِّد الهوية الفلسطينية على أي قطعة من الأرض، ولا هي تقبل بأي حل يمس بالتوازن الديموغرافي لصالحها.. وهو الأمر الذي يجعل المشاريع القابلة للحياة لأن اوراقها بأيدينا هي المشاريع الواردة في "ثالثا"، و"رابعا"، و"خامسا"، مع توضيح أن مشروع "رابعا" هو كارثة حقيقية.. أي أن المستقبل السياسي للأردن ولفلسطين يجب ألا يخرج عن واحد من المشروعين "ثالثا" و"خامسا"..
نحن من جهتنا نعتقد موقنين أن المشروع خامسا هو الحل الأمثل..
فليدلي كل منا بدلوه ووجهة نظره، ولنتحاور