منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 13
  1. #1

    صور من حياة القضاة

    سلسلة القضاة


    القاضي أبو أسعد الهروي



    المولد و النسب :
    هو: محمد بن نصر بن منصور، أبو سعد القاضي الهروي (نسبة إلى قرية من قرى هراة) ، أحد مشاهير الفقهاء وسادة الكبراء ، وكان من قرية من قرى هراة ، وكان يلقب بزين الإسلام .كان في صباه يؤدب الصبيان ، وكان في بداية أمره وراقاً في بعض المدارس ، ثم ترقت حاله وبلغ ما بلغ ، وكان من دهاة العالم ، وترسل من الديوان العزيز إلى الملوك وبعد صيته وعظمت رتبته .


    القضاء :


    قدم دمشق ووعظ بها ثم توجه إلى بغداد فولي قضاء الشام وعاد قاضيا فأقام مدة ، ثم رجع إلى العراق ، وقد ولي القضاء في مدن كثيرة بالعجم .قال ابن النجار: ولي القضاء ببغداد سنة اثنتين وخمسمائة للمستظهر بالله على حريم دار الخلافة وما يليه من النواحي والأقطار، وديار مضر وربيعة وغير ذلك ، وخوطب بأقصى القضاء " زين الإسلام " ، واستناب في القضاء أبا سعد المبارك بن علي المخرمي الحنبلي بباب المراتب وباب الأزج والحسن بن محمد الأسراباذي الحنفي باب النوبي وأبا الفتح عبد الله بن البصاوي بسوق الثلاثاء .ثم عزل في شوال سنة أربع وخمسمائة واتصل بخدمة السلاطين السلجوقية فتقدم في دولتهم واستعملوه سفيرا بينهم إلى أن قتل .



    آثاره : كانت له يد في النظم والنثر وله شعر رائق فمنه يقول :البحر أنت سماحة و فضل ... فالدر ينثر بين يديك و فيكاوالبدر أنت صباحة و ملاحة ... والخير مجموع لديك و فيكاوقد مر بقرية فاختفى رئيسها منه فكتب بديهاً :أقول لركبٍ عائدين إلى الحمى ... إذا ما وقفتم في جوار قبابنافأهدوا لفتيان الندى سلامن ... وقصوا عليهم حالنا في ذهابنالنا جارة قالت لنا كيف حالكم ... وقد ساءها مس الضنى من جنابنارأت حولنا غرثى يرومون عنده... فضالة زاد من بقايا جرابنافقلت لها أما الجواب فإنن... أناس غلطنا مرة في حسابنافعدنا وقلنا عل ثم ضرورة... ولمنا وأمسكنا عنان عتابناشفينا قلوباً صلنا عند ظنن ... بكل تداوينا فلم يشف ما بناومن شعره أيضا :أودعكم وأودعكم جناني ... وأنثر دمعتي نثر الجمانو إني لا أريد لكم فراق ... ولكن هكذا حكم الزمانولما استولى الصليبيون على القدس سنة 492هـ، وقتلوا في وسطه أزيد من ستين ألف قتيل من المسلمين وجاسوا خلال الديار وتبروا ماعلوا تتبيرا ، توجه القاضي أبو سعد مع وفد من أهل الشام إلى بغداد يستغيثون بالخليفة العباسي والسلطان السلجوقي ، فلما سمع الناس ببغداد هذا الأمر الفظيع من هذا الوفد هالهم ذلك وتباكوا ، وقد نظم أبو سعد الهروى كلاما قرىء في الديوان وعلى المنابر فارتفع بكاء الناس .



    رأي العلماء فيه :



    يقول صاحب (تاريخ دمشق) : " أنبأنا أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل في تذييل تاريخ نيسابور قال : محمد بن نصر بن منصور القاضي أبو سعد : الهروي رجل من الرجال ، داه من الدهاة ، كان من ابتداء أمره من النازلين في الدرجة مكتسبا بالوراقة وتوجيه الوقت في ضيق من المعيشة ، وكان ذا حظ في العربية ومعرفة من الأصول وخط حسن ، سخي النفس بذولا لما تحويه ".




    وفاته : قتلته الباطنية الإسماعيلية بهمذان في شعبان سنة ثمان عشرة وخمسمائة (على أكثر الروايات وأدقها) ، وقيل سنة تسع عشرة وخمسمائة .



    أهم المراجع : - تاريخ الإسلام ، ج1، ص 3604، 3605 .- تاريخ دمشق ، ج56، ص 107.- البداية و النهاية ، ج12، ص 156، 195.- الوافي في الوفيات ، ج1، ص 629.
    -- .

  2. #2

    القاضي أبو عمر القاضي الأزدي


    النسب و المولد: هو : الإمام الكبير ، قاضي القضاة ، أبو عمر ، القاضي ببغداد ومعاملاتها في سائر البلاد محمد بن يوسف بن يعقوب بن إسماعيل ، ابن عالم البصرة حماد بن زيد بن درهم الأزدي مولاهم البصري ثم البغدادي المالكي .كان مولده بالبصرة لتسع خلون من رجب سنة ثلاث وأربعين و مائتين .




    صفاته وملامح شخصيته : لم يكن للقاضي أبو عمر نظير في الحكام عقلاً وحلماً وذكاء ، فلقد كان مضرب المثل بعقله وسداده وحلمه ، حتى إنه ليقال في العاقل الرشيد : كأنه أبو عمر القاضي ، وفى الحليم : لو أنى أبو عمر القاضي ما صبرت .وكان من أهم ما يميز ملامح شخصيته اتصافه بالكرم والزهد في الدنيا وحسن المعاشرة ، ومما جاء في ذلك ما رواه البغدادي عن طريق بعض شهود الحضرة القدماء حيث يقول : كنت بحضرة أبي عمر القاضي وجماعة من شهوده وخلفائه الذين يأنس بهم، فأُحضر ثوبا يمانيا قيل له في ثمنه خمسين دينارا ، فاستحسنه كل من حضر المجلس ، فقال : يا غلام ، هات القلانسي ، فجاء فقال : اقطع جميع هذا الثوب قلانس واحمل إلى كل واحد من أصحابنا قلنسوة ، ثم التفت إلينا فقال : إنكم استحسنتموه بأجمعكم ، ولو استحسنه واحد لوهبته له ، فلما اشتركتم في استحسانه لم أجد طريقا إلى أن يحصل لكم واحد شيء منه إلا بأن أجعله قلانس فيأخذ كل واحد منكم واحدة منها .[1]


    أبو عمر والقضاء: نشأ أبو عمر في بيت القضاء ، حيث كان أبوه قاضيا ، وقد استخلفه على القضاء في حياته ، ففي سنة أربع وثمانين ومائتين ولي أبو عمر قضاء مدينة المنصور والأعمال المتصلة بها ، والقضاء بين أهل بزرج سابور و الراذانين و سكرود و قطربل ، وجلس في المسجد الجامع بالمدينة .ثم استخلف لأبيه يوسف على القضاء بالجانب الشرقي ، فكان يحكم بين أهل مدينة المنصور رياسة وبين أهل الجانب الشرقي خلافة إلى سنة اثنتين وتسعين ومائتين ؛ فإن أبا حازم توفي وكان قاضيا على الكرخ أعنى الشرقية ، فنقل أبو عمر عن مدينة المنصور إلى قضاء الشرقية فكان على ذلك إلى سنة ست وتسعين ومائتين .ثم صُرف هو ووالده يوسف عن جميع ما كان إليهما ، وتوفي والده سنة سبع وتسعين ومائتين وما زال أبو عمر ملازما لمنزله إلى سنة إحدى وثلاثمائة ؛ فان أبا الحسن علي بن عيسى تقلد الوزارة فأشار على المقتدر به ، فرضى عنه وقلده الجانب الشرقي والشرقية ، وعدة نواح من السواد والشام والحرمين واليمن وغير ذلك ، وقلده قضاء القضاة سنة سبع عشرة وثلاثمائة .[2]



    آثار القاضي أبو عمر وحياته العلمية : كانت حياة أبو عمر القاضي كلها حافلة بالعطاء، فقد روى الكثير عن المشايخ ، وسمع محمد بن الوليد البسري والحسن بن أبى الربيع الجرجاني وزيد بن أخرم وعثمان بن هشام بن دلهم ومحمد بن إسحاق الصاغاني وطبقتهم ، وكان ثقة فاضلا، وحدث عنه الدارقطني والقاضي أبو بكر الأبهري الفقيه وأبو بكر بن المقرئ ويوسف بن عمر القواس وأبو القاسم بن حبابة وعيسى بن الوزير وغيرهم من الحفاظ ، وكان من النجابة في ذلك أنه كان يذكر عن جده يعقوب حديثا لقنه إياه وهو بن أربع سنين ، وهو عن وهب بن جرير عن أبيه عن الحسن أنه قال : لا بأس بالكحل للصائم .فقد حمل الناس عنه علما كثيرا من الحديث وكتب الفقه التي صنفها إسماعيل يعنى بن إسحاق وقطعة من التفسير، وقد صنف مسنداً كبيراً قرأ أكثره على الناس ، ولم ير الناس ببغداد أحسن من مجلسه . وكان العلماء وأصحاب الحديث يتجملون بحضور مجلسه ، حتى إنه كان إذا جلس للحديث جلس أبو القاسم بن منيع عن يمينه - وهو قريب من أبيه في السن والسند - و جلس عن يساره أيضا ابن صاعد ، وبين يديه أبو بكر النيسابوري ، وسائر الحفاظ حول سريره من كل جانب ، قالوا : ولم ينتقد عليه حكم من أحكامه أخطأ فيه قط .[3]



    نماذج من أقضيته :


    يقول ابن كثير: " وكان من أكبر صواب أحكامه وأصوبها قتله الحسين بن منصور الحلاج في سنة تسع وثلاثمائة" ، يقصد قضاؤه بحل دمه (الحلاج) وذلك سنة 309هـ ، وهذه هي قصة الموقف ( انظر ترجمة الحلاج في نهاية البحث ) :يذكر ابن كثير أنه " لما كان آخر مجلس من مجالسه (مجالس الحلاج وكان محبوسا) أحضر القاضي أبو عمر محمد بن يوسف وجيء بالحلاج وقد أحضر له كتاب من دور بعض أصحابه وفيه : من أراد الحج ولم يتيسر له فليبن في داره بيتا لا يناله شيء من النجاسة ولا يمكن أحدا من دخوله ، فإذا كان في أيام الحج فليصم ثلاثة أيام وليطف به كما يطاف بالكعبة ، ثم يفعل في داره ما يفعله الحجيج بمكة ، ثم يستدعي بثلاثين يتيما فيطعمهم من طعامه ويتولى خدمتهم بنفسه، ثم يكسوهم قميصا قميصا ويعطي كل واحد منهم سبعة دراهم أو قال ثلاثة دراهم، فإذا فعل ذلك قام له مقام الحج .وإن من صام ثلاثة أيام لا يفطر إلا في اليوم الرابع على ورقات هندبا أجزأه ذلك عن صيام رمضان ، ومن صلى في ليلة ركعتين من أول الليل إلى آخره أجزأه ذلك عن الصلاة بعد ذلك ، وأن من جاور بمقابر الشهداء وبمقابر قريش عشرة أيام يصلي ويدعو ويصوم ثم لا يفطر إلا على شيء من خبز الشعير والملح الجريش أغناه ذلك عن العبادة في بقية عمره .فقال له القاضي أبو عمر : من أين لك هذا ؟ فقال : من كتاب الإخلاص للحسن البصري فقال له : كذبت يا حلال الدم ؛ قد سمعنا كتاب الإخلاص للحسن بمكة ليس فيه شيء من هذا، فأقبل الوزير على القاضي فقال له : قد قلت : " يا حلال الدم " فاكتب ذلك في هذه الورقة وألح عليه وقدم له الدواة ، فكتب ذلك في تلك الورقة وكتب من حضر خطوطهم فيها وأنفذها الوزير إلى المقتدر.." فما لبث ثلاثة أيام حتى قتل .وبجانب هذه التي تعد من أهم قضاياه ، فقد حكى البغدادي أن أبا عمر القاضي قال : قدّم إليه بن النديم بن المنجم في شيء كان بينهما ، فقال له بن المنجم : إن هذا يدل بخاصة له عند القاضي ، فقال أبو عمر : ما أنكرها ، وإنها لنافعة له عندي غير ضارة لك ، إن كان الحق له كفيناه مئونة اجتذابه ، وإن كان عليه سلمناه إليك من غير استذلال له .وفي صفة مقدرته في القضاء وتمكنه منه يقول البغدادي : " حدثنا على بن أبى علي المعدل حدثنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عبيد الدقاق قال : قال لي أبو إسحاق إبراهيم بن جابر الفقيه الذي تقلد بعد ذلك القضاء (أي بعد القاضي أبو عمر) : لما ولي أبو عمر محمد بن يوسف القضاء طمعنا في أن نتتبعه بالخطأ لما كنا نعلم من قلة فقهه ، فكنا نستفتى فنقول : امضوا إلى القاضي، ونراعى ما يحكم به ، فيدافع عن الأحكام مدافعة أحسن من فصل الحكم على واجبه وألطف ، ثم تجيئنا الفتاوى في تلك القصص فنخاف أن نخرج إن لم نفت ، فنفتى فتعود الفتاوى إليه فيحكم بما يفتى به الفقهاء ، فما عثرنا عليه بخطأة ".



    آراء العلماء فيه :


    بلغ القاضي أبو عمر شأوا عظيما عند العلماء ، حتى لقد قال عنه ابن كثير: " كان من أئمة الإسلام علما ومعرفة وفصاحة وبلاغة وعقلا ورياسة بحيث كان يضرب بعقله المثل ".ووصفه الخطيب البغدادي فقال : " أبو عمر محمد بن يوسف في الحكام لا نظير له عقلا وحلما وذكاء وتمكنا ، واستيفاء للمعانى الكثيرة باللفظ اليسير، مع معرفته بأقدار الناس ومواضعهم وحسن التأني في الأحكام والحفظ لما يجرى على يده ".وقد أعطاه بعض حقه طلحة بن محمد بن جعفر الشاهد حيث قال : " أبو عمر محمد بن يوسف من تصفح أخبار الناس لم يخف عليه موضعه ، وإذا بالغنا في وصفه كنا إلى التقصير فيما نذكره من ذلك أقرب ، ومن سعادة جده أن المثل ضرب بعقله وحلمه وانتشر على لسان الخطير والحقير ذكر فضله ، حتى إن الإنسان كان إذا بالغ في وصف رجل قال : كأنه أبو عمر القاضي ، وإذا امتلأ الإنسان غيظا قال : لو أني أبو عمر القاضي ما صبرت ، سوى ما أنضاف إلى ذلك من الجلالة والرياسة والصبر على المكاره ، واحتمال كل جريرة إن لحقته من عدوه وغلط إن جرى من صديقه ، وتعطفه بالإحسان إلى الكبير والصغير ، واصطناع المعروف عند الداني و القاصي ، ومداراته للنظير والتابع ..".وفي جماع ذلك كله يقول الخطيب البغدادي أيضا : " سمعت على بن محمد بن الحسن الحربي يقول : كان يقال : إن إسماعيل القاضي بكاتبه ، ويوسف القاضي بابنه ، وأبو الحسين بن أبى عمر بأبيه ، والوصف في جميع هذه الأمور عائد إلى أبى عمر أو كما قال ".[4]




    ما أُخذ على أبو عمر القاضي : أن يسعى الإنسان للكمال ويقترب منه فهذه مندوحة أيما مندوحة ، ولكن كفى بالمرء نبلا أن تعد معايبه ، فالكمال لصاحب الكمال، ويأبى الله إلا أن يتفرد بالكمال ، وقد قيل: إن لكل جواد كبوة كما لكل عالم هفوة ، بهذه البداءة كان التقديم لحادث أُخذ على القاضي أبو عمر ما كان ينبغي أن يُقدم عليه .فقد ذكر ابن الأثير والطبري وغيرهما أن القاسم بن عبيد الله وزير الخليفة المكتفي كان يكره القائد بدر المعتضدي ، وكان يعمل على قتله ، فأخذ يوغر صدر الخليفة عليه، وكان بدر في واسط ( مدينة في وسط السواد بالعراق بناها الحجاج بن يوسف الثقفي ) مع قادة آخرين يقوم بمهمة عسكرية ، فدعاه الوزير إلى بغداد فامتنع ، فدعا الوزير أبا حزم قاضي المنطقة الشرقية ببغداد وطلب إليه أن يذهب إلى بدر ويطيب نفس الخليفة عليه ويدفع إليه كتاب أمان منه ، فطلب القاضي أبو حزم من الوزير أن يسمع ذلك من الخليفة بالذات ، فصرفه الوزير .ثم دعا القاضي أبا عمر وقال له مثل ما قال للقاضي أبي حازم ، فسار إلى بدر وبلغه أمان الخليفة، فخرج بدر من واسط يريد بغداد ، فأرسل الوزير غلمانا وأمرهم بقتله ، فلما وصل إل المدائن تنحى عنه القاضي عمر، و فجأة الغلمان فقتلوه وحملوا رأسه للوزير.وقد تكلم الناس فيه وقالوا : هو كان السبب في قتل بدر، وقالوا فيه شعرا فيه طعن وهجاء لما فعل من تمكين وزير حقود قتل قائد كبير في يوم جمعة وفي شهر الصوم ، وقيل إن أبا عمر القاضي رجع إلى داره بعد هذا الحدث كئيبا حزينا لما كان منه في ذلك، ومما قيل فيه :قل لقاضي مدينة المنصور... بم أحللت أخذ رأس الأميربعد إعطائه المواثيق والعهد ... وعقد الأمان في منشور أين أيمانك التي شهد الله ... على أنها يمين فجورأن كفيك لا تفارق كفيه ... إلى أن ترى مليك السريريا قليل الحياء يا أكذب الأمة... يا شاهداً شهادة زورليس هذا فعل القضاة ولا يحسن ... أمثاله ولاة الجسورأي أمر ركبت في الجمعة الغراء... من ذي شهر خير الشهورقد مضى من قتلت في رمضان ... صائما بعد سجدة التعفيريا بني يوسف بن يعقوب أضحى... أهل بغداد منكم في غروربدد الله شملكم وأراني... ذلكم في حياة هذا الوزيرفأعد الجواب للحكم العدل ... من بعد منكر ونكير[5]





    وفاته : يقول البغدادي: " قال البرقاني أو كما قال لي الحمدوني : حدثنا على بن المحسن من حفظه حدثنا القاضي أبو محمد عبد الله بن محمد الأسدي قال : قال لي أبي دخلت يوما على القاضي أبو عمر محمد بن يوسف وبين يديه بن ابنه أبو نصر وقد ترعرع ، فقال لي : يا أبا بكر:إذا الرجال ولدت أولاده ... واضطربت من كبر أعضداهاوجعلت إعلالها تعداده ... فهي زروع قد دنى حصادهافقلت : يبقى الله القاضي، فقال ثم أيش ؟؟!!ففي يوم الأربعاء لخمس بقين وقيل لسبع بقين من شهر رمضان سنة عشرين وثلاثمائة فاضت روح القاضي أبي بكر إلى بارئها ، وقد تم له ثمان وسبعون سنة ، ودفن في داره ، رحمه الله رحمة واسعة .وفي مسك الختام يقول البغدادي : " حدثنا أبو بكر البرقاني قال : حكى لي الحمدوني أن إسماعيل القاضي ببغداد كان يحب الاجتماع مع إبراهيم الحربي ، فقيل لإبراهيم : لو لقيته؟ فقال : ما أقصد من له حاجب ، فقيل ذلك لإسماعيل فنحى الحاجب عن بابه أياما ، فذكر ذلك لإبراهيم فقصده ، فلما دخل تلقاه أبو عمر محمد بن يوسف القاضي ، وكان بين يدي إسماعيل قائما ، فلما نزع إبراهيم نعله أمر أبو عمر غلاما أن يرفع نعل إبراهيم في منديل معه ، فلما طال المجلس بين إبراهيم وإسماعيل وجرى بينهما من العلم من تعجب منه الحاضرون وأراد إبراهيم القيام نفذ أبو عمر إلى الغلام أن يضع نعله بين يديه من حيث رآها إبراهيم ملفوفة في المنديل ، فقال إبراهيم لأبي عمر : " رفع الله قدرك في الدنيا والآخرة " ، فقيل : إن أبا عمر لما توفي رآه بعضهم في المنام فقال : ما فعل الله بك ؟ فقال : أدركتنى دعوة الرجل الصالح إبراهيم فغفر لي ". [6](6)





    من هوامش البحث : تعريف الحلاج قتيل قضاء أبو عمر الأزدي:هو الحسين بن منصور بن محمى ، الملقب بالحلاج أبو مغيث ، فيلسوف متصوف ، بعض المؤرخين يعده من السهاد المتعبدين ، وبعضهم يعده من الزنادقة الملحدين ، ولكل منهم فيه أقوال ، كان جده محمى مجوسيا وأسلم، أصله من مدينة (البيضاء) بفارس ، ونشأ بواسط وانتقل إلى البصرة وحج وأقام بمكة مدة ثم عاد إلى بغداد ومنها انتقل إلى مدينة (تستر) بالأهواز .ظهر أمره سنة 299هـ فاتبع بعض الناس طريقته في التوحيد والإيمان ، ثم كان ينتقل من بلد إلى بلد وينشر طريقته سرا، وكانت تروى عنه أمور تعد من الخوارق ، يقول الذهبي في كتابه (العبر في خبر من غبر) : إن الحلاج صحب سهل التستري والجنيد وأبو الحسين النوري ، وهم من أئمة الصوفية ، ثم فتن فسافر إلى الهند وتعلم السحر، فحصل له حال شيطاني وهرب منه الحال الإيماني ، ثم بدا منه كفر أباح دمه وكسر صنمه .وقال عنه أبو الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي في كتابه (المنتظم) : أفعال الحلاج وأقواله وأشعاره كثيرة ، كان يتكلم بكلام الصوفية فتبدو كلمات حسان ، ويدعي أنه يحيي الموتى وأن الجن يخدمونه وأنهم يحضرون إليه ما يشتهي ، ولما رفع أمره إلى الخليفة المقتدر أمر أبا الحسن علي بن أحمد الراسبي ضامن خراج الأهواز أن يأتيه به ، فقبض عليه مع غلام له وحمله إلى بغداد سنة 301ه ، فصلب على جذع شجرة ، ثم سجن وظل مسجونا ثماني سنين ، ثم عقد له مجلس من القضاة والفقهاء (كان على رأسهم - كما وضحنا - القاضي أبو عمر) ، فشهد عليه أناس بما يدينه بالزندقة والإلحاد فصدر الحكم بقتله وإحلال دمه ، فسلم إلى (نازوك) صاحب الشرطة فضرب ألف سوط ثم قطعت أربعة أطرافه ثم حز رأسه وأحرقت جثته .وهناك من الصوفية من يدعي أن الحلاج كوشف حتى عرف السر وعرف سر السر، وأنه حين قدم إلى القتل قال قبل قتله : حسب الواحد إفراد الواحد ، فما سمع أحد من الصوفية بهذه الكلمة إلا رق له ، كانت عقيدته الصوفية تقوم على (وحدة الوجود) أي أن الإنسان ، وهو خلق الله تعالى مندمج في ذات الله، فهو والله شيء واحد. ولا يمكن للإنسان أن يرى صورة الله في نفسه إلا بمحبته محبة العاشق للمعشوق ، وهو حب روحي ووجداني، لا يرقى إليه الإنسان ولا ينعم به إلا إذا تخلى عن لذاته وشهواته المادية، فإذا بلغ هذه المرتبة انكشفت له الحجب ورأى ما لا يراه المبصرون . كان شاعرا مجيدا وقد عبر عن صوفيته وفلسفته بأشعار نظمها منها قوله :أنا من أهوى ومن أهوى أنا نحن روحان حللنا بدنافإذا أبصرتني أبصرته وإذا أبصرته أبصرتناومنها قوله :مزجت روحك في روحي كما تمزج الخمرة بالماء الزلالفإذا مسك شيء مسني فإذا أنت أنا في كل حالوقوله :الله يعلم ما في النفس جارحة إلا وذكرك فيها نيل ما فيهاو لا تنفست إلا كنت في نفسي تجري بك الروح مني في مجاريهاإن كانت العين مذ فارقتها نظرت إلى سواك فخانتها مآقيهاأو كانت النفس بعد البعد آلفة خلقا عداك فلا نالت أمانيها .ويذكرون أن الحلاج سمي بهذا الاسم لأنه اطلع على ما في القلوب ، وكان يخرج لب الكلام كما يخرج الحلاج لب القطن . وقيل إن أباه كان يحلج القطن ، وقيل غير ذلك . كتب عدة مصنفات ذكرها صاحب الفهرست ومنها كتاب (طاسين) أو (الطواسين) وكتاب (الظل الممدود والماء المسكوب) وكتاب (خلق الإنسان والبيان) وكتاب (التوحيد) وكتاب (النجم إذا هوى) وكتاب (مدح النبي) وكتاب (الصلاة والصلوات) وكتاب (اليقين) وغير ذلك من الكتب .

  3. #3


    القاضي أبو يعلي محمد

    مولده ولد أبو يعلي محمد بن الحسين الفراء سنة ثمانين وثلاثمائة في مدينة بغداد ، وعاش في بغداد ونهل من منابع شتي ، ونبغ فيه ، حتي صار شيخ الحنابلة في أيامه .



    النسب و القبيلة : الفراء: أبو يعلى محمد بن الحسين بن الفراء البغدادي الحنبلي الشهير بالفراء ، علامة الزمان قاضي القضاة مجتهد المذهب - مذهب الإمام احمد بن حنبل - بل المجتهد المطلق .





    مؤلفاته : الخلاف الكبير والأحكام السلطانية و شرح الخرقي ...


    وفاته : لما احتضر غزل أكفان نفسه وأوصى أن لا يكفن بغيرها ولا يخرق عليه ثوب ولا يقعد ، توفي بنيسابور سنة 458 هـ .

  4. #4
    عبد الله التل

    يعد عبد الله التل من أبرز الشخصيات التي لعبت دورًا رئيسيًّا وتاريخيًّا في الصراع العربي الصهيوني منذ بداية عام 1948م ، من خلال المعارك البطولية التي قادها ضد المستعمرات اليهودية قبل دخول الجيوش العربية إلى فلسطين في 15 مايو 1948م ، ثم دخوله على رأس الكتيبة السادسة مدينة القدس ، وتطهير المدينة القديمة من القوات اليهودية ، وحمايتها من الهجمات المتكررة لاحتلالها . ونتيجة للانتصارات التي حققها عبد الله التل في الميدان العسكري والسياسي خلال تلك الحرب، ولِمَا تحلى به من كفاءة حربية عالية ، وذكاء نافذ ، وحنكة سياسية ، وشجاعة بينة ، وإيمان قوي ، ووطنية راسخة ، برز اسمه ولمع في وقت قصير على الساحة العربية والدولية ، حتى أصبحت إنجازاته العسكرية وتصريحاته السياسية وصوره الشخصية تتصدر الصفحات الأولى ، وبعناوين بارزة متواترة في الصحافة العربية والعالمية ، واستحق لقب بطل معركة القدس من الأوساط الرسمية والشعبية . وُلد عبد الله التل في مدينة " أربد " عام 1918م ، وفي مدارسها أتم دراسة المرحلتين الابتدائية والمتوسطة ، ليلتحق مثل كثيرين من أبناء جيله بثانوية السلط ، وليتخرج منها في العام 1937م . عمل لمدة خمس سنوات موظفًا مدنيًّا في مديرية الجوازات ، كما حصل على دورة أركان الحرب من بريطانيا عام 1946م ، ثم ماجستير آداب من جامعة الأزهر 1965م . كما عمل ملازمًا في الجيش العربي عام 1942م ، ثم عُين حاكمًا عسكريًّا للقدس في الفترة 1948م -1949م ، ويُعد من الضباط الأردنيين الذين دافعوا عن القدس عام 1948م ، وسُمي " قائد معركة القدس ". وبسبب شجاعته وكفاءته سجل سابقة حميدة في الجيش العربي ، حين حصل على أربع ترقيات عسكرية خلال ست سنوات .



    معركة القدس أرتبط اسم المجاهد عبد الله التل بمدينة القدس والدفاع عن هويتها الإسلامية و عروبتها ، حتى صار مصطلح بطل معركة القدس ملازمًا لاسم هذا القائد العسكري المتميز . ومن المؤكد أن بطلاً بمواصفات عبد الله التل لا يحتاج إلى شهادة أحد، فقد شهدت له معارك الدفاع عن عروبة القدس عامي 1947م و1948م ، ويتذكر المقدسيون وغيرهم من المجاهدين العرب بطولات هذا القائد ضد العصابات الصهيونية ، وربما كانت واحدة من أقسى اللحظات التي عاشها العسكري الشجاع أبو المنتصر " عبد الله التل " لحظة إعلان الهدنة وتوقف المعارك ، وهو يرى بأم عينه جزءًا عزيزًا من فلسطين ومن القدس الشريف قد أصبح تحت سيطرة العصابات الصهيونية . بحكم موقعه القيادي في الجيش العربي ، وبحكم وعيه وقراءته العسكرية والسياسية الناضجة ، فهم عبد الله التل كثيرًا من أسرار الحرب ، ودور الجيش البريطاني في دعم العصابات الصهيونية وتوفير الحماية لها ؛ لذلك كانت مذكراته التي أصدرها في القاهرة تمثل وثيقة سياسية مهمة من قائد عسكري محنك، قال كلمته بجرأة وشجاعة في كل ما رآه في تلك الحرب ، التي لم تكن متكافئة ، وحجم المؤامرة التي تعرضت لها فلسطين في تلك المرحلة . دورات عسكرية عديدة اجتازها عبد الله التل ، الذي أصبح أحد أبرز الكفاءات العسكرية في الجيش العربي، استحق عليها عددًا من الأوسمة ، وعندما تم تعيينه في أركان حرب الجيش العربي أحسَّ " جلوب باشا " بخطورة ذلك على مستقبله ومستقبل الضباط الإنجليز من وجود كفاءات عربية ، فنقله إلى قائد لحرس القوافل ، وقد استثمر وجوده هناك لتوفير الدعم للمجاهدين العرب والفلسطينيين وتدريبهم لمواجهة الخطر الصهيوني ، وتعرف بحكم موقعه إلى قادة فصائل الجهاد في فلسطين وفي مقدمتهم عبد القادر الحسيني . ومن الأحداث المهمة في حياته ، أن آخر العمليات العسكرية التي قام بها القائد عبد الله التل خلال معركة القدس عندما رفع نيرانه ضد القوات اليهودية ؛ لم تكن مؤيدة بأوامر صريحة من قائد الجيش الأردني الجنرال البريطاني " جون باجوت جلوب " الشهير " بجلوب باشا " ، وكان رجال العشائر يلقبونه بـ" أبو حنيك "؛ لأنه كان قد فقد جزءًا من حنكه بسبب إصابة خلال إحدى الحروب التي خاضها في زمانه . فقد اعتبر جلوب باشا مبادرة عبد الله التل وكأنها تمرد على الأوامر، ولكي يتفادى الملامة من المسئولين العرب الآخرين رضخ الملك عبد الله الأول على مضض لمبادرات عبد الله التل العسكرية المتحمسة ، حيث كان الملك في خضم مباحثات سرية مع بعض قادة الحركة الصهيونية والوكالة اليهودية ؛ مثل: جولدا مائير، وموشيه شاريت ، وإلياهو ساسون ؛ طمعًا في الحصول على بعض أجزاء من فلسطين . وقد عكست مبادرات عبد الله التل العسكرية عدم تحمُّله هو وجنوده الوقوف مكتوفي الأيدي بينما يقع مواطنيهم سكان القدس تحت رحمة نيران العدو دون من يدافع عنهم ، بينما يقوم ملكه بالتآمر مع هذا العدو . وما إن تم التوقيع على هدنة بين الأردن والحكومات العربية الأخرى من جهة والقيادة اليهودية من جهة أخرى - علمًا بأن الفلسطينيين لم يشكلوا طرفًا في تلك الهدنة أو في الاتفاقيات التي تلتها- أظهر الملك عبد الله ساعتها غضبه تجاه مبادرات عبد الله التل العسكرية ، التي كانت على وشك أن تُفشِل مخططاته. ومن دواعي العجب أن تمرد عبد الله التل هو الذي أنقذ القدس القديمة وأمَّنها للملك عبد الله الأول ، وإلاّ فإن قوات " الهاجانا " اليهودية كانت ستحتلها عام ١٩٤٨م . وفي نهاية الأمر، تعد عملية الدفاع عن مدينة القدس هو الانتصار العسكري الوحيد ذو الأهمية الذي سجلته الجيوش العربية في حرب فلسطين ١٩٤٨م- ١٩٤٩م ، فقد حالت العمليات العسكرية الناجحة التي بادر بها القائد عبد الله التل، دون سقوط مدينة القدس القديمة وبعض ضواحيها في أيدي قوات " الهاجانا " ، وإن كانت المدينة -وما تبقى من فلسطين - قد سقطت في نهاية الأمر بين أيدي الإسرائيليين عقب حرب يونيو ١٩٦٧م ، أو حرب الستة أيام كما تُسمَّى أحيانًا . ولقد خشي الملك عبد الله الأول أيضًا من شعبية عبد الله التل المتزايدة ، فاتهمه فجأة بأنه يتآمر مع السوريين للاستيلاء على الحكم وضم الأردن إلى سوريا ، وبدلاً من أن يعود عبد الله التل إلى بلده وعشيرته كبطل ؛ فقد اضطُرّ التل إلى اللجوء إلى مصر حيث أمضى ما يقارب العشرين عامًا كلاجئ سياسي ، ومثلما لمع اسم القائد عبد الله التل في معركة القدس، فقد لمع كذلك أثناء إقامته في القاهرة التي كانت مليئة بالسياسيين من مختلف جهات الأرض ؛ مما مَكَّنه من التعرف على سياسيين وعسكريين ومثقفين مصريين .



    الجريمة الكبرى أظهر عبد الله التل في كتابه القيم " كارثة فلسطين .. مذكرات عبد الله التل قائد معركة القدس" ، وقد ظهرت طبعته الأولى عام 1959م ، أن النصر على اليهود كان قاب قوسين أو أدنى بسبب تضييق الحصار عليهم ، إلا أن الخيانات العربية والتدخل البريطاني والأمريكي باقتراح الهدنة التي ساعدوا فيها اليهود حالت دون ذلك ، يقول موضحًا ذلك : (حينما أيقنت بريطانيا من قرب هلاك ربيبتها "إسرائيل"، ولم يمض على دخول الجيوش العربية إلى فلسطين أكثر من أسبوعين؛ سارعت لنجدة اليهود -سياسيًّا- تلبية لاستغاثة كبار الصهيونيين الذين نشطوا لإقناع الإنجليز والأمريكان بخطورة الوضع في فلسطين، فتقدم المندوب البريطاني لمجلس الأمن في آخر شهر مايو 1948م باقتراح يقضي بوقف القتال لمدة أربعة أسابيع ، وتعيين وسيط دولي للتوفيق بين العرب واليهود ، وقد استخدمت بريطانيا نفوذها للتأثير في جميع أعضاء مجلس الأمن ؛ فأقر المجلس الاقتراح البريطاني في 29 مايو 1948م بوقف القتال في فلسطين لمدة أربعة أسابيع ، وتعيين " الكونت برنادوت " وسيطًا منتدبًا من قِبَل هيئة الأمم ، مهمته التوفيق بين العرب واليهود . وبعد أن أبلغ مجلس الأمن قراره إلى اليهود والدول العربية ، وطلب الرد على هذا القرار، اجتمعت اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية في عمان لدراسة قرار مجلس الأمن ، واتخاذ الخطوات اللازمة بشأنه ) . ثم يقول: ( وهكذا وافقت الدول العربية على قرار الهدنة بعد أن اشترطت أمورًا معينة ، ما لبثت أن تنازلت عنها بعد أن سعى " برنادوت " وأقنعها بقبول حله الوسط )! ويتابع التل قائلاً : ( ليس لي إلا أن أصفها بالجريمة الكبرى! وهي أخفّ وصف يمكن أن توصف به موافقة الجامعة العربية على شروط الهدنة التي قدمها " برنادوت " بدون قيد أو شرط، فقد وافق أعضاء اللجنة السياسية على أكبر خطيئة في تاريخ الحروب بالشرق العربي ؛ ألا وهي السماح بفك الحصار عن مدينة القدس ، وإنقاذ مائة ألف يهودي كانوا على وشك التسليم أو الموت جوعًا وعطشًا . وافقوا - أي العرب - قبل أن يفكروا قليلاً في نتائج ما أقدموا عليه ، وافقوا قبل أن يفكر أحدهم فيما سيقع بعد عشرة أيام فقط من ذلك اليوم المشئوم ، وافقوا لأنهم وثقوا من وفد الأردن في اللجنة السياسية ، وصدَّقوا رئيس الحكومة الأردنية الخائن، وافقوا قبل أن يفهموا أن القدس هي كل شيء في فلسطين ، وأن من يحتلها ينهي المعركة كلها ، وافقوا قبل أن يسألوا ليفهموا : كيف كانت حال مائة ألف يهودي في القدس ، هم سُبع يهود فلسطين ؟! وافقوا قبل أن يسمعوا ما يقوله القائد العربي في تلك المدينة العظيمة ، وقبل أن يعلموا مقدار الدماء والدموع والجهود التي بذلناها في القدس حتى جعلناها تترنح لتهوي صاعقة على رأس الصهيونية فتزيلها إلى الأبد . وافقوا قبل أن يفكروا قليلاً في نوايا الإنجليز وعزمهم على إنقاذ الصهيونية وخاصة في القلب " فلسطين " ، وافقوا قبل أن يسيئوا الظن قليلاً بشروط الهدنة ويفرضوا شرطًا واحدًا على الأقل لمراقبة طريق الحياة للقدس ، وجعل تموين اليهود تحت إشراف العرب ، لقد وافقوا ولو لم يفعلوا لتغير مجرى الحرب في فلسطين . وإنني أعتبر جميع الدول العربية مسئولة عن ذلك القرار في اليوم الأسود بعمان ؛ لأن الواجب كان يقضي بإخراج الأردن من الجامعة العربية في ذلك التاريخ ما دامت النتيجة واحدة ، وما يريده الأردن من فواجع وكوارث لا بد أن يتحقق . أما إذا كانت الدول العربية في ذلك الحين حسنة الظن في عمان ، فتكون الجريمة قد تمت نتيجة الجهل الفاضح وسوء الإدراك لما يجري على مسرح السياسة ، وفي هذا مسئولية لا تقل عما سبق ).


    مؤلفات عبد الله التل وكما جاهد عبد الله التل بالسلاح ، جاهد بالكلمة ، فترك عدة كتب في قضية فلسطين ، والتي تعدُّ من أهم الكتب التي يجب على الجميع قراءتها ؛ لفهم جذور قضية فلسطين القضية الإسلامية الأولى عند المسلمين ، وجميع هذه الكتب طُبع في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الميلادي الماضي . أي خلال أو بعد الإعلان الرسمي عن سرقة أرض فلسطين وتقديمها لليهود ، وبفضل الله هي موجودة على شبكة الإنترنت , ومن أهمها : كتاب " كارثة فلسطين " ، وهو مذكراته وتفاصيل معركة القدس التي انتصر فيها جيش المسلمين على جيش اليهود وفيالق الانتداب . و كتاب " الأفعى اليهودية في معاقل الإسلام " ، ويدور حول التغلغل الباكر لليهود في عقول الطبقات السياسية الحاكمة وغيرها من الطبقات في العالم الإسلامي ، وكتاب "جذور البلاء " الذي يبحث في أصل مشكلة فلسطين ، وكتاب "خطر اليهودية العالمية على الإسلام والمسيحية " .



    وفاة عبد الله التل كان عبد الله التل صخرة من الصخور العربية التي لا تقبل التفجير، ومن سيوف الإسلام التي لا تقبل الانحناء ، ولا يكون الإنسان مبالغًا إذا قال بأنه كان الرمح العربي الذي لا يقبل الانكسار، فقد ظل عند ثوابته على الرغم من مئات الوشايات والاتهامات الباطلة التي كالها له أصحاب الأحقاد . وقد فاضت روحه لبارئها في الثالث عشر من أغسطس عام 1973م ليُدفن في مسقط رأسه ، وقد ملأ الحزن قلبه على ما آلت إليه أوضاع الأمة العربية والإسلامية ، ولم يُكتب له أن يشهد يوميات معركة أكتوبر التي نشبت بعد شهرين على رحيله ، وفيها تم بفضل الله هزيمة الصهاينة. وقد أنجب ابنة واحدة اسمها " إيناس " ، وخمسة أولاد هم : " منتصر" و" صلاح " و" أسامة " و" خالد " و" حمزة ". خمسة وخمسون عامًا عاشها عبد الله التل كانت مليئة بالأحداث الكبيرة ، قدَّم فيها الكثير لدينه وأمته .






    المصادر: موقع لواء الشريعة.روابط ذات صلة :- المزيد من مقالات أعلام المجاهدين- خيانة فلسطين - فيديو - ظهور المقاومة الفلسطينية ولعبة الجامعة العربية - فيديو- فلسطين قضية المس
    لمين الأولى - فيديو - فلسطين ما زالت حية بقلم د. راغب السرجاني- الشعوب المسلمة وفلسطين بقلم د. راغب السرجاني

  5. #5
    أسد بن الفرات قاضي القضاة و المجاهد الشهيد بطل من أبطال الإسلام ، وعلم من أعلام الفقه ، ورائد من رواد القضاء ..كان في القضاء عادلاً ، و في الفقه معلمًا ، وفي الحرب قائدًا . لم يمنعه تقدم السن وأعباء الحياة من أن يترك حلقات العلم و الحكم ، و أن يودع القلم والمحبرة ليتفرغ لقيادة المجاهدين ، وتأديب الغادرين ، ورفع راية الإسلام .هو أسد بن الفرات بن سنان من حرّان بديار بكر . كان يعتز باسمه واسم أبيه و جده ، فيقول : أنا أسد وهو خير الوحوش ، وأبي الفرات وهو خير المياه ، وجدي سنان وهو خير السلاح .

    أسد بن الفرات .. مولده وعلمه

    ولد أسد بن الفرات عام 145هـ . تفتح عقله على العلم ، وحلّق فكره في الفقه ، فكان في صدر شبابه لا يعرف إلا العلم والدرس والتحصيل . انتقل إلى تونس فنشأ بها وترعرع بين ربوعها ، فكان لنشأته الفقهية أكبر الأثر في تكوينه .. التقى بالعالم المالكي الفقيه علي بن زياد ودرس عليه المذهب المالكي فنبغ فيه ، ودرس الحديث والأثر. ظهر عليه النبوغ والذكاء ، فقد كان يتفجر علمًا و تُقى . جلس يعلم الناس فالتف الناس حوله وأقبل العلماء عليه فلكل سؤال جوابه ، ولكل معضلة حلّ . لم يكتف بذلك بل أراد أن يأخذ العلم من منبعه ، وأن يحصل عليه من قائله ، فعمل على لقاء الإمام مالك فتم له ما أراد . تتلمذ على يديه وسمع منه الموطأ ، وتبحر في هذا المذهب وألف الأسدية في فقه الإمام مالك ، ثم رجع ليفقه الناس في تونس والقيروان . عرف الناس علمه و فضله ، فقد كان أكثر الناس علمًا أذكاهم فهمًا، وأفصحهم لسانًا . ثم تاقت نفسه إلى الاستزادة من العلم والمعرفة، فيمَّم وجهه شطر العراق حيث فقيه الرأي والقياس وأقطاب العلم وجهابذة النظر ، فنشأ عن هذا اللقاء فيض القريحة وقوة الحجة . التقى هناك بالقاضي أبي يوسف ومحمد بن الحسن ، وهما من أجلِّ أصحاب أبي حنيفة، فنقل عنهما أصول المذهب الحنفي. عارض وناقش ودرس الأصول والقواعد. رأى فيه أهل العراق رجاجة عقله وثاقب نظره وفكره المستقل وحسه المرهف، فلقي منهم كل احترام وتقدير، وكما نقل عنهم مذهب الإمام أبي حنيفة، نقلوا عنه مذهب الإمام مالك. لا عجب أن يشد أسد بن الفرات رحاله إلى بغداد لينهل من علمها ، ويتفقه على أيدي علمائها ؛ فقد كان العراق يومئذ مركز الإشعاع العقلي ، جمع بين العلم والفن والتفسير والحديث والفقه واللغة والأدب والنحو والصرف . قال صاحب (ضحى الإسلام) نقلاً عن المقدسي يصف بغداد : " هذا إقليم الظرفاء ، ومنبع العلماء ، لطيف الماء ، عجيب الهواء، ومختار الخلفاء . أخرج أبا حنيفة فقيه الفقهاء، وسفيان سيد القراء ، ومنه كان أبو عبيد والفراء وحمزة و الكسائي ، وكل فقيه ومقرئ وأديب وسري وحكيم ، وزاهد ونجيب ، وظريف ولبيب ". وقال عنه ابن كثير في ( البداية والنهاية 1/102) : " قال ابن علي: ما رأيت أعقل في طلب الحديث من أهل بغداد ولا أحسن منهم ". عاد القاضي الفقيه أسد بن الفرات إلى القيروان ، وازداد علمًا وفقهًا ومعرفة ، فأخذ يفيض على الناس مما آتاه الله ، والناس مقبلون عليه يرجون فضله وينالون من علمه .
    أسد بن الفرات .. القاضي المجاهد الشهيد

    بينما الناس مقبلون على الدرس والتحصيل ، والشيخ يعلو صيته وترتفع شهرته، ويتبوأ مكانته الاجتماعية في المجتمع الذي يعيش فيه، حتى أطلقوا عليه قاضي القضاة أو شيخ الفتيا . وبينما الشيخ يعقد حلقات العلم والناس يتدافعون نحوه ، إذا بداعي الجهاد يدعو الناس للجهاد في سبيل الله . ففي عهد الخليفة المنصور ينادي زياد الله بن الأغلب في الناس هلمُّوا إلى الجهاد في سبيل الله، ويستحث الناس لفتح جزيرة صقلية . فيتدافع المسلمون ملبين داعي الجهاد في سبيل الله ، وكان القاضي أسد بن الفرات برغم كبر سنه يتقد حمية على الإسلام . فهو يرى في الجهاد قرّة عينه ، وراحة نفسه ، فما إن أعلن الجهاد واستعد الناس لأداء الواجب ، واجب التضحية والفداء ، حتى هبَّ القاضي الفاضل والمعلم الورع وصاحب الكتب والمحبرة وابن السبعين من عمره أو أكبر .. إذا بهذا الشيخ بعد أن بلغ هذه السن التي تفتر فيها القوى ، وتذبل فيها القرائح ، ويخلد الإنسان عادة إلى الدعة والسكينة والهدوء ، إذا بهذا القاضي ينقلب شابًّا يافعًا ومجاهدًا صادقًا ، فيعلن استعداده للتطوع ليعمل جنديًّا في سبيل الله ، ومجاهدًا في ميدان الحق ، ولكن زياد الله بن الأغلب رجل يعرف أقدار الرجال ، فهو يعرف للقاضي حقه وفضله ومكانته في المجتمع وسنه وورعه ، فيسند إليه القيادة ، قيادة المعركة البحرية العظيمة . *** لم يكن غزو المسلمين في البحر غريبًا عنهم ، فهم رجال سادوا البحر كما سادوا البر، وكان المسلمون يفرحون للغزو في البحر طمعًا في ثواب الله لمن خاض البحر مجاهدًا في سبيل الله .. بل كان المسلمون يطلبون من غزاة البحر الدعاء لهم باعتبارهم مجاهدين لهم من الأجر والثواب أكثر من غيرهم . وقد ثبتت أحاديث شريفة عن رسول الله ترغِّب المسلمين في الغزو في البحر، وتبين لهم فضله . من ذلك ما رواه البخاري (1/ص416) من فتح الباري لابن حجر: عن أم حرام أن رسول الله قالَ - من القيلولة - يومًا في بيتها فاستيقظ وهو يضحك ، قالت : فقلت : يا رسول الله ، ما يضحكك ؟ قال : "عجبتُ من قوم من أمتي يركبون البحر كالملوكِ على الأَسِرَّةِ". فقلت: يا رسول الله ، ادعُ الله أن يجعلني منهم . فقال: " أنتِ منهم ". ثم نام ، فاستيقظ وهو يضحك ، فقال مثل ذلك مرتين أو ثلاثًا ، فقلتُ : يا رسول الله، ادعُ الله أن أكون منهم . فقال : " أنتِ من الأولين " . فتزوج بها عبادةُ بن الصامت ، فخرج بها إلى الغزو، فلما رجعت قرّبت دابتها لتركبها فوقعت فاندق عنقها . و في رواية مسلم بشرح النووي (3/ص575) أن أمّ ملحان قالت لما ضحك رسول الله : ما يضحكك يا رسول الله ؟ قال : " ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج هذا البحر ملوكًا على الأَسِرَّةِ أو مثل الملوك على الأَسِرَّة ..." إلى آخر الحديث . لذلك لم يكن ركوب البحر غريبًا على المسلمين ، فقد غزا معاوية بن أبي سفيان جزيرة قبرص ، كما قاد عبد الله بن أبي سعيد بن أبي السرح أكبر معركة بحرية عام 34هـ وهي معركة ذات الصواري ، وكانت معركة رهيبة غيَّرت تاريخ البحر الأبيض المتوسط . قال الطبري في تاريخه (4/ص289) عن مالك بن أوس بن الحدثان قال : كنت معهم فالتقينا في البحر فنظرنا إلى مراكب ما رأينا مثلها قط ، وكانت الريح علينا فأرسينا ساعة ، فأرسوا قريبًا منها ، وسكنت الريح عنا فقلنا : الأمن بيننا وبينكم . قالوا : ذلك لكم ولنا منكم مثل ذلك. ثم قلنا : إن أحببتم فالساحل حتى يموت الأعجل منا ومنكم ، وإن شئتم البحر. قال : فنخروا نخرة واحدة وقالوا : الماء . فدنونا منهم فربطنا السفن بعضها إلى بعض ، حتى كنا يضرب بعضنا بعضًا على سفننا وسفنهم . فقاتلنا أشد القتال ، ووثبت الرجال على الرجال يضطربون بالسيوف على السفن و يتواجئون بالخناجر حتى رجعت الدماء إلى الساحل تضربها الأمواج ، وطرحت الأمواج جثث الرجال ركامًا ، وقال ممن حضر ذلك اليوم : رأيتُ الساحل حيث تضرب الريح الموج ، وإن عليه لمثل الظرب العظيم من جثث الرجال ، وإن الدم غالب على الماء ، ولقد قتل من المسلمين يومئذ من المسلمين بشر كثير، وقتل من الكفار ما لا يحصى . و صبروا يومئذ صبرًا لم يصبروا في موطن قد مثله . ثم أنزل الله نصره على أهل الإسلام ، وانهزم القسطنطين مُدبِرًا ، فما انكشف إلا لما أصابه من القتل والجرح ، ولقد أصابه يومئذ جراحات مكث منها حينًا جريحًا . *** إن أسد بن الفرات الذي جمعت له قيادة الأسطول البحري ومنصب قاضي القضاة مع منصب شيخ الفتيا ، كان جديرًا بهذه المناصب كلها . خرج القاضي أسد بن الفرات ليتولى قيادة الأسطول البحري ، وتجمع الناس حوله ما بين مودع وداع ، بل كان الناس يسرعون الخُطا لينالوا شرف الجهاد في سبيل الله . ووصل الركب إلى بسوسة ، وكان يومًا من الأيام المشهورة في تاريخ الإسلام . تجمع المجاهدون يرتقبون الساعة الفاصلة التي تنطلق فيها السفن للقاء أعداء دين الله . و أخذ الجند مكانهم ، وارتفعت الأعلام ، ودقت الطبول ، ووقف القائد القاضي أسد بن الفرات مكانه بينهم . كان على القائد في ذلك الوقت أن ينزع الخوف من قلوب جنده ، وعليهم أن يطرحوا التردد جانبًا ، وأن يقبلوا على المعركة مستبسلين لا يخافون ولا يرهبون الردى . وقف القائد يخطب في جنده ، فقد كان القائد القاضي صاحب رأي مسموع وبيان مبدع . أخذ يحض المجاهدين ويبين لهم درجة الاستشهاد . و كأنما أراد بذلك أن يقول لهم بفعله لا بقوله ؛ فالجهاد لا يعرف السن ، فكم من رجال في تاريخ الإسلام وخط الشيب رءوسهم ، وقوَّست الأيام ظهورهم ، ورغم هذا لم يقعدهم السن عن الجهاد ولا المرض عن أداء الواجب . وقف القائد يحض المجاهدين على القتال ، فهو يرى في النصر شفاء لصدور المؤمنين .. وقف القائد فقال : " أيها الناس ، واللهِ ما وُلِّي لي أب ولا جد ولاية قَطُّ، وما أرى من سلفي ما رأيت ولا بلغ ما بلغت ، وكل الذي أعدني وهيأني قلمي وعلمي ، فأجهدوا أنفسكم ، وأتعبوا أبدانكم في طلب الحق وفي تدوين العلم ، وكابدوا و صابروا على كل الشدائد ، فإنكم بذلك تنالون فخر الدنيا وسعادة الآخرة ". كان هذه خطبة القائد العظيم، وعلى أثرها انطلقت الجواري المنشآت في البحر كالأعلام. انطلقت السفن تمخر عباب الماء وعلى ظهورها رهبان الليل وفرسان النهار.. انطلقت السفن الماخرة. يا سبحان الله ! ما هذه الجيوش المتكاثرة ؟ ما هذه القلوب العامرة ؟ من هؤلاء المنطلقون كالأسد الكاسرة ؟ إنهم المؤمنون الصادقون الخاشعون الراكعون الساجدون العابدون . سار الأسطول الإسلامي يقوده الشيخ الكريم ، والقائد العظيم ، والقاضي البر الرحيم أسد بن الفرات . قاد الشيخ المعركة ، والجند حوله كلهم أذن صاغية ، وقلوب واعية ، فإشارته أمر ، وأمره مطاع . سار الأسطول الإسلامي حتى بلغ شواطئ صقلية ، فأصدر القائد أمره ببدء المعركة ، وبدأت رهيبة قاسية أصلى فيها المسلمون أعداءهم نارًا حامية ، دكوا الحصون ودمروا القلاع ، وأثخنوا في الأعداء قتلاً . ثم بدأ الجيش الإسلامي العظيم ينتقل من نصر إلى نصر حتى بلغ سرقوسة ، وحاصرها المسلمون وشددوا قبضتهم عليها ، وعلى حصارها استشهد القائد العظيم أسد بن الفرات . صعدت روحه الطاهرة لتحتل مكانها بين الصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقًا . استشهد أسد بن الفرات تاركًا لخلفه إتمام ما بدأ به . إن معركة صقلية بجنودها وقيادتها بكل الذين اشتركوا فيها تستحق الدراسة والتأمل . يا سبحان الله ! من كان يظن أن هؤلاء الأعراب ، رعاة الإبل وسكان الخيام ، الذين تربوا في الصحراء ، أصبحوا بين عشية وضحاها سادة الدنيا وأساتذة العالم ، ومهد الحضارة والحرية ، وأهل الفكر والسياسة . عجبًا لهؤلاء الأبطال الذين بذلوا أرواحهم لله ، و جادوا بكل ما يملكون لله ! عجبًا لهؤلاء الذين أرغموا أنف الحوادث ، وغيَّروا مجرى التاريخ ! ما قرأ إنسان منصف تاريخهم إلا فاضت عيناه ، وما عاش إنسان معهم بأحاسيسه ومشاعره إلا كان الموت أحب إليه من الحياة . لقد كان هؤلاء في الذروة العليا من قوة الروح ، إيمان عميق ، إيمان بأن النفس لن تموت حتى تستوفي رزقها وأجلها . *** هذا مثل نقدُّمه للقاضي المسلم التقي الذي تربَّى على مائدة القرآن الكريم ، وتخرج في مدرسة محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه ، وقدَّم نفسه للتضحية والفداء . نقدم هذا المثل ليعلم الخلف عن السلف كيف تُضرَب الأمثال في الفداء والتضحية والاستشهاد في سبيل الله . في تاريخ هذا الرجل المجاهد الشهيد والقاضي المؤمن ، والشجاع الأبيّ أسد بن الفرات ندرك سرَّ خلود أبطالنا المؤمنين المجاهدين الصادقين . في تاريخ هذا القاضي القائد عظمة المجاهدين وعبقرية الفاتحين . تاريخ هذا البطل الشهيد يجب أن يلقنه الأجداد للأحفاد ، ويرويه الآباء للأبناء .

    اللهم اجعلنا نسير على هديهم ، ونقتفي أثرهم ، ونحشر يوم القيامة معهم .
    المصدر: مجلة الفسطاط التاريخية ، نقلاً عن مجلة الأمة العدد (27)، ربيع الأول 1403هـ .
    --

  6. #6

    القاضي الزرعي


    مولده :
    القاضي برهانُ الدين إبراهيم بن أحمد بن هلال الزرعي الحنبلي ، ناب في الحكم لقاضي القضاة علاء الدين بن المنجا الحنبلي بدمشق . وولد سنة ثمانٍ وثمانين وست مائة .



    آراء العلماء فيه : قال عنه صلاح الدين الصفدي في أعيان العصر: لم يحصد الموت من زرعٍ له نظيراً ، ولا اجتلى الناس من حوران مثله قمراً منيراً ، أتقن الفروع ، وبهر فيها من الشروع ، وجوّد أصول الفقه وشغل فيها الناس ، وأوضح لهم فيه ما حصل من الإلباس ، وبرع في النحو وظهر ، ومارس غوامضه ومهر ، وقرأ الفرائض ، وأتى فيها وحده بما لم يأتِ به ألف رائض ، اشتغل في الحساب ، وغني بذهنه الوقاد عن الاكتساب، وكتب المنسوب الفائق ، وسلك فيه أحسن الطرائق ، وكان الناس يأتون إليه بالمجلدات ليكتب عليها أسماءها ، ويُزينَ بكواكب حروفه سماءها ، رغبةً في حسنِ خطه ليقوم مقامَ الفواتح المذهبة ، والأعمال التي هي لأهل الصنائع متعبة . ولقد كان قادراً على حكاية الخطوط المنسوبة ، والطرائق التي هي عند أرباب هذا الفن محسوبة ، فكم قد كمّل من مجلد انخرم ، وأخمد من نار صاحبه الضرم ، فإذا رآه العارف لم يُنكر شيئاً من أمره ، ولا علم فاسده ولو بحث فيه مدة عمره ، و المكاتيبُ الشرعية إلى الآن تشهد له بحسن العلائم ، وتمد لعيونِ الكتاب منها موائد وتعمل لهم فيها ولائم .وكان حسن الشكل والعمة ، وافر العقل عالي الهمة ، ندب في أيام الصاحب شمس الدين غبريال لنظر بيت المال ، فأتبى وفكر في العقبى والمال ، وكان بصيراً بالفتوى ، جيد الأحكام لا يقع منها في بلوى ، يتوقد ذهنه من الذكاء والفطنة ، ويدرك الغوامض التي مضى الأوائل وفي قلوبهم منها أحنة ، وكان يميل إلى التسري بالأتراك ، ويقع معهن في الحبائل و الإشراك ، فكنت أراه جمعةً في سوق الجواري ، وجمعة في سوق الكتب ليجمع بذلك بني الدر و الدراري . وتعلم اللغة التركية من جواريه ، وتكلم بها فقل من يؤاخذه فيها لما يجاريه . هذا مع براعة في عبارته ، و فصاحة في كلامه ، وبلاغة في إشارته .أخذ الأصول عن العلامة كمال الدين بن الزملكاني ، قاضي القضاة ، وجلال الدين القزويني لما كان خطيباً ، وغصن برهان الدين المذكور من الشباب رطيباً . ورأيته يحضر دروس العلامة ابن تيمية كثيراً ، ويأخذ من فوائده ما شادَ به مجداً أثيلاً أثيراً ، يجلس منصتاً لا يتكلف لبحث ولا يتكلم ، ويرى أنه يتعلقُ بأهدافه ويتعلم ، إلى أن قضى نحبه وسكن تُربه ، ولقي ربه ، رحمه الله تعالى .وكان قد درس في الوقف الجديد الذي أوقفه الأمير سيف الدين بكتمر والي الولاة بمدرسة الشيخ أبي عمر بالصالحية ، وكان درساً حافلاً حضره الأعيان في خامس عشري شوال سنة تسع عشرة وسبع مئة ، ودرس بالحنبليّة داخل باب الفراديس عاشر ذي القعدة سنة ست وعشرين وسبع مئة ، وحضره القضاة والفضلاء ، وأولي نيابة الحكم في مستهل جُمادى الأولى سنة سبع وعشرين وسبع مئة ، وأعاد بالمدرسة الصدرية و بالجوزية والمسمارية .وقال عنه ابن تغري برديفي المنهل الصافي : كان إماما فقيها ، بصيرا بالفتوى ، جيد الإمكان ، أتقن فروع مذهبه وأصول الفقه والنحو والفرائض والحساب ، وكان يكتب الخط المنسوب المليح إلى الغاية ، وكان له قدرة على مناسبات الخطوط وحكاياتها ، ويحملون الناس الكتب إليه ليكتب أسماءها لحسن خطه ، وناب في الحكم عن القاضي علاء الدين بن المنجا الحنبلي ، وولي عدة تداريس ووظائف إلى أن توفي في نصف شهر رجب سنة إحدى وأربعين وسبعمائة ، ومولده سنة ثمان وثمانين وستمائة . رحمه الله تعالى
    وفاته : وكانت وفاته في نصف شهر رجب الفرد يوم الجمعة سنة إحدى وأربعين وسبع مئة .
    -- .

  7. #7
    القاضي عبد الله بن عطاء الأذرعي


    مولده

    ولد سنة خمس وتسعين و خمسمائة ، وعاش في دمشق .

    النسب و القبيلة : قاضي القضاة شمس الدين أبو محمد عبد الله بن الشيخ شرف الدين محمد بن عطاء بن حسن بن عطاء بن جبير بن جابر بن وهيب الأذرعي الحنفي

    ملامح شخصيته وأخلاقه : له شعر منه قوله : والدهر كالطيف بؤساه وأنعمه عن غير قصد ، فلا تحمد ولا تلملا تسأل الدهر في البأساء يكشفه فلو سألت دوام البؤس لم يدم

    شيوخه : سمع من حنبل وابن طبرزد والكندي وابن ملاعبٍ والموفق الحنبلي وتفقه ودرس وأفتى وصار مشاراً إليه في المذهب وولي عدة مدارس وناب في القضاء عن صدر الدين ابن سني الدولة وغيره وولي قضاء الحنفية لما جددت القضاة الأربع . وكان فاضلاً ديناً حسن العشرة ... روى عنه قاضي القضاة شمس الدين الحريري وابن العطار وجماعة .


    نماذج أقضيته : لقد صدع بالحق لما حصلت الحوطة على البساتين بحضور الملك الظاهر بيبرس وقال : ما يحل لمسلمٍ أن يتعرض لهذه الأملاك ولا إلى هذه البساتين فإنها بيد أصحابها ويدهم عليها ثابتةٌ فغضب السلطان وقام وقال : إذا كنا ما نحن مسلمين ايش قعودن ؟ فأخذ الأمراء في التلطف و قالوا : لم يقل عن مولانا السلطان. ولما سكن غضبه قال : أثبتوا كتبنا عند القاضي الحنفي وتحقق صلابته في الدين ونبل في عينه .


    أراء العلماء فيه : قال عنه الحافظ ابن كثير في " البداية والنهاية " :كان ابن عطاء من العلماء الأخيار كثير التواضع قليل الرغبة في الدنيا . وفاته : توفي في " دمشق " يوم الجمعة تاسع جمادي الأولى 673 هـ ، 1274 م ودفن بالقرب من " المعضمية بسفح قاسيون " رحمه الله تعالى
    --

  8. #8

    القاضي عياض بن موسى بن عياض القاضي



    مولده


    ولد عيس بن مسعود بن منصور الزوازي سنة أربع وستين وستمائة في زواوة بالمغرب .



    النسب و القبيلة : الزواوي : عيسى بن مسعود بن منصور بن يحيى ابن يونس بن بونيو العجلاني الحميري القاضي شرف الدين أبو الروح الزواوي الفقيه المالكي ... " هداية العارفين "




    البلد التي عاش فيها : تفقّه ببجاية على يعقوب الزواوي ، وتفقّه بالإسكندرية ، ثم رجع إلى قابس (فاس) فتولّـى القضاء بها ، وانتقل إلى مصر فدرّس بالجامع الاَزهر . ودخل دمشق سنة (707 هـ) ، فناب عن جمال الدين المالكي في الحكم ، ودرّس بالجامع الاَموي ، ثم عاد إلى القاهرة وناب عن ابن مخلوف في الحكم ثم عن تقي الدين الاِخنائي ، وولي تدريس المالكية بالزاوية التي بمصر ، وأعرض عن الحكم ، وأقبل على التصنيف ...


    مؤلفاته : من تصانيفه (شرح صحيح مسلم) و (شرح جامع الأمهات) في فقه المالكية و (مناقب الإمام مالك) و (شرح المختصر) في الفقه لابن الحاجب ، وله كتاب في الوثائق ، وشرع في تصنيف تاريخ كبير كتب منه عشرة مجلدات .






    منهجه في القضاء:

    رأيه في ابن عربي

    يقول برهان الدين البقاعي : وقد أُحْرِقَتْ كتبُ ابن عربي غير مرة وممن صنع ذلك من العلماء المعتبرين الشيخ بهاء الدين السبكي والعلامة القاضي شرف الدين عيسى بن مسعود الزواوي المالكي شارح صحيح مسلم فقال : وأما ما تضمنه هذا التصنيف من الهذيان والكفر والبهتان فهو كله تلبيس وضلال وتحريف وتبديل فيمن صدق بذلك أو اعتقد صحته كان كافرا ملحدا صادا عن سبيل الله مخالفا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ملحدا في آيات الله مبدلا لكلماته فإن أظهر ذلك وناظر عليه كان كافرا يستتاب فإن تاب وإلا قتل وإن أخفى ذلك وأسره كان زنديقا فيقتل متى ظهر عليه ولا تقبل توبته إن تاب لأن توبته لا تعرف فقد كان قبل أن يظهر عليه يقول بخلاف ما يبطن فعلم بالظهور عليه خبث باطنه .وهؤلاء قوم يسمون الباطنية لم يزالوا من قديم الزمان ضلالا في الأمة معروفين بالخروج من الملة يقتلون متى ظهر عليهم وينفون من الأرض وعادتهم التمصلح والتدين وادعاء التحقيق وهم على أسوأ طريق فالحذر كل الحذر منهم فإنهم أعداء الله وشر من اليهود والنصارى لأنهم قوم لا دين لهم يتبعونه ولا رب يعبدونه وواجب على كل من ظهر على أحد منهم أن ينهي أمره إلى ولاة المسلمين ليحكموا فيه بحكم الله تعالى ويجب على من ولي الأمر إذا سمع بهذا التصنيف البحث عنه وجمع نسخه حيث وجدها وإحراقها وأدب من اتهم بهذا المذهب أو نسب إليه أو عرف به على قدر قوة التهمة عليه حتى يعرفه الناس ويحذروه .


    آراء العلماء فيه : قال ابن فرحون : انتهت إليه رئاسة الفتوى في المذهب بمصر و الشام .


    وفاته : توفي سنة 743 هـ بمصر عن 79 عاما . أهم مصادر الدراسة : (1) الدرر الكامنة 3 / 289 - الأعلام 5 / 295.(2) " مصرع التصوف جـ 1 ص 157، 158"
    --

  9. #9



    القاضي عيسى بن مسعود بن منصور الزواوي


    الميلاد : ولد سنة ست وسبعين وأربعمائة ، ولد في مدينة " سبتة " بالمغرب


    النسب و القبيلة : عياض بن موسى بن عياض بن عمر بن موسى القاضي أبو الفضل اليحصبي البستي المُرّاكِشي " بضم الميم وكسر الكاف وتشديد الراء " المحدث المالكي ..."قال ولده محمد : كان أجدادنا في القديم بالأندلس ثم انتقلوا إلى مدينة " فاس " وكان لهم استقرار بالقيروان لا أدري قبل حلولهم بالأندلس أو بعد ذلك وانتقل " عمرون " - جد القاضي عياض - إلى " سبتة " بعد سكنى " فاس "....

    نشأته : نشأ بمدينة " سبتة " وتعلم بها وتتلمذ على شيوخها ، ثم رحل إلى الأندلس عام (507 هجري) ، فأخذ عن أعلام قرطبة و مرسية وفى عام (531 هجري) ، انتقل إلى غرناطة ليتولى قضاءها وعاد إلى سبتة وتولى قضاءها عام (539 هجري) .


    شيوخه و تلاميذه : روى عن القاضي أبي علي بن سكرة الصدفي ، ولازمه ، وعن أبي بحر بن العاص ، ومحمد بن حمدين ، وأبي الحسين سراج الصغير، وأبي محمد بن عتاب ، وهشام بن أحمد ، وتفقه على يد أبي عبد الله محمد بن عيسى التميمي ، والقاضي محمد بن عبد الله المسيلي .وحدث عن القاضي خلق من العلماء ، منهم الإمام عبد الله بن محمد الأشيرى، وأبو جعفر بن القصير الغرناطي ، والحافظ خلف بن بشكوال ، وأبو محمد بن عبيد الله الحجري ، ومحمد بن الحسن الجابري ، وولده القاضي محمد بن عياض قاضي دانية .


    طفولته و تربيته وطلبه للعلم نشأ بمدينة " سبتة " وتعلم بها وتتلمذ على شيوخها ، ثم رحل إلى الأندلس سنة (507هـ ،1113م) طلبًا لسماع الحديث وتحقيق الروايات ، وطاف بحواضر الأندلس التي كانت تفخر بشيوخها وأعلامها في الفقه والحديث ؛ فنزل قرطبة أول ما نزل ، وأخذ عن شيوخها المعروفين كـ" ابن عتاب " ، و" ابن الحاج "، و" ابن رشد "، و" أبي الحسين بن سراج " وغيرهم ، ثم رحل إلى " مرسية " سنة (508هـ = 1114م) ، والتقى بأبي علي الحسين بن محمد الصدفي ، وكان حافظًا متقنًا حجة في عصره ، فلازمه ، وسمع عليه الصحيحين البخاري ومسلم ، وأجازه بجميع مروياته .اكتفى عياض بما حصله في رحلته إلى الأندلس ، ولم يلبث أن رحل إلى المشرق مثلما يفعل غيره من طلاب العلم ، وفي هذا إشارة إلى ازدهار الحركة العلمية في الأندلس وظهور عدد كبير من علمائها في ميادين الثقافة العربية والإسلامية ، يناظرون في سعة علمهم ونبوغهم علماء المشرق المعروفين .عاد عياض إلى " سبتة " غزير العلم ، جامعًا معارف واسعة ؛ فاتجهت إليه الأنظار، والتفَّ حوله طلاب العلم وطلاب الفتوى ، وكانت عودته في (7 من جمادى الآخرة 508هـ ،9 من أكتوبر 1114م) ، وجلس للتدريس وهو في الثانية والثلاثين من عمره، ثم تقلد منصب القضاء في " سبتة " سنة (515 هـ = 1121م) وظل في منصبه ستة عشر عامًا، كان موضع تقدير الناس وإجلالهم له ، ثم تولى قضاء " غرناطة " سنة (531هـ = 1136م) وأقام بها مدة ، ثم عاد إلى " سبتة " مرة أخرى ليتولى قضاءها سنة (539هـ ،1144م) اكتفى عياض بما حصله في رحلته إلى الأندلس ، ولم يلبث أن رحل إلى المشرق مثلما يفعل غيره من طلاب العلم ، وفي هذا إشارة إلى ازدهار الحركة العلمية في الأندلس وظهور عدد كبير من علمائها في ميادين الثقافة العربية والإسلامية ، يناظرون في سعة علمهم ونبوغهم علماء المشرق المعروفين .عاد عياض إلى " سبتة " غزير العلم ، جامعًا معارف واسعة ؛ فاتجهت إليه الأنظار، والتفَّ حوله طلاب العلم وطلاب الفتوى ، وكانت عودته في (7 من جمادى الآخرة 508هـ = 9 من أكتوبر 1114م) ، وجلس للتدريس وهو في الثانية والثلاثين من عمره ، ثم تقلد منصب القضاء في " سبتة " سنة (515 هـ = 1121م) وظل في منصبه ستة عشر عامًا ، كان موضع تقدير الناس وإجلالهم له ، ثم تولى قضاء " غرناطة " سنة (531هـ = 1136م) وأقام بها مدة ، ثم عاد إلى " سبتة " مرة أخرى ليتولى قضاءها سنة (539ه ،1144م)


    ملامح شخصيته وأخلاقه : كان " القاضي عياض " رحمه الله متبحرًا في العلوم الشرعية على درايةٍ عظيمةٍ بها ولم يقتصر على نوع واحد منها بل أحاط بمعظمها ، فقد كان رحمه الله محدثًا فقيهًا مؤرخًا أديبًا .وكانت حياته موزعة بين القضاء والإقراء والتأليف ، غير أن الذي أذاع شهرته ، وخلَّد ذكره هو مصنفاته التي بوَّأَتْه مكانة رفيعة بين كبار الأئمة في تاريخ الإسلام ، وحسبك مؤلفاته التي تشهد على سعة العلم وإتقان الحفظ ، وجودة الفكر، والتبحر في فنون مختلفة من العلم .


    القاضي عياض محدثًا : كان " القاضي عياض " في علم الحديث الفذَّ في الحفظ والرواية والدراية ، العارف بطرقه، الحافظ لرجاله ، البصير بحالهم ؛ ولكي ينال هذه المكانة المرموقة كان سعيه الحثيث في سماع الحديث من رجاله المعروفين والرحلة في طلبه ، حتى تحقق له من علو الإسناد والضبط والإتقان ما لم يتحقق إلا للجهابذة من المحدِّثين ، وكان منهج عياض في الرواية يقوم على التحقيق والتدقيق وتوثيق المتن ، وهو يعد النقل والرواية الأصل في إثبات صحة الحديث ، وتشدد في قضية النقد لمتن الحديث ولفظه ، وتأويل لفظه أو روايته بالمعنى ، وما يجره ذلك من أبواب الخلاف .وطالب المحدث أن ينقل الحديث مثلما سمعه ورواه ، وأنه إذا انتقد ما سمعه فإنه يجب عليه إيراد ما سمعه مع التنبيه على ما فيه ؛ أي أنه يروي الحديث كما سمعه مع بيان ما يَعِنُّ له من تصويب فيه ، دون قطع برأي يؤدي إلى الجرأة على الحديث ، ويفتح بابًا للتهجم قد يحمل صاحبه على التعبير والتصرف في الحديث بالرأي .وألَّف القاضي في شرح الحديث ثلاثة كتب هي : " مشارق الأنوار على صحاح الآثار" وهو من أدَلِّ الكتب على سعة ثقافة عياض في علم الحديث وقدرته على الضبط والفهم ، والتنبيه على مواطن الخطأ والوهم والزلل والتصحيف ، وقد ضبط عياض في هذا الكتاب ما التبس أو أشكل من ألفاظ الحديث الذي ورد في الصحيحين وموطأ مالك ، وشرح ما غمض في الكتب الثلاثة من ألفاظ ، وحرَّر ما وقع فيه الاختلاف ، أو تصرف فيه الرواة بالخطأ والتوهم في السند والمتن ، ثم رتَّب هذه الكلمات التي عرض لها على ترتيب حروف المعجم .أما الكتابان الآخران فهما " إكمال المعلم " شرح فيه صحيح مسلم، و" بغية الرائد لما في حديث أم زرع من الفوائد ".وله في علم الحديث كتاب عظيم هو " الإلماع في ضبط الرواية وتقييد السماع "

    " القاضي عياض " فقيهًا : درس " القاضي عياض " على شيوخه بـ" سبتة " المدونة لابن سحنون ، وهو مؤلَّف يدور عليه الفقه المالكي ، ويُعَدُّ مرجعَهُ الأول بلا منازع ، وقد كُتبت عليه الشروح والمختصرات والحواشي ، غير أن المدونة لم تكن حسنة التبويب ؛ حيث تتداخل فيها المسائل المختلفة في الباب الواحد ، وتعاني من عدم إحكام وضع الآثار مع المسائل الفقهية .وقد لاحظ " القاضي عياض" هذا عند دراسته " المدونة " على أكثر من شيخ ؛ فنهض إلى عمل عظيم، فحرَّر رواياتها ، وسمى رواتها ، وشرح غامضها ، وضبط ألفاظها ، وذلك في كتابه " التنبيهات المستنبَطة على الكتب المدونة والمختلطة " ولا شكَّ أن قيام " القاضي عياض " بمثل هذا العمل يُعد خطوة مهمة في سبيل ضبط المذهب المالكي وازدهاره .




    " القاضي عياض " مؤرخًا: ودخل القاضي ميدان التاريخ من باب الفقه والحديث، فألَّف كتابه المعروف " ترتيب المدارك " ، وهو يُعَدُّ أكبر موسوعة تتناول ترجمة رجال المذهب المالكي ورواة " الموطأ " وعلمائه ، وقد استهلَّ الكتاب ببيان فضل علم أهل المدينة ، ودافع عن نظرية المالكية في الأخذ بعمل أهل المدينة ، باعتباره عندهم من أصول التشريع ، وحاول ترجيح مذهبه على سائر المذاهب ، ثم شرع في الترجمة للإمام مالك وأصحابه وتلاميذه ، وهو يعتمد في كتابه على نظام الطبقات دون اعتبار للترتيب الألفبائي ؛ حيث أورد بعد ترجمة الإمام مالك ترجمة أصحابه ، ثم أتباعهم طبقة طبقة حتى وصل إلى شيوخه الذين عاصرهم وتلقى على أيديهم .والتزم في طبقاته التوزيع الجغرافي لمن يترجم لهم ، وخصص لكل بلد عنوانًا يدرج تحته علماءه من المالكية ؛ فخصص للمدينة ومصر والشام والعراق عناوين خاصة بها ، وإن كان ملتزما بنظام الطبقات . وأفرد لعلمائه وشيوخه الذين التقى بهم في رحلته كتابه المعروف باسم " الغُنية " ، ترجم لهم فيه، وتناول حياتهم ومؤلفاتهم وما لهم من مكانة ومنزله وتأثير، كما أفرد مكانا لشيخه القاضي أبي على الحسين الصدفي في كتابه " المعجم " تعرض فيه لشيخه وأخباره وشيوخه ، وكان " الصدفي " عالمًا عظيما اتسعت مروياته ، وصار حلقة وصل بين سلاسل الإسناد لعلماء المشرق والمغرب ؛ لكثرة ما قابل من العلماء ، وروى عنهم ، و استُجيز منهم .

    " القاضي عياض " أديبًا : و كان القاضي أديبًا كبيرًا إلى جانب كونه محدثًا فقيهًا ، له بيان قوي وأسلوب بليغ ، يشف عن ثقافة لغوية متمكنة وبصر بالعربية وفنونها ، ولم يكن ذلك غريبًا عليه ؛ فقد كان حريصًا على دراسة كتب اللغة والأدب حرصه على تلقي الحديث والفقه ، فقرأ أمهات كتب الأدب ، ورواها بالإسناد عن شيوخه مثلما فعل مع كتب الحديث والآثار، فدرس " الكامل " للمبرد و" أدب الكاتب " لابن قتيبة ، و" إصلاح المنطق" لابن السكيت ، و" ديوان الحماسة "، و" الأمالي " لأبي علي القالي .وكان لهذه الدراسة أثرها فيما كتب وأنشأ ، وطبعت أسلوبه بجمال اللفظ ، وإحكام العبارة ، وقوة السبك ، ودقة التعبير .و للقاضي شعر دوَّنته الكتب التي ترجمت له ، ويدور حول النسيب والتشوق إلى زيارة النبي (صلى الله عليه وسلم) ، والمعروف أن حياته العلمية وانشغاله بالقضاء صرفه عن أداء فريضة الحج ..... و من شعره الجميل الذي يعبر عن شوقه ولوعته الوجدانية ولهفته إلى زيارة النبي (صلى الله عليه و سلم) :بشراك بشراك فقد لاحت قبابهم فانزل فقد نلت ما تهوى وتختارهذا المحصب ، هذا الخيف خيف منى هذي منازلهم هذي هي الدارهذا الذي وخذت شوقًا له الإبل هذا الحبيب الذي ما منه لي بدلهذا الذي ما رأتْ عين ولا سمعت أذْنٌ بأكرمَ من كَفِّـهِ إن سُئِلَ



    مصنفاته : صنّف " القاضي عياض " مجموعة ضخمة من المصنفات أهمها : 1- الشفا بتعريف حقوق المصطفى .2- الإلماع في ضبط الرواية وتقييد السماع .3- ترتيب المدارك وتقريب المسالك، لمعرفة أعلام مذهب مالك .4- الإعلام بحدود قواعد الإسلام .5- مشارق الأنوار في تفسير غريب حديث الموطأ والبخاري ومسلم.6- المعلم في شرح مسلم .7- الأجوبة المخيرة عن الأسئلة المحيرة .8- أخبار القرطبيين .9- بغية الرائد لما تضمنه حديث أم زرع من الفوائد .10- التنبيهات المستنبطة في شرح مشكلات المدونة و المختلطة في الفروع .11- جامع التاريخ .12- السيف المسلول على من سب أصحاب الرسول .13- العيون الستة في أخبار سبتة .14- غنية الكاتب وبغية الطالب .15- مشارق الأنوار في اقتفاء صحيح الآثار الموطأ والصحيحين في الحديث .16- مشارق الأنوار في تفسير غريب الحديث .17- مطامح الإفهام في شرح الأحكام .18- نظم البرهان على صحة جزم الأذان .... " هداية العارفين "وغير ذلك من المؤلفات القيمة التي تبرز قيمة الرجل وسعة علمه ونبوغه وتفوقه على الكثيرين من معاصريه ، ولم يكن أحد بسبتة في عصر أكثر تواليف من تواليفه ، فقد استبحر من العلوم ، وجمع وألّف، وسارت بتصانيفه الركبان ، واشتهر اسمه في الآفاق .

    أراء العلماء فيه : قال خلف بن بشكوال :هو من أهل العلم والتفنن و الذكاء والفهم ... وقال الفقيه محمد بن حمادة السبتي : جلس القاضي - يعني القاضي عياضًا - للمناظرة وله نحو من ثمان وعشرين سنة ، وولي القضاء وله خمس وثلاثون سنة ، كان هينا من غير ضعف ، صلبا في الحق ، تفقه على أبي عبد الله التميمي ، وصحب أبا إسحاق بن جعفر الفقيه ، ولم يكن أحد بسبتة في عصر أكثر تواليف من تواليفه ... و حاز من الرئاسة في بلده والرفعة ما لم يصل إليه أحد قط من أهل بلده ، وما زاده ذلك إلا تواضعا وخشية لله تعالى . قال القاضي شمس الدين في "وفيات الأعيان": هو إمام الحديث في وقته، وأعرف الناس بعلومه ، وبالنحو واللغة وكلام العرب وأيامهم وأنسابهم ....

  10. #10

    القاضي محمد بن سعيد بن زرفون


    مولده

    ولد سنة اثنتين وخمسمائة ولد في " شريش" بالأندلس وتُسمى الآن"هريز" في جنوب إسباني . النسب و القبيلة : المسند الفقيه أبو عبد الله محمد بن سعيد بن أحمد بن سعيد الأنصاري الإشبيلى الملكى المعروف بابن زرقون ... و زرقون هو لقب جدهم سعيد . البلد التي عاش فيها : تلقى العلم على شيوخها ثم انتقل مع أبيه إلى مراكش ، بعد ذلك إلى الأندلس وتجول فيها وصحب الكاتب ابن عبدون (ت:529 هـ) ولازم القاضي عياضا (ت: 544هـ) ،تولى ابن زرقون القضاء في اشبيلية و شلب ...

    شيوخه : وسمع بمراكش من : أبي عمران موسى بن أبي تليل و تفرد بالسماع منهوسمع بسبته من : القاضي عبد الله بن أحمد بن عمر القيسي الوحيديوسمع أيضا من: عبد المجيد بن عبدون و خلف بن يوسف الأبرش و القاضي عياض و لزمه زمانا... أجاز له في هذه السنة التي ولد فيها أبو عبد الله أحمد بن محمد الخولاني . وانفرد في الدنيا بالرواية عنه .


    تلاميذه : روى عنه : احمد بن محمد النباتي ابن الرومية وإبراهيم بن قسوم اللخمي وأبو سليمان داود بن حوط الله ومحمد بن عبد الله بن القرطبي ومحمد بن عبد النور الإشبيلى ومحمد بن عامر الفهري ومحمد بن محمد اللوشي الجياني ومحمد بن إسماعيل بن خلفون الأوني الحافظ ومحمد بن عبد الله بن الصفار الضرير وعبد الغني بن محمد الغرناطي الصيدلاني وأبو الخطاب عمر بن حسن الكلبي بن دحية وأخوه عثمان وخلق كثير، وكان مسند الأندلس في وقته . مؤلفاته : وله مؤلف جمع بين الجامع الكبير للترمذي وسنن أبي داود في الحديث . وفاته : توفي باشبيلية في نصف رجب 586 هـ، 1190 م عن أربع وثمانين سنة .
    --

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. حياة ق.ق.ج
    بواسطة ياسر ميمو في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 03-16-2013, 06:38 PM
  2. هل "ثلث"القضاة فقط في الجنة؟!!
    بواسطة محمود المختار الشنقيطي في المنتدى فرسان القانوني
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03-14-2012, 07:48 PM
  3. حلم دياب
    بواسطة عادل صابر في المنتدى فرسان الشعر الشعبي
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 01-28-2012, 12:08 PM
  4. اضراب المحامين واختلاف القضاة بمصر
    بواسطة رضا البطاوى في المنتدى فرسان المواضيع الساخنة.
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 10-23-2011, 03:56 PM
  5. حياة
    بواسطة ياسمين شملاوي في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 12-21-2009, 06:45 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •