9- واوُ الحالِ وأَحكامُها
واوُ الحالِ: ما يصحُّ وقوعُ (إذ) الظرفيّةِ موقعَها، فإذا قلتَ: (جئتُ والشمسُ تغيبُ)، صحَّ أن تقول: (جئتُ إذِ الشمسُ تغيب).
ولا تدخلُ إلاّ على الجملة، كما رأَيتَ، فلا تدخلُ على حال مُفرَدة، ولا على حالٍ شبهِ جملةٍ.
وأصلُ الرَّبطِ أن يكونَ بضمير صاحب الحال. وحيثُ لا ضميرَ وجبتِ الواو، لأنّ الجملةَ الحاليّةَ لا تخلو من أحدهما أو منهما معاً. فإن كانت الواو معَ الضمير كان الرَّبطُ أشدَّ وأحكم.
وواوُ الحالِ، من حيثُ اقترانُ الجملة الحاليّة بها وعَدمُهُ، على ثلاثة أضرُبٍ: واجبٍ وجائزٍ ومُمتنع.
متى تجب واو الحال؟
تجبُ واو الحال في ثلاثِ صُوَرٍ:
أ- الأولى أن تكونَ جملةُ الحالِ إسميَّةً مجرَّدةً من ضمير يَربطُها بصاحبها، نحو: (جئت والناس نائمون)، ومنه قوله تعالى: {كما أخرجكَ ربُّك من بيتكَ بالحق، وإنّ فريقاً من المؤمنين لكارهونَ}، وقولهُ: {أَيأكلُهُ الذئبُ، ونحنُ عُصبةٌ}، وتقول: (جئتُ وما الشمسُ طالعةٌ).
ب- أن تكون مُصدَّرَةً بضمير صاحبها، نحو: (جاء سعيدٌ وهو راكبٌ)، ومنه قولهُ تعالى: {لا تَقرَبوا الصلاة وأنتم سُكارى}.
ج- أن تكون ماضيَة غيرَ مُشتملةٍ على ضمير صاحبها، مُثبتةً كانت أو مَنفيَّةً. غير أنه تجب (قَدْ) معَ الواوِ في المثبتةِ، نحو: (جئتُ وقد طلعت الشمسُ)، ولا تجوز مع المنفيّةِ، نحو: (جئتُ وما طلعتِ الشمسُ).
متى تمنع واو الحال؟
تمتنعُ واوُ الحال من الجملة في سبعِ مسَائلَ:
أ- أن تقعَ بعد عاطفٍ، كقوله تعالى: {وكم من قريةٍ أهلكناها، فجاءَها بأسُنا بَياتاً، أو هم قائلونَ}.
[قوله تعالى: {أهلكناها} أي أهلكنا أهلها. وقوله {فجاءها} أي: فجاء أهلها. فالكلام على حذف مضاف. والبأس: العذاب. وبياتاً: مصدر وضع موضع الحال، وهو مصدر بات يبات بياتاً، و {قائلون} : أي نائمون وقت الظهيرة، من القيلولة. والمعنى: جاء أهلها عذابنا بائتين أو قائلين]
ب- أن تكونَ مُؤكدةً لمضمون الحملةِ قبلَها، كقولهِ سبحانهُ: {ذلكَ الكتابُ، لا ريبَ فيه}.
ج- أن تكونَ ماضِيَّةً بعد (إلاَّ)، فتمتنعُ حينئذٍ من (الواو) و (قدْ) مجتمعينِ، ومُنفردتينِ، وتُربطُ بالضميرِ وحدَهُ، كقوله تعالى: {ما يأتيهم من رسول إلاَّ كانوا بهِ يستهزئونَ}.
د- أن تكون ماضيّةً قبلَ (أو)، كقول الشاعر:
كُنْ لِلخَليلِ نَصيراً، جارَ أوْ عَدَلاَ
وَلاَ تَشُحَّ علَيْهِ. جادَ أَوْ بَخِلاَ
هـ- أن تكونَ مُضارعيّةً مُثبَتةً غيرَ مُقترنةٍ بِقدْ وحينئذٍ تُربطُ بالضميرِ وحدَهُ، كقولهِ تعالى: {ولا تَمنُنْ تَستكثرُ}، ونحو: (جاء خالدٌ يحملُ كتابهُ). فإن اقترنت بِقدْ، وجبتِ الواوُ معَها، كقولهِ تعالى: {لِمَ تُؤذونني؟ وقد تَعلمونَ أني رسولُ اللهِ إليكم}. ولا يجوزُ الواوُ وحدَها ولا قَد وحدَها. بل يجبُ تجريدُها منهما معاً، أو اقترانُها بهما معاً، كما رأيت.
و- أن تكونَ مُضارِعيّةً منفيّةً بِ (ما)، فتمنعُ حينئذٍ من الواو وقد، مُجتمعتينِ ومُنفردتينِ، وتُربَطُ بالضميرِ وحدَهُ كقول الشاعر:
عَهْدْتُكَ ما تَصْبُو، وفيكَ شَبيبةٌ
فَما لَكَ بَعْدَ الشَّيْبِ صَبًّا مُتَيَّما؟
وقول الآخر:
كأنَّها - يومَ صَدَّتْ ما تُكَلِّمُنا –
ظَبْيٌ بِعُسْفانَ ساجِي الْظَّرْفِ مَطْرُوفُ
(وأجاز بعض العلماء اقترانها بالواو، نحو: (حضر خليل وما يركب). وليس ذلك بالمختار عند الجمهور. والذوق اللغوي لا يأباه. قال السيوطي في (همع الهوامع): والمنفيّ بما فيه الوجهان أيضاً، نحو: "جاءَ زيد وما يضحك؛ أو ما يضحك)).
ز- أن تكونَ مُضارعيّةً مَنفيّةً بِـ (لا)، فتمنع أيضاً من(الواو) و (قَدْ) مُجتمعتينِ ومُنفردتينِ، كقوله تعالى: {وما لَنا لا نُؤمِنُ باللهِ}، وقولهِ: {ما لي لا أرَى الهُدهُدَ} (وأجاز قوم اقترانها بالواو، لكنه بعيد من الذوق اللغوي، قال ابن الناظم: (وقد يجيء (أي المضارع المنفي بلا) بالضمير والواو)).
فإن كانت مَنفيّةً بِلَمْ، جاز أن تُربَطَ بالواوِ والضميرِ معاً، كقولهِ تعالى: {أو قالَ: أُوحِيَّ، إِليَّ ولم يُوحَ إليهِ شيءٌ}.
متى تجوز واو الحال وتركها
يجوزُ أن تقترنَ الجملةُ بواو الحالِ، وأن لا تقترنَ بها، في غير ما تقدَّمَ من صُوَر وُجوبها وامتناعها.
غيرَ أن الأكثرَ في الجملةِ الاسميّة - مُثبتةً أو منفيةً - أن تقترنَ بالواو والضمير معاً. فالمُثبتةُ كقولهِ تعالى: {خرجوا من ديارهم وهم أُلوفٌ}، وقولهِ: {فلا تجعلوا للهِ أنداداً وأنتم تعلمونَ}. والمنفيّةُ نحو: (رجعتُ وما في يدي شيءٌ).
وقد تُربَطُ - مُثبَتةً أو منفيّةٌ - بالضمير وحدَهُ. فالمُثبتَةُ كقوله تعالى: {قُلنا: اهبِطوا بعضُكم لبعضٍ عدُوٌّ}. والمنفيّة كقوله تعالى: {واللهُ يَحكُمُ لا مُعَقْبَ لِحُكمه}.
(ولا يشترط لاقتران الجملة الاسمية بالواو، عدم اقترانها بالا (كما توهم بعض أصحاب الحواشي سامحهم الله، فان ذلك ثابت في أفصح الكلام، قال تعالى: {وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتابٌ معلوم}. وهذا الشرط إنما هو للجملة الماضيَّة فقط، كما علمت، وأما الجملة الاسمية فقد تقترن بهما معاً كما رأيت، وقد تقترن بالا وحدها، كقوله تعالى: {وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون}).
أمّا الجملةُ الماضيّة الحاليَّة، فإن كانت مثُبتَةً، فأكثرُ ما تُربَطُ بالضمير والواو وقَدْ معاً، كقوله تعالى: {أفتَطْمَعونَ أن يُؤمنوا لكم، وقد كان فريقٌ منهم يسمعون كلامَ اللهِ ثمّ يُحرفونهُ من بعدظش ما عقَلوهُ}.
وأقلَ من هذا أن تُربَطَ بالضمير وحدَهُ، دون الواو وقَدْ، كقوله تعالى: {هذِهِ بِضاعتُنا رُدَّتْ إلينا}، وقولهِ: {أو جاءُوكم حَصِرَتْ صُدورُهم}
وأقلّ من الجميعِ أن تُربَطَ بالضمير والواو فقط، دونَ قد، كقوله تعالى: {قالوا، وأقبلوا عليه: ماذا تفقِدون}، وقوله: {أنؤمِنُ لكَ واتّبعكَ الأرذلونَ}.
إن كانت منفيّةً امتنعتْ معها (قد)، فهي تُربَط غالباً بالضمير والواو معاً، نحو:
(رجعَ خالِدٌ وما صنعَ شيئاً). وقد تُربَطُ بالضمير وحدَهُ، نحو: (رجعَ ما صنعَ شيئاً).
فإن لم تشتمل الجملةُ الماضيّة، مُثبتةً كانت أو منفيّة، على ضميرٍ يعودُ إلى صاحب الحال، رُبِطت المُثبتةُ بالواوِ وقد، والمنفيّةُ بالواو وحدها، وجوباً، كما سبقَ.