ثانية حياكِ الله أختي أم فراس وأعود لاستكمال الرد على أسئلتك المهمة والتي هي في الصميم وما نحتاج إليه
التغريب الإعلامي والثقافي وإن كان هو أحد أهم مهام الاستشراق والاحتلال الغربي ضد أمتنا إلا أن المتغربين من الأمة قبلوا به طواعية، وإن كان المحتلة أوطانهم من غير المهزومين نفسياً وفكرياً أمام المحتل الغربي لوطنهم يبقوا حذرين من أي شيء يقدمه لهم عدوهم بل ويقاوموه في اغلب الأوقات، إلا أنهم لا يحذرون نفس الحذر من أبناء جلدتهم خاصة إذا لم يجاهروا بالعداوة مثل كثرين ممن انهزموا من أبناء الأمة فكرياُ ونفسياً أمام الغرب، وأولئك المهزومون لعبوا دوراً في تمرير كثير من قيم الغرب وأفكاره في وطننا..
كما أن الأنظمة العربية التي فرضها المحتل الغربي قبل خروجه من وطننا سارت على نفس النهج الغربي العلماني وسعت جهدها من خلال أنظمتها التعليمية وبرامجها الإعلامية علمنة الحياة الفكرية والثقافية في وطننا، ولم تكن مصلحة الوطن في حسابات الكثير من تلك الأنظمة التي رهنت الوطن إنساناً وثروة وفكراً للغرب بالتبعية في كل شيء، وقد لعبت مناهج التعليم والإعلام في وطننا دوراً كبيراً في نشأة أجيال تنتمي إلى الإسلام وفي الوقت نفسه لا تعرف عن إسلامها الكثير بل وتحمل قيم غربية معارضة لقيمها الدينية والاجتماعية وتتهم الأجيال التي سبقتها بالتخلف..
أضف إلى ذلك مشاركة كثير من الأحزاب المعارضة وأبناء الأمة الذين تأثروا بالغرب وتغربوا مثلهم ورأوا في أنفسهم نخب فكرية وتعاملوا مع أبناء الجماهير وكأنهم رعاع لا يفهمون شيء، وأن عليهم هم وحدهم قيادة الجماهير واختيار ما يصلح لهم وما لا يصلح لهم، وقصرهم على ما يرونه خلاصهم بالقوة والإكراه .. ولا نعفي من تلك المسئولية والدور كثير ممن حافظوا وتمسكوا بدينهم وقيمهم الاجتماعية والأخلاقية ممن لم يحسنوا فهم الواقع وتفادي الصدام مع أولئك ومحاولة استيعابهم وإيجاد المشترك الذي يأطرونهم ليلتقوا معهم عليه.. كل ذلك وغيره ساهم في وصول الواقع العربي والإسلامي إلى حالة انفصام وازدواجية في القيم والأفكار، فالإنسان يقول أنا مسلم في الوقت الذي يمارس فيه كثير من السلوكيات وأنماط الحياة ويعتقد ما يخالف اعتقاده .. فضلاً عن الاختلافات الفكرية والسياسية بين أبناء الوطن الواحد، وحالة العداء التي تسيطر على البعض منهم إلى درجة عدم قبوله بالآخر شريكاً له في قيادة الوطن، ولو تأملنا كثير مما يُكتب ويُنشر هنا وفي كل المواقع أو تابعنا الفضائيات ووسائل الإعلام الأخرى حول الأحداث الجارية في بعض أقطار وطننا نجد أن جميع الأطراف مازالت لم تُدرك ما عليها لتفادي تكريس مزيد من الانقسام في الوطن، وكثير منهم ما زال يتعامل بأحقاد الماضي ومتخشب على أفكاره التي أي عاقل المفترض فيه أن يعيد من فترة لأخرى تقييم وتقويم أفكاره ونهجه في ضوء التجربة والمستجدات وتقديم المصلحة الوطنية على الحزبية والفكرية والشخصية ..
ولأن الأمة والوطن ملك لنا جميعاً، ولا يفهم أحد من ذلك أني مع المقولة التي أرى عدم صوابها: الدين لله والوطن للجميع! لأن الدين والوطن والكون كله لله، وأن الله استخلف الإنسان واستعمره في الأرض لينظر ما يفعل، وإن كان لكل معتقده فكل المعتقدات تحث وتحرص على أن يحرص أبنائها على مصلحة وطنهم والعيش بسلام من خلال قيمهم الدينية مع شركائهم في الوطن من الأديان الأخرى، وذلك ما أنتجته الإسلام وكان نموذجاً عالمياً رائعاً في وحدة الأمة مع اختلاف دياناتها. والله تعالى قال: "وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، وكذلك الأحاديث نصت على نفس المعنى، وذلك ما سمح لجميع أتباع الملل والأديان الأخرى في تاريخنا الإسلامي أن تكون شريكاً في الوطن وأن تشارك في بنائه وبناء حضارته، ولم نعرف الاختلافات العقائدية في وطننا إلا بعد أن عرفنا الاحتلالات الغربية والدعوات الغربية ...
مشكلتي أوقات أطيل، وأعود لاستكمال الرد:
أرى أننا هنا في هذا المنتدى الكريم الذي يجمع جميع أطياف الأمة الفكرية والحزبية يجب أن نضع أولاً نصب أعيننا مصلحة الأمة والوطن قبل مصلحة الشخص والحزب والفكر .. يجب أن يعترف كل منا أن الناس ليسوا سواء في كل شيء وأن الاختلافات والفروق الفردية والتباين والاختلاف في الآراء حول المسألة الواحدة أمر فطري وجزء من سنن الله في الخلق، لأن العقول والأفهام والقدرات وغيرها تتفاوت من شخص لآخر، ما يعني أن الاختلاف في الرأي ما دام خالصاً لمصلحة الوطن يجب ألا يُفسد للود قضية بين أبناء الوطن، أو يمنع تعاونهما وتبادلهما الرأي حول قضايا الأمة التي تهم الجميع .. إن كان في الماضي حدث لبس أو سوء فهم حول قضايا فكرية معاصرة تهم الجميع ومخططات يهودية-غربية ضد الأمة والوطن، فإنه الآن كثير من حقائق التاريخ قد تكشفت وتوضح الحقيقة لكل قلب سليم ووطني مخلص، يجب علينا جميعاً أن نعيد تقيم وتقويم تجربتنا ومواقفنا وآرائنا فيها من أجل أن نتوصل لقواسم مشتركة فيما بيننا، وكما قلت ليكن مواجهتنا للعدو اليهودي-الغربي ووقف نزيف استنزافه لثرواتنا والتلاعب بعقولنا على رأس أولوياتنا وهي التي تجمع بيننا. علينا أن نعض على جرحنا وألمنا النابع من خلفية فكرية أو أيديولوجية ونحن نكتب وننظر إلى مصلحة الأمة والوطن وليكن نقداً مهما كان ألمنا ضد بعض بأسلوب يجمع ولا يفرق، يقرب ولا يزيد البعد والجفاء بيننا، حتى لا نمكن لعدونا الذي يحاول أن يستغل ضعف نفوس بعض أبناء الوطن كما سبق وفعل في الماضي ليزيد من الفرقة والعداء بيننا، ويبقَ مستمراً في فرض سيطرته وهيمنته ونهبه لثرواتنا ونحن منشغلون في تبادل الاتهامات وإثارة العداوات والنعرات الحزبية والفكرية والعرقية والمذهبية ... علينا أن نسعى كل جهده لنوحد موقفنا أو نتقارب أكبر قدر ممكن حول كل أو معظم القضايا التي تهم الأمة اليوم، والتي نختلف حولها نؤجلها إلى أن نخلص من عدونا المشترك الذي أذل الأمة مستفيداً من حالة الاختلاف والعداء وسوء تعاملها فيما بينها حول قضايا الخلاف .. علينا كل منا أن ينصح ويرفض الأسلوب المحرض من تجاه فكري أو أيديولوجي أو الفج في العبير عن الرأي الذي يثير الكراهية والبغضاء بيننا، حتى وإن كان من أقرب الناس لنا أو شركائنا في نفس الفكر والأيديولوجيا ..
علينا أن نُدرك أن أعدائنا على اختلاف بل تناقض عقائدهم ومذاهبهم وأفكارهم وأعراقهم وأجناسهم اتفقوا وتحالفوا معاً ضدنا كعدو مشترك، واستطاعوا أن يحققوا اختراقات كثيرة فيه ويفرضوا عليه أجنداتهم السياسية والفكرية وأولياتهم الحياتية والسلوكية، وحتى أعادوا احتلال أجزاء غالية منه ثانية وشرعنوا ذلك الاحتلال ظلماً وعدواناً،ويحاولون الآن بعد أن حققوا الوحدة في أوروبا وأشركوا العدو الصهيوني عد الأمة المركزي في كل مشاريعهم واعتبروه شريك لهم في كل شيء، يريدوا أن يعولموا العام ويفرضوا عليه قيمهم الغربية المادية ويستعبدوه من خلال ذلك .. ونحن مازلنا للأسف نخوض في قضايا عدائية واختلافية عقيمة لا يستفيد منها الوطن في شيء، ونحن أولى كأبناء وطن واحد أن ندوس اختلافاتنا تحت أرجلنا ونصطف معاً ضدهم، وندعنا من الصراعات المصطنعة والمختلقة التي يغذيها العدو، فالذي يجمعنا من قيم وأخلاقيات وانتماء أكبر من الذي يفرقنا ..
الحديث يطول ولكن إذا أردنا وعزمنا وخلصت النية وأخذنا ببعض ما سبق وما لدى غيري من اقتراحات في ذلك بإذن الله تعالى سنحقق أهدافنا ونصحح مسار الأمة ونستعيد مجدنا ...