الإمام المفسر جلال الدين السيوطي



اسمه و مولده :



هو الإمام الحافظ أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن بن كمال الدين أبي المناقب أبي بكر بن ناصر الدين محمد بن سابق الدين أبي بكر بن فخر الدين عثمان بن ناصر الدين محمد بن سيف الدين خضر بن نجم الدين أبي الصلاح أيوب بن ناصر الدين محمد بن الشيخ همام الدين الهمام الخضيري الأسيوطي [1] . وُلِد السيوطي في القاهرة [2] بعد المغرب ليلة يوم الأحد غرة شهر رجب سنة 849هـ/ أكتوبر 1445م [3] ، وعاش بها القاهرة [4] .




طفولته و تربيته : كان جلال الدين السيوطي سليل أسرة اشتهرت بالعلم والتدين، وكان أبوه من العلماء الصالحين ذوي المكانة العلمية الرفيعة التي جعلت بعض أبناء العلماء والوجهاء يتلقون العلم على يديه . وقد تُوفِّي والد السيوطي ولابنه من العمر ست سنوات، فنشأ الطفل يتيمًا ، واتجه إلى حفظ القرآن الكريم ، فأتم حفظه وهو دون الثامنة [5] ، ثم حفظ بعض الكتب في تلك السن المبكرة مثل : العمدة ، ومنهاج الفقه والأصول ، وألفية ابن مالك ؛ فاتسعت مداركه ، وزادت معارفه . وكان السيوطي محل العناية والرعاية من عدد من العلماء من رفاق أبيه ، وتولى بعضهم أمر الوصاية عليه ، ومنهم (الكمال ابن الهمام الحنفي) أحد كبار فقهاء عصره ، وتأثر به الفتى تأثرًا كبيرًا، خاصةً في ابتعاده عن السلاطين وأرباب الدولة [6] . ولو نظرنا في الطفولة المبكرة للسيوطي فإننا نرى مدى الحرص الشديد على تلقي العلم منذ الأيام الأولى ، فقد كان هناك وعي كبير بأهمية العلم وقيمته في عملية التربية ؛ يوجَّه الولد نحو حفظ القرآن الكريم ، وحفظ المتون الدينية ، كما نرى مدى حرص الآباء على أن يدفعوا أولادهم نحو العلوم .عاش السيوطي في عصر كثر فيه العلماء الأعلام الذين نبغوا في علوم الدين على تعدد ميادينها ، وتوفروا على علوم اللغة بمختلف فروعها، وأسهموا في ميدان الإبداع الأدبي ، فتأثر السيوطي بهذه النخبة الممتازة من كبار العلماء ، فابتدأ في طلب العلم سنة (864هـ/ 1459م) ودرس الفقه والنحو والفرائض ، ولم يمضِ عامان حتى أجيز بتدريس العربية ، وألَّف في تلك السنة أول كتبه وهو في سن السابعة عشرة ، فألف (شرح الاستعاذة والبسملة) ، فأثنى عليه شيخه علم الدين البلقيني ، فكتب عليه تقريظًا ، ولازمته في الفقه إلى أن مات ، فلازمت ولدَه [7] .




ملامح شخصيته وأخلاقه : كان السيوطي واسع العلم غزير المعرفة ؛ قال عن نفسه : " قد رُزقتُ - ولله الحمد - التبحر في سبعة علوم : التفسير والحديث والفقه والنحو والمعاني والبيان والبديع " [8] . إضافةً إلى أصول الفقه والجدل والتصريف ، والإِنشاء والترسُّل والفرائض والقراءات التي تعلمها بنفسه ، والطب ، غير أنه لم يقترب من علمي الحساب والمنطق [9] . عاصر السيوطي 13 سلطانًا مملوكيًّا [10] ، وكانت علاقته بهم متحفظة، وطابعها العام المقاطعة وإن كان ثمة لقاء بينه وبينهم ؛ فقد وضع نفسه في مكانته التي يستحقها ، وسلك معهم سلوك العلماء الأتقياء ، فإذا لم يقع سلوكه منهم موقع الرضا قاطعهم وتجاهلهم. وكان الأمراء والأغنياء يأتون إلى زيارته ويعرضون عليه الأموال النَّفيسة فيردها ، وأهدى إليه الغوري خَصِيًّا وألف دينار، فردَّ الألف وأخذ الخصيّ َ، فأعتقه وجعله خادمًا في الحجرة النبوية ، وقال لقاصد السلطان : لا تعُدْ تأتينا بهدية قطُّ ؛ فإن الله تعالى أغنانا عن مثل ذلك . و طلبه السلطان مرارًا فلم يحضر إليه [11] ، وألَّف في ذلك كتابًا أسماه ( ما وراء الأساطين في عدم المجيء إلى السلاطين )[12] . شيوخه : كان منهج السيوطي في الجلوس إلى المشايخ هو أنه يختار شيخًا واحدًا يجلس إليه ، فإذا ما توفِّي انتقل إلى غيره ، وكان عمدة شيوخه ( محيي الدين الكافيجي ) الذي لازمه السيوطي أربعة عشر عامًا كاملة ، وأخذ منه أغلب علمه في التفسير والأصول والعربية والمعاني ، وأطلق عليه لقب ( أستاذ الوجود ) . ومن شيوخه (شرف الدين المُنَاويّ) وأخذ عنه القرآن والفقه ، و(تقي الدين الشبلي) وأخذ عنه الحديث أربع سنين ، وأخذ العلم أيضًا عن شيخ الحنفية (الأقصرائي) و(العز الحنبلي) ، و(المرزباني) و(جلال الدين المحلي) و(تقي الدين الشمني) و(علم الدين البلقيني) ، وغيرهم [13] . ولم يقتصر تلقي السيوطي على الشيوخ من العلماء الرجال ، بل كان له شيوخ من النساء اللاتي بلغن الغاية في العلم ، منهن (آسية بنت جار الله بن صالح الطبري) ، و(كمالية بنت عبد الله بن محمد الأصفهاني) ، و(أم هانئ بنت الحافظ تقي الدين محمد بن محمد بن فهد المكي) ، و(خديجة بنت فرج الزيلعي) ، وغيرهن كثير[14] .


تلاميذه : وتلاميذ السيوطي من الكثرة والنجابة بمكان ، وأبرزهم (شمس الدين الداودي) صاحب كتاب (طبقات المفسرين) الذي كتبه بمساعدة أستاذه السيوطي ، و(شمس الدين بن طولون) صاحب كتاب (مفاكهة الخلان) ، و(شمس الدين الشامي) صاحب كتاب (السيرة الشامية) ، والمؤرخ الكبير (ابن إياس) صاحب كتاب (بدائع الزهور) [15] .


مؤلفاته : زادت مؤلفات السيوطي على الثلاثمائة كتاب ورسالة ، عدَّ له بروكلمان (415) مؤلَّفًا ، وأحصى له حاجي خليفة في كتابه (كشف الظنون) حوالي (576) مؤلفًا ، ووصل بها البعض كابن إياس إلى (600) مؤلف .

ومن مؤلفاته في علوم القرآن والتفسير: 1- الإتقان في علوم القرآن . 2- متشابه القرآن .3- الإكليل في استنباط التنزيل . 4- مفاتح الغيب في التفسير.5- طبقات المفسرين . 6- الألفية في القراءات العشر. 7- التحبير في علوم التفسير. 8- الناسخ والمنسوخ في القرآن .9- التفسير المسند المسمَّى (ترجمان القرآن) . 10- الدر المنثور في التفسير بالمأثور . أما الحديث وعلومه ، فكان السيوطي يحفظ مائتي ألف حديث كما رَوَى عن نفسه ، وكان مغرمًا بجمع الحديث واستقصائه ؛ لذلك ألف عشرات الكتب في هذا المجال ، يشتمل الواحد منها على بضعة أجزاء ، وفي أحيانٍ أخرى لا يزيد على بضع صفحات .



ومن كتبه : 11- إسعاف المبطأ في رجال الموطأ . 12- تنوير الحوالك في شرح موطأ الإمام مالك .13- جمع الجوامع. 14- الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة .15- المنتقى من شعب الإيمان للبيهقي . 16- أسماء المدلسين .17- آداب الفُتْيا . 18- طبقات الحفاظ .



وفي الفقه ألَّف: 19- الأشباه والنظائر في فقه الإمام الشافعي . 20- الحاوي في الفتاوي .21- الجامع في الفرائض . 22- تشنيف الأسماع بمسائل الإجماع .





و في اللغة وعلومها كان له فيها أكثر من مائة كتاب ورسالة، منها :

23- المزهر في اللغة . 24- الأشباه والنظائر في اللغة .25- الاقتراح في النحو . 26- التوشيح على التوضيح .27- المهذب فيما ورد في القرآن من المعرب . 28- البهجة المرضية في شرح ألفية ابن مالك .



وفي ميدان البديع كان له :

29- عقود الجمان في علم المعاني والبيان . 30- الجمع والتفريق في شرح النظم البديع .31- فتح الجليل للعبد الذليل .




و في التاريخ والطبقات ألف أكثر من (55) كتابًا ورسالة ، يأتي في مقدمتها :

32- حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة . 33- تاريخ الخلفاء .34- الشماريخ في علم التاريخ . 35- تاريخ الملك الأشرف قايتباي .36- الإصابة في معرفة الصحابة . 37- بغية الوعاة في طبقات النحاة .38- نظم العقيان في أعيان الأعيان . 39- در السحابة فيمن دخل مصر من الصحابة . 40- طبقات الأصوليين .


ومن مؤلفاته الأخرى الطريفة :

41- منهل اللطايف في الكنافة والقطايف . 42- الرحمة في الطب والحكمة .43- الفارق بين المؤلف والسارق . 44- الفتاش على القشاش .45- الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض[16] .وقد شاءت إرادة الله أن تحتفظ المكتبة العربية والإسلامية بأغلب تراث الإمام السيوطي ، وأن تطبع غالبية كتبه القيمة ، وينهل من علمه الكثيرون . وقد ذكر الأستاذ إياد خالد الطباع أغلب مؤلفات الإمام السيوطي في كتابه (الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي).




منهجه في التفسير:وأهم ما يميز تفسير السيوطي :

1- يذكر مكان نزول السورة ، وهل هي مكية أم مدنية . 2- يذكر ما ورد في هذه السورة من فضائل .3- يقسم السورة إلى مقاطع ، فيذكر الآية أو الآيتين في السور المدنية الطوال ، أو مجموعة من الآيات في السور المكية القصار.4- ثم يفسِّر الكلمة أو الجملة مبيِّنًا فيها : أ- سبب النزول إن وجد . ب - القراءات : إن ورد فيها قراءات . ج- الناسخ والمنسوخ د - شرح غريب اللفظ ، ومبهم العبارات .هـ- إذا كانت الآية تتضمن أحكامًا فقهية ، فإنه يذكر ما ورد فيها من أحكام [17] .

...

[