منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 10 من 162

العرض المتطور

  1. #1
    3- حُكُم المُستثْنى بِإِلاَّ المُنْقَطِعِ



    إن كان المُستثنى بإلا منقطعاً، فليس فيه إلا النصبُ بالا، سواءٌ أتقدَّمَ على المستثنى منه أم تأخر عنه، وسواءٌ أكان الكلام مُوجَباً أم منفياً، نحو ) جاءَ المسافرونَ إلا أمتعتَهم. جاءَ إلا أمتعتَهمُ المسافرون. ما جاءَ المسافرون إلا أمتعتَهم(.

    ومن الاستثناء المُنقطع قولهُ تعالى: {ما لهم به من علمٍ، إلا إتباعَ الظنّ}، وقوله: {وما لأحدٍ عندَهُ من نِعمةٍ تُجزى، إلا ابتغاءَ وجهِ ربهِ الأعلى}.


    ولا تجوز البدليّةُ في الكلام المنفيّ، هنا، إن صحَّ تَفرُّغ العاملِ قبلَه له وتَسلُّطهُ عليه. فيجيزون أن يقالَ: (ما جاءَ المسافرونَ إلا أمتعتُهم)، لأنك لو قلتَ: (ما جاءَ إلا أمتعةُ المسافرين)، لَصَحَّ. وعليه قولُ الشاعر:


    وبَلْدةٍ لَيْسَ بِها أَنيسُ

    إِلاَّ الْيَعافِيرُ، وإِلاَّ العِيسُ
    [اليعافير: جمع يعفور وهو ولد البقرة الوحشية (المها). والعيس: الإبل البيض المخلوط بياضها شقرة أو سواد خفي، والذكر أعيس والأنثى عيساء]

    وقول الآخر:


    عَشِيَّةَ لا تُغْنِي الرِّياحُ مَكانَها

    ولا النَّبْلُ، إِلاَّ المَشْرِفيُّ المُصَمِّمُ
    [المشرفي: السيف، والمصمم القاطع الماضي في الصميم، وهو العَظم الذي به قوام العضو]

    وقول غيره:


    وَبِنتَ كِرامٍ قد نَكحْنا، ولم يَكُنْ

    لَنا خاطِبٌ إلا السِّنانُ وعامِلُهُ
    [عامل الرمح: صدره]



    4- (إلاَّ) بِمَعْنى (غَيْر)


    الأصلُ في (إلاّ) أن تكونَ للاستثناء، وفي (غير) أن تكون وصفاً. ثمَّ قد تُحمَلُ إحداهما على الأخرى، فَيوصَفُ بإلاّ، ويُستثنى بغير.


    فان كانت (إلا) بمعنى (غير)، وقعت هي وما بعدَها صفةً لما قبلها، (وذلك حيثُ لا يُرادُ بها الاستثناءُ، وإنما يُرادُ بها وصفُ ما قبلَها بما يُغاير ما بعدَها)، ومن ذلك حديثُ: (الناسُ هلَكَى إلا العالِمونَ، والعالِمونَ هَلكَى إلا العامِلونَ، والعاملونَ هلكى إلاّ المخلصون)، أي: (الناسُ غيرُ العالمينَ هَلكى، والعالمونَ غيرُ العاملين هلكى، والعاملونَ غيرُ المخلصينَ هَلكى) ولو أراد الاستثناءَ لنصبَ ما بعدَ (إلا) لأنهُ في كلام تامٍّ مُوجَبٍ.

    وقد يصحُّ الاستثناءُ كهذا الحديث، وقد لا يصحُّ، فيتعيّن أن تكونَ (إلا) بمعنى (غير)، كقوله تعالى: {لو كان فيهما آلهةٌ إلا اللهُ لفسدتا}. فالا وما بعدَها صفةٌ لآلهَة، لأنَّ المُرادَ من الآية نفي آلهةٌ المتعدِّدةِ وإثبات الآلهِ الواحد الفرد. ولا يصحُّ الاستثناءُ بالنصب، لأنَّ المعنى حينئذٍ يكون: (لو كان فيهما آلهةٌ، ليس فيهمُ اللهُ لفسدتا). وذلك يقتضي أنه لو كان فيهما آلهةٌ، فيهمُ الله، لم تَفسْدا، وهذا ظاهرُ الفسادِ. وهذا كما تقولُ: (لو جاءَ القوم إلا خالداً لأخفقوا) أي: لو جاءُوا مستثنًى منهم خالدٌ - بمعنى أنه ليس بينهم - لأخفقوا. فهم لم يُخفقوا لأنَّ بينهم خالداً. ونظيرُ الآية - في عدم جواز الاستثناءِ - أن تقول: (لو كان معي دراهمُ، إلا هذا الدرهمُ). فان قلتَ: (إلا هذا الدرهمَ)، بالنصب كان المعنى: لو كان معي دراهمُ ليس فيها هذا الدرهمُ لبذلتُها، فيُنتجُ أنكَ لم تبذُلها لوجودِ هذا الدرهمِ بينّها. وهذا غير المراد.

    ولا يَصِحُّ أيضاً أن يُعرَب لفظ الجلالةِ بدلاً من آلهة، ولا (هذا الدرهم)، بدلاً من دراهمَ، لأنهُ حيثُ لا يَصِحُّ الاستثناءُ لا تصحُّ البدليّةُ. ثم إنَّ الكلامَ مُثبتٌ، فلا تجوزُ البدليّةُ ولو صحَّ الاستثناءُ، لما علمتَ من أنَّ النصبَ واجبٌ في الكلام التامّ المُوجَبِ. وأيضاً: لو جعلتَهُ بدلاً لكان التقديرُ: (لو كان فيهما إلا اللهُ لفسدتا)، لأنَّ البدلَ على نِيَّةِ طرحِ المُبدَل منه، كما هو معلومٌ. ولعدَم صحَّةِ الاستثناءِ هنا وَعدَمِ جَواز البدليّة تَعيَّنَ أن تكونَ (إلا) بمعنى (غير).


    وممّا جاءَت فيه (إلا) بمعنى (غير)، معَ عدم تَعذُّرِ الاستثناءِ معنًى، قول الشاعر:


    وكلُّ أخٍ مُفارقُهُ أخوهُ

    لَعَمْرُ أَبيكَ إلاَّ الفَرْقَدَانِ

    أي: كلُّ أخٍ، غيرُ الفرقدينِ، مفارقُهُ أخوه. ولو قال: (كل أخٍ مُفارقُهُ أخوهُ إلا الفَرقدينِ) لَصَحَّ.

    [الفرقدان: هما كوكبان معروفان بتقاربهما ومجاورتهما الأزلية، من مجموعة بنات نعش [[صبح الأعشى: القلقشندي]] ]
    واعلم أنَّ الوصفَ هو (إلا) وما بعدَها معاً، لا (إلا) وحدَها، ولا ما بعدَها وحدَه، معَ بقائها على حرفيّتها، كما يُوصف بالجارّ والمجرورِ معَ بقاءِ حرف الجرِّ على حرفيته. والإعرابُ يكون لِما بعدَها. ومن العلماءِ من يجعلُها اسماً مبنياً بمعنى (غير) ويَجعلُ إعرابها المحلّي ظاهراً فيما بعدَها. والجمهور على الأول وهوَ الأولى.

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  2. #2
    5- حُكُم المُستَثْنى بِغَيْرٍ وسِوًى

    غيرٌ: نكرة مُتوغلةٌ في الإبهام والتَّنكير، فلا تُفيدُها إضافتُها إلى المعرفة تعريفاً، ولهذا تُوصَفُ بها النكرةُ مع إضافتِها إلى معرفةٍ، نحو: (جاءَني رجلٌ غيرُكَ، أو غيرُ خالدٍ). فلذا لا يُوصَفُ بها إلا نكرةٌ، كما رأيتَ، أو شبهُ النكرةِ مِمّا لا يفيدُ تعريفاً في المعنى، كالمُعرَّفِ بألِ الجنسيةٍ، فإنَّ المعرَّفَ بها، وإن كان معرفة لفظاً، فهو في حكم النكرةِ معنًى، لأنه لا يدُلُّ على مُعيَّنٍ. فان قلتَ: (الرجالُ غيرُك كثيرٌ)، فليس المرادُ رجالاً مُعيَّنينَ.


    ومثلُها في تنكيرها، وتَوَغُّلها في الإبهام، ووصفِ النكرةِ أو شبهها بها، وعدمِ تعرُّفها بالإضافةِ (مِثلٌ وسِوًى وشِبْهٌ ونظيرٌ). تقول: (جاءَني رجلٌ مِثلُك، أو سِواكَ، أو شِبهُكَ، أو نظيرُكَ).


    وقد تُحمَلُ (غير) على (إلا) فيُستثنى بها، كما يستثنى بإلا، كما حُملتْ (إلا) على (غير) فَوُصِفَ بها. والمستثنى بها مجرورٌ أبداً بالإضافة إليها، نحو: (جاءَ القومُ غيرَ عليّ).


    وقد تُحمَلُ (سِوى) على (إلا)، كما حُمِلت (غيرٌ)، لأنها بمعناها، فتقول: (جاءَ القومُ غيرَ خالدٍ)، بالنصب، لأنَّ الكلام تامٌّ مُوجَبٌ.


    وتقول: (ما جاءَ غيرَ خالدٍ أحدٌ)، النصب أيضاً، وإن كان الكلامُ منفيّاً، لأنها تقدَّمت على المستثنى منه.


    وتقول: (ما احترقتِ الدارُ غيرَ الكتبِ)، بالنصب، وإن كان الكلام منفيّاً، ولم يَتقدم فيه المستثنى على المستثنى منه، لأنها وقعت في استثناء مُنقطع.

    وتقول: (ما جاءَ القومُ غيرُ خالدٍ، أو غيرَ خالد)، بالرفع على أنها بدلٌ من القوم، وبالنصب على الاستثناء، لأنَّ الكلام تَامٌّ منفي. قال تعالى: {لا يَستوي القاعدون من المؤمنينَ، غيرُ أولي الضَرر، والمُجاهدون في سبيل اللهِ بأموالهم وأنفُسهم}. قُرئَ (غير) بالرفع، صفةً ل(القاعدون)، وبالجر، صفةً للمؤمنين، وبالنصب على الاستثناءِ.

    وتقول: (ما جاءَ غيرُ خالدٍ) بالرفع، لأنها فاعل، و (ما رأيتُ غيرَ خالد) بالنصب، لأنها مفعولٌ به، و (مررتُ بغير خالدٍ)، بجرها بحرف الجر. وإنما لم تُنصَب (غير) هنا على الاستثناء لأن المستثنى منه غيرُ مذكورٍ في الكلام، فتفرَّغَ ما كان يعملُ فيه للعمل فيها.


    واعلم أنه يجوز في (سوى) ثلاثُ لغاتٍ: (سِوى) بكسر السين، و (سُوى) بضمها، و (سَواء) بفتحها معَ المدّ.


    6- حُكُم المُستثْنى بِخَلا وعَدَا وحاشا


    خلا وعدا وحاشا: أفعال ماضيةٌ، ضُمّنت معنى (إلا) الاستثنائية، فاستثنيَ بها، كما يُستثنى بإلاّ.


    وحكمُ المستثنى بها جوازُ نصبِه وجرّهِ. فالنصبُ على أنها أفعالٌ ماضية، وما بعدَها مفعولٌ به. والجرُّ على أنها أحرفُ جرٍّ شبيهةٌ بالزائدِ، نحو: (جاءَ القومُ خَلا عليّاً، أو عليٍّ).


    والنصبُ بخلا وعَدا كثيرٌ، والجرُّ بهما قليلٌ. والجرُّ بحاشا كثيرٌ، والنصبُ بها قليلٌ.


    وإذا جررتَ بهن كان الاسمُ بعدَهنَّ مجروراً لفظاً، منصوباً محلاً على الاستثناءِ.

    فإن جُعلت أفعالاً كان فاعلها ضميراً مستتراً يعودُ على المُستثنى منه.والتُزِمَ إفرادهُ وتذكيرهُ، لوقوعِ هذهِ الأفعالِ موقعَ الحرف، لأنها قد تضمّنت معنى (إلا)، فأشبهتها في الجمودِ وعَدَمِ التَّصرُّفِ والاستثناءِ بها. والجملةُ إما حالٌ من المستثنى منه، وإما استئنافية.

    ومن العلماءِ من جعلها أفعالاً لا فاعلَ لها ولا مفعولَ، لأنها محمولةٌ على معنى (إلا)، فهي واقعةٌ موقعَ الحرفِ. والحرفُ لا يحتاج إلى شيء من ذلك. فما بعدَها منصوبٌ على الاستثناء، حملاً لهذه الأفعال على (إلا). وهو قولٌ في نهاية الحِذقِ والتَّدقيق.

    (قال العلامة الاشموني في شرح الالفية: (ذهب الفراءُ الى أن (حاشا) فعل، لكن لا فاعل له. والنصب بعده إنما هو بالحمل على (إلا). ولم ينقل عنه ذلك في (خلا وعدا). على أنه يمكن أن يقول فيهما مثل ذلك). قال الصبان في حاشيته عليه: (قوله لا فاعل له، أي ولا مفعول، كما قاله بعضهم. وقوله بالحمل على (إلا) أي. فيكون منصوباً على الاستثناء ومقتضى حمله على (إلا) أنه العامل للنصب فيما بعده)


    والحق الذي ترتاح إليه النفس أن تُجعل هذه الأدوات: (خلا وعدا حاشا) - في حالة نصبها ما بعدها - إما أفعالاً لا فاعل لها ولا مفعول، لأنها واقعة موقع الحرف، وإما أحرفاً للاستثناء منقولة عن الفعلية الى الحرفية، لتضمنها معنى حرف الاستثناء كما جعلوها - وهي جارَّةٌ أحرفَ جر، وأصلها الافعال).


    وإذا اقترنت بخلا وعدا (ما) المصدريةُ، نحو: (جاءَ القوم ما خلا خالداً) وجبَ نصبُ ما بعدَهما، ويجوزُ جره، لأنهما حينئذٍ فعلانِ. و (ما) المصدريّة لا تَسبقُ الحروفَ. والمصدر المؤوَّل منصوبٌ على الحال بعد تقديره باسم الفاعل، والتقديرُ: جاءَ القومُ خالينَ من خالدٍ.


    (هكذا قال النحاة، وأنت ترى ما فيه من التكلف والبعد بالكلام عن أسلوب الاستثناء. والذي تطمئن إليه النفس أن (ما) هذه ليست مصدرية. وإنما هي زائدة لتوكيد الاستثناء، بدليل أن وجودها وعدمه، في إفادة المعنى، سواء على أن من العلماء من أجاز أن تكون زائدة، كما في شرح الشيخ خالد الأزهري لتوضيح ابن هشام).

    أما حاشا فلا تَسبقُها (ما) إلا نادراً. وهي تُستعملُ للاستثناءِ فيما ينزَّه فيه المستثنى عن مشاركة المستثنى منه، تقول: (أهملَ التلاميذُ حاشا سليمٍ)، ولا تقولُ: (صلَّى القومُ حاشا خالدٍ) لأنه لا يتنزَّه عن مشاركة القوم في الصَّلاة. وأما سليم - في المثال الأول، فقد يتنزَّه عن مشاركة غيرهِ في الإهمال.

    وقد تكون للتَّنزيه دون الاستثناء، فيُجرُّ ما بعدها إما باللام، نحو: (حاشَ للهِ)، وإما بالإضافة إليها، نحو: (حاشَ اللهِ). ويجوز حذفُ ألفها، كما رأيتُ، ويجوز إثباتها، نحو: (حاشا لله) و (حاشا اللهِ).


    ومتى استُعملت للتّنزيهِ المجرَّدِ كانت اسماً مُرادِفاً للتنزيهِ، منصوباً على المفعوليّة المُطلَقةِ انتصابَ المصدرِ الواقع بدلاً من التلفُّظ بفعلهِ. وهي، إن لم تُضَف ولم تُنوَّن كانت مبنيّةً، لشبهها بحاشا الحرفية لفظاً ومعنى. وإن أُضيفت أو نُوّنت كانت مُعرَبةً، لِبُعدِها بالإضافة والتنوينِ من شَبِهٍ الحرف، لأنَّ الحروفَ لا تُضافُ ولا تنوَّنُ، نحو: (حاشَ اللهِ، وحاشا للهِ).


    وقد تكونُ فعلاً متعدِّياً مُتصرفاً، مثل: (حاشيتهُ أُحاشيهِ)، بمعنى: استثنيتُه أستثنيهِ. فإن سبقتها (ما) كانت حينئذٍ نافيةً. وفي الحديث: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال: (أُسامة أحبُّ الناسِ إليَّ)، وقال راويهِ: (ما حاشى فاطمةَ ولا غيرَها).


    وتأتي فعلاً مضارعاً، تقول: (خالدٌ أفضلُ أقرانهِ، ولا أُحاشي أحداً)، أي: لا استثني، ومنه قول الشاعر:


    ولا أرَى فاعلاً في النَّاس يُشْبِهُهُ

    وَلا أُحاشِي منَ الأَقوامِ مِنْ أحدِ

    وإن قلت: (حاشاك أن تكذب. وحاشى زهيراً أن يُهملَ)، فحاشى: فعلٌ ماضٍ بمعنى: (جانبَ) وتقولُ أيضاً: (حاشى لك أن تُهملَ)، فتكون اللام حرفَ جرّ زائداً في المفعول به للتقوية.


    وإن قلتَ: (أُحاشيك أن تقول غير الحقِّ)، فالمعنى أُنزِّهُك.



  3. #3
    7- حُكْمُ المُستثْنى بِلَيْسَ ولا يَكُون

    ليس ولا يكونُ: من الأفعال الناقصةِ الرَّافعة للاسم الناصبةِ للخبر. وقد يكونان بمعنى (إلا) الاستثنائية؛ فَيستثنى بهما، كما يُستثنى بها. والمستثنى بعدَهما واجبُ النصبِ، لأنه خبرٌ لهما، نحو: (جاءَ القومُ ليس خالداً، أو لا يكون خالداً). والمعنى: جاءُوا إلا خالداً. واسمُهما ضميرٌ مستتر يعود على المستثنى منه. والخلاف في مرجع الضمير فيهما كالخلاف في مرجعه في (خلا وعدا وحاشا) فراجِعهُ.


    (هكذا قال النحاة. أما ما تطمئن إليه النفس فان يجعلا فعلين لا مرفوع لهما ولا منصوب، لتضمنهما معنى (إلا) أو يجعلا حرفين للاستثناء، نقلاً لهما عن الفعلية إلى الحرفية، لتضمنهما معنى (إلا) كما جعل الكوفيون (ليس) حرف عطف إذا وقعت موقع (لا) النافية العاطفة، نحو: خذ (الكتابَ ليس القلمَ)، وكما قال الشاعر: (والأشرم المطلوبُ ليس الطالبُ). برفع (الطالب) عطفاً بليس على (المطلوب) أي: (الأشرمُ الطالب لا المطلوب).


    8- شِبْهُ الاستِثناء

    شبهُ الاستثناء يكون بكلمتين: (لا سِيَّما) و (بيدَ):


    فلا سِيّما: كلمةٌ مُركَّبةٌ من (سِيّ) بمعنى مثلٍ، ومُثناها سِيّانِ، ومن (لا) النافيةِ للجنس، وتُستعمل لترجيح ما بعدَها على ما قبلها. فإذا قلتَ: (اجتهدَ التلاميذُ، ولا سِيّما خالدٍ)، فقد رَجَّحْتَ اجتهادَ خالدٍ على غيرهِ من التلاميذ.


    وتشديد يائها وسَبقُها بالواوِ و (لا)، كلُّ ذلك واجب. وقد تُخففُ ياؤها. وقد تُحذَف الواو قبلها نادراً. وقد تُحذفُ (ما) بعدَها قليلاً. أما حذفُ (لا) فلم يَرد في كلام من يُحتج بكلامهِ.


    والمُستثنى بها، إن كان نكرةً جازَ جَرُّهُ ورَفعُه ونَصبُهُ. تقول: (كلُّ مجتهدٍ يُحَبُّ، ولا سيّما تِلميذٍ مثلِكَ) أو (ولا سيّما تلميذٌ مِثلَك)، أو (ولا سِيّما تلميذاً مثلَك). وجرُّهُ أَولى وأكثرُ وأشهرُ.

    (فالجر بالإضافة إلى (سيّ) وما: زائدة. والرفع على أنه خبرا لمبتدأ محذوف تقديره هو. وتكون (ما): اسم موصول محلها الجر بالإضافة إلى (سي). وجملة المبتدأ والخبر: صلة الموصول. ويكون تقدير الكلام: (يُحَبُّ كل مجتهد لا مثل محبة الذي هو تلميذٌ مثلك، لأنك مُفصَّلٌ على كل تلميذ) والنصب على التمييز لسي، وما: زائدة).

    وإن كان المُستثنى بها معرفةً جازَ جَرُّه، وهو الأولى، وجاز رفعهُ، نحو: (نجحَ التلاميذُ ولا سِيّما خليلٍ) أو (ولا سِيّما خليلٌ). ولا يجوزُ نصبُهُ، لأن شرطَ التّمييز أن يكونَ نكرةً.


    وحكمُ (سِيّ) أنها، أن أُضيفت (كما في صورَتي جرَّ الاسم ورفعه بعدَها) فيه مُعرَبةٌ منصوبةٌ بلا النافية للجنس، كما يعرَبُ اسم (لا) في نحو: (لا رجلَ سوءٍ في الدار). وإن لم تُضَف فهي مبنيّةٌ على الفتح كما يُبنى اسم (لا) في نحو: (لا رجلَ في الدار).


    وقد تستعمل (لا سِيّما) بمعنى (خُصوصاً)، فيُؤتى بعدَها بحالٍ مُفردَةٍ، أو بحالٍ جُملةٍ، أو بالجملة الشرطية واقعةً موقعَ الحال. فالأول نحو: (أُحِبُّ المطالعةَ، ولا سِيّما منفرداً). والثاني نحو: (أُحبُّها، ولا سِيّما وأنا منفردٌ). والثالثُ نحو: (أُحبُّها، ولا سِيّما إن كنتُ منفرداً).


    وقد يَليها الظَّرفُ، نحو: (أُحبُّ الجلوسَ بين الغِياضِ، ولا سِيّما عند الماءِ الجاري)، ونحو: (يَطيبُ ليَ الاشتغالُ بالعلم، ولا سِيّما ليلاً)، أو (ولا سِيّما إذا أَوَى الناسُ إلى مضاجعهم).


    [الغياض: جمع غيضة وهو مكان يجتمع فيه الماء فتنبت الأشجار [لسان العرب]]

    أمّا (بَيدَ فهو اسمٌ ملازمٌ للنّصب على الاستثناءِ). ولا يكون إلا في استثناءٍ منقطع. وهو يَلزَمُ الإضافةَ إلى المصدر المؤوَّلِ بأنَّ التي تنصبُ الاسمَ وترفُ الخبرَ، نحو: (إنهُ لكثيرُ المال، بيدَ أنه بخيل). ومنه حديثُ: (أنا أفصَحُ من نطقَ بالضادِ، بَيدَ أني من قُرَيشٍ، واستُرضِعتُ في بَني سَعدِ بنِ بَكرٍ).

  4. #4
    ( المنادى )


    المنادَى: اسمٌ وقعَ بعدَ حرفٍ من أَحرف النداءِ، نحو: (يا عبدَ الله). وفي هذا البحث أربعةَ عشرَ مبحثاً:


    1- أَحرُفُ النِّداءِ


    أحرفُ النداءَ سبعة، وهيَ: (أَ، أَيْ، يا، آ، أَيا، هَيا، وَا).
    فـ (أَيْ و أَ): للمنادَى القريب. و (أيا وهَيا وآ): للمنادى البعيد. و (يا): لكلّ مُنادًى، قريباً كان، أو بعيداً، أو مُتوسطاً. و (وا): للنُّدبة، وهي التي يُنادَى بها المندوبُ المُتفجَّعُ عليه، نحو: (وا كبدِي!. وا حَسرتي!).


    وتَتعيَّنُ (يا) في نداءِ اسمِ اللهِ تعالى، فلا يُنادَى بغيرها، وفي الاستغاثة، فلا يُستغاثُ بغيرِها. وتتعيَّنُ هيَ و (وَا) في النُّدبة، فلا يُندَُ بغيرهما، إلا أنَّ (وا" - في النُّدبة - أكثرُ استعمالاً منها، لأنَّ (يا) تُستعمل للنُّدبة إذا أُمِنَ الالتباسُ بالنداءِ الحقيقيِّ، كقوله:


    حُمِّلْتَ أَمراً عَظيماً، فاصطَبَرْتَ لَهُ

    وقُمْتَ فيهِ بِأَمْرِ اللهِ يا عُمَرَا!
    [البيت لجرير يندب عمر بن عبد العزيز، رضوان الله عليه. والمراد بالأمر الذي حمله هو الخلافة.]

    2- أَقسامُ المُنادى وأَحكامُهُ


    المنادَى خمسةُ أقسامٍ: المفردُ المعرفةُ، والنكرةُ المقصودة، والنكرةُ غيرُ المقصودة، والمضافُ، والشبيهُ بالمضافِ.


    (والمراد بالمفرد والمضاف والشبيه به: ما أريد به في باب (لا) النافية للجنس، فراجعه في الجزء الثاني من هذا الكتاب. والمراد بالنكرة المقصودة: كل اسم نكرة وقع بعد حرف من أحرف النداء وقُصد تعيينه، وبذلك يصير معرفة. لدلالته حينئذ على مُعّين. راجع مبحث المعرفة والنكرة في الجزء الأول من هذا الكتاب).


    وحكمُ المنادَى أنهُ منصوبٌ، إمّا لفظاً، وإمّا مَحَلاً.
    وعاملُ النَّصب فيه، إمّا فعلٌ محذوفٌ وجوباً، تقديرُهُ: (أَدعو)، نابَ حرفُ النداءِ منَابَهُ، وإمّا حرفُ النداءِ نفسُهُ لتَضمنهِ معنى (أَدعو)، وعلى الأول فهو مفعولٌ به للفعل المحذوف، وعلى الثاني فهو منصوب بـ (يا) نفسِها.

    فيُنصَبُ لفظاً (بمعنى أنهُ يكونُ مُعرَباً منصوباً كما تُنصب الأسماءُ المُعربَةُ) إذا كان نكرةً غيرَ مقصودةٍ، أو مُضافاً، أو شبيهاً به، فالأول نحو: (يا غافلاً تنبّهْ)، والثاني نحو: (يا عبدَ اللهِ)، والثالثُ نحو: (يا حسناً خُلُقُهُ).

    ويُنصبُ محلاً (بمعنى أنهُ يكونُ مبنياً في محلِّ نصب) إذا كان مفرداً معرفةً أو نكرةً مقصودةً، فالأولُ نحو: (يا زُهيرُ)، والثاني نحو: (يا رجلُ). وبناؤه على ما يُرفَعُ بهِ من ضمَّةٍ أو ألفٍ أو واوٍ، نحو: (يا علي. يا موسى. يا رجلُ. يا فَتى. يا رجلانِ. يا مجتهدونَ.

    [ موسى: منادى مفرد مبني على ضم مقدر على الألف للتعذر؛ فتى: منادى نكرة مقصودة بالنداء، مبني على ضم مقدر على الألف للتعذر؛ رجلان: منادى نكرة مقصودة، مبني على الألف لأنه مثنى؛ مجتهدون: منادى نكرة مقصودة، مبني على الواو لأنه جمع مذكر سالم]

    بعض أحكام للمنادى المبني المستحق البناء


    أ- إذا كان المنادَى، المُستحقُّ للبناء، مبنيّاً قبلَ النداءِ، فإنهُ يبقى على حركة بنائهِ. ويقالُ فيه: إنهُ مبنيٌّ على ضمَّةٍ مُقدَّرةٍ، منعَ من ظهورها حركةُ البناءِ الأصليَّةُ، نحو: (يا سيبويهِ. يا حَذامِ. يا خَباث. يا هذا. يا هؤلاء). ويظهر أثرُ ضمِّ البناءِ المقدَّر في تابعه، نحو: (يا سيبويهِ الفاضلُ. يا حذامِ الفاضلةُ. يا هذا المجتهِدُ. يا هؤلاءِ المجتهدون).

    [سيبويه وحذام: كلاهما منادى مفرد معرفة، مبني على ضم مقدر على آخره منع من ظهوره حركة البناء الأصلية. وحذام من أعلام الإناث؛ خباث: منادى نكرة مقصودة، إعرابها كإعراب حذام وهي من كلمات الشتم للإناث]

    ب- إذا كان المنادَى مفرداً علماً موصوفاً بابنٍ، ولا فاصلَ بينهما، والابنُ مضافٌ إلى علَمٍ، جاز في المُنادى وجهانِ: ضمُّهُ للبناءِ ونصبُهُ، نحو: (يا خليلُ بنَ أحمدَ. ويا خليلَ بنَ أحمدَ). والفتحُ أولى. أمّا ضمُّهُ فعلى القاعدةِ، لأنه مفردٌ معرفةٌ. وأما نصبُهُ فعلى اعتبارِ كلمة (ابن) زائدةً، فيكونَ (خليل) مضافاً و (أحمد) مضافاً إليه. وابنُ الشخص يُضافُ إليه، لمكان المناسبة بينهما. والوصف بابنةٍ كالوصفِ بابنٍ، نحو: (يا هندَ ابنةَ خالدٍ. ويا هندُ ابنةَ خالد).


    أمّا الوصفُ بالبنت فلا يُغيّر بناءَ المفرد العَلَم، فلا يجوزُ معَها إلا البناءُ على الضمِّ، نحو: (يا هندُ بنتَ خالدٍ).

    ويتَعيَّنُ ضَمُّ المنادى في نحو: (يا رجلُ ابنَ خالدٍ. ويا خالد ابنَ أَخينا) لانتفاءِ عَلَميَّةِ المنادَى، في الأول، وعَلَميَّةِ المضافِ إلى ابنِ في الثاني، لأنك، إن حذفتَ ابناً، فقلتَ: (يا رجلَ خالدٍ، ويا خالدَ أخينا)، لم يبق للإضافة معنًى. وكذا يَتعيّنُ ضمُّهُ في نحو: (يا عليٌّ الفاضلُ ابنَ سعيد)، لوجود الفَصل، لأنه لا يجوزُ الفصلُ بينَ المضافِ والمضاف إليه.

    ج-إذا كُرِّرَ المنادى مضافاً، فلك نصب الاسمينِ معاً، نحو: (يا سعدَ سعدَ الأوس)، ولكَ بناءُ الأول على الضم، نحو: (يا سعدُ سعدَ الأوس). أما الثاني فهو منصوب أبداً.


    (أما نصب الأول، فعلى أنه مضاف إلى ما بعد الثاني، والثاني زائد للتوكيد، لا أثر له في حفض ما بعده. أو على أنه مضاف لمحذوف مماثل لما أضيف اليه الثاني. وأما بناؤه (أي بناء الأول) على الضم، فعلى اعتباره مفرداً غير مضاف. وأما نصب الثاني، فلأنه على الوجه الأول توكيد لما قبله، وعلى الوجه الثاني بدلٌ من محل أو عطف بيان).


    د- المنادَى المُستحقُّ البناءِ على الضمّ، إذا اضطُرَّ الشاعر إلى تنوينه جازَ تنوينُهُ مضموناً أو منصوباً. ويكونُ في الحالة الأولى مَبنيّاً، وفي الثانيةِ مُعرباً منصوباً كالعلم المضاف، فمن الأول قول الشاعر:


    سَلامُ الله يا مَطَرٌ عَلَيْها

    وَلَيْس عَلَيْكَ يا مَطَرُ السَّلامُ
    [ مطر الثانية: اسم رجل]

    وقولُ الآخر يخاطب جَمَله:


    حَيَّيْتكَ عَزَّةُ بَعْدَ الهَجْرِ وَانصَرَفَتْ

    فَحَيّ، وَيْحَكَ، مَنْ حَيَّاكَ، يا جَمَلُ

    لَيْتَ التَّحِيَّةَ كانَتْ لِي، فَأَشْكرَها،

    مَكانَ يا جَمَلٌ: حُيِّيتَ يا رَجُلُ

    ومن الثاني قول الشاعر:


    ضَرَبَتْ صَدْرَها إليَّ وقالتْ:

    يا عَيدِيّاً، لَقَدْ وَقَتْكَ الأَواقي
    [الأواقي: جمع واقية]

    ومن العلماءِ من اختارَ البناءَ، ومنهم من اختارَ النصبَ، ومنهم من اختارَ البناءَ مع العَلَمِ، والنصبَ مع اسم الجنس.


    فائدة

    إذا وقعَ (ابنٌ) أو (ابنةٌ) بينَ علَمينِ - في غير النداء - وأُريدَ بهما وصفُ العَلَم، فسبيلُ ذلكَ أن لا يُنوَّنَ العلَمُ قبلهما في رفع ولا نصبٍ ولا جرّ، تخفيفاً، وتُحذَفُ همزةُ (ابن) تقولُ: (قالُ عليٌّ بنُ أبي طالب. أُحب عليَّ بنَ أبي طالب. رَضي اللهُ عن عليٍّ بن أبي طالب).

  5. #5
    3ـ نِداءُ الضَّمير

    نداءُ الضمير شاذ نادرُ الوقوع في كلامهم. وقصَرَهُ ابنُ عُصفور على الشعر. واختار أبو حيّانَ أنهُ لا ينادَى البَتَّةَ. والخلاف إنما هو في نداءِ ضمير الخطاب. أمّا نداءُ ضميريِ التكلم والغَيبة، فاتفقوا على أنهُ لا يجوز نداؤهما بَتَّةً، فلا يُقال: (يا أنا. يا إيّايَ. يا هُوَ. يا إيّاهُ).
    وإذا ناديتَ الضمير، فأنتَ بالخيار: إن شئتَ أتيتَ به ضميرَ رفعٍ أو ضمير نصبٍ، فتقولُ: (يا أنت. يا إياك). وفي كِلتا الحالتينِ، فالضميرُ مبني على ضم مُقدَّر، وهو في محل نصب، مِثلَه في(يا هذا، ويا هذهِ، ويا سِيبَويهِ)، لأنه مُفَردٌ معرفة.

    4- نِداءُ ما فيهِ "أَلْ"


    إذا أريْدَ نداءُ ما فيه (أَلْ)، يُؤتى قبلَهُ بكلمةِ (أيُّها) للمذكر، و (أَيّتُها) للمؤنث. وتَبقيانِ معَ التثنيةِ والجمع بلفظ واحدٍ، مراعىً فيهما التذكيرُ والتأنيث، أو يؤتى باسم الإشارة. فالأول كقوله تعالى: {يا أيُّها الإنسانُ ما غَرَّكَ بربّكَ الكريم؟} وقوله: {يا أيتُها النفسُ المُطمَئِنّةُ، ارجعي إلى ربكِ راضيةً مرضِيّةً} وقوله: {يا أيُّها الناسُ اتَّقوا ربَّكم}. والثاني نحو: (يا هذا الرجل. يا هذهِ المرأةُ) إلا إذا كان المنادى لفظَ الجلالة. لكن تبقى (ألْ) وتُقطَعُ همزتُها وُجوباً، نحو: (يا ألله). والأكثر معَهُ حذفُ حرفِ النداءِ والتعويضُ منه بميمٍ مُشدَّدةٍ مفتوحةٍ، للدلالةِ على التعظيم نحو: (اللهمَّ ارحمنا). ولا يجوز أن تُوصَفَ (اللهمَّ)، على اللفظ ولا على المحلِّ، على الصحيح، لأنهُ لم يُسمَع. وأما قولهُ تعالى: {قُلِ: اللهمَّ، فاطرَ السمواتِ والأرض }، فهو على أنه نداءٌ آخرُ، قُل: اللهمَّ، يا فاطرَ السمواتِ.


    وإذا ناديتَ علماً مُقترِناً بألْ وَضعاً حذفتَها وُجوباً فتقولُ في نداء العبّاسِ والفضلِ والسّموأَلِ: (يا عبّاسُ. يا فضلُ. يا سَمَوأَلُ).


    فائدة


    تستعمل (اللهمَّ) على ثلاثة أنحاء:


    (الأول): أن تكون للنداء المحض، نحو: (اللهمَّ اغفر لي).


    (الثاني): أن يذكرها المجيب تمكيناً للجواب في نفس السامع، كأن يقال لك: (أخالد فعل هذا؟)، فتقول: (اللهم نعم).


    (الثالث): أن تستعمل للدلالة على الندرة وقلة وقوع المذكور معها، كقولك للبخيل: (إن الأمة تعظمك، اللهم إن بذلت شطراً من مالك في سبيلها).


    5- أَحكامُ تَوابعِ المُنادَى



    إن كن المنادى مبنياً فتابعُهُ على أربعة أضرُبٍ:

    أ- ما يجبُ رفعُهُ معرَباً تَبَعاً لِلَفظِ المنادى. وهو تابعُ (أيّ وأيَة واسمِ الإشارة)، نحو: (يا أيها الرَّجلُ. يا أيتها المرأةُ. يا هذا الرجلُ. يا هذهِ المرأةُ).

    ولا يُتبَعُ اسمُ الإشارةِ أبداً إلا بما فيهِ (ألْ). ولا تُتبَعُ (أيُّ وأيّةٌ) في باب النداءِ، إلا بما فيه (أَلْ) - كما مُثِّلَ - أو باسم الإشارة، نحو: (يا أيُّهذا الرجلُ).


    ب- ما يجبُ ضَمهُ للبناءِ، وهوَ البدَلُ، والمعطوفُ المجرَّدُ من (أَلْ) اللَّذانِ لم يضافا، نحو: (يا سعيدُ خليلُ. يا سعيدُ وخليلُ).


    ج- ما يجبُ نصبُهُ تبعاً لمحلِّ المنادَى، وهو كلُّ تابعٍ اضيف مُجرَّداً من (أَل)، نحو: (يا علي أبا الحسن. يا علي وأبا سعيد. يا خليلُ صاحبَ خالدٍ. يا تلاميذُ كلَّهُمْ، أو كلَّكُم. يا رجلُ أبا خليلٍ).


    د- ما يجوز فيه الوجهان: الرفعُ مُعرَباً للفظِ المنادَى، والنصبُ تبعاً لمحلِه وهو نوعان:


    الأول: النعتُ المضافُ المقترنُ بألْ، وذلك يكون في الصفاتِ المُشتقَّةِ المضافة الى معمولها، نحو: (يا خالدُ الحسنُ الخلُقِ، أو الحسنَ الخلق. يا خليلُ الخادمُ الأمةِ، أَو الخادمَ الأمة).


    الثاني: ما كان مُفرَداً من نعتٍ، أو توكيدٍ، أو عطفِ بيانٍ، أو معطوفٍ مُقترنٍ بألْ، نحو: (يا عليّ الكريمُ، أو الكريمَ. يا خالدٌ خالدٌ، أو خالداً. يا رجلُ خليلٌ، أو خليلاً. يا عليّ والضيفُ، أو والضيفَ)، ومن العطفِ بالنصبِ تبعاً لمحلِّ المنادى قوله تعالى: {يا جبالُ أَوّبي معهُ والطّيرَ}، وقُرئ في غيرِ السبعةِ: (والطيرُ)، بالرفع عطفاً على اللفظ.

    [في يا خالدٌ خالدٌ: الثانية تأكيد لخالد المنادى، فإن رفعته فهو توكيد للفظه، وإن نصبته كان عطف بيان على محله من الإعراب]

    وان كان المنادَى مُعرَباً منصوباً فتابعُهُ أبداً منصوبٌ مُعرباً، نحو: (يا أَبا الحسنِ صاحبَنا. يا ذا الفضل وذا العلم. يا أبا خالدٍ والضيفَ)، إلا إذا كان بدَلاً، أو معطوفاً مجرداً من (ألْ) غيرَ مضافين، فهما مَبنيّان، نحو: (يا أبا الحسن عليٌّ. يا عبدَ الله وخالدُ).


    6- حَذْفُ حَرْفِ النِّداءِ

    يجوزُ حذفُ حرفِ النداءِ بكثرةٍ، إذا كان (يا) دونَ غيرِها، كقولهِ تعالى: {يوسفُ، أَعرِضْ عن هذا}، وقولهِ: {رَبِّ أَرِني أَنظُرْ إليكَ} ونحو: (مَنْ لا يزالُ مُحسناً أحسنْ إليَّ، واعظَ القومِ عِظهُمْ. أَيُّها التلاميذُ اجتهدوا. أَيتُها التلميذاتُ اجتهِدْنَ).


    ولا يجوزُ حذفُهُ من المنادى المندوبِ والمنادَى المُستغاث والمنادى المتعجَّبِ منه والمنادى البعيد، لأنَّ القصدَ إطالةُ الصوتِ، والحذفُ يُنافيهِ.


    وقلَّ حذفُهُ من اسم الإشارة، كقول الشاعر:


    إذا هَمَلَتْ عَيْني لَها قالَ صاحبي:

    بِمثْلِكَ، هذا، لَوْعَةٌ وغَرامُ؟!

    ومن النكرة المقصودة بالنداءِ كقولهم: (إفتَد مخنوقُ. أصبح ليلُ)

    [هو مثلٌ يُضرب لكل مشفَقٍ عليه مضطر وقع في شدة وهو يبخل على نفسه أن يفتديها بماله. أي: يا مخنوق افتد نفسك... أصبح ليل: مثل يضرب لليلة شديدة، ولأمر مكروه طال أمده]
    ومنه قول الشاعر:

    جَارِيَ، لا تَسْتَنْكري عَذِيري:

    سَيْرِي وإِشْفاقِي على بَعيري
    [ يقول لجاريته لا تعيبي علي سيري رحمة ببعيري]

    وقولُ الآخر:


    أَطرِقْ كرا، أَطرِقْ كرا

    إنَّ النَّعَامَ في الْقُرَى
    [هو مثل يُضرب لمن يُتكلم أمامه بكلام فيظن أنه المراد بالكلام، أي: اسكت يا حقير فإني أريد بالكلام من هو أنبل منك. مقارنة بين الكرا وهو طائر لا يساوي شأناً أمام النعام]

    وأقل من ذلك حذفُهُ من النكرة غير المقصودة ومن المشبّه بالمضاف.

  6. #6
    7- حَذْفُ المُنادى

    قد يُحذّف المنادى بعد (يا) كقوله تعالى: {يا ليتني كنت معَهم، فأفوزَ فوزاً عظيماً}، وقولِكَ: (يا نَصَرَ اللهُ من يَنصُرُ المظلومَ)، وقول الشاعر:


    أَلاَ يا اسْلَمي يا دارَ مَيَّ، عَلى الْبَلى

    وَلا زالَ مُنْهَلاً بِجَرْعائِكِ الْقَطْرُ
    [الجرعاء: الرملة الطيبة، وأراد بها منزلها الذي تنزل فيه حيث هذه الرملة]

    (والتقدير يكون على حسب المقام. فتقديره في الآية الأولى: (يا قوم)، وفي الثانية: (يا عبادي)، وفي المثال الثالث، (يا قوم)، وفي الشعر: (يا دار)).
    والحقُّ أن (يا) أَصلُها حرفُ نداءٍ، فإن لم يكن مُنادَى بعدها كانت حرفاً يُقصَدُ به تنبيهُ السامع إلى ما بعدَها. وقيلَ: إن جاءَ بعدها فعلُ أَمر فهيَ حرفُ نداءٍ، والمنادَى محذوف، نحو: (ألا يا اسجدوا). والتقدير ألا يا
    قومُ. ونحو: (أَلا يا اسلمي) والتقدير أَلا يا عَبْلةُ .... وإلاّ فهيَ حرفُ تنبيهٍ، كقولهِ تعالى: (يا ليتَ قومي يَعلمونَ).

    8- المُنادى المَضافُ إِلى ياءِ المُتَكلِّم

    المنادى المضافُ إلى ياءِ المتكلمِ على ثلاثة أنواعٍ: اسمٍ صحيحِ الآخرِ، واسمٍ مُعتلٍّ الآخرِ، وصفةٍ.


    والمُرادُ هنا اسمُ الفاعل واسمُ المفعولِ ومبالغةُ اسمِ الفاعل.


    فإن كان المضافُ إلى الياءِ اسماً صحيحَ الآخر، غيرَ أب ولا أُم، فالأكثرُ حذف ياءِ المتكلمِ والاكتفاءُ بالكسرةِ التي قبلَها، كقوله تعالى: {يا عبادِ فاتَّقُون}. ويجوز إثباتها ساكنةً أو مفتوحةً، كقولهِ عزَّ وجلَّ: {يا عبادِي لا خوفٌ عليكم} وقوله: {يا عباديَ الذينَ أَسرفوا على أَنفسهم}. ويجوزُ قلبُ الكسرةِ فتحةً والياءِ أَلفاً، كقوله تعالى: {يا حَسرتا على ما فرَّطتُ في جَنبِ الله}.


    وإن كانَ المضافُ إلى (الياءِ) معتلَّ الآخرِ، وجبَ إثباتُ الياءِ مفتوحةً لا غيرُ، نحو: (يا فتاي. يا حامِيَّ).


    وإن كان المضافُ إليها صفةً صحيحةَ الآخر، وجبَ إثباتُها ساكنةً أو مفتوحةً، نحو: (يا مكرميْ. يا مُكرمِيَ).


    وإن كان المضافُ إليها أباً أَو أُمّاً، جاز فيهِ ما جازَ في المنادَى الصحيح الآخر، فتقول: (يا أَبِ ويا أُمِّ. يا أَبي ويا أُمي. يا أَبيَ ويا أُميَ. يا أبا ويا أُمّا) ويجوزُ فيه أَيضاً حذفُ ياءِ المتكلم والتَّعويضُ عنها بتاءِ التأنيثِ مكسورةً أَو مفتوحةً، نحو: (يا أَبَتِ ويا أُمَّتِ. يا أَبَتَ يا أُمَّتَ). ويجوزُ إبدالُ هذهِ التاءِ هاء في الوقفِ، نحو: (يا أَبَهْ ويا أُمَّهْ).

    وإن كان المنادَى مضافاً إلى مضافٍ إلى ياءِ المتكلم، فالياءُ ثابتةٌ لا غيرُ، نحو: (يا ابنَ أَخي. يا ابنَ خالي) إلاّ إذا كان (ابنَ أُمّ) أو (ابن عمّ) فيجوزُ إثباتُها، والأكثر حذفُها والاجتزاءُ عنها بفتحةٍ أَو كسرةٍ. وقد قرئ قوله تعالى: {قال: يا ابنَ أمَّ، إنَّ القومَ استضعفوني}، وقوله: {قال: يا ابنَ أُمَّ لا تأخذْ بِلحيتي ولا برأسي}، بالفتح والكسر. فالكسر على نيّةِ الياءِ المحذوفة، والفتحُ على نيّةِ الألفِ المحذوفةِ التي أَسلُها ياءُ المتكلم. ومثلُ ذلكَ يُقال في (يا ابنَ عمَّ) قال الراجز:

    كُنْ لِيَ لاَ عَليَّ، يا ابنَ
    عَمَّا

    نَعشْ عَزِيزَينِ، ونُكْفَى الهَمّا

    ويجري هذا أيضاً مع (ابنةِ أُمِّ) و (ابنةِ عَم).


    واعلم أنهم لا يكادون يُثبتون ياءَ المتكلم، ولا الألفَ المنقلبةَ عنها، إلا في الضرورةِ، فإثباتُ الياء كقوله:


    يا ابنَ أُمِّي، ويا شُقَيِّقَ نَفْسِي

    أَنتَ خَلَّقْتَني لِدَهرٍ شَديدِ

    وإثباتُ الألف المنقلبة عنها، كقول الآخر:


    يا ابنةَ عَمَّا، لا تَلُومِي واهجَعي

    لا يَخْرُقُ اللَّوْمُ حِجابَ مِسْمَعي

    9- المُنادى المُسْتَعاثُ


    الاستغاثةُ: هي نداءُ من يُعينُ من دفع بلاءٍ أو شدَّة، نحو: (يا للأَقوياءِ لِلضُّعفاءِ). والمطلوبُ منه الإعانةُ يسمّى (مُستغاثاً)، والمطلوبُ له الإعانةُ يُسمّى "مُستغاثاً لهُ).


    ولا يُستعملُ للاستغاثةِ من أحرف النداءِ إلا (يا). ولا يجوزُ حذفُها، ولا حذفُ المُستغاث. أما المستغاث له فحذفه جائز، نحو: (يا للهِ).


    وللمستغاث ثلاثةُ أوجهِ:


    أ- أن يُجرَّ بلامٍ زائدةٍ واجبةِ الفتحِ، كقول الشاعر:


    يا لَقَوْمي، ويا لأَمثالِ قَوْمي

    لأُناسٍ عُتُوُّهُمُ في ازدِيادِ!

    وقول الآخر:


    تَكَنَّفَني الوُشاةُ فأَزْعَجُوني

    فَيا لَلنَّاسِ لِلْواشي المُطَاع!

    وقولِ غيره:


    يا لَقَوْمي! مَنْ لِلْعُلاَ والْمَساعِي؟

    يا لَقَوْمي! مَنْ لِلنَّدَى والسَّماحِ؟
    يا لَعَطَّافِنا! ويَا لَرِياح
    وَأَبي الحَشْرَجِ الْفَتَى النَّفَّاحِ!
    [يرثي الشاعر رجالاً من قومه هذه أسماؤهم. يقول: لم يبق للعلى والمساعي من يقوم بها بعدهم. والنفاح: الكثير العطاء]

    ولا تُكسر هذه اللامُ إذا تكرَرَ المستغاثُ غيرَ مقترنٍ بـ (يا) كقول الشاعر:


    يَبْكيكَ ناءٍ، بَعِيدُ الدَّارِ، مُغْتَرِبٌ

    يا لَلْكهُولِ وَلِلشُّبَّانِ لِلْعَجَبِ!

    ب- أن يُختَم بألفٍ زائدةٍ لتوكيد الاستغاثة، كقول الشاعر:


    يا يَزِيدا لآمِلٍ نَيْلَ عِزٍّ

    وَغِنًى بَعْدَ فاقَةٍ وهَوَانٍ!

    [ يزيدا: مُنادى مفرد معرفة، مبني على ضمٍ مقدر على آخره منع من ظهوره اشتغال محله بالفتحة العارضة لمناسبة الألف الزائدة لتوكيد الاستغاثة]

    ج- أن يبقى على حاله، كقول الآخر:


    أَلا يا قَوْمُ لِلعَجَبِ الْعَجيبِ!

    ولِلْغَفَلاتِ تَعْرِضُ لِلأَديبِ!

    أمّا المُستغاثَ له، فإن ذُكِرَ في الكلام، وجبَ جرُّهُ بلامٍ مكسورة دائماً، نحو: (يا لَقومي لِلعلمِ!). وقد يجر بِـ (مِنْ)، كقول الشاعر:


    يَا لَلرِّجالِ ذَوي الأَلبابِ مِنْ نَفَرٍ

    لا يَبْرَحُ السَّفَهُ المُرْدِي لَهُمْ دِيناً!

    10- المُنادى المُتَعَجَّبُ مِنهُ


    المُنادى المُتعجَّبَ منه، هو كالمُنادَى المُستغاثِ في أحكامهِ، فتقولُ: في التعجّب من كثرةِ الماءِ: (يا لَلماءِ!. يا ماءَا!. يا ماءُ!). وتقولُ: (يا لَلطربِ!. يا طرَبا. يا طَرَبُ!).


    [يا: حرف نداء للتعجب. واللام حرف جر زائد لتوكيد التعجب. والماء مجرور لفظاً باللام الزائدة، منصوب محلاً على النداء. وإعراب الأمثلة الباقية كإعراب أمثلة المُنادى المُستغاث]

المواضيع المتشابهه

  1. موسوعة اللغة العربية واللسانيات
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى foreign languages.
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-25-2015, 08:06 PM
  2. الدروس المستفادة من الثورات العربية الحالية
    بواسطة د.مهندس عبد الحميد مظهر في المنتدى فرسان المواضيع الساخنة.
    مشاركات: 34
    آخر مشاركة: 03-23-2013, 05:14 PM
  3. موسوعة من الخطوط العربية
    بواسطة فراس الحكيم في المنتدى فرسان التصميم والابداع.
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 10-18-2011, 01:17 AM
  4. موسوعة شهداء الأمة العربية
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 06-08-2011, 09:33 AM
  5. موقع التعليم الإلكتروني باللغة العربية يقدم كافة الدروس مجانا
    بواسطة مصطفى الطنطاوى في المنتدى فرسان التعليمي.
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 12-29-2008, 09:56 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •