3ـ نِداءُ الضَّمير
نداءُ الضمير شاذ نادرُ الوقوع في كلامهم. وقصَرَهُ ابنُ عُصفور على الشعر. واختار أبو حيّانَ أنهُ لا ينادَى البَتَّةَ. والخلاف إنما هو في نداءِ ضمير الخطاب. أمّا نداءُ ضميريِ التكلم والغَيبة، فاتفقوا على أنهُ لا يجوز نداؤهما بَتَّةً، فلا يُقال: (يا أنا. يا إيّايَ. يا هُوَ. يا إيّاهُ).
وإذا ناديتَ الضمير، فأنتَ بالخيار: إن شئتَ أتيتَ به ضميرَ رفعٍ أو ضمير نصبٍ، فتقولُ: (يا أنت. يا إياك). وفي كِلتا الحالتينِ، فالضميرُ مبني على ضم مُقدَّر، وهو في محل نصب، مِثلَه في(يا هذا، ويا هذهِ، ويا سِيبَويهِ)، لأنه مُفَردٌ معرفة.
4- نِداءُ ما فيهِ "أَلْ"
إذا أريْدَ نداءُ ما فيه (أَلْ)، يُؤتى قبلَهُ بكلمةِ (أيُّها) للمذكر، و (أَيّتُها) للمؤنث. وتَبقيانِ معَ التثنيةِ والجمع بلفظ واحدٍ، مراعىً فيهما التذكيرُ والتأنيث، أو يؤتى باسم الإشارة. فالأول كقوله تعالى: {يا أيُّها الإنسانُ ما غَرَّكَ بربّكَ الكريم؟} وقوله: {يا أيتُها النفسُ المُطمَئِنّةُ، ارجعي إلى ربكِ راضيةً مرضِيّةً} وقوله: {يا أيُّها الناسُ اتَّقوا ربَّكم}. والثاني نحو: (يا هذا الرجل. يا هذهِ المرأةُ) إلا إذا كان المنادى لفظَ الجلالة. لكن تبقى (ألْ) وتُقطَعُ همزتُها وُجوباً، نحو: (يا ألله). والأكثر معَهُ حذفُ حرفِ النداءِ والتعويضُ منه بميمٍ مُشدَّدةٍ مفتوحةٍ، للدلالةِ على التعظيم نحو: (اللهمَّ ارحمنا). ولا يجوز أن تُوصَفَ (اللهمَّ)، على اللفظ ولا على المحلِّ، على الصحيح، لأنهُ لم يُسمَع. وأما قولهُ تعالى: {قُلِ: اللهمَّ، فاطرَ السمواتِ والأرض }، فهو على أنه نداءٌ آخرُ، قُل: اللهمَّ، يا فاطرَ السمواتِ.
وإذا ناديتَ علماً مُقترِناً بألْ وَضعاً حذفتَها وُجوباً فتقولُ في نداء العبّاسِ والفضلِ والسّموأَلِ: (يا عبّاسُ. يا فضلُ. يا سَمَوأَلُ).
فائدة
تستعمل (اللهمَّ) على ثلاثة أنحاء:
(الأول): أن تكون للنداء المحض، نحو: (اللهمَّ اغفر لي).
(الثاني): أن يذكرها المجيب تمكيناً للجواب في نفس السامع، كأن يقال لك: (أخالد فعل هذا؟)، فتقول: (اللهم نعم).
(الثالث): أن تستعمل للدلالة على الندرة وقلة وقوع المذكور معها، كقولك للبخيل: (إن الأمة تعظمك، اللهم إن بذلت شطراً من مالك في سبيلها).
5- أَحكامُ تَوابعِ المُنادَى
إن كن المنادى مبنياً فتابعُهُ على أربعة أضرُبٍ:
أ- ما يجبُ رفعُهُ معرَباً تَبَعاً لِلَفظِ المنادى. وهو تابعُ (أيّ وأيَة واسمِ الإشارة)، نحو: (يا أيها الرَّجلُ. يا أيتها المرأةُ. يا هذا الرجلُ. يا هذهِ المرأةُ).
ولا يُتبَعُ اسمُ الإشارةِ أبداً إلا بما فيهِ (ألْ). ولا تُتبَعُ (أيُّ وأيّةٌ) في باب النداءِ، إلا بما فيه (أَلْ) - كما مُثِّلَ - أو باسم الإشارة، نحو: (يا أيُّهذا الرجلُ).
ب- ما يجبُ ضَمهُ للبناءِ، وهوَ البدَلُ، والمعطوفُ المجرَّدُ من (أَلْ) اللَّذانِ لم يضافا، نحو: (يا سعيدُ خليلُ. يا سعيدُ وخليلُ).
ج- ما يجبُ نصبُهُ تبعاً لمحلِّ المنادَى، وهو كلُّ تابعٍ اضيف مُجرَّداً من (أَل)، نحو: (يا علي أبا الحسن. يا علي وأبا سعيد. يا خليلُ صاحبَ خالدٍ. يا تلاميذُ كلَّهُمْ، أو كلَّكُم. يا رجلُ أبا خليلٍ).
د- ما يجوز فيه الوجهان: الرفعُ مُعرَباً للفظِ المنادَى، والنصبُ تبعاً لمحلِه وهو نوعان:
الأول: النعتُ المضافُ المقترنُ بألْ، وذلك يكون في الصفاتِ المُشتقَّةِ المضافة الى معمولها، نحو: (يا خالدُ الحسنُ الخلُقِ، أو الحسنَ الخلق. يا خليلُ الخادمُ الأمةِ، أَو الخادمَ الأمة).
الثاني: ما كان مُفرَداً من نعتٍ، أو توكيدٍ، أو عطفِ بيانٍ، أو معطوفٍ مُقترنٍ بألْ، نحو: (يا عليّ الكريمُ، أو الكريمَ. يا خالدٌ خالدٌ، أو خالداً. يا رجلُ خليلٌ، أو خليلاً. يا عليّ والضيفُ، أو والضيفَ)، ومن العطفِ بالنصبِ تبعاً لمحلِّ المنادى قوله تعالى: {يا جبالُ أَوّبي معهُ والطّيرَ}، وقُرئ في غيرِ السبعةِ: (والطيرُ)، بالرفع عطفاً على اللفظ.
[في يا خالدٌ خالدٌ: الثانية تأكيد لخالد المنادى، فإن رفعته فهو توكيد للفظه، وإن نصبته كان عطف بيان على محله من الإعراب]
وان كان المنادَى مُعرَباً منصوباً فتابعُهُ أبداً منصوبٌ مُعرباً، نحو: (يا أَبا الحسنِ صاحبَنا. يا ذا الفضل وذا العلم. يا أبا خالدٍ والضيفَ)، إلا إذا كان بدَلاً، أو معطوفاً مجرداً من (ألْ) غيرَ مضافين، فهما مَبنيّان، نحو: (يا أبا الحسن عليٌّ. يا عبدَ الله وخالدُ).
6- حَذْفُ حَرْفِ النِّداءِ
يجوزُ حذفُ حرفِ النداءِ بكثرةٍ، إذا كان (يا) دونَ غيرِها، كقولهِ تعالى: {يوسفُ، أَعرِضْ عن هذا}، وقولهِ: {رَبِّ أَرِني أَنظُرْ إليكَ} ونحو: (مَنْ لا يزالُ مُحسناً أحسنْ إليَّ، واعظَ القومِ عِظهُمْ. أَيُّها التلاميذُ اجتهدوا. أَيتُها التلميذاتُ اجتهِدْنَ).
ولا يجوزُ حذفُهُ من المنادى المندوبِ والمنادَى المُستغاث والمنادى المتعجَّبِ منه والمنادى البعيد، لأنَّ القصدَ إطالةُ الصوتِ، والحذفُ يُنافيهِ.
وقلَّ حذفُهُ من اسم الإشارة، كقول الشاعر:
إذا هَمَلَتْ عَيْني لَها قالَ صاحبي:
بِمثْلِكَ، هذا، لَوْعَةٌ وغَرامُ؟!
ومن النكرة المقصودة بالنداءِ كقولهم: (إفتَد مخنوقُ. أصبح ليلُ)
[هو مثلٌ يُضرب لكل مشفَقٍ عليه مضطر وقع في شدة وهو يبخل على نفسه أن يفتديها بماله. أي: يا مخنوق افتد نفسك... أصبح ليل: مثل يضرب لليلة شديدة، ولأمر مكروه طال أمده]
ومنه قول الشاعر:
جَارِيَ، لا تَسْتَنْكري عَذِيري:
سَيْرِي وإِشْفاقِي على بَعيري
[ يقول لجاريته لا تعيبي علي سيري رحمة ببعيري]
وقولُ الآخر:
أَطرِقْ كرا، أَطرِقْ كرا
إنَّ النَّعَامَ في الْقُرَى
[هو مثل يُضرب لمن يُتكلم أمامه بكلام فيظن أنه المراد بالكلام، أي: اسكت يا حقير فإني أريد بالكلام من هو أنبل منك. مقارنة بين الكرا وهو طائر لا يساوي شأناً أمام النعام]
وأقل من ذلك حذفُهُ من النكرة غير المقصودة ومن المشبّه بالمضاف.