أخي الكريم أسامة الحموي حياك الله
إن الحديث عن موضوع الباحث العربي والباحث الغربي ذو شجون وشجون مؤلم لِما آل إليه حال الباحث العربي وما يعاني منه على الرغم أنه لا ينقصه القدرات العقلية والملكات الإبداعية وقد يتفوق فيها على الباحث الغربي، بدليل تفوق كثير من البُحاث العرب والمسلمين في المؤسسات البحثية والغربية وعدم قدرة تلك المؤسسات الاستغناء عنهم ..
أما الفرق بين الاثنين فهو على صعيد الباحث وعلى صعيد المؤسسة البحثية وهي فوارق بينة، فعلى صعيد المؤسسات البحثية في الغرب يجب أن نعلم أن لها تاريخ طويل يمتد إلى قرون وذلك يعني عمق الخبرة والتجربة والمعرفة، فضلاً عن أنها تتوفر لها إمكانيات كبيرة سواء مادية أو معلوماتية. ناهيك أن المؤسسات البحثية الغربية لا تعمل بمعزل عن الجهات المتنفذة سواء الحكومية أو المدنية ولكن تعمل لخدمة جهات بعينها تقوم على تمويلها وتسهيل عملها. أضف إلى ذلك أن المؤسسات البحثية المستقلة التي تبغي الربح في الغرب أيضاً تدرك أن أبحاثها ستجد أذن صاغية واهتمام وستوضع في الموضوع الذي تستحق .. والعكس بالنسبة للمؤسسات البحثية العربية والإسلامية ..
وكذلك الباحث الغربي نجد أنه تتوفر له جميع الأدوات البحثية والوسائل التي تساعده على النجاح في عمله وأدائه على أكمل وجه، في حين أن الباحث العربي للأسف كلنا يعلم حجم معاناته وعدم توفر أدوات البحث له في حدودها الدنيا. كما أن الباحث الغربي يعلم جيداً أن نتائج أبحاثه ستجد طريقها إلى الاهتمام بها ونشرها وتعميمها وأن صاحب القرار سواء كانت الأبحاث علمية أو نظرية سيعمل على تطيقها ووضع سياسات لتنفيذها، في الوقت الذي يعلم الباحث العربي أن نتائج أبحاثه في الغالب لن تجد طريقها للوصول إلى الجمهور وليس صاحب القرار، وإذا ما وصلت لصاحب القرار قد لا تجد الاهتمام المطلوب بها ولن يعيرها أي اهتمام.
البحث الغربي والمؤسسات البحثية في الغرب يمتاز برؤيته الشاملة لموضوع بحثه التي لا تنفصل عن تصور الغربي للكون والإنسان والحياة، فيصيغ بحثه في ضوء الفلسفة الغربية ومن أجل تحقيق أهدافها ورؤية الغربي لعلاقته بكل الموجودات على سطح الكرة الأرضية، في حين أن الباحث العربي للأسف غالباً لا ينطلق من خلال رؤية وفلسفة عربية ولا يكون له أهداف شاملة للأمة والوطن يبغي من خلال بحثه ونتائجه تحقيق مصلحة الأمة والوطن من خلالها. فالبُحاثة العرب كلٌ منهم ينطلق من خلال فكره السياسية أو الأيديولوجي ويبحث عن المعلومات التي تخدم وتدعم تلك الرؤية الفكرية أو السياسية بغض النظر عن صلاحيتها للأمة أو لا! وذلك ما ولد التناقضات وتعدد الآراء في وطننا حول كل القضايا والمسائل التي نعاني منها ونجد أن الاختلاف والهوة تزداد يوماً بعد يوم حولها، ما يزيد من تفرق وتمزق قوى المجتمع وما يؤدي إلى ضعفه وعدم وحدته، ولذلك نجد الغرب توحدت وتوحدت شعوبه على اختلاف أعراقها ولغاتها خلف فلسفته المادية وقيمه الغربية التي يسعى لعولمتها من منطلق الهيمنة على بقية شعوب العالم، وأزاد شعبنا العربي الواحد الذي تجمعه لغة ودين ومصالح مشتركة وتاريخ وغيرها فرقة وتمزق امتد إلى مزيد من الفرقة والتمزق داخل حدود سايكس-بيكو نفسها، ومنها ما تشظى إلى مزيد من التجزئة والباقي على الطريق، لأننا لا نملك فلسفة واحدة لحياتنا تحكم تفكيرنا وتوحد مصالحنا ..
لذلك لن يخرج الباحث العربي للنور إلا إذا تخلى عن أنانيته وعنصريته وتعصبه الفكري والأيديولوجي وقدم مصلحة الأمة والوطن على مصلحة الحزب والأيديولوجيا، وعندما يمتلك فلسفة وطنية يشترك فيها مع أبناء وطنه تحكم تفكيره وطرائق بحثه وتُعلي من قيمة نتائجها التي تخدم الجميع. عندما نعود إلى ما كان عليه البُحاثة والعلماء المسلمين الذين قدموا لأمتهم وللحضارة الإنسانية الكثير ومازال يدين بها العالم لعلمهم وابتكاراتهم. فلقد كان من أهم ما يمتاز به العلماء العرب والمسلمون الشمول والصدق والدقة والقناعة والزهد والصبر.. ولم يكونوا يلهثون وراء المكاسب المادية إلا ما ندر.. وكانت الغالبية العظمى منهم تبحث وتكد وتجتهد ابتغاء وجه الله، فقد عرفوا البحث العلمي وطلب العلم بكل فروعه التي تخدم الأمة.. عرفوه عبادة وجهادا، مهتدين بهدي القرآن الكريم في حثه على استعمال العقل ..أفلا يتدبرون، ..أفلا يعقلون، قل انظروا ماذا في السموات والأرض..، قل سيروا في الأرض فانظروا..، أولم يتفكروا، أولم ير الإنسان أنا خلقناه..، أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز..، أولا يرون أنا نأتي الأرض..، وعلمناه صنعة لبوس لكم..، علم الإنسان ما لم يعلم..، إنما يخشى الله من عباده العلماء..، وفي أنفسكم أفلا تبصرون .. وهكذا نجد العلماء العرب والمسلمين تشدهم إلى عملهم ونتاجهم، روح وشعور يتسامى عن المادة وينأون بأنفسهم أن يقعوا في حبال الشهرة والجاه والمنصب والمكانة الاجتماعية وغيرها من الأمور المعنوية التي يحرص عليها علماء العرب اليوم والتي تعتبر جزءً من المكافأة الدنيوية لهم من قبل مجتمعاتهم ..