منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 9 من 9
  1. #1

    الجانب الخفي من تاريخ البترول : جاك .. و جان .. "1"

    الجانب الخفي من تاريخ البترول : جاك .. و جان .. "1"

    "الجانب الخفي من تاريخ البترول" كتاب أعادتني إليه مقالة نُشرت في رسائل مجموعة الدكتور عبد العزيز قاسم البريدية،للدكتور صالح النملة،وقد نشر – في الرسالة رقم "442" - تحت عنوان : (هل سعر النفط فعلا مرتفع)؟. والكتاب من تأليف جاك دولوناي و جان ميشيل شارلييه،وقد نقله – عن الفرنسية - إلى اللغة العربية اللواء محمد سميح السيد،ونشرته دار طلاس بدمشق،سنة 1987م،في طبعته الأولى.
    من المقدمة نأخذ هذه اللمحة :
    (في عام 1900،كان الذهب الأسود يؤمن أقل من 4% من الاحتياجات العالمية للطاقة،أما اليوم،فقد أضحى يغطي 40 % منها. وعلى الرغم من تضاؤل الاستهلاك،ما زال العالم يحرق سنويا حوالي ثلاثة مليارات طن من المنتجات النفطية،التي تقوم ثماني شركات فقط بتقديم أكثر من نصف هذه الكمية.
    ومن الجدير بالذكر أن ثماني من أغنى عشرة شركات في العالم هي شركات بترولية،منها أربع أمريكيات. كما أن أقوى شركة في العالم هي "ايكسون Exxon"،التي بلغ مجموع مبيعاتها 88.5 مليار دولار عام 1983،والتي تضم 156000 مستخدم،منهم 12000 باحث،موزعين على أكثر من 500 فرع في مئة بلد! .. وقد تجاوزت أرباح شركة "ايكسون"هذه 4.9 مليار دولار سنة 1983.
    ولاشك في أن هذه أكبر مغامرة في تاريخ البشرية،لا يمكن اعتبار ظاهرها المعروف هو الحقيقي بالضرورة.){ص 9}.
    يعود بنا المؤلفان إلى البدايات .. (يوم السبت الواقع في 17 آب(أغسطس) من عام 1859،في بلدة تيتو سفيل في ولاية بنسلفانيا،جنوبي بحيرة"إرييه"( Erie)،على مسافة 150 ميلا شرقي "كليفلاند"،فجر العقيد "إيدوين ل. داريك "ثورة ستؤدي آثارها إلى إحداث تغيير عميق في الاقتصاد العالمي طوال قرن ونيّف.
    كان "داريك"(38 عاما) سائق قطار سابقا،أصبح بعدُ تاجرا يطمح في الحصول على ثروة عن طريق صناعة إكسير للحياة والشباب من النفس النوع الذي رأى الهنود يستخدمونه. وفي أحد الأيام،استخدمته شركة صغيرة تدعى"سينيكا أويل"،وكان ممولوها،برئاسة المصرفي "جيمس تاونساند"،يسعون للتنقيب في بعض الأراضي التي يملكونها في تيتو سفيل.
    في عام 1855،كان هؤلاء مقتنعين بصحة تقرير رفعه"البروفسور"سيليمان Silliman ،من معهد يال،ويبحثون عن هذا"البترول"الذي يمكنه أن يحل محل زيت الحوت النادر والغالي الثمن،والذي كان يستخدم لتشغيل فوانيس عمال المناجم.
    عندئذ خطرت على بال درايك فكرة ضم ويليام سمث،الملقب بالعم بيل،وهو حداد وحفار آبار عبقري،صنع له كل ما يلزمه من معدات وأدوات : أنابيب،درّيك،{في الهامش : دريّك derrick : هيكل معدني يقام فوق بئر البترول،والكلمة مأخوذة من اسم عالم إنكليزي} وبخاصة المثقب الذي يعمل بواسطة محرك بخاري.
    أدت أعمال الحفر الأولى إلى حدوث انهيارات،ثم بدأت الأموال تنفذ،مما دعا الممولين إلى التوقف عن الدفع. وفي مساء يوم 27 آب (أغسطس)،غار المثقب فجأة داخل فجوة تكشفت عن وجود بئر من النفط على عمق 21 مترا (69.5 قدما).
    كان هذا من الزيت الصخري الذي استخدمه المصريون القدماء في تحنيط موتاهم،كما استفاد منه الفينيقيون في "قلفطة"سفنهم { في الهامش : وهي عملية سد شقوق السفن بواسطة الزفت وخيوط الحبال. ولا تزال هذه الكلمة مستخدمة من قبل البحارة في يومنا هذا} وكانت له مزايا خاصة ومعترف بها. (..) في بنسلفانيا،سنة 1859،كانت الحاجة ماسة للصناعة الناشئة،كما رأينا،مادة أولية جديدة للإنارة لأن الزيوت الحيوانية المطلوبة كثيرا بلغت آنذاك أسعارا خيالية. وقد لوحظ سريعا أن تقطير النفط الخام كان يسمح بالحصول على مادة يمكنها الحلول بفاعلية محل الزيوت الحيوانية،كما يمكن للزيت أن يستخدم لتزييت الآلات وتشحيمها.
    منذ عام 1840،كان الباحثون قد لاحظوا أن زيت الفحم يتمتع بخصائص مميزة،فحاولوا عبثا استخراج كميات كافية من هذا الزيت. إلا أنهم تمكنوا،في مقاطعة"ويستمورلاند"(بنسلفانيا)،من التوصل إلى عتاد يسمح بصناعة 6000 غالون في اليوم. ومنذ عام 1858،في بيتسبورغ،قام صموئيل كير ومؤسسة ماك كون وفينلي بتصفية زيت الفحم هذا(الكيروسين) في معمل صغير،ثم توزيعه في نيويورك بكميات قليلة لأغراض الإنارة بصورة رئيسية.(..) منذ عام 1860،كانت هناك 74 بئرا حول (أويل كريك) تنتج 509000 برميل في العام.
    وهكذا غطت الآبار المرتجلة وادي (أويل كريك) حيث بدأ الناس يخزنون الذهب الأسود في براميل خشبية ترشح في كثير من الأحيان،كما أخذ الجميع يشترونه بأسعار مختلفة بقصد التجارة والربح.
    بدأت المدن المؤقتة تظهر خلال بضعة أسابيع : أويل سيتي،بترو سنتر،بيتول .. وخلال خمسة أعوام،قفز عدد سكان تيتو سفيل من 400 إلى 10000 نسمة. كذلك بلغ عدد سكان بيتول،التي أنشئت عام 1865،بعد سنة واحدة من قيامها،20000 نسمة،كما أقيم فيها خمسون فندقا ودار للأوبرا. إلا أنها ما لبثت أن اختفت سنة 1877.(..) في شهر كانون الثاني (يناير) 1865،وللإسراع في عمليات الحفر،جاء اختراع العقيد (روبرتسن)،وهو عبارة عن أداة أشبه بالطوربيد المملوء بالنيترو غليسرين،يلقى داخل أنبوب الحفر،ثم ينفجر في نهاية المطاف لكي يشق ثغرة في لصخور الصلبة.
    إلا أن البعض كانوا عاجزين عن شراء طوربيدات (روبرتس)،لذلك كانوا يصبون النيترو غليسرين مباشرة في الأنبوب،فتحدث الانفجارات. في الحقيقة،كانت الكوارث شبه يومية : فيضانات غير مراقبة للسائل المشتعل أحيانا،انفجارات تعقبها حرائق قرب المحركات البخارية أو المنشآت الخشبية المشبعة بالبترول جراء الانفعالات غير المسيطر عليها. وهكذا شب حريق هائل،أعقبته فيضانات،مما تسبب بحدوث أضرار بلغت قيمتها مليونا من الدولارات في (تيتو سفيل) سنة 1892. كانت تدابير الحيطة والحماية شبه معدومة إذن في تلك الفترة،ولم يكن هناك أي تنظيم من حيث الإنتاج أو التخزين أو التوزيع.
    كذلك كانت الحياة في الغرب الأمريكي كله مفعمة بالقسوة والعنف،وكان "درايك"يقول دائما : "مسدسي هو القانون ..".
    ولم يمر وقت طويل حتى بدأ ظهور أصحاب الملايين : فمنذ عام 1861،كانت بئر"أويل كريك"تنتح 300 برميل في اليوم. إلا أن أحدا لم يكن قادرا على التكهن آنذاك بما ستنتجه الصناعة البترولية : بنزين،ومحروقات،وزيوت وشحوم،أسفلت،كهرباء،صابون،ومنظفات،سماد،مبيدات حشرية،دهانات،بلاستيك .. إلخ.
    هكذا كانت بداية الازدهار العجيب للبترول. وبما أن النبع كان يبدو غير قابل للنضوب،فقد انخفض السعر بسرعة،حيث هبط من 20 دولارا للبرميل في عام 1859 إلى 10 سنتات في عام 1862.
    ولكن كيف يمكن نقل كل هذا البترول؟ بواسطة المراكب على الأنهار أولا،ثم عن طريق السكك الحديدية. في عام 1863،وصلت السكة الحديدية بين كليفلاند وشبكات الشرق،كما اخترقت كامل المنطقة البترولية،فأصبح السائل الثمين ينقل بواسطة"المقطورات – الخزانات"،ولكن العملية كانت طويلة وباهظة الكلفة.
    في عام 1865،قام"صموئيل فان سيكل"بإحداث ثورة في كل هذا : حيث أقام خطا من الأنابيب (قطر الأنبوب بوصتان،أو 5.08 سم) جاء هذا سبقا رائعا : إذ يوجد اليوم في الولايات المتحدة أكثر من 180.000 كم من خطوط الأنابيب.
    كانت خطوط الأنابيب تلك توصل النفط إلى المصفاة ثم إلى القطار،إلا أن الناقلين السابقين خافوا من البطالة فعمدوا إلى أعمال التخريب،مما اضطر أصحاب الآبار إلى تأمين حراسة للأنابيب. رغم كل الصعوبات والعقبات،كان البترول يتدفق باتجاه كليفلاند،التي كانت تعتبر بحق عاصمة الذهب الأسود.){ص 11 - 15}.
    ثم تحدث المؤلفان عن أسرة "روكفلر" .. ( في عام 1859،كانت أسرة "روكفلر" تسكن كليفلاند (أوهايو)،على مسافة 100 ميل من تيتو سفيل،في منزل مريح من القرميد عند زاوية من تقاطع شارع أوكليد وكايس.
    كانت الأسرة تضم الأب وليام أفيري روكفلر وزوجته ليزا دايفيسون وأولادهما الستة. لكي يقوم وليام بإعالة هذه الأسرة الكبيرة،كان يعمل في تجارة الخيل حينا،ثم كمراب أو مطبب أحيانا،كما كان يبيع أدوية الشعوذة ضد السرطان بمعدل دولارين للزجاجة الواحدة.
    أما"ليزا"،فكانت ابنة مزارع من مورافيا (نيويورك)،وربة منزل قوية تدير منزلها وأسرتها بحزم. كما كانت هواجسها هي الانضباط والمدرسة والكنيسة.
    عُرف وليام بأنه مغامر،حتى لوحق بتهمة الاغتصاب والزواج من امرأتين في آن واحد،الأمر الذي لم يمنعه من أن يظل بروتستانتيا متعصبا. وقد علّم أولاده قيمة المال : حيث سمح لهم بالاحتفاظ بأرباحهم حتى بلوغهم سن الرشد،ولكن عليهم أن يدفعوا لوالدهم 40 دولارا في الشهر،على أن يتسلموا بالمقابل عند بلوغهم الرشد رأسمال صغيرا في حدود 1000 دولار.
    بهذا المبلغ دخل الابن البكر جون،المولود في 8 تموز 1839،ميدان العمل سنة 1858. وهكذا كان متاعه ضئيلا،ولكنه ذهب في الخامسة عشرة من العمر،بناء على طلب والده،لكي يدرس في المدرسة العليا للتجارة،حيث أتقن إدارة الأعمال وفن مسك سجلات المحاسبة،بعد أن عمل لفترة من الزمن كبائع متجول في شوارع كليفلاند.
    في 26 أيلول (سبتمبر) من 1855،وفي السادسة عشرة من عمره،عمل لدى "هويت"و"تاتل"،المتخصصين في التصدير،كناقل للبضائع وسكرتير ورجل يصلح لكل شيء.
    أمضى في هذه الوظيفة عامين ونصف العام،حيث اكتسب خبرة في العلوم المالية التطبيقية والأعمال التجارية والعلاقات مع الزبائن. وخلال بضعة أسابيع،وجد نفسه مساعد محاسب ثم محاسبا براتب شهري قدره 25 دولارا.(..) في عام 1855(هكذا) رفض رؤساؤه منحه علاوة مالية،فتركهم وقبل عرضا من صديق إنكليزي،يدعى موريس كلارك،بأن يقوم الاثنان معا بإنشاء وكالة للمنتجات الأجنبية في موانئ كليفلاند. لذلك قدم،كما فعل شريكاه كلارك وغاردنر،2000 دولار ( 1000 من مدخراته + 1000 كمساعدة من والديه)،وأصبح مسؤولا عن الشؤون المالية،بينما كان زميلاه يقومان بعمليات الشراء والبيع. (..) استنتج جون منذ البداية أن الجهود يجب ألا تنصب على أعمال الحفر المملوءة بالمجازفات والمفاجآت والأفخاخ. وقد لاحظ أن العاملين في حفر الآبار كانوا يفلسون بسرعة بسبب القمار والكحول والفسق،بينما كان القائمون على أعمال التصفية يجدون ما يكفيهم من المادة الخام،ولا يتوقف عملهم على الصدفة والحظ.
    وهكذا قرر"روكفلر"أن يعمل في تصفية البترول. وقد نجح في ذلك لدرجة جعلته مع صديقه"أندروز"المعمداني مثله،يكرسان جل وقتهما،لهذا العمل،وفي عام 1865،تفرغا كليا،تاركين كل نشاطاتهما الأخرى.
    لم تمض فترة وجيزة حتى أقام معمله الخاص بصناعة براميل النفط،حيث أخذ يبيع البرميل بسعر 96 سنتا بدلا من 2.5 دولار. ثم ما لبث أن تزوج من "لورا سبيلمان"وهي ابنة رجل أعمال ثري،كانت لا تقل عنه تقى وتوفيرا.
    خلال السنوات الثلاثة الأولى،كان قد قام،مع كلارك وشقيقيه،باستثمار 100.000 دولار في المصفاة،فجاءت الأرباح بحجم الاستثمار تقريبا. عندئذ اشترى بمبلغ 72500 دولار حصة كلارك،وأسس مصفاة روكفلر وأندروز،تاركا وكالة كليفلاند القديمة.
    اهتم "أندروز"بالمسائل التقنية،بينما تخصص جون روكفلر في المشتريات والمبيعات،وكان يشتري بأقل الأسعار ثم ينتظر ليبيع بأعلاها.
    أخيرا،وبالاتفاق مع شريك جديد،وهو رجل أعمال لامع يدعى "هنري فلاغلر"معمداني مثله،وابن مبشر،قام بتجميع عدة مصاف متنافسة عن طريق الشراء المتتالي،ليسهل الأعمال ويشكل احتكارا حقيقيا تحت اسم"ستاندرد – أويل"
    وفي هذا الاتجاه نفسه،استأجر كامل المقطروات – الخزانات المتوفرة،كما عقد اتفاقات سرية مع "فاندر بيلت"،رئيس سكة حديد نيويورك المركزية على أساس : حسم 25% لمنتجات "ستانردر"و 25% زيادة في الأجور بالنسبة للمنتجات المنافسة.){ص 15 - 18}.
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله.
    س/ محمود المختار الشنقيطي ((سفير في بلاط إمبراطورية سيدي الكتاب)) Mahmood-1380@hotmail.com

    هل سعر النفط فعلاً مرتفع؟!!

    د. صالح النملة

    تكثر هذه الأيام صيحات التنادي في اوروبا وأمريكا عن أسعار النفط وارتفاعها وغلائها؛ حيث أغلق سعر برميل النفط يوم الجمعة الماضي على 117دولاراً للبرميل الواحد.وأوروبا وأمريكا اللتان اعتادتا أن تحصلا على سعر النفط بأسعار زهيدة لأسباب سياسية وليست اقتصادية لا تتحملان أي ارتفاع لأسعار النفط حتى ولا على أي مستوى كان، وبالمقارنة بين سعر برميل النفط الذي يدخل في جميع تفاصيل حياتنا وحاجاتنا اليومية وأسعار سلع اخرى تصدرها لنا أوروبا وأمريكا قد تكون ذات أهمية ولكن ليست بالضرورية التي لا يمكن الاستغناء عنها تكتشف كيف أن الغرب يمارس النفاق الحقيقي والتشكي غير المبرر من أسعار النفط.. وبمقارنة سعر برميل النفط مع برميل منتجات اخرى تكون المقارنة على النحو الآتي :

    1 . برميل النفط سعر برنت (117) دولاراً.

    2 . برميل كوكا كولا (126) دولاراً.

    3. برميل حليب (163) دولاراً.
    4 . برميل مياه بيريه معدنية (300) دولار.

    5 . برميل عصير برتقال تروبيكانا (307) دولارات.

    6 . برميل بيرة بدوايزر (447) دولاراً.

    7 . برميل سكوب غسيل فم (682) دولاراً.

    8 . برميل فنتي عصير ستاربوكس (954) دولاراً.

    9 . برميل بن وجيري آيس كريم (1609) دولارات.
    10 . برميل برتولي زيت زيتون (2370) دولاراً.

    11 . برميل تباسكو الفلفل الحار (6155) دولاراً.

    12 . برميل فايزين تنظيف للعين (39728) دولاراً.

    13 . برميل عطر شانيل (1,666,560) دولاراً.!!!!!! يا ساتر ... أكثر من ستة ملايين ريال !!!!
    بعد هذه المقارنة البسيطة هل سعر النفط تلك المادة الحيوية لجميع مناحي الحياة اليومية رخيصة أم مرتفعة؟!! أم أن هناك تشكياً داخل المجتمعات الغربية التي تعودت على الرفاهية ولوم الآخرين وحربهم وتدميرهممن أجل أن تعيش هي حياة مرفهة.
    تخيل ان النفط لاتملكه إلا أوروبا وأمريكا
    بكم سيبيعونه لنا
    وهل سيبيعونه لكل من يطلبه
    أم أنهم لن يبيعوه إلا لمن يرضون عنه
    وهل سيستنزفون مخزونهم النفطي بإنتاج كميات ضخمه لإرضاء ألآخرين
    طبعا لا
    والدليل \ الأدويه\ الأسلحه\ التكنلوجيا المتقدمه ......................ألخ


    والمصيبة الأخرىأنه طيلة إنتاج أكثر من 80 سنة من البترول لم تستثمر الإستثمار الأمثل والصحيح والفعال والمفيد والحيوي في معظم البلدان المنتجه والمصدرة خاصة الدول العربية ؟!............!.................!.

  2. #2

    الجانب الخفي من تاريخ البترول : جاك .. و جان .. "2"

    إضافة إلى الحسم الذي أشار إليه المؤلفان،تقدم الشركة،بعرض لشركة سكة الحديد لتؤمن .. (النقل اليومي لستين مقطورة (عربة) بترول مصفى من كليفلاند إلى نيويورك (..) كان من شأن هذا أن يختصر مدة السفر بتنظيم قطارات كاملة. مقابل هذا الإجراء،الذي يدر على شركة الخطوط الحديدية أموالا كثيرة،حصل روكفلر وأندروز وفلاغر على حسم في أجور النقل بمقدار 2.40 – 1.75 دولارا للبرميل الواحد.
    بمثل هذه الأساليب،استطاع روكفلر،خلال خمس سنوات،من عام 1872 – 1877،أن يضمن السيطرة على 95% من السوق العالمية للبترول،وذلك بفضل اللعبة التي ضمنت له شراء معظم الشركات المنافسة عن طريق دفع نصف الثمن نقدا والنصف الثاني كأسهم في شركة ستاندارد.
    تم تأسيس "ستاندرد – أويل) في 10 كانون الثاني (يناير) من عام 1870،برأس مال مقداره مليون دولار. كان المؤسسون آنذاك : جون روكفلر،صموئيل أندروز،هنري فلاغر،ستيفن هاركسن (والد زوجة فلاغر،وهو رجل ثري جدا) و ويليام روكفلر،شقيق جون الأصغر،الذي كان يمثل الشركة في نيويورك،ويستقبل يوميا العربات الستين التي تصل إلى رصيف نيويورك،ثم يؤمن بيعها في نيويورك أو يرسلها إلى أوربا والشرق.
    كان جون يذيع في كل مكان أن "ستاندرد"هي "نقابة المساهمين"الذين يقومون بتصفية البترول،ولكنه عمل في الواقع،تدريجيا على احتكار كامل الإنتاج مع التصفية.
    وهكذا استمر توسع"ستاندارد - أويل"حتى عام 1882،حيث كان جون وشركاؤه يحققون أهدافهم دائما عن طريق القوة أو التخويف أو الإقناع. وإذا خطر ببال أحدهم أن يصمد في وجههم،فإن تجارته تسحق بشتى الطرق والوسائل المشروعة وغير المشروعة،كما ترفض شركة الخطوط الحديدية نقل بتروله فيضطر للخضوع والانصياع في نهاية المطاف. ولم تمض سنوات،حتى ذاع صيت روكفلر وشركاؤه في كافة أنحاء بنسلفانيا و أوهايو كإقطاعيين أنذال ومصاصين للدماء.
    إلا أنهم كانوا دائما يجدون الحلفاء بين أولئك الذين يحسدونهم ويعجبون بهم في قرارة نفوسهم. وفي شهر نيسان (أبريل) من عام 1874،نجح الشريكان المتواطئان في إقناع اثنين من كبار منافسيهم في حقل التصفية : و.ج. واردن من فيلادلفيا،و كهارت من بيتسبورغ،لشراء شركتيهما كما فعلا في كليفلاند. كانت حجتهما مقنعة : ففي عام 1873،حققت ستاندرد أرباحا بلغت مليونا من الدولارات،مما رفع رأسمال الشركة إلى 2.5 مليون دولار. وهكذا تم توقيع الاتفاق،وشكل الأربعة جمعية سرية للتعاون والتآزر في المناورات المقبلة.
    نجحت العملية أذن،وفي آذار (مارس) من عام 1875،رفعت شركة "ستاندرد"رأسمالها إلى 3.5 مليون دولار.
    كذلك أصبحت شركات الخطوط الحديدية هي الأخرى تحت رحمة هؤلاء الزبائن الذين لا يستغنى عنهم. وفي عام 1877،اشترى جون بمبلغ 3.400.000 دولار ممتلكات أكبر شركة خطوط أنابيب يمكن أن تنافس القطارات. دفع هذا المبلغ من ضريبة خاصة،بقيمة 25 سنت على الغالون الواحد،فرضت على جميع مصدري البترول في نيويورك.
    في هذه الأثناء،أجبر جون شركات الخطوط الحديدية،التي دمرها تنافسها غير المعقول،على الانضمام إلى مؤسسة تقدم الجنوب،وهي اتحاد احتكاري آخر لكبار المسؤولين عن تصفية البترول،سيفرض عليها تخفيضات هامة في أجور النقل.
    أخيرا،انفجرت الفضيحة،وعمدت الدولة إلى حل هذه المؤسسة الاحتكارية،كما فرضت تعرفات متساوية بالنسبة لنقل النفط. إلا أن هذا الإجراء جاء بعد فوات الأوان : خلال ثلاثة أشهر فقط،نجحت "ستاندارد"في إفلاس كثيرين من المنتجين وضمت إليها 22 من أصل 25 مصفاة موجودة في كليفلاند،أي ربع الطاقة الأمريكية كلها! .. بهذا أصبحت تقوم وحدها بتصفية 33 مليون طن من مجموع الإنتاج الأمريكي البالغ 36 مليون طن،كما احتكرت التوزيع والتصدير إلى أوربا وآسيا.(..) أما شركة ستاندارد أويل،فقد طبقت وسائل ومبادئ تنظيمية صارمة،جدا : التمويل الذاتي،والعقلانية. في كل عام،كان يعاد استثمار نصف الأرباح،وفي عام 1882،وصل رأس المال إلى 70 مليون دولار. وقد رافق عملية إزاحة المنافسين دمج كامل ومتواصل : تخفيض سعر الكلفة نتيجة وضع تقنيات جديدة للتصفية،مركزية المشتريات،تخزين الناتج الخام،النقل المجمع،التوزيع والتصدير.
    تصدى جون لجميع أصحاب شركات التصفية الأخرى ولكل من كان يعمل في صناعة البترول من قريب أو بعيد في أمريكا. كان يقول لكل واحد من هؤلاء :
    - أعرض عليك مساهمة في شركتي مقابل أملاكك. إن هذا في مصلحتك فلا تدع الفرصة تفوتك!
    كان الكثيرون يقبلون ويربحون. ولعل خير مثال على ذلك جون أرشبولد العدو اللدود لمؤسسة التقدم الآنفة الذكر،والذي عينه روكفلر رئيسا لشركة ستاندارد. بهذا الأسلوب،ولدت الشركة الجديدة المعروفة باسم "ستاندارد أويل أوف كاليفورنيا"( SOCAL) درّة إمبراطورية روكفلر.
    وفي عام 1882،أصبح جون روكفلر،وهو لم يتجاوز الثالثة والأربعين من العمر،والذي أقام في مكتبه المتواضع : 26 – شارع برودوي في نيويروك،سيّد أكبر شركة متحدة في العالم. أما الحماية اللازمة،فقد ضمنها عن طريق عدد كبير من الأصدقاء والحلفاء السياسيين،الماثلين في كافة الهيئات التشريعية والأحزاب والإدارات. كما كانت تحيط به نخبة مختارة من المحاميين الذين يتقاضون الرواتب الضخمة،والذين كانوا جاهزين دائما لسدّ الثغرات وتدارك الأخطاء.){ص 18 - 22}.
    ثم تحدث المؤلفان عن ظهور أول تهديد لاحتكار "ستاندارد" .. (من روسيا،ومدينة باكو الجبلية وشبه المجهولة آنذاك،على سواحل بحر قزوين،سيظهر أول تهديد جدي لاحتكار شركة ستاندارد أويل العالمي.
    ففي جنوب روسيا،كان البترول قريبا من سطح الأرض منذ زمن بعيد،وبخاصة في أذربيجان،حيث كانت الشعلات الصغيرة،التي يغذيها البترول،تذكي"النار الأبدية"في هياكل "زاردشت"المنتشرة هنا وهناك. وكان الفلاحون يحفرون بأيديهم آبارا صغيرة يخرج منها "الزيت الصخري"الذي كانوا يستخدمونه لتزييت عرباتهم القديمة.
    كان يقال أن الصينيين عرفوا قديما،قبل الألف سر"الزيت الصخري"الذي ضاع في مذبحة إحدى الغزوات.
    بعد الفتح العربي،استخدم "خانات"باكو البترول كوسيلة للإنارة،ويقال أن خيامهم كانت دائما ساطعة. وعندما تخلوا عن بداوتهم،أقاموا قصورا ما زالت أطلال بعضها موجودة حتى اليوم،كما كانت زخارفها من الرخام المستورد،والأثاث من لبنان،والبورسلين من بلاد فارس،والذهب من قبرص،والإضاءة بواسطة البترول.
    سمع القيصر بسر الضوء لدى خان باكو،وفي عام 1806،قرر الكسندر الأول غزو المدينة. (..) كانت المواصلات بطيئة فلم يصل الجيش إلى باكو إلا في عام 1807،حيث قام الخان حسن بإغلاق أبوب المدينة،ثم فرّ متخفيا عن طريق بحر قزوين على متن زورق للصيد.
    منذ ذلك الحين لم يسمع أحد بهذا الخان الذي اختفى معه سر البترول. وعندما جاءت القوافل الفارسية كعادتها لكي تشتري السائل الثمين،لم تجد شيئا،وعادت فارس إلى استخدام الشمعة من جديد.
    بعد فترة من الاحتلال العسكري الروسي،عهد بمنصب خان باكو إلى حاكم ذكي عرف كيف يحصل من السكان على سر "السائل الذي يشتعل"،فأخذ منه عينات أرسلها إلى القيصر مع تقرير مفصل.
    عكف أساتذة جامعة سان – بيتر سبورغ البارزون على دراسة العينات وتحليلها في مخابرهم بعناية واهتمام. وأخيرا رفعوا إلى القيصر التقرير التالي :
    "إن البترول سائل معدني ليست له أية فائدة تذكر. وهو بطبيعته يبعث رائحة كريهة،ولا يعرف له أي استخدام مفيد سوى تشحيم دواليب العربات".
    بهذا حسم الأمر،فقام حاكم باكو بتأجير الأراضي البترولية لرجل أرمني لمدة عشر سنوات مقابل بضعة آلاف من الروبلات،فجاءت الصفقة خاسرة وعاد الرجل إلى بلاده بخفي حنين.
    في نهاية عام 1860،وصلت الأخبار إلى الروس أخيرا عن الضجة الهائلة التي أحدثها البترول في أمريكا. وفي عام 1870،وصلت إلى القوقاز أول حفارة بخارية أمريكية،واستطاع الخبراء الأمريكيون تفجير النفط بسرعة وسهولة على عمق 35 مترا.){ص 24 - 36}.
    بعد ذلك قام القيصر،بتوزيع بعض الأرضي على وزرائه،وتم بيع البقية،بمبلغ 6 ملايين من الروبلات الذهبية .. (كان معظم المشترين من الأرمن و التتر والقوقازيين. ولم يلاحظ أحد بين المشترين آنذاك وجود أخوين سويديين يسكنان سان – بيتر سبورغ،وهما روبرت ولويس نوبل.
    منذ عام 1874،بدأ الأخوان نوبل يستثمران أراضيهما. وفي عام 1875،أخذت أول مصفاة لهما تعمل في باكو،حيث حصلا على مرآب كبير للعربات – الخزانات،كما احتكرا النقل من باكو إلى بحر البلطيق.
    جاء النجاح سريعا،وخلال بضع سنوات،كان الملاكون {هكذا} الصغار يزرعون المنطقة بالآبار،ولكن الفوضى كانت سائدة بشكل مريع،كذلك كانت ملايين الأطنان من البترول تضيع على سطح الأرض أو تصب في البحر،والحرائق مستمرة تلتهم الحقول.
    كان عمال الآبار،من التتر أو الجورجيين،يعاملون كبهائم : غذاء سيء،عمل شاق لمدة 16 ساعة في اليوم (..) كان معظم أرباب العمل من الأرمن أو القوقازيين يحققون أرباحا طائلة يبذرونها في العربدة والتهتك،والأبنية المترفة دون حساب. أما أكثر هؤلاء بذخا فهو الأرمني "الكسندر منتاشيف Mantacheff"(وهو اسم يجب حفظه).
    إلا أن آبار آل نوبل كانت تدار بشكل أفضل لحسن الحظ،حيث يعمل العمال في شروط لائقة تتناسب مع كرامة الإنسان.(..) لنقل البترول توصل آل نوبل،عن طريق الرشوة،إلى احتكار كامل العربات – الخزانات المتوفرة في روسيا.ثم ما لبثوا أن أقاموا خطا من الأنابيب لإيصال البترول حتى محطات القطار،ومن هناك كان يعبأ في العربات – الخزانات ويوجه إلى "ريغا"التي تبعد 5000 كم.
    في أحد الأيام،وصل من باريس أحد أفراد أسرة روتشيلد الفرنسيين،حيث زار حقول النفط ولاحظ أن النقل بواسطة القطار إلى شمال روسيا كان باهظ التكاليف. لذلك أعلم باريس بالأمر،وحصل على الأموال اللازمة،ثم عمد فورا إلى بناء خط أنابيب من باكو إلى باطوم،المرفأ الواقع على البحر الأسود. ومن هناك،كان البترول ينقل في خزانات السفن إلى ترييستا التي أقام فيها خزانات ضخمة للحفظ.
    وهكذا استطاع،خلال بضع سنوات،تغيير وضع البترول الروسي بكامله،بعد أن فتح أمامه منافذ هائلة،وأرغم آل نوبل على التعامل مع آل روتشيلد. فاختصر الطريق على هذا النحو،وبشكل لم يعد للشتاء الروسي القاسي أي تأثير على تدفق النفط،وفّر الكثير من الوقت والمال،مما أرغم آل نوبل على استخدام هذا الخط مقابل التخلي عن بعض الأسهم لآل روتشيلد.
    منذ عام 1885،أصبحت روسيا تصدر سنويا إلى أوربا عشرة ملايين طن من النفط،مما جعلها منافسة كبيرة وخطيرة لشركة ستاندارد – أويل. في الحقيقة،كان آل روتشيلد بعيدي النظر،يتطلعون إلى السوق الآسيوية التي كانت وقفا عليهم دون سواهم.){ ص 27 – 29}.
    وفي الطرف الآخر من العالم،في أندونيسيا،استطاع رائد متحمس هولندي،يدعى"ج.ب.أوغوست كيسلر"(39 عاما) أن يفجر البترول في جزيرة"سومطرة،على الساحل الشرقي،مقابل ماليزيا"بينانغ". لذلك أسس،سنة 1890،الشركة الملكية الهولندية للبترول برأس مال بلغ 1.2 مليون فلوران. بدأ الإنتاج الفعلي سنة 1894،ولكنه وجد نفسه فورا أمام مشكلة السيولة التي حاول حلها عبثا في باتافيا أو سنغافورة. وكان على وشك التخلي عن مشروعه عندما أنقذه"هنري ديتيردنغ"وقدم له العون اللازم.(..) قابل كيسلر وأدرك فرا، طموحاته وضيق يده. في عام 1897،غادر سومطرة مع زوجته وابنته البالغة من العمر سنتين متوجها إلى لاهاي،حيث استلم منصب رئيس الشركة. في العالم التالي،ظهرت صعوبات جديدة : نضب البترول وانهارت أسهم الشركة الملكية الهولندية.
    عثر كيسلر على النفط من جديد في أرض مجاورة،ولكن الكمية لم تكن بقدر الآمال. وفي شهر كانون الأول(ديسمبر) من عام 1900،ساءت حالته الصحية أمام خيبة آماله،فمات تاركا العنان في يد ديترنغ. درس آل روتشيلد وضع هذا الرجل واشتروا 10 % من أسهم الشركة الهولندية){ص 29 - 30}.

    إلى اللقاء في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله.
    س/ محمود المختار الشنقيطي ((سفير في بلاط إمبراطورية سيدي الكتاب))
    Mahmood-1380@hotmail.com

  3. #3
    قبل الحلقة : وصلتني هذه النكتة - أو القصة الواقعية - اليوم .. ولم أسمعها من قبل ... رغم أنها تنتمي إلى فصيلة (الطالب : علي - نطقا - حَسَنْ سلّوكة ..

    النكة / القصة :

    ‏​‏​قصه واقعيه روتها احدى الزوجات (معلمه )بعد ان تعبت من جمود زوجها معها وبخله العاطفي قررت ان تكون المبادره منها
    بالحركات الرومانسيه ..
    فقامت بتغليف هديه جميله
    وقامت بوضع بطاقه مكتوب عليها
    [ صباح سعيد ]
    ووضعتها بجانب سريره وذهبت للدوام

    وعندما استيقظ وجد الهديه
    فبادر بالاتصال عليها
    وقال :'
    اقول يالبقره تراك نسيتي هديه الطالبه
    اللى اسمها صباح سعيد !


    الجانب الخفي من تاريخ البترول : جاك .. و جان .. "3"من شرق آسيا إلى غربها .. (في بلاد فارس،ظهر رجل إنكليزي يدعى وليام كنوكس دارسي ،الذي كان قد جمع ثروة من مناجم الذهب في أستراليا،فنجح في 28 أيار من عام 1901 في الحصول على امتياز خاص للتحكم بالنفط لمدة ستين عاما (استخراجا وتوزيعا) في هذه الإمبراطورية،باستثناء الأقاليم الشمالية التسعة. بلغت مساحة هذه الأرض 770.000كم2 ،أي مساحة فرنسا وبلجيكا وهولندا واللوكسمبورغ وسويسرا مجتمعة. أما ثمن هذا الامتياز الهائل،فكان 20.000 جنيه تدفع نقدا،زائد 20.000 سهم بقيمة جنيه للسهم الواحد في الشركة الجديدة"النفط الفارسي"(Persian Oil) بالإضافة إلى 16% من الأرباح السنوية الصافية.
    فور توقيع العقد،كلف دارسي عالما جيولوجيا لامعا،يدعى ب.ب. رينولدز ،بأن يحفر لصالحه في القسم الغربي من الامتياز،إلا أن السنوات الأولى لم تكن مثمرة رغم التكاليف التي بلغت 250.000 جنيه.
    عندئذ لجأ دارسي إلى آل روتشيلد يطلب منهم العون،ولكنهم رفضوا لأنهم كانوا ملتزمين في أماكن أخرى،ولم تكن بلاد فارس ضمن اهتمامهم. إلا أن الرجل لم ييأس،إذ كانت له صلات كثيرة،فاتصل بشركة صغيرة تدعى"بورما أويل"،كانت تنقب عن النفط في بيرمانيا لصالح البحرية الملكية.
    شجعت الحكومة البريطانية التقارب بين دارسي واللورد"ستراثكونا"رئيس شركة "بورما أويل". كان هذا الأخير اسكتلنديا عصاميا،جمع ثورة من تنفيذ الخط الحديدي"الباسفيك الكندي".
    بدفع من دارسي وستراثكونا،نجح رينولدز أخيرا،يوم 26 أيار 1908،في العثور على عمق 15 م من سطح الأرض على الطبقة الصالحة من البترول الذي سيغير مصير هذا البلد كله.
    هكذا ظهر البترول في مختلف أنحاء العالم تقريبا. لذلك سيبدأ الصراع بين عمالقة المهنة على صعيد النقل بشكل خاص.
    في عام 1891،اتصل وكيل آل روتشيلد في لند بالأخوين صموئيل (..) وهما من مستوردي الصدف،يملكان أسطولا صغيرا كان يأتي بالصدف من لشرق الأقصى(..) وقد عرض عليهما أن يحملا في الذهاب البترول الروسي الذي يريدون بيعه في آسيا.
    قبل ماركوس صموئيل أن يصبح وكيلا عاما للشركة البترولية (BiTNo)،التابعة لآل روتشيلد،بالنسبة لروسيا. لذلك عمد إلى إنشاء ناقلة نفط خاصة بحمولة 5010 طن،تتفق مواصفاتها مع معدلات شركة السويس (موريكس)،أصبحت تنقل النفط عبر قناة السويس،وكانت أول ناقلة من هذا النوع عبرت القنال في عام 1893. أخيرا،أوعز الأخوان صموئيل ببناء تسع ناقلات للنفط دفعة واحدة.(..) فشلت كل الجهود التي بذلت من قبل شركة ستاندارد لمنع الأخوين صموئيل من حق المرور عبر قناة السويس. ومن الجدير بالذكر أن الأسطول الجديد أصبح يسمى"شل"،ويحمل الصدفة كشعار،لأن كلمة Shell تعني "الصدفة".(..) في عام 1897،أقام ماركوس صموئيل في لند "شركة شل للنقل والتجارة"،التي تخصصت في نقل البترول من روسيا إلى آسيا أولا،ثم من الولايات المتحدة إلى أوربا،لأنه توصل،في عام 1901،إلى عقد اتفاق مع العقيد"غافي"،الذي مر ذكره آنفا(من شركة غولف)،ساري المفعول لمدة 21 عاما،ينقل بموجبه وبسعر ثابت 100.000 طن من البترول سنويا.
    بدأت شركة ستاندارد،التي سلّم جون روكفلر زمامها لجون"أرشبولد"،تقلق من هذه المناورات الكبيرة،فاستدعى أرشبولد صموئيل إلى نيويورك وقال له :
    - هل تريد أن تبيعنا شركة شل للنقل مقابل 40 مليون دولار؟ علما بأننا مستعدون لأن نحدث فرعا مشتركا برئاستك.
    لم يجب الرجل على الفور،بل غادر إلى لندن،مقتنعا بأن المعركة ستكون قاسية،ولكن أمله في كسبها كبير إذا بقي سيدا على أرضه.
    كان أسطول صموئيل يتألف من ثلاثين ناقلة نفط في عام 1902. وكان يتنازع السوق الألمانية مع ديتردنغ وروكفلر،والسوق الآسيوية مع روكفلر بالتحالف مع تيتردنغ الذي كان يدافع عن نفسه ضد قيام شركة ستاندارد بإغراق الأسواق بصورة وقحة. (..) فضل { صموئيل} دعم الفتى ديتردنغ الذي بدا له سهل الانقياد،فأحدث فرعا مشتركا بين آل روتشيلد،والشركة الملكية الهولندية وشل للنقل،أطلقت عليه اسم (شركة البترول الآسيوية" التي جعلت تسويق البترول في الشرق مركزيا تحت الإدارة الفعلية لهنري ديتردنغ.
    بهذا قام صموئيل برهان جيد،ولكنه لم يقدر جديا الإمكانيات الحقيقية لشريكه الجديد الذي يصغره بثلاثة عشر عاما.
    كان اهتمام ديتردنغ آنذاك منصبا على احتكار الشركات البترولية الصغيرة لجرز الهند النيرلاندية : دوردتش،مويرا إينايم،نيدر ندش،تاراكان،وسومطرة.
    في الوقت نفسه، كما رأينا سابقا،بدأت آبار شركة غولف في تكساس تنضب ولم تعد تسمح لهذه الشركة باحترام التزامها بــ 100.000 طن سنويا مع شركة شل للنقل. لذلك حضر إلى لندن،للتفاوض مع صموئيل،أندرو ميلون،الذي أبعد غافي واستلم منه رئاسة شركة غولف. نجح ميلون في مهمته،وقبل صموئيل إلغاء العقد.
    اكتفى صموئيل بتحويل ناقلاته في الأطلسي لنقل المواشي،إلا أنه نجح على الصعيد السياسي،حيث أصبح اللورد – العمدة للعاصمة لندن،وتحول اهتمامه للتمتع بثروته وأمجاده.
    وعندئذ صعّد روكفلر النضال،فأبعد "شل"عن السوق الألمانية،ثم أخذ يغرق آسيا وأوربا بالفائض الأمريكي وبأسعار زهيدة.
    كذلك حاول ماركس صموئيل بدوره التعامل مع روكفلر ففشل. لهذا وجد عمدة لندن السابق نفسه مضطرا للقبول بشروط ديتردنغ القاسية. عرض عليه هذا الأخير أن يشتري منه 50% من حصته في شركة شل بحوالي 150% من قيمتها في البورصة. وهكذا ولدت شركة"شل الملكية الهولندية"سنة 1907 : 40% من الأسهم لصموئيل والإنكليز،60%لديتردنغ والهولنديين،بمن فيهم كيسلر الابن،ولكن 10% ذهبت لآل روتشيلد الذين قبلوا باقتراح ديتردنغ واقتنعوا بعدم ذكر اسمهم.(..) في بحث جون روكفلر و ستاندارد الدائم عن منافذ جديدة،خطرت ببالهم فكرة عبقرية : بما أن الصين هي أكثر بلدان العالم سكانا (400 مليون نسمة آنذاك)،فقد صنعوا 500.000 مصباح تضاء بالبترول،ثم وزعوها كهدايا على كافة المسؤولين في هذا البلد،بعد أن قدموا معها،كهدية أيضا،كمية قليلة من النفط. بهذه الطريقة نشأت الحاجة الصينية إلى البترول.
    خلال الأشهر التالية،عوّض سعر النفط هناك بسرعة كلفة المصابيح ومئات ألوف الغالونات التي قدمت مجانا في البداية.
    وقد نجحت هذه الطريقة لدرجة جعلت ستاندارد تكررها في كل من أستراليا وأفريقيا الجنوبية والأرجنتين.
    إلا أن التنافس العالمي ازداد في الوقت نفسه.){ص 30 - 36}.
    بطبيعة الحال لا يسأل أحد وأين نحن؟! إذا يبدو أننا لم نكن على الخريطة .. أو أننا لم نكتشف بعد!!!
    على كل حال .. (بين عامي 1904 و 1906 رفعت ضد ستاندارد عشرون دعوى بتهمة عرقلة حرية التجارة وتزوير آلية السوق. في الواقع،كان هذا يحدث فعلا في الخفاء عندما كان جون روكفلر يرفع الأسعار هنا وهناك،أو يخفضها لأقل من سعر الشراء حسب الحاجة والمنافسة والأهواء،دون أي وازع أو شفقة. فالذين يجعلونه يحقق ربحا بتخفيض أسعار الكلفة لشركة ستاندارد،كانوا يضمنون الثروة.أما الذين يزعجونه فكانوا يسحقون دون هوادة. في مطلع القرن العشرين،كان روكفلر الرجل الملعون والبغيض بحق في الولايات المتحدة كلها.
    لم تستطع ستاندارد كسب كافة الدعاوى،وبخاصة في شهر تشرين الثاني عام 1909،حيث منعت الشركة من العمل في ولاية تكساس بحكم صدر ضدها من قبل محكمة العدل في سانت لويس. وعندما استأنف الحكم،قررت المحكمة العليا،في 15 أيار 1911،حل التروست وتوزيع أسهمه على 70 شركة مساهمة.
    في الواقع،كان الرئيس تيودور روزفلت من أشد خصوم هذا التروست الاحتكاري. لذلك جاء هذا القرار نصرا شخصيا له.){ص 36 - 37}.
    ذلك القرار لم يغير الأمور كثيرا،أو لم يغير من سيطرة روكفلر – والذي فكر في عمل استفتاء،حول :"من هو الرجل المكروه أكثر من سواه في الولايات المتحدة"؟ وحصل على حوالي 40% من الأصوات،أي أكثر من مجرمك شيكاغو الذي طال الحديث عنه في ذلك العام،والذي قتل ست نساء شابات على التوالي!! ص 43 - .. (كان جون روكفلر قد أصبح ماهرا في الألاعيب المالية،ولم يعد باستطاعة المحكمة العليا تجميده أو تحجيمه بمجرد قانون ضد الاحتكار.
    في علم 1900،كان يسيطر على ستاندارد بواسطة 42.9 % من الأسهم،بينما يمتلك خمسة عشر من أصدقائه أو شركائه 39.5% من الأسهم المتبقية.{أي 82.4% }
    وعندما تضاءل عدد "المتواطئين"هؤلاء في عام 1911،اكتفى روكفلر بـ24.9% مع عشرة شركاء يمتلكون 37.7% {أي 62.6%} ينما وزعت الأسهم الباقية،أي 37.4% على 6000 مساهم. وقد كان هؤلاء متمسكين جيدا بشركة ستاندارد هذه،التي كانت الأرباح السنوية التي توزعها عليهم تتراوح بين 20 – 27%.(..) هكذا اختفى"التروست"الاحتكاري خلال أشهر،ولكن روكفلر،الذي فقد شركاءه وحولهم إلى مستشارين خاصين،أصبح السيد الوحيد لإمبراطورية مجزأة في الظاهر.){ص 40 - 42}.
    قبل ذلك تحدث المؤلفان عن بداية تطوير الصناعة البترولية،والذي بدأ .. ( في عام 1883،عندما اخترع"داملر"المحرك الانفجاري،وقد عرض "سيرك"بارنوم الشهير آنذاك،عبر العالم،سيارة داملر وصديقه "بنز"فما لبث عدد السيارات في فرنسا،بعد عشرة سنوات،أن أصبح 200 سيارة،ثم 3000 في عام 1900،و 53000 في عام 1910،و 607000 في عام 1914.
    ازداد عدد سباقات السيارات،وفي عام 1910،جاء سباق باريس – نيويورك ليتوج هذه السباقات.
    منذ بداية القرن الحالي،بدأ قتال العمالقة بين جميع أسماك القرش الكبيرة هذه للحصول على موارد جديدة للتموين،وبالتالي للسيطرة على الأسواق العالمية. كانت كل الوسائل والضربات مسموحة،وأصبحت أوربا الغربية،التي لم تكن تؤمن بغير الفحم (باستثناء إنكلترة)،الحلبة الرئيسية للصراع. (..) كانت فرنسا مثلا،بالنسبة لكبار رجال النفط،سوقا مفتوحة،رغم استثمار البترول في الألزاس منذ عام 1498{هكذا}. وفي عام 1745،أدى فتح أول بئر إلى صدور كتاب براءة من الملك لويس الخامس عشر،منح لشركة بيشل – برون.
    في عام 1853،وفي كولمار،توصل الألزاسي غوستاف – أدولف هيرن إلى نوع من الزيت الرخيص المستخرج من النفط،وفي عام 1857،وقبل دارياك،توصل البروفسور هوناوس،من مدرسة البوليتكنيك في هانفور،إلى القيام بحفر ميكانيكي بواسطة أنابيب من قياس 4.8 و 10 بوصات. كما بدأت مصفاة بيشل – بورن الصغيرة عملها بعد ذلك بقليل في عام 1857.
    إلا أن الفرنسيين فضلوا الأسهل،وقبلوا بالاستعمار البترولي الأجنبي،لذلك أصبحت فرنسا،في عام 1914،خاضعة بشكل كامل للخارج فيما يتعلق بتموينها بالبترول.
    أما إنكلترا فقد ناضلت بشدة للحفاظ على استقلالها.){ص 37 - 39}.



    إلى اللقاء في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله.
    س/ محمود المختار الشنقيطي ((سفير في بلاط إمبراطورية سيدي الكتاب))
    Mahmood-1380@hotmail.com

  4. #4



    الجانب الخفي من تاريخ البترول : جاك .. و جان .. "4" + القباب الاشهر في العالم


    محمود الشنقيطي


    الجانب الخفي من تاريخ البترول : جاك .. و جان .. "4"في هذه الحلقة نبدأ بحديث المؤلفين عن أحد (الديناصورات) – كما سمياه – وهو الأرمني "كالوست غلبنكيان" .. (الذي ولد في سكوتاري،بالقرب من القسطنطينية،سنة 1869 (..) تعلم كل ما يلزمه معرفته عن البترول،من تقنية وتحويل،كما أدرك جيدا مدى الأرباح التي يمكن تحقيقها في هذا الميدان.
    استمر عمله في باكو،لدى مانتاشيف،مدة سنتين،غادر بعدهما إلى القسطنطينية في عام 1891،حيث نشر مذكراته في العاصمة التركية مع دراسة حول البترول القوقازي،وذلك في "مجلة العالمين"بهدف حث الشباب على الذهاب إلى هناك ولكن دون جدوى. (..) حصل في عام 1902 على الجنسية الإنكليزية. (..) في عام 1908،علم الأميرال السابق الأمريكي،كولبي شيستر،الذي أصبح ملحقا بحريا للولايات المتحدة في تركيا،بظهور البترول في منطقة كركوك،قرب الموصل،في العراق،فحصل عن طريق الرشوات على عدة "فرمانات"من السلطان تخوله حق الاستثمار على كافة أراضي الإمبراطورية العثمانية. إلا أن خلع السلطان عبد الحميد ألغى هذه الفرمانات بعد أن قام كولبي شيستر بإنشاء شركة أمريكية – عثمانية للتطوير.(..) في تلك المرحلة،كان اهتمام أصحاب المصارف الإنكليزية كبيرا بالأعمال والشؤون التركية التي تهافت عليها الطامعون من كل حدب وصوب. فأوفدوا أحد رجالهم،السير إرنست كاسل،الذي رجع و في جعبته إنشاء مصرف إنكليزي في القسطنطينية. وقد وضع هذا المشروع موضع التنفيذ باسم المصرف الوطني التركي.
    عندئذ اتخذ السير إرنست الأرمني غلبنكيان كمستشار،فنصحه هذا بالاهتمام ببترول كركوك بدلا من الأعمال المصرفية،مؤكدا أن من السهل إزالة عقبة شيستر من الطريق.
    وهكذا كان غلبنكيان وراء تشكيل شركة جديدة،"الامتيازات الأفريقية والشرقية"،فاقترح على السير إرنست أن يضم مطالبه إلى مطالب الألمان بصورة مشتركة،ثم أقنعه بتوزيع حصص الشركة على النحو التالي :
    20.000 للمصرف الألماني
    28.000 للمصرف الوطني التركي (إرنست كاسل)
    32.000 للأرمني غلبناكيان.
    ثم توجه إلى القسطنطينية حيث وزع"البخشيش"على جميع الموظفين الأتراك،من البواب إلى الباشا. هكذا توصل،خلال أقل من عام،سنة 1912،إلى إعطاء كافة حقوق التنقيب عن النفط على جانبي سكة حديد القسطنطينية – بغداد للشركة الأفريقية و الشرقية،التي أصبح اسمها شركة لبترول التركية.
    عندئذ وقع حادث مفاجئ : فونستون تشرشل الذي كان يخشى شركة شل،كما أسلفنا،أراد بكل ثمن أن تحصل الشركة الإنكليزية – الفارسية على الامتيازات البترولية في بلاد ما بين النهرين،التابعة سابقا لشيستر،ومحط أنظار غلبنكيان وشركة البترول التركية.
    ضغط اللورد الأول للأميرالية "باسم قصر باكاغنهام"على الإنكليز،وجعل السير إرنست يتنازل عن حصصه (28000) للشركة الإنكليزية – الفارسية.
    ما كاد ديتردنغ يعلم بهذا النبأ حتى استبد به غضب شديد،ولكن غلبنكيان نجح في تهدئته : فهو على الأقل لن يتخلى مطلقا عن حصصه للإنكليز. بل ذهب الأرمني أبعد من ذلك،فباع لديتردنغ 8000 سهم من أسهمه الـ 12000 {يفترض أن الأرمني يمتلك 32 ألف سهم!!!} (..) في هذه المغامرة خسر الأمريكان كل شيء،لأن الوزير التركي سعيد حليم باشا،اعترافا منه بفضل من كانوا أكرم في العطاء،عهد في 28 حزيران 1914،للشركة التركية للبترول وحدها بالامتيازات النفطية في بلاد ما بين النهرين.
    وهكذا أعد الأميرال الأمريكي شيستر حقائبه واستعد للرحيل في نفس اليوم الذي جرى فيه اغتيال الأرشيدوق في سراييفو،الحادثة التي ستغير وجه العالم.){ص 44 - 49}.
    تحدث المؤلفان بعد ذلك عن النفط في المكسيك،وأمريكا اللاتينية بشكل عام،ودور أمريكا .. (على صعيد أعم،خنقت الولايات المتحدة المكسيك وأمريكا اللاتينية كلها اقتصاديا،وفرضت عليها متطلبات جائرة. وهكذا يمكن القول أن المكسيك أصبحت خاضعة للإمبريالية الأمريكية الاقتصادية اعتبارا من عام 1900.
    ومن الجدير بالذكر أن الشركات البترولية لم تكن تكتفي بعدم دفع أية ضريبة،بل كانت تحدد الأجور وشروط العمل على هواها دون أي رادع أو رقيب،أما الأمن في المؤسسات والحقول،فكان معدوما : فحوادث الانفجارات أو الحرائق في الآبار كثيرة،والضحايا من العمال يقتلون بالعشرات دون أي تعويض.
    ففي 4 تموز (يوليو) 1908،حدثت أكبر كارثة في تاريخ البترول،بالقرب من "تامبيكو"في أحد حقول شركة"أغويلا"حيث اندلع حريق هائل في بئر"دوس يوكاس"ظل مشتعلا لمدة 59 يوما،فضاعت في الهواء أكثر من 2.5 مليار لتر من البترول،مع عدد كبر من القتلى لم يعرف بشكل دقيق.){ص 51}.
    إبان الحرب العالمية الأولى،ظهرت أهمية البترول،فالدبابات والطائرات تلتهم كميات هائلة منه،لذلك .. (ستتدخل الدول كسيدة تعلو سلطتها،هذه المرة،،فوق سلطة الديناصورات الذين تحدثنا عنهم حتى الآن من أرباب النفط.
    ففي تركيا أولا،تم تجميد امتياز الشركة البترولية التركية حتى عام 1918،بسبب الحرب.إلا أن هذا لم يمنع الحلفاء الغربيين الكبار،وبخاصة فرنسا وبريطانيا العظمى،من رسم خططهم لما بعد الحرب. فرنسا التي كانت تملك أقوى جيش تم زجه في الحرب،قد اكتسبت الحق في"فيردان" للتعبير عن نواياها.
    لذلك اتفقت باريس ولندن،منذ 19 أيار 1916،على تقسيم الإمبراطورية العثمانية قبل انهيارها بعامين (اتفاقيات سايكس بيكو) . تضمنت الاتفاقيات،فيما تضمنته :
    - تشكيل اتحاد عربي (سورية + بلاد ما بين النهرين من دمشق للموصل) تحت الحماية الفرنسية.
    - تشكيل العراق تحت الحماية البريطانية.
    مرة أخرى خرج الأمريكيون هنا أيضا خالي الوفاض بعد أن استبعدوا من هذه الصفقة واحتجوا عليها دون طائل.
    إلا أن الإنكليز لم يضيعوا الوقت عبثا : إذ بينما كان الفرنسيون يقفون أمام القوات التركية الرئيسية في سالونيك والدردنيل،عمل "توماس لورانس"من المكتب العربي في القاهرة،على إثارة العرب بعد أن وعدهم بالممالك،كما أرسى مع الأمير فيصل،بعد دخول دمشق قواعد عراق المستقبل. وفي الوقت نفسه،كان الجنرال "أللنبي"يقوم بإنزال في الخليج العربي،فيحتل بغداد ثم المناطق البترولية في كركوك والموصل،أي المنطقة المخصصة أصلا للفرنسيين.
    في هذه المغامرة0،لعبت لندن بمهارة : فغلبنكيان أصبح مواطنا إنكليزيا منذ عام 1902،كما اكتسب ديتردنغ الجنسية الإنكليزية منذ عام 1915،قبل أن يصبح نبيلا في عام 1919"لخدماته الجليلة أثناء الحرب". أما حصص المصرفي الألماني في الشركة التركية للبترول،فقد حجزت منذ خريف عام 1914 لتشكل الشركة الأنغلو – سكسونية للبترول. وهكذا أصبح بترول بلاد ما بين النهرين إنكليزيا 100% .
    في الواقع،لم يكن هناك،خلال الحرب العالمية الأولى،سوى مصدرين اثنين للنفط وهما : ستاندارد أويل والشركة الملكية الهولندية شل.
    في عام 1914،كانت الشركة الملكية الهولندية المنتج الرئيسي للبترول الروماني،الذي تابعت إرساله لألمانيا،عن طريق الدانوب،الأمر الذي أغضب الحكومية البريطانية بطبيعة الحال.
    وقد رد "ديتردنغ "على ذلك بقوله :
    - إنني هولندي،و"شل"هي شركة متعددة الجنسيات،وهولندا بلد محايد. أنا أستطيع أن أساعدكم في إنكلترة،ولكنني لا أستطيع شيئا تجاه ما يُقرر في لاهاي،البلد المحايد.
    فوافق الإنكليز على ذلك مرغمين. ولابد من التنويه هنا بأن ديتردنغ وعدهم بتزويدهم بالبترول أيضا،وبكميات تفوق ما كان يرسله إلى الألمان. وهكذا كانت شركة شل تمون المعسكرين،إلا أن البحرية الملكية لم تفتقد أبدا إلى المازوت. (..) كان من الصعب على الأمريكيين الاستمرار في المتاجرة مع أوربا وروسيا دون مخاطرة،لأن حرب الغواصات كانت على أشدها. لذلك ركزوا نشاطهم في قطبين : السوق الداخلية والمحيط الهادئ. (..) في مطلع شهر كانون الأول عام 1917،ورد تقرير خطير إلى مكتب عضو مجلس الشيوخ "بيرانجيه"ممثل فرنسا في لجنة الحلفاء للنفط،ينذر بنفاذ المخزون خلال الأشهر الثلاثة القادمة!
    وفي 6 كانون الأول،قام كليمنصو،رئيس الحكومة الفرنسية منذ 17 تشرين الثاني (نوفمبر)،بتوجيه برقية يائسة إلى رئيس الولايات المتحدة "ويلسون"،قال فيها :
    - "في معارك الغد،سيصحب البترول ضروريا مثل الدم".
    عندئذ تدخل ويلسون شخصيا لدى ستاندارد أويل،فاستأنفت الناقلات طريق الأطلسي.){ص 52 - 55}.
    في خضم التغيرات،حصل تغير آخر له تأثيره،وهو انهيار روسيا القيصرية في عام 1917،ووصول البلاشفة إلى الحكم... (كان ملك البترول الروسي هو"عمانويل نوبل"،الذي ولد سنة 1859 من أب يدعى لويس،مخترع هذه الآبار وابن أخ"ألفريد"،مخترع الديناميت.
    وعندما بلغ الثامنة والعشرين من عمره،سنة 1887،حل محل والده. ثم ما لبث أن حصل على الجنسية الروسية وتفرغ لتنظيم{هكذا} والتوزيع عبر روسيا،مطورا الاحتياجات المحلية عن طريق استخدام"وصفة"روكفلر: أي توزيع المصابيح النحاسية على الفلاحين.
    وعندما اعترضت الحكومة لأسباب صحية،لجأت مؤسسة نوبل إلى الحيلة والمال لإسكات قادة البحرية والجيش والخطوط الحديدية،فزالت العقبات جميعها بقدرة قادر.
    أصبح نوبل مستشارا لهيئة الأركان،ومستثمرا للدولة،في نفس الوقت الذي وضع فيه يده على 40% من منابع البترول في روسيا.
    رغم ثروته الطائلة،كان يعيش عيشة متواضعة. ومنذ نهاية القرن التاسع عشر،التفت نحو مسائل التصدير،فشكل،بمساعدة"بمسمارك"شركة بترولية روسية – ألمانية،كما توصل،بمساعدة آل روتشيلد في فرنسا،إلى عقد اتفاق مع ديتردنغ والمسؤولين عن شركة شل لتصدير النفط في المحيط الهندي.){ص 56 - 57}.
    بعد ذلك أممت شركات البترول،سنة 1918- دون أي مقابل أو تعويض - وأصبح "نوبل"مطلوبا،مما اضطره للسير على الأقدام،مع بعض أفراد أسرته،حتى سلم نفسه للحرس الألماني.
    في ألمانيا .. (قام،في شهر تموز من عام 1920،ببيع حقوقه في 40% من البترول الروسي لوالتر تيغل،رئيس شركة إيكسون،لقاء 11.5 مليون دولار.
    أما حصصه الأخرى (60%) الموزعة بين شركاء كثيرين،منهم ديتردنغ وآل روتشيلد في فرنسا،فقد تعرضت لمضاربات دولية حامية الوطيس.
    أما ديتردنغ،الذي كانت حقوقه في البترول الروسي تقدر بحوالي 420 مليون فرنك ذهبي،فلم يكن من النوع الذي يقبل الهزيمة بسهولة ( أي قرار التأميم السوفيتي الصادر عام 1918). لذلك شجع الثورة المضادة التي أحرزت بعض النجاحات الخاطفة في باكو،ثم ما لبثت أن انحسرت.
    انهارت الأسهم إلا أن ديتردنغ كان يشتريها مجددا في كل مكان،وهو يضع نصب عينه هدفا مزدوجا : إما استعادة حقوقه عند انهيار النظام البلشفي،أو التفاوض حولها مع السلطات السوفيتية في أحد الأيام.
    لذلك رأينا أرباب البترول المعنيين،ديتردنغ،نوبل،مانتاشيف،روتشيلد،يمارسون الضغط على الحكومات الأوربية لكي تقوم بدعم الجيوش البيضاء وتحاول قلب النظام السوفيتي.
    كان الرئيس الأمريكي "ويلسون"يفضل ترك "البلاشفة"للزمن،بينما ظل تشرشل يلح على الفرنسيين لكي يشاركوا في النضال ضد هؤلاء القادمين الجدد.
    في الواقع،كان تشرشل بعيد النظر،لأنه توقع أن تؤدي انتصارات البلاشفة إلى مصالحة روسية – ألمانية،الأمر الذي لا بد أن يمهد السبيل أمام حرب جديدة ضد الغربيين .. وهذا ما حدث فعلا في عام 1939.(..) إلا أن الأربعة الكبار (الولايات المتحدة،فرنسا،المملكة المتحدة،إيطاليا)،وبعد مداولات كثيرة وسلسلة من أعمال التدخل المنفردة لصالح البيض (الأسطول الفرنسي في البحر الأسود،والإنكليز في باكو والقوقاز،ودعم المتمردين في جورجيا وأذربيجان) ،قرروا وضح حد لتدخلهم.{في الهامش : "في نهاية أيلول 1918،كان في روسيا 44000 رجل من قوات الحلفاء : 28000 ياباني،7500 أمريكي،1000 كندي،2000 إيطالي،1500 إنكليزي،1000 فرنسي. وقد ازداد تعدد اليابانيين فيما بعد إلى 75000 رجل. وبحجة قيام السوفييت ببدء المحادثات السلمية مع ألألمان،ادعى الإنكليز لأنسهم الحق في حماية مصالحهم في روسيا الجنوبية".} في نهاية عام 1919،ونتجية انسحاب الحلفاء،أصبح وضع البيض حرجا،فحلت "حكومة إيودينيتش"في شهر كانون الأول، واستقال الأميرال كولتشاك في كانون الثاني 1920،حيث سُلم للحمر وأعدم في 7 شباط. (..) في نهاية هذه المغامرة،حدث انقلاب شامل غير وجه صناعة البترول.).{ص 58 - 60}.
    وذلك ما سنراه في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله.
    س/ محمود المختار الشنقيطي ((سفير في بلاط إمبراطورية سيدي الكتاب))
    Mahmood-1380@hotmail.com

  5. #5
    الجانب الخفي من تاريخ البترول : جاك .. و جان .. "7"
    نبدأ هذه الحلقة بحديث يذكر بالسيارة الكهربائية التي وئدت – رغم حركة الانبعاث الحديثة – سابقا .. (في عام 1923،نجح النازح الروسي إيفان ماخونين في إنتاج نوع من المحروقات أقل كلفة من البنزين وغير قابل للاشتعال،وذلك انطلاقا من قطران الفحم الحجري والنفط الخام. وقد أعطت جميع التجارب نتائج إيجابية مؤكدة.
    استخدم هذا الإنتاج الجديد بنجاح من قبل الخطوط الحديدية الروسية على خط موسكو – بيتروغراد اعتبارا من 15 تشرين الأول 1919،وكذلك من قبل مخابر القوات البرية في"فنسين"،الشركة العامة لما وراء الأطلسي،شركات الطيران "Air-Union" (..) . ولكن السلطات الفرنسية لم ترد،أو بالأحرى لم تجرؤ على إقراره رسميا. وهكذا مات "ماخونين"مفلسا في عام 1973 في مأوى اللاجئين الروس في بلدة"غانبي"الفرنسية،لأن أحدا لا يستطيع الوقوف في وجه المصالح الفورية والبعيدة المدى للشركات الاحتكارية الكبرى.){ص 79 - 80}.
    ثم انتقل المؤلفان للحديث عن فترة ما بين الحربين،وفي تلك الفترة ..(كان الاتحاد الاحتكاري للبترول منشغلا بمسألتين تقلقانه :
    -الفائض في إنتاج النفط.
    -الموقف الواجب اتخاذه تجاه الدكتاتوريات الأوربية الجديدة.
    كان من السهل إبطاء استثمار الآبار الجديدة : وقد أعطيت التعليمات السرية فعلا لتأخير أعمال الاستثمار في كل من العربية السعودية والإمارات.
    إلا أنه كان من العسير منع الأمريكيين والإنكليز من متابعة نضالهما المستميت ضد بعضهما البعض. ففي أمريكا الجنوبية،وبتاريخ 29 حزيران 1932،دخلت الحرب كل من بوليفيا وباراغواي لنزاعهما حول ارض تبلغ مساحتها 165000كم2 ،وتدعى"شاكو الكبرى".(..) كانت بارغواي مدعومة من قبل أرباب النفط الأرجنتينيين والإنكليز،بينما كانت بوليفيا تستفيد من دعم أرباب البترول الأمريكيين.
    لم تتمكن عصبة الأمم من حل الخلاف،فسقط خلال سنتين 100.000 قتيل : 60.000 بوليفي،و 40.000 باراغوي،بالإضافة إلى 50.000 جريح من الطرفين.
    دفع هؤلاء التعساء دماءهم،بينما اقتسمت الشركات الكبرى الغنيمة حول مائدة خضراء. في الحقيقة،كانت الغنيمة ضئيلة : لأن احتياطي النفط البوليفي لا تتجاوز ضعف احتياطيات الأرض الفرنسة الأم.
    كذلك جاءت مواقف أرباب النفط أكثر نفعية تجاه الدكتاتوريات الأوربية : كان هتلر وموسوليني يسعيان جاهدين لتأمين استقلالية بلديهما من حيث الطاقة،وبخاصة بعد حربي أثيوبيا وأسبانيا.
    أما أرباب النفط،فلا يهمهم في كافة الظروف سوى البيع لمن يدفع أكثر.
    وبينما كان ديتردنغ يشجع هتلر والحزب النازي على استلام السلطة،قام"تيغل"من شركة"إسّو"،بعقد اتفاقيات هامة مع المؤسسة الألمانية "فاربن"في عامي 1927 و 1929.
    كيف جرت الأمور يا ترى؟ اتفقت الشركتان ستاندارد وفاربن على وضع حد للتنافس بينهما : بحيث تطلق أيدي"إسّو"في العالم بالنسبة للنفط باستثناء ألمانيا،بينما تطلق أيدي"فاربن"بالنسبة للكيمياء باستثناء الولايات المتحدة،على أن تضع كل شركة تحت تصرف الأخرى جميع براءاتها واختراعاتها (في ميدان البترول بالنسبة لفاربن،وفي حقل المنتجات الهيدروكربونية لإسّو).(..) وهكذا قدمت إسّو لفاربن براءات صنع الأتيل الرباعي الرصاص،الذي يسمح بصنع بنزين الطائرات (100 درجة من الأوكتان)،كما قدمت فاربن لشركة إسّو براءات صنع الكاوتشوك،مما أدى إلى تجميد البحوث في هذا المجال داخل الولايات المتحدة.
    كذلك ستلعب هذه الاتفاقيات دورا كبيرا في عام 1940،لصالح سلاح الجو الألماني على حساب الولايات المتحدة عندما أدى غزو اليابان لماليزيا و اندونيسيا إلى شح كبير في مادة الكاوتشوك. ولكن،في عام 1941،قامت وزارة العدل الأمريكية بوضع حد لهذه التجاوزات الخطيرة،وفرضت على شركة إسّو غرامة بقيمة 50.000 دولار وبتسليم براءات الصنع للقطاع العام بسبب مخالفتها لقانون الاحتكار.
    ذهبت مسالة الكاوتشوك أبعد من ذلك،حيث أفسحت المجال في عام 1942،لاتهام بالخيانة من قبل مجلس الشيوخ للشؤون الدفاعية برئاسة ترومان. لم يسلم من هذه التهمة"تيغل"ومساعده "بيل فاريش"،حيث قدم الأول استقالته بعد وفاة الثاني بشكل مفاجئ في نهاية عام 1942.){ص 81 - 82}.
    بعد حديث عن خيانة بعض الشركات،وتسليمها بترولا،للأعداء،على أن تستلم المقابل بعد نهاية الحرب،وبعد الحديث عن موسوليني .. تحدث المؤلفان عن اليابان .. (الخالية من المواد الأولية،تابعة هي الأخرى 100% لشركات الأنغلو – سكسونية ولأنها كانت مضطرة للتزود بالنفط من بيرمانيا(بورما – أويل) وأندونيسيا (شل)،لم يستطع الجغرافيون السياسيون اليابانيون أن يمتنعوا عن وضع هذين البلدين في حدود آسيا الجديدة الكبرى التي كانوا يحلمون بها.
    ما زال المؤرخون مختلفين حتى الآن،بعد أربعين عاما من انتهاء الحرب العالمية الثانية،حول ما إذا كان الرئيس الأمريكي روزفلت قد أراد الحرب فعلا مع اليابان. والحق يقال أنهم لم يستطيعوا بعد تقديم إجابة وافية مرضية،إلا أن واقعة مازالت قائمة كان لها تأثير حاسم في رأينا : ففي 25 تموز 1941،جمّد روزفلت الممتلكات اليابانية في الولايات المتحدة،كما أمر بوقف إرسال شحنات البترول إلى اليابان.
    كان هذا بمثابة الحكم على هذا البلد بالاختناق الاقتصادي (..) وقد كتب تشرشل عن ذلك يقول : "بعد أن أُمسكت اليابان من رقبتها،لم يعد أمامها سوى أحد خيارين : التفاهم مع الولايات المتحدة أو إعلان الحرب"
    وهكذا جرى في اليابان نقاش حول الرد المناسب،ثم كانت النتيجة "بيرل هاربر" ..){ص 85 - 86}.
    بعد الحديث عن اليابان،واضطرارها لدخول الحرب .. تحدث المؤلفان عن دولة وحيدة تجرأت على تحدي التكتل الدولي للبترول هي : المكسيك .. ثم أفاضا في الحديث عن الرجل الذي وقف وراء ذلك التحدي وهو الجنرال"لازارو كارديناس" الذي تقلد منصب حاكم ولاية ميشوكان،فاهتم بتحسين أحوال الطبقة الكادحة،فكان نجاحه سببا في انتخابه رئيسا للحزب الوطني الثوري عام 1930،ثم رئيسا للمكسيك من عام 1934 حتى عام 1940.. (حقق هذا المصلح برنامجا واسعا : إصلاح زراعي،أمن عام،تهدئة الخلافات بين الكنيسة والدولة،بعد إلغاء القوانين المناهضة للدين والتي جاء بها سابقوه. في عام 1936،بمنسابة إضراب العمال المستخدمين لدى الشركات البترولية،وقف إلى جانب هؤلاء العمال دون تحفظ أو تردد،كما أنذر أرباب العمل بضرورة تلبية مطالب هؤلاء العمال وتأمين شروط معيشة مناسبة لهم.
    لم ترضخ الشركات،بل أحدثت ضجة فائقة،فأعلن في 18 آذار من عام 1938 تأميم 17 شركة بترولية،بين كبيرة وصغيرة،وحالفه الحظ فلم يكن الرئيس الأمريكي روزفلت راغبا في النزاع مع المكسيك في تلك المرحلة المضطربة،إلا أن الإنكليز قرروا مقاطعة البترول المكسيكي.){ص 87}.
    وقد حالف الحظ،مرة أخرى،الجنرال،فدفعت نذر الحرب البادية في الأجواء،الألمان والإيطاليين واليابانيين إلى الحصول على مخزون كبير من البترول،تحسبا للحرب .. وحتى الإنكليز،اضطروا في النهاية لشراء البترول المكسيكي"المحظور". وقد دفع الجنرال 130 مليون دولار للشركات المؤممة. بعد انتهاء فترة رئاسته،عين وزيرا للدفاع (1942 – 1945)،ثم قائدا للجيش!!!
    وقامت الحرب .. (وفي شهر تشرين الثاني من عام 1940،جاء سرب من الطائرات الإيطالية ليقصف آبار البترول في البحرين والظهران (في العربية السعودية).
    انطلق هذا السرب من أريتيريا،فألقى بعض القنابل خطأ على المنشآت الأمريكية في الظهران،بينما لم تكن الولايات المتحدة في حالة حرب.
    كان التأثير النفسي لهذه الغارة هائلا في العالم العربي حيث كانت هناك جماعات كثيرة تعرب عن تأييدها لمحور روما – برلين. لذلك اعتبرت العملية مضرة بقضية المحور.
    قررت شركة "أرامكو"ترحيل النساء والأطفال إلى الولايات المتحدة وتقليص موظفيها إلى 180 تقنيا. كما قررت إغلاق منشآت رأس تنورة مع بئرين جديدين،وأصبح النفط العربي الخام ينقل إلى مصافي البحرين.(..) في الكويت اعتبر ضباط حركة"الشبيبة"المتعاونة مع مصلحة الاستخبارات الألمانية،هذا القصف الإيطالي إشارة من الدكتور"غروبا"فاستولوا على مقر شركة نفط الكويت. كان الاتفاق مع الألمان يقضي ببدء حركة تمرد فور بدء القصف الجوي،ولكن من قبل الطيران الألماني. أما هذا القصف الإيطالي فلم يكن في الحسبان.){ص 88 - 89}.
    ثم تحدث المؤلفان عن ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق،وفشلها... (وفي حزيران 1941،هاجم هتلر الاتحاد السوفيتي. ولكن قبل ذلك،سمحت شحنات البترول الروسي،في إطار الاتفاقيات الألمانية – السوفياتية،بتنفيذ حملة فرنسا،ثم معركة إنكلترة الجوية.
    لم يعد بترول رومانيا كافيا لتغذية آلة الحرب الألمانية. للخروج من هذا الوضع،أصبح لابد من الاستيلاء على أراض غنية بالنفط.
    تصور هتلر أنه يستطيع بسرعة تصفية حسابه مع الاتحاد السوفياتي في الوقت المنسب لكي تصل قواته إلى باكو.إلا أن توقف حملته الأولى أمام موسكو وليننغراد،أرغمه على توجه الثانية {هكذا} باتجاه الجنوب.
    لذلك حدد القوقاز (وبتروله) هدفا للجناح الأيمن للجيش الألماني،وقال هتلر للجنرال بولس :
    "إذا لم أحصل على هذا النفط (في ميكوب)،فسأجد نفسي مضطرا لوقف الحرب".
    بدأ كبار الاستراتيجيين الألمان يضعون الخطط الطموحة : بعد عبور القوقاز،يلتقي الجيش الألماني بفيلق رومل الأفريقي الذي يعبر القاهرة وقناة السويس،ثم يصل إلى الموصل (في العراق) عن طريق فلسطين. عندئذ،يصبح من السهل عبور إيران،التي كانت تعتبر موالية للمحور،ومنها إلى الهند لمساعدة اليابانيين,الذين يصلون عن طريق ماليزيا وبيرمانيا.
    في الواقع،كان هناك حوالي 3200 خبير ألماني يعملون في إيران،ولكن تشرشل وستالين كانا قد قررا،منذ 25 آب 1941،غزو هذا البلد. وهذا ما حدث فعلا دون قتال،حيث أرغم الشاه على التنازل عن العرش لصالح ابنه ومغادرة البلاد إلى جنوب أفريقيا.
    وبعد توقف رومل في العلمين وفون بولس في ستالنغراد،تبخر حلم البترول الروسي،واضطر الجيش الألماني للتراجع المعروف.
    ********
    هكذا كان البترول المفتاح الذي لابد منه لتحقيق النصر. فالجيش الصيني بقيادة تشانغ كيتيشك،المحاصر من قبل اليابانيين والمعزول عن البحر منذ ربيع عام 1940،لم يستطع الصمود لمدة أربع سنوات إلا بفضل الجسر الجوي الشهير الذي أقيم من"أسّام"حتى تشونغ كينغ. كانت عدة أساطيل جوية تنقل إلى تشونغ كينغ آلاف الأطنان من البترول {في الهامش : "10.000 طن في الشهر حتى أيار 1943،ثم 20.000 طن بواسطة القوات الجوية الأمريكية رقم 14(النمور الطائرة)"}. في الحقيقة،كان كل لتر منقول يكلف 10 لترات تستهلكها الطائرات خلال تحليقها في الجو،إلا أن العملية كانت ناجحة والنتيجة مجزية.
    في شهر كانون الثاني من عام 1945،أقيمت أنابيب النفط على طريق ليدو،كانت تنقل 54000 طن في الشهر،مما سمح بتجهيز 35 فرقة مشاة ستقوم بصد الغزاة اليابانيين بصورة نهائية.
    وفي أوربا،يعود الفضل للبترول أيضا في انتصار الحلفاء على ألمانيا : فقد نقل الذهب الأسود إلى الجيوش التي نزلت في النورماندي بواسطة أنبوب النفط"بلوتو"الممتد تحت سطح البحر بين مرفأي وايت وشيربورغ.
    بفضل "بلوتو"هذا،تمكن الحلفاء حتى شتاء 1944 من التقدم حتى الحدود الألمانية،رغم تحرير باريس الذي لم يكن متوقعا بصورة مبكرة من قبل الحلفاء،ولكنه فرض شبه فرض من قبل الجنرال ديغول،الأمر الذي أدى إلى اقتطاع 350000 لتر من البنزين يوميا زيادة على معدل الضخ المنتظر.
    في آب 1944،فقد الألمان بترول رومانيا ولم يبق لديهم سوى عشر احتياجاتهم من وقود الطائرات،مما وضع حدا نهائيا للتفوق الجوي الألماني.
    لذلك حاول هتلر القيام بمناورته الأخيرة : استعادة مرفأ"أنفير"وتدمير حوالي ثلاثين فرقة في الغرب لانتزاع المبادرة وإرغام الحلفاء على الاستسلام،أي عملية"دانكرك"الثانية.
    في 16 كانون الأول 1944،بدأ هجوم الأردين الذي توقف في 25 كانون الأول على مسافة بضعة كيلومترات فقط من مركز هائل لاحتياط النفط الأمريكي،بين "ستافيلو"و"فرانكوشان"،بعد أن نفذ الوقود من الدبابات الألمانية المهاجمة ..
    كذلك اضطر اليابانيون من جهتهم للتخلي عن آبار البترول في بيرمانيا وأندونيسيا،كما بدأت وارداتهم تتقلص باستمرار :
    18 مليون برميل سنة 1943.
    3.6 مليون برميل سنة 1944.
    وهكذا وجد سلاح الجو الياباني نفسه مضطرا لتقليص ساعات الطيران،فظهرت المحاولات الانتحارية اليائسة للكاميكاز بطائرات خفيفة تحمل من الوقود ما يكفي للذهاب دون عودة. وبعد فترة وجيزة،بدأ الأسطول يتجمد بدوره بسبب نقص الوقود.
    أخيرا،وفي 15 آب 1945،حلّت النتيجة المحتومة،فانتهت الحرب وأصبح من الضروري إعادة توزيع الأوراق في لعبة البترول الدولية. ){ص 91 - 94}.

    إلى اللقاء في الحلقة القادمة ..

    س/ محمود المختار الشنقيطي ((سفير في بلاط إمبراطورية سيدي الكتاب))
    Mahmood-1380@hotmail.com

  6. #6
    الجانب الخفي من تاريخ البترول : جاك .. و جان .. "8"
    في مستهل هذه الحلقة أتذكر كلمة كتبها الشيخ عبد الله الهدلق،وصفنا بما يشي بأننا أمة بلا ذاكرة،وقد اقترح إنشاء تجمع أو شيء من هذا القبيل لتسجيل تأريخ المملكة ... كما أورد عناوين مجموعة من الكتب ... تذكرت أيضا سؤالا طرحه الدكتور عبد العزيز قاسم على الشيخ عبد الله بن منيع،عن الطريقة التي انتقلت بها السلطة من الملك سعود إلى الملك فيصل – بصفة الشيخ معاصر لما حصل – فأجاب إجابة لم أضبطها،ولكنه لم يجب على كل حال!!وكأننا سلمنا تأريخنا ليقدمه (الآخرون) ... خصوصا زرق العيون!! حتى أننا نجد المؤلفين – الفرنسيين – يزعمان أن فرقة أو فرقتين من فرنسا طهرتا الحرم المكي الشريف من تدنيس (جهيمان) !!!!!!! في هذا الكتاب الذي بين أيدينا،طوينا الحلقة السابعة،مع نهاية الحرب العالمية الثانية،ولما نتجاوز المائة صفحة .. وقد نام من نام .. وملّ من ملّ!!! لذلك رأيت أن أقتطف ما ذكره المؤلفان عن المملكة .. وبعضها شديد الخطورة .. بل ربما يستحق رفع دعاوى على المؤلفين .. كقولهما عن أحد المسؤولين أن الشركة اليابانية (اشترته) بكذا من المال!!! وسنعثر أيضا على مديح كبير للشيخ أحمد زكي يماني .. وقدرته على التفاوض ... ويعجب الإنسان لماذا لا يستفاد من تلك القدرات،التي اعترف بها الآخرون؟!!!قبل أن نبدأ النقل عن المؤلفين،نشير إلى أن الحديث عن البترول،في مرحلة ما بعد الحرب الثانية،تحول إلى حديث عن تجار البترول المستقلين،و عن الدول المصدرة - والصراع بين بعضها البعض،وبينها وبين الدول المستهلكة - أكثر من الحديث عن الشركات الكبرى كما في الفصول السابقة ... كما تحدث المؤلفان عن إنشاء منظمة (أوبك) .. إلخ.نبدأ – كما بدأ المؤلفان،هذا الفصل – بلقاء الملك عبد العزيز بالرئيس روزفلت بتاريخ 13 فبراير 1945 .. (كانت تلك هي المرة الأولى التي يغادر فيها العاهل السعودي بلاده،حيث ذهبت لإحضاره من جدة المدمرة الأمريكية "مورفي".خلال رحلته عبر البحر الأحمر،فضل الملك البدوي أن يخيم في مؤخرة السفينة وفي الهواء الطلق،يرافقه حراسه وعبيده،بالإضافة إلى قطيع صغير من الغنم للاستهلاك الشخصي.عند صعوده إلى السفينة كوينسي،ودعوته للغداء من قبل الرئيس الأمريكي،أمر خدمه بتذوق كافة أنواع الأطعمة قبل أن يمسها بنفسه { في الهامش : "لا يخفى على القارئ هنا خبث المؤلف والصورة التي يريد تقديمها للقراء الغربيين عن الملوك العرب"}.في نهاية الوليمة،تطرق الملك مباشرة للموضوع الذي يشغل باله قبل كل شيء :-إنني أرغب أن تضعوا حدا للهجرة اليهودية إلى فلسطين.هنا رد روزفلت قائلا :-ولكن ما هي علاقة العربية السعودية بفلسطين؟-باعتباري حاميا للديار المقدسة أعتبر الرئيس الروحي لكافة العرب والمدافع الطبيعي عنهم.حاول الرئيس تغيير الموضوع وقال :-إن مستقبل بلادكم زاهرا ولاشك. وخبراؤنا سيساعدونكم على تأمين الطاقة الكهربائية،وما هي إلا بضع سنوات وتتحول حياتكم إلى جنة عدن.-كل هذا سيكون حسنا إذا توقفت الهجرة اليهودية إلى فلسطين.لم يعد الرئيس بأي شيء من هذا القبيل،ولكنه أهداه 500.000 وحدة من البنسلين لمعالجة عينيه.فيما بعد،قال لصديقه بيرنار باروخ :-من جميع الرجال الذين قابلتهم في حياتي،كان هذا الملك العربي ذو الإرادة الحديدية أقلهم تقديما للتنازلات وابتعادا عن الهدف!){ص 95 - 96}.بعد هذا اللقاء تحول حديث المؤلفين إلى البترول السعودي وأهميته .. ( منذ عام 1938،كان الخبراء يشعرون بأن حقول النفط السعودية يمكن أن تكون الأغنى على وجه الكرة الأرضية،وبخاصة بعد ظهور النفط في البئر رقم 7.بعد الغارة الإيطالية على البحرين والظهران في شهر تشرين الأول(أكتوبر) من عام 1940،أوقفت الحرب الأعمال الجارية وجمدت التطور والنمو،ووضعت العاهل السعودي أمام ضائقة مالية صعبة. وللأسباب نفسها،أدى توقف الحج إلى وضع حد لأحد أهم الموارد الرئيسية الخارجية،وفي الوقت الذي حدث فيه قحط رهيب أفرغ الخزانة الملكية.في 18 كانون الثاني 1941،كتب ابن سعود إلى شركة "أرامكو"رسالة يطلب فيها سلفة بقيمة ستة ملايين دولار من العائدات. وافق"فريد دايفس"،رئيس أرامكو،على إعطائه ثلاثة ملايين دولار،ولكنه أعلن بأنه لن يدفع المزيد طوال فترة الحرب. حتى ذلك الحين،كانت أرامكو قد استثمرت 34 مليون دولار في العربية السعودية،وقررت التوقف عند هذا الحد. إلا أنه،تجنبا لأية قطيعة،وخوفا من احتمال عقد اتفاق مع البريطانيين،قام أحد زعماء أرامكو"جيمس موفيت"،الصديق الشخصي لروزفلت،بمناقشة هذا الأمر مع الرئيس،ثم أضاف :-ألا يمكن شراء البترول السعودي من قبل البحرية الأمريكية؟أخذ رأي وزير البحرية فأبدى صعوبة تأمين المخصصات اللازمة.عندئذ أرسل"فريد دايفس"مذكرة إلى وزير التجارة،جيسي جونس،قال فيها :"عزيزي جيسي : أرجوك أن تنقل إلى البريطانيين رغبتنا في أن يهتموا بملك العربية السعودية".أخيرا،تولى البريطانيون تسليف ابن سعود،فدفعوا له 34 مليون دولار حتى عام 1943،بعد أن سمح لهم الأمريكيون بإدراج هذه المبالغ في اتفاقيات الإعارة والتأجير { في الهامش : "وهي قروض أمريكية كانت تدفع للبلدان التي يعتبر الدفاع عنها حيويا بالنسبة للولايات المتحدة".} الأمر الذي أدى بصورة غير مباشرة إلى زيادة النفوذ البريطاني في الرياض لدرجة اعتقدت معها لندن أن بإمكانها أن تقترح على العاهل السعودي وضع خطة إنقاذ للخزينة السعودية. هنا بدأ القلق يساور أرباب شركة أرامكو الذين خافوا من احتمال قيام الإنكليز بالاستيلاء على الامتياز النفطي الأمريكي،فقام "رودجرز"،من كبار المساهمين في شركة أرامكو،بإنذار وزير الداخلية،هارولد أيكس،الذي تباحث في الأمر مع روزفلت.منذ 18 شباط 1943،قرر الرئيس الأمريكي جعل العربية السعودية تستفيد من قانون الإعارة والتأجير. وهكذا استفاد ابن سعود فعلا من هذا القانون حتى نهاية الحرب،فحصل على قروض بلغ مجموعها 99 مليون دولار. في الوقت نفسه،تعاقبت على الرياض بعثتان عسكريتان أمريكيتان للمراقبة عن كثب.أراد"أيكس"الذهاب أبعد من ذلك،فاقترح،في حزيران من عام 1943،أن تصبح الحكومية الأمريكية المالكة المباشرة لأسهم أرامكو عن طريق مؤسسة الاحتياطيات الفيدرالية.وافق روزفلت على الاقتراح لأنه لم يكن يحب أرباب البترول هؤلاء،الذين يدعمون دائما الحزب الجمهوري. وقد أحدثت هذه المؤسسة فعلا برئاسة أيكس نفسه،ولكن في اللحظة التي كانت الحكومة على وشك نقل ملكية أرامكو،تحرك اللوبي البترولي وبدأت الاحتجاجات وأصوات الاستنكار ترتفع داخل مجلسي الشيوخ والنواب،فاضطرت الإدارة للتراجع أمام ابتزاز أرباب البترول الذين ستحتاجهم الحكومة لإعداد وتنفيذ إنزال عام 1944 على الشواطئ الفرنسية.إلا أن "أيكس"،الذي كان حريصا على تمسك الولايات المتحدة بمواقعها في الشرق الأدنى،اقترح عندئذ قيام الحكومة،وعلى نفقتها،بإقامة خط من الأنابيب بكلفة 120 مليون دولار،من الخليج العربي حتى المتوسط،عبر سورية ولبنان،بغية اختصار مهلة الطريق الذي كانت تسلكه الناقلات عن طريق قناة السويس والبحر الأحمر. كل ذلك مقابل إعطائه الحق بشراء أية كمية يريدها من البترول بقيمة 75% من سعر السوق.وافقت أرامكو على هذا الاقتراح بحماس،لأن الآبار السعودية عادت تعمل،منذ عام 1944،بكامل طاقتها،وأصبح التصريف مشكلة تحتاج إلى حل.في هذه المرة هب أرباب البترول المنافسون ضد هذا التدخل من الدولة لصالح شركة أرامكو وحدها،فاضطر أيكس للتراجع مرة أخرى.تبنت الشركة نفسها هذا المشروع فيما بعد،وأقامت "التابلاين"الذي بدأ العمل فعلا في 28 كانون الثاني من عام 1949.وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن خط التابلاين هذا قد دُمر أربع عشرة مرة خلال خمس سنوات،واستخدم كسلاح للابتزاز من قبل الحكومة السورية والفدائيين الفلسطينيين،أمكننا تصور مدى الصعوبات التي كان على الحكومة الأمريكية مواجهتها لو كان هذا الخط ملكا لها.){ص 97 - 100}.في الهامش نستطيع أن نتحدث عن أحد (المستقلين) وهو جان – بول جيتي،والذي وصل إلى الكويت سنة 1948م. كان قد ورث عن والده – المحامي – 500.000 دولار،ظل ينميها بتنويع استثماراته .. (شركات طيران،شركات تأمين،سلسلة من المقاهي،مصانع لمقطورات السيارات،مع عدد من الفنادق (..) في عام 1957،كان جان – بول جيتي في أوج نجاحه : حيث أصبح مالكا لـ82% من"جيتي أويل"و64.5% من "تايد – واتر أويل"،و59% من "سكيلي أويل"،أي ما مجموعه 537 مليار فرنك فرنسي (53.7 مليون فرنك جديد)،بالإضافة إلى أسهمه الشخصية في "اتحاد النفط الإيراني" (0.417%) وأملاكه السكينة المقدرة بحوالي 4 مليارات فرنك فرنسي(40 مليون فرنك فرنسي جديد)..(..) ومنذ شهر آذار من عام 1957،كان جيتي يملك في الجزيرة العربية بئرين للنفط تنتجان 724000 لتر في اليوم : ففي 20 شباط 1949،حصل من الملك ابن سعود ومن شيخ الكويت على نصف المنطقة المحايدة بين الكويت والعربية السعودية (..) أما النصف الثاني من هذه الأرض،فقد حصلت عليه شركة أمين أويل لقاء 9.5 مليون دولار،بالإضافة إلى مليون دولار كسلفة على العائدات السنوية (55 سنت للبرميل الواحد)،وذلك على شكل إيجار لمدة ستين عاما. أي أن جيتي وأمين أويل كانا يدفعان للعرب 50% من العائدات بدلا من الــ 20% التقليدية لشركة أرامكو.كان هذا في الواقع رهانا كبيرا،لأن وجود البترول هناك لم يكن مضمونا،ولأن جيتي رهن كل ممتلكاته لكي يحصل من المصارف على القروض اللازمة للعملية.في عام 1953،كان جيتي لا يزال ينقب في كل مكان،حتى بلغ مجموع ما صرفه أكثر من 40 مليون دولار دون جدوى.وفي عام 1957،تدفق البترول،وأصبح"جيتي"أغنى رجل في العالم.رغم كل هذا،وبقصد التوفر،انتقل جيتي من فندق"سكريب"في باريس إلى فندق"ريتز"في لندن،حيث أقام في شقة قرب السطح لأنها أرخص من سواها.فيما بعد،اشترى منزلا لائقا نسبيا في ساحة"ساتون"،ولكنه وضع هواتف الأجرة"مع حصّالات"لاستخدام مدعويه){105 - 106}.بعد"جيتي"تحدث المؤلفان عن مستقل آخر،هو"ويندل فيلبس"وهو الذي كان يقف خلف شركة"أمين أويل" .. ثم أفاض المؤلفان في الحديث عن صراع إيران مع شركات البترول،ومعركة "مصدق"مع الشاه،ومع الشركات .. (تابعت العربية السعودية الأزمة الإيرانية باهتمام بالغ. فقد شاخ ابن سعود وأصبح الأمراء الشبان والأقوياء متشوقين للخلافة.في عام1951،أصبح عمر العاهل السعودي الشيخ 70 عاما،وأصبحت إحدى رجليه شبه مشلولة {في الهامش : "في عام 1917،أصيب ابن سعود برصاصة في ساقه أثناء القتال"} كما بقي يشكو من الآلام في عينيه.في هذه المرحلة،ازداد الفساد والبذخ،كما ازدادت الأرصدة الخاصة في المصارف الأجنبية والسويسرية بشكل خاص،وتطورت الاستثمارات في مجال البناء في لبنان. كذلك بدأت وتيرة المشاريع العمرانية تتصاعد بسرعة كبيرة في كل من الرياض وجدة بأيد باكستانية أو كورية وبأجور متدنية.إلا أن الأعمال تظل هي الأعمال : فما كاد يعلم،في 25 أيلول 1950،بانتهاء العمل في خط الأنابيب"التابلاين"،حتى راجع حساباته من جديد : مما لاشك فيه أن هذا الخط،الذي بلغ طوله 1770 كم وكلف 200 مليون دولار،سينقل من العربية السعودية،إلى البحر المتوسط حوالي 315000 برميل في اليوم،وهذا يعني أن شركة أرامكو ستضاعف إنتاجها. {في الهامش : "في الواقع،قفز إنتاج أرامكو،بين عامي 1944 و 1954،من 1 – 45 مثلا.} لذلك طالب ابن سعود الأرامكو{هكذا} فورا بزيادة العائدات،فوافق الأمريكيون على ذلك. وفي 30 كانون الأول 1950،وبمفعول رجعي اعتبارا من أول شهر كانون الثاني،تم توقيع عقد جديد على أساس تقاسم العائدات مناصفة،بعد حسم نفقات الاستثمار والاستثمارات الجديدة والضرائب الأمريكية التي بلغت 200 مليون دولار في عام 1953 على سبيل المثال.كان هذا يعني أن العاهل السعودي سيقبض 155 مليون دولار كعائدات عن عام 1951،مقابل 66 مليون في عام 1949. أما خلفاؤه،فسيقبضون 260 مليونا سنة 1954،ثم 258 سنة 1955. ************في 9 تشرين الثاني من عام 1953،توفي ابن سعود في قصره في الطائف،فنقل جثمانه إلى الرياض،حيث ووري التراب في احتفال بسيط.لم يحدث الخلاف المنتظر بين الورثة،بل استلم العرش الابن البكر سعود "المولود سنة 1902"،والذي كان وليا للعهد منذ عام 1933،ورئيسا للوزراء منذ عام 1953. ومن الجدير بالذكر هنا أن والدته كانت ابنة الشيخ عبد الوهاب. مؤسسة العقيدة الوهابية. أعلن الملك سعود يوم تتويجه أن حكم والده كان تاريخيا على صعيد الفتوحات والتوحيد الإقليمي للبلاد،إلا أن الناس سيتذكرون فترة حكمه هو على صعيد المستوى الجيد للمعيشة والتربية والصحة.********لابد من التذكير هنا بأن شركة أرامكو كانت دولة داخل الدولة،كما كان رئيسها "فريد دايفس"يتصرف وكأنه وزير للأشغال العامة والزراعة والداخلية والخارجية والصحة والتربية. وقد ظهر واضحا في الأول من شهر أيلول 1952،عندما انقضت كتيبة من الجيش السعودي على واحدة"البريمي"(إمارة أبو ظبي) على متن آليات تابعة لشركة أرامكو. لم تكن هذه الواحة،الواقعة على الخليج العربي،عائدة للسعوديين،خلافا للخرائط التي أحضرها هؤلاء الجنود معهم،والتي كانت مع صنع المصالح الجغرافية لشركة أرامكو.أعلن قائد الكتيبة،ويدعى"تركي"أنه يريد الاحتفال بعيد الأضحى،ثم أقام وليمة كبرى دعا لحضورها جميع السكان هناك. قبل البدو الدعوة وتقاسموا بسرور عشرات الخراف التي أحضرها تركي ورجاله لهذه الغاية.في نهاية الاحتفال،طلب من كافة المدعوين التوقيع على كتاب ذهبي،دون أن ينتبهوا إلى أن ذلك التوقيع كان اعترافا بسيادة العاهل السعودي على"البريمي".وهكذا قضى الأمر وأصبح في استطاعة أرامكو أن تبدأ أعمال الحفر والتنقيب في هذه الأرض المفعمة بالبترول،لولا الاحتجاج الفوري الذي أعلنته شركة نفط العراق،المرتبطة حتى ذلك الحين بالخط الأحمر،وبريطانيا العظمى السلطة الحامية للإمارات،ومنها إمارة"أبو ظبي".في الواقع،كان كل ما يحدث في الخليج العربي،من قطر إلى الشارقة مرورا بأبوظبي ودبي،موضع اهتمام بريطانيا التي كانت تقوم،منذ القرن السابع عشر،"بحماية"هذه الأماكن التي تعرض فيها السلع البرتغالية.لذلك ارتفعت أصوات الاحتجاج من قبل الحكام المحليين،وبخاصة سعيد "سلطان عمان"وشيخ أبو ظبي،بتحريض خفي من الإنكليز. كما قام السلطان سيعد باستنفار رجاله"حوالي 7000 جندي"ووضعهم على أهبة القتال،بينما كان تركي ورجاله من السعوديين يشترون"الأصدقاء"في البريمي بالذهب.تظاهرت كل من واشنطن ولندن بكبح جماح الفريقين،ولكنهما أخذتا تتبادلان الشتائم في الصحف اليومية عبر الأطلسي.وهكذا كادت الحرب تنشب في الخليج لولا التوصل أخيرا إلى فكرة حل الخلاف عن طريق التحكيم. دامت المناقشات ثلاث سنوات اضطر بعدها السعوديون،أي أرامكو للتراجع رغم ثقتهم بأن كميات هائلة من البترول ستكتشف قريبا في هذه الأرض.{في الهامش : "بعد فشل أرامكو في البريمي،عمدت إلى تدبير حوادث حدودية أخرى في مسقط والكويت. كان هدفها العام تحويل الخليج من بحيرة إنكليزية إلى بحيرة أمريكية."} .. ){ص 127 - 130}. انتهت المساحة المخصصة لهذه الحلقة .. وهذا (هامش) بقية القصة .. (كان شيخ ابو ظبي قد منح امتيازا بتروليا لشركة "ADMA" وهي شركة مساهمة من "BP" البريطانية و"CFP"الفرنسية.(..) وبفضل سفينة رائعة للحفر،خرجت حديثا من أحواض السفن الألمانية،قامت طواقم "ADMA" بأعمال الحفر في البحر،على مسافة 120 كم من أبو ظبي،أمام شواطئ جزيرة داس،حيث نجحت في العثور على النفط على عمق 1650م.كان لهذا الاكتشاف نتيجتان : الأولى هي القضاء على الأسماك في هذه المياه التي أصبحت ملوثة،والثانية هي الثروة التي هبطت على الشيخ شخبوط،الذي كان مشهورا ببخله وعدم التفكير في تطوير بلاده. لذلك،في عام 1966،قام شقيقه الأصغر،الشيخ زايد،بإجباره على التنازل عن الحكم.){ص 130}.هذه الرواية تناقض ما ذكره الدكتور عبد الله النفيسي،في إحدى مقابلاته المتلفزة .. حيث ذكر أن (عدم قبول نوع من الديمقراطية : إنشاء برلمانات ) .. هو الذي تسبب في خلع بعض الحكام .. فمن قبل (الخطة) – مثل الشيخ عبد الله السالم،في الكويت،بقي في الحكم – ومن رفضها (خُلع) .. مثل الشيخ (شخبوط) والسلطان (سعيد بن تيمور) .. وأظنه ذكر حاكم قطر أيضا!!!! ويقول المؤلفان عن الكويت.. (في 19 حزيران 1961،كانت بريطانيا العظمى قد منحت هذا البلد استقلاله. وفي 26 آب من العام نفسه،زود الشيخ عبد الله الصباح بلاده بنظام برلماني،وقد أشرف هذا الأمير الواعي والحكيم بنفسه على إعادة توزيع الثروات على مواطنيه "وعددهم 900.000 نسمة"،بحيث أصبح للفرد في حدود 50.000 فرنك فرنسي.){ص 131}.أطلت أكثر مما ينبغي ... ولكنني لم أستطع تجاوز نقطة مهمة أشار إليها المؤلفان،عن الكويت أيضا .. (كرست معظم أموال الدولة للتربية والصحة والأشغال العامة. ومن الجدير بالذكر أنه لا توجد ضرائب في الكويت،كما أن العانية الصحية والتربية والتعليم والنقل كلها مجانية. وتقوم الدولة بمنح تعويضات للعائلات الكبيرة،كما تقدم القروض السكنية دون أية فائدة. إلا أن هذا كله لم يحل دون وجود بعض الفساد والبذخ وقصور الحريم.){ص 131}.بطبيعة الحال (البذخ وقصور الحريم) لا يتناقضان مع ما ذكر المؤلفان،بل ربما دفعا إلى ذلك .. ولكن (الفساد) هذا(السرطان) من أين يأتي،مع كل هذه العطاءات ؟!!! طبعا إذا استثنينا دور"الصهيونية العاليمة"!!!!!!! إلى اللقاء في الحلقة القادمة .. س/ محمود المختار الشنقيطي ((سفير في بلاط إمبراطورية سيدي الكتاب))
    Mahmood-1380@hotmail.com

  7. #7
    الجانب الخفي من تاريخ البترول : جاك .. و جان .. "9"
    في بداية هذه الحلقة نشير إلى أن المؤلفين،تحدثا عن النفط الليبي،وتحالف (السنوسي) مع الإنجليز،كما تحدثا عن تأميم جمال عبد الناصر لقناة السويس،وأثر ذلك على الغرب،وحصول "العدوان الثلاثي"،و(تدهورت هيبة المواليين للغرب) حسب تعبير المؤلفين .. وقد وصل الأمر بنوري السعيد أن يقترح (على أعضاء حلف بغداد التدخل في لبنان .){ص 138}. .. لم تقع الحرب،بل حصلت مفاوضات بين (عبد الكريم قاسم) – في شهر كانون الثاني 1959 – و(لورد مونكتون)،عن شركة نفط العراق .. (إلا أن سوء التفاهم نشب بسرعة : إذ أن عبد الكريم قاسم كان يتحدث عن مضاعفة الإنتاج وإقامة مصاف جديدة،بينما كان اللورد مونكتون يؤكد أنه لا مجال لزيادة الإنتاج وأعمال التكرير دون أن تؤخذ بعين الاعتبار ظروف الأسواق العالمية.الحق يقال أن تلك الفترة شهدت فائضا في الإنتاج البترولي : فالأمريكيون قد زادوا إنتاجهم منذ أزمة السويس،كما قام السوفييت بإغراق الأسواق الأوربية والآسيوية بالبترول الرخيص الثمن.كذلك كان المستقلون(من أمثال "جيتي"و"أمير أويل") ينتجون النفط بالوتيرة القصوى دون أي اهتمام بالآخرين. أضف إلى ذلك أن شركة نفط العراق كانت ضامنة لنفسها كل ما تريده من النفط الخام من العربية السعودية والكويت وقطر وأبوظبي والبحرين وغيرها .. في شباط،ازداد الخلاف حدة لأن الأخوات السبع أعلنت عن تضامنها مع شركة نفط العراق،لأن أي تنازل لصالح العراق سيشجع الآخرين على المطالبة بالمثل.){ص 140}. وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود ... وقد (أحدثت مفاوضات بغداد ضجة على الصعيد الدولي : ففي نيويورك،قررت شركة ستاندارد أويل،دون إنذار مسبق وفي أوج أزمة فائض الإنتاج،أن تخفض من جانب واحد سعر شراء النفط الخام بمقدار 14 سنتا (أي 7.5%)،بينما تجنبت شركة إسّو عكس هذا التخفيض على سعر المبيع في المضخات.كان هذا في الواقع بمثابة إعلان الحرب على العراق وعلى كافة البلدان العربية. فبالنسبة للعربية السعودية وحدها،تقلصت العائدات البترولية إلى 30 مليون دولار. أما بالنسبة لأمريكا اللاتينية (فنزويلا والمكسيك)،فجاء هذا الإجراء ضربة إيقاف لكل توسع اقتصادي.هنا توجه عبد الله الطريقي،المدير العام للبترول والمناجم في العربية السعودية،إلى بغداد بصورة مفاجئة،وأكد لعبد الكريم قاسم تضامن كافة الحكومات العربية معه في موقفه من شركة نفط العراق. كما أعلن الوزير الفنزويلي للنفط،"جوان بابلو بيريز ألفونسو"،عن تضامنه أيضا،واقترح تشكيل جبهة مشتركة للبلاد المنتجة للنفط.ولدت من مقابلة الطريقي – قاسم فكرة مؤتمر في بغداد لوزراء النفط في العالم العربي. وقد انعقد المؤتمر فعلا في أيلول من عام 1960،حيث ضمّ وزراء كل من العراق،إيران،الكويت،العربية السعودية،بالإضافة إلى وزير النفط الفنزويلي كمراقب. ومن هنا انبثقت منظمة البلدان المصدرة للبترول "OPEP" {في الهامش : "ويرمز إليها أيضا بلفظة"أوبك"(OPEK)"} التي رفضت الشركات الاعتراف بها،والتي سيستمر الحديث عنها مدة طويلة.ما كاد موقف عبد الكريم قاسم يتعزز على هذا النحو حتى قرر،في 11 كانون الأول (ديسمبر) 1960،إلغاء امتياز شركة نفط العراق باستثناء 1937كم2 أي ما يعادل 0.50% من الامتياز الأصلي.هاجمت الشركات العراق في محكمة لاهاي،بينما أنذرت واشنطن ولندن عبد الكريم قاسم بضرورة قبول التحكيم. كما تضامنت الشركات الأخرى مع شركة نفط العراق،فلم تتقدم أية واحدة لشراء الامتيازات التي عرضها العراق من جديد،بعد أن قام الكارتل العالمي وشركة نفط العراق بتهديد كل من يتقدم بالملاحقة.وهكذا ستبقى آبار نفط العراق دون استثمار طوال سبع سنوات،مما أدى إلى جرّ هذا البلد إلى وضع بائس لم يعرف له مثيلا من قبل. كما بدأت أعمال التمرد تنتشر في شتى أنحاء العراق،بعد أن بلغ التذمر أقصاه. ففي الموصل،مثلا،عند مطلع شهر آذار من عام 1959،قمعت إحدى هذه الحركات بمنتهى القسوة والعنف من قبل قوات قاسم. وفي 7 تشرين الأول (أكتوبر) من العام نفسه،قام طالب وطني بعثي،يدعى صدام حسين،بإطلاق النار على عبد الكريم قاسم،انتقاما لضحايا الموصل،فجرحه دون أن يقتله. (..) هكذا بدأت إمبراطورية الأخوات السبع بالانهيار في جميع أنحاء العالم اعتبارا من عام 1960.){ص 141 - 142}.بهذه العبارات انتهى الفصل الرابع،وبدأ الفصل الخامس،والذي جاء تحت عنوان (عهد تصفية الحسابات) "1960- 1972"تحدث المؤلفان عن إدراك العالم الثالث لوجوده،وانعقاد مؤتمر باندونغ ( 18 – 24 إبريل سنة 1955 ) كما تحدثا عن تدفق النفط بشكل كبير،أي أنهما – تقريبا – لخصا ما جاء في نهاية الفصل السابق .. وأثر ذلك التدفق في هبوط أسعار النفط ... (نجم عن ذلك،كما أسلفنا،ظهور منظمة (أوبك) في 15 أيلول (سبتمبر) 1960،التي أعلنت عن عزمها على تثبيت الأسعار واستقرارها رغم فائض الإنتاج العالمي.وهكذا حدثت مجابهة بين رجلين : المدير السعودي الطريقي والمدير العام الجديد لشركة إيكسون،مونرو راثبون،الذي كان رجل أعمال على الطريقة الأمريكية لا يعرف سوى الربح والاختيار بين"الملاك"الليبرالي الأمريكي و"الشيطان"الشيوعي السوفيتي. بالنسبة له،عقدت موسكو مع(متّى)اتفاقا لبيع البترول الروسي بسعر يقل عن 60 سنتا عن الأسعار المتداولة في الشرق الأدنى. لذلك،وباسم العالم الحر،يجب المحافظة على الأرباح الغربية عن طريق تضييق الخناق على البلدان المنتجة.كان هذا تفكيرا خاطئا وشاذا دون ريب من جانب هذا الرجل الذي تخيل نفسه إمبراطورا غير متوج،لأن شركة إيكسون كانت عملاقة فعلا : فهي تمتلك 30% من أرامكو،7% من الشركة الإيرانية المساهمة،11.87% من شركة نفط العراق،30% من التابلاين،100% من "S.O"الدولية،إلخ .. وهكذا كانت هذه الشركة تستخرج 14% من الإنتاج العالمي في 23 بلدا،إلخ .. لذلك لم يشأ هذا الدكتاتور أن يصغي لنصائح الاعتدال التي قدمها له "هاوارد بيج"،ممثله في لندن،الذي كان مع ذلك قد خاض"حربا"في إيران ضد مصدق ومتّى.أما الشخص الآخر،عبد الله الطريقي (مولود في عام 1919)،فهو طالب سابق في جامعة القاهرة وتكساس،وعالم جيولوجي ومتحمس،خجول في حياته الخاصة ولطيف المعشر. إلا أنه خرج من احتكاكه بالأمريكيين بانطباع سيء بصورة عامة.في 2 تشرين الأول (أكتوبر) 1960،عقد في بيروت مؤتمر كبير حول النفط العربي،كان فيه الطريقي الخطيب الأكثر حماسة وإقناعا : حيث برهن بالأرقام الأرباح الخيالية التي تجنيها الشركات الكبرى،كما ركز هجومه على شركة أرامكو.حاول ممثلو الشركات في بيرون الرد بكافة الوسائط،واستخدموا ما في جعبتهم من حجج لكي يبطلوا مفعول قنبلة"الأوبيب"(OPEP)،ولكن "راثبون"كان قد ذهب إلى أبعد مما ينبغي،فانتصر الطريقي وترسخت قواعد "الأوبك"التي تقرر أن يصبح مقرها الدائم في جنيف بميزانية سنوية بلغت 150.000 جنيه إسترليني.وقد انضم إلى هذه المنظمة أعضاء جدد : قطر،أبوظبي،ودبي. وفي عام 1962،انضمت ليبيا وأندونيسيا،ثم الجزائر في عام 1969،نيجيريا سنة 1971،الغابون والإمارات والإكوادور في عام 1974. {في الهامش : "أما شاه إيران،ففضل البقاء خارجا،وتابع تقديم النفط إلى إسرائيل"}.يقول "توم بارغر"أن الطريقي كان "من كبار المعجبين بعبد الناصر"،لذلك اعتبر خطرا من قبل الأمريكيين. يضاف إلى ذلك كراهيته الشديدة لشركة أرامكو وكونه من الإداريين الفعالين وذوي الخبرة والحنكة والدراية.منذ عام 1958،كان قد قاد بنجاح مفاوضات مطولة مع اليابانيين : من المعروف أن طوكيو كانت منشغلة دائما بتبعيتها في مجال الطاقة،والتي تحد كثيرا من استقلاليتها الاقتصادية والسياسية. (..) اتفق كبار رجال الأعمال اليابانيين على تشكيل الشركة اليابانية للتجارة البترولية برئاسة"تارو ياماشيتا"،كما فكروا في التنقيب داخل العربية السعودية. (..) لفت نظر ياماشيتا،منذ مدة،الجزء الساحلي من المنطقة المحايدة الواقعة بين الكويت والعربية السعودية،والذي سبق أن أثار لعاب جيتي وفيليبس. لذلك جاء وهو عاقد العزم على أن يقدم أكثر مما سيعرضه المستقلون المنافسون. وهكذا حاصر الطريقي،ثم توجه إلى الرياض لمقابلة الملك سعود وشقيقه الأمير فيصل الذي أصبح رئيسا للوزراء. بعد ذك أقدم على الخطوة الحاسمة "فاشترى"كمال أدهم،نسيب الأمير فيصل { في الهامش : "نصُ اتفاق ياما شيتا – كمال أدهم في مجلة الصياد لصادرة في بيروت بتاريخ 19 آذار 1959 (أغلب الظن أن الطريقي تعمد إفشاء السر) "}. أما الثمن فكان كما يلي :2% من الأرباح السنوية لكمال أدهم.250.000 دولارا تدفع له فور توقيع العقد.750.000 دولارا تدفع لكمال ادهم أيضا بعد اكتشاف النفط القابل للاستثمار.لم يستطع الطريقي سوى الرضوخ أمام الأمر الواقع،فوقع مع ياماشيتا امتيازا لمدة ستة وأربعين عاما لقاء 56% من الأرباح الصافية للعربية السعودية. وقد تعهد ياماشيتا بعدم البيع لأعداء العرب،وبتخصيص مقعدين في الإدارة للسعوديين لهما حق الإشراف على العمل والمراقبة.بعد هذا توجه ياماشيتا إلى الكويت،حيث حصل من الأمير على موافقة لمدة 44 عاما مقابل 57% من الأرباح.){ص 144 - 147}.بعد حديث طويل عن معاناة ياماشيتا مع التنقيب عن البترول،بما في ذلك نشوب حريق كبير استمر لمدة أحد عشر يوما،هي المدة اللازمة لحضور فرقة متخصصة من تكساس .. ثم انتقل المؤلفان للحديث عن الملك سعود .. (في مطلع الستينات،كان الوضع قد تطور كثيرا في العربية السعودية،فالملك سعود،الذي يحكم منذ عام 1953،برّ بوعوده وأطلق المشاريع الكبرى : سد الطائف،مطار المدينة،جر المياه إلى جدة،كهربة الرياض،ثكنات الخرج،بالإضافة إلى العديد من المستشفيات الصغيرة والمدارس والقصور للأسرة المالكة.أما بالنسبة له،فقد شيد خلال أربع سنوات،وبكلفة 50 مليون دولار،قصر الرياض الوردي الشهير،الذي أقيم على مساحة شاسعة،بحجارة وردية اللون مطعمة بالفيروز،والذي يضم قاعة هائلة للاستقبال،غرفة طعام تتسع لأربعمائة شخص،يضيئها 3000 مصباح كهربائي،وأجنحة ملكية رائعة تحيط بها الحدائق الهائلة. إلى جانب القصر،توجد 35 فيلا لحاشية القصر وضيوفه. في الحقيقة،إن كلمة"أبهة"لا تكفي لوصف هذا المجمع الكبير الذي اختلط فيه الفن الشرقي بالبذخ الغربي القديم فأصبح مزيجا من قصر فرساي في باريس والتيفولي في كوبنهاغن. أما الأواني الفضية فمن سويسرا،والبورسلين من ألمانيا،والثريات الكرستال من تشيكوسلوفاكيا،والأثاث الخشبي"الموبيليا"من بيروت.كذلك قام الملك سعود ببناء قصر أخضر في جدة بكلفة 28 مليون دولار،بالإضافة إلى 23 قصرا في كافة أنحاء البلاد.وغني عن الذكر أن هذه الأعمال الضخمة أدت إلى ملء جيوب عدد لا يستهان به من المتعهدين والوسطاء الذين لا يزال بعضهم ينعم بها حتى اليوم. أضف إلى ذلك تخصيص دخل سنوي لكل فرد من أفراد الأسرة المالكية (322 أميرا) بلغ 32000 دولار،علاوة على مخصصات وظيفته ونفقات التمثيل. { في الهامش : "لا يخفى على القارئ هنا أن الكاتب توخى من هذه التفاصيل وسواها في أماكن أخرى أن يوهم القارئ الغربي بأن أموال البترول العربي تصرف على البذخ والملذات. صحيح أن في هذا الكلام الكثير من الصحة مع الأسف،ولكن غاية المؤلف هي تأليب الرأي العام الغربي ضد العرب عامة دون تمييز."(المترجم)}.في عام 1954،تسلم الملك سعود 260 مليون دولار كعائدات من شركة أرامكو،وفي عام 1960 قفز المبلغ إلى 350 مليون دولار. إلا أن الأموال كانت تصرف دون حساب. فقد قدر ثمن الحلي،التي قدمت للإمبراطورة ثريا (زوجة شاه إيران) بمناسبة تتويجها،بأكثر من 900.000 دولار.في الحقيقة،كان التوفير والتقتير يتمان فقط في المجالات التي تحتاج فعلا للبذل : أي أجور العمال وصغار الموظفين،والمعونات الاجتماعية والمساعدات للاجئين الفلسطينيين (40.000 دولار فقط لأكثر من مليون فلسطيني لاجئ في عام 1955،أي أقل مما كان يدفعه البلجيكيون والسويديون).على مثل هذا المنوال،وفي نهاية عام 1961،بلغت الديون الخارجية للعربية السعودية 1250 مليارا من الريالات،والدين الداخلي 500 مليون ريال. كما هبط سعر الريال من 3.75 للدولار إلى 6.25. ****************لتغطية هذا العجز غير المعقول،قام العاهل السعودي باستدعاء الدكتور"شاخت"وزير المالية السابق في الرايخ الثالث،وبعد مباحثات مطولة معه ومع رجل الأعمال اليوناني "سبيروس كابابوديس"،وافق سعود،في 20 كانون الثاني (ينار) من عام 1954،على منح صاحب السفن اليوناني "أوناسيس"احتكار النقل البحري للبترول من العربية السعودية.كان أوناسيس صديقا لبول جيتي،يتبادل معه الصفقات والنساء والبترول.ولد أوناسيس هذا في عام 1906،وقد اشترى سفينته الأولى سنة 1931 بمبلغ الـ 100.000 دولار التي أقرضته إياها زوجته البوليفية الأولى،شقيقة "باتينو"ملك القصدير.في عام 1932،اشترى ست سفن للشحن،مجمدة في ميناء سان – لوران ومحجوزة من قبل الحكومة الكندية،بمبلغ 135000 دولار فقط. لم يكن هناك من يرغب في شرائها في أوج الأزمة العالمية آنذاك. رفع على هذه السفن العلم الأرجنتيني،الأمر الذي سمح له سنة 1939 بتأجير أسطوله للمتحاربين.لعقد صفقة العمر هذه كما يقال،استثمر أرباحه،تحت أسماء مستعارة مختلفة،في شراء 47 سفينة،كما بدأ يتعامل مع الصين الشيوعية بنجاح كبير لأنه دفع،في عام 1954،دون أن يطرف له جفن،غرامة بقيمة سبعة ملايين دولار لمصلحة الضرائب الأمريكية لأنه اشترى بالحيلة سلعا لا يجوز بيعها لغير الأمريكيين. منذ ذلك الحين،أصبح شغله الشاغل هو البحث عن صفقة كبرى يستخدم فيها أسطوله التجاري. وقد تمكنا من معرفة خبايا هذه الصفقة من أرشيف "محكمة السين"في باريس بعد أن تكشف كل شيء في 20 آذار(مارس) من عام 1956 : عن طريق الخداع والمخاتلة،تمكن رجل الأعمال اليوناني"كابابوديس"(الذي ورد ذكره آنفا) من جعل عبد الله السليمان،وزير مالية ابن سعود يعقد مع"أوناسيس"الاتفاق التالي في 20 كانون الثاني (يناير) 1954 :- تشكيل أسطول للنفط : باسم سعودي وتحت العلم السعودي،حمولته الدنيا 500.000 طن،ورأس ماله 252 مليون دولار.-يحتكر هذا الأسطول التصدير البحري للبترول السعودي.-تدفع العائدات،وقيمتها 75 فرنكا فرنسيا على كل طن منقول،إلى الملك سعود.-تحدث في مدينة جدة أكاديمية بحرية لتأهيل 50 ضابطا ومهندسا بحريا تجاريا في العام.كان هذا انتصارا هائلا لاوناسيس وهزيمة قاسية لشركة أرامكو التي لم ترضخ للأمر الواقع،بل ذهبت إلى حد تهديد الملك سعود بمقاضاته أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي. عندئذ نُشرت الوقائع التالية :-استلم عبد الله السليمان عن طريق كابابوديس رشوة بقيمة 100 مليون فرنك فرنسي.-كما قبض سيد علي رضا،وزير التجارة،رشوة أخرى بقيمة 125 مليون فرنك فرنسي.-وزع مبلغ 70 مليون فرنك فرنسي على شخصيات سعودية أخرى. -تلقى على رضا وعدا بمبلغ 75 مليون فرنك فرنسي تدفع له فور إتمام أول حمولة من البترول.-أخذ "كابابوديس"وعدا بمبلغ 200 مليون فرنك فرنسي عند توقيع العقد.في الواقع،كان عبد الله السليمان وعلى رضا الوحيدين اللذين استلما حصتهما. فعندما أراد علي رضا استخدام الوثيقة التي دُوّنَ فيها الوعد الإضافي،لأوناسيس،فوجئ باختفاء توقيع أوناسيس،الذي وقع بحبر سري. عندئذ أعلم بذلك كابابوديس الذي لاحظ نفس الظاهرة على وثيقته الخاصة أيضا.تخلى علي رضا عن رفع دعوى،ولكن كابابوديس رفع القضية إلى محكمة السين في باريس،فرُدت الدعوى لعدم كفاية الأدلة.) {ص 148 - 152}في الحلقة القادمة .. نعرف موقف شركة أرامكو ... إذا أذن الله. س/ محمود المختار الشنقيطي ((سفير في بلاط إمبراطورية سيدي الكتاب)) Mahmood-1380@hotmail.com

  8. #8
    الجانب الخفي من تاريخ البترول : جاك .. و جان .. "10"
    بعد الحديث عن رفض الدعوة التي أقامها رجل الأعمال اليوناني "كابابوديس" تحدث المؤلفان عن أرامكو .. (أما شركة أرامكو فكانت أكثر عنادا،فقاطعت مع شريكاتها بترول أوناسيس مما أدى إلى عواقب وخيمة جدا بالنسبة لهذا اليوناني، وللعرب. وقد ذهب اللوبي البترولي الأمريكي أبعد من ذلك : ففي 5 شباط (فبراير) 1954،كان أوناسيس يتناول طعام الغداء في المطعم الفرنسي الشهير"كولوني"في نيويورك،وعندما غصّ المطعم بالزبائن وشغلت كافة الطاولات،تقدم اثنان من رجال المباحث الأمريكية"FBi" قائلين : -أنت السين أوناسيس؟-نعم .. -اتبعنا من فضلك.وعند الخروج،كان رجال الصحافة والمصورون بانتظارهم وكأنهم علموا بقدرة قادر .. في اليوم التالي،اضطر أوناسيس،بعد أن ملأت قصته الصفحات الأولى من الصحف اليومية،لأن يواجه تهمة التلاعب بأسماء مستعارة،ولأن يدفع كفالة مالية كبيرة لكي يخلى سبيله. عندئذ أدرك اللعبة وفهم التهديد،فوافق على التخلي عن العقد السعودي.إلا أنه انتقم لنفسه بعد ذلك بخمسة عشر عاما :عندما تناول طعام الغداء في المطعم الفرنسي نفسه،وعلى الطاولة نفسها،مع خطيبته الجديدة،أرملة الرئيس الراحل جون كيندي.********صحيح أن حادثة أوناسيس سُويت،ولكنها تركت بعض الذيول : على شركة أرامكو أولا،التي بدأت تشك في الملك سعود،وبخاصة في مستشاريه : عبد الله السليمان،و الطريقي العدوين اللدودين لأرامكو،وغيرهما من الوزراء الذين يريدون أن يضعوا الملك سعود،بدلا من عبد الناصر،في مكان الصدارة من العالم العربي.ولعل الدليل على ذلك المؤامرة التي حيكت في سوريا في مطلع عام 1958،والتي كشف النقاب عنها عندما تقدم عبد الحميد السراج،رئيس المخابرات السورية،من الرئيس عبد الناصر وفي يده شيك يصرف لحامله بقيمة مليوني ليرة سورية،قائلا : "إن هذا الشيك،الموقع من قبل الملك سعود ومن حسابه الخاص،قدم لي من قبل أم خالد،الزوجة الرابعة الشرعية للعاهل السعودي والسورية الأصل. أما المهمة التي أوكلتها لي فهي التخلص منك"{في الهامش : "في عام 1984،سألني جنرال سوري : "هل تلقى السراج هذا الشيك من أم خالد أم طلبه؟"}.عندئذ قرر عبد الناصر الدعوة إلى اجتماع شعبي كبير عرض فيه الشيك على الجماهير يدين بذلك الملك المتآمر ويسخر منه. انعكست أصداء هذا الحادث في الرياض نفسها. حيث لم يعد هناك شك في أن الملك نفسه هو الذي دبر المؤامرة لأن الشيك كان موقعا من قبله.هكذا فقد العاهل السعودي هيبته في نظر العالم كله،بينما ازدادت شعبية عبد الناصر.){ص 152 - 153}.أعتقد أن مجمل القضية يكمن في حيازة عبد الناصر لآلة إعلامية،ولا يتعلق الأمر فقط بالملاحظة التي جاءت في الهامش .. بل إن عبد الناصر نفسه .. وهو الثوري لم تكن زوجته ضمن إطار العمل السياسي .. بل لم تظهر في الإعلام إلا عندما استقبلت زوجة (هيلاسي لاسي) .. فكيف لزوج الملك سعود .. أن تصبح جزء من لعبة اغتيال سياسي؟!! إضافة أن التعامل مع نساء – خصوصا في ذلك الوقت – ليس بالسهولة التي قد يتصورها المؤلفان .. قياسا على مجتمعهما. ثم يكمل المؤلفان الحديث .. (في الواقع،تم تعيين سعود ملكا لان والده كان قد اختاره خليفته من بعده. إلا أن العجز المالي في الدولة وحادثة السراج جاءتا برهانا ساطعا على أنه ليس الأكفأ،وأن ساعة تغيير الإدارة قد دقت. وفي 24 أيار (مايو) 1958،تم تعيين شقيقه،الأمير فيصل (المولود عام 1905) رئيسا للوزراء،بمهمة إعادة النظام إلى الإدارة والأمور إلى نصابها.كان فيصل على عكس أخيه : قد عرف سعود بالتكاسل وللامبالاة والمرح والكرم إلى حد البذخ،بينما كان فيصل ميالا بطبعه للشدة والتقشف والحرص والتعالي والحزن والتحفظ. كذلك كان لسعود 40 ولدا،أما فيصل فلم يكن له سوى ثمانية. وكان لسعود عدد كبير من الزوجات و المحظيات،بينما كان للأمير فيصل زوجة واحدة. كانت قصور سعود تفيض بالترف والبذخ في الوقت الذي كان فيصل يسكن دارا متواضعة ولا يستخدم سوى سيارة واحدة. أما وجه الشبه الوحيد بينهما فكان حبهما للصيد بواسطة الصقور.ولابد من التنويه أخيرا بأن سعود لم يكن يملك أية خبرة في الأعمال التجارية،بينما ظل فيصل يعمل للدولة منذ عام 1920،كما كان وزيرا للخارجية منذ عام 1926. لذلك اكتسب خبرة وحنكة كبيرتين،وقام بالعديد من الزيارات الدبلوماسية وعرف شخصيا روزفلت وترومان وأيزنهاور ونكسون وكينيدي وستالين وتشرشل وموسوليني وأتاتورك وديغول وغيرهم.كما كان فيصل يعرف الحرب : ففي عام 1920،زار ساحة المعركة في"فيردان"،وفي عام 1925،استولى على مكة على رأس قواته،وفي عام 1943،زار لندن تحت وابل من القصف الشديد.لذلك كله كان لابد من أن ينجح فيصل في مسك زمام الأمور بيد من حديد،وأن يفرض النظام ويخلص البلاد من الفوضى. ولكن في 21 كانون الأول (ديسمبر) 1960،استرد سعود مقاليد السلطة بكاملها من جديد،فرجعت الفوضى وعاد الترف والتبذير ..في عام 1956،ترك حادثة"البريمي"المؤسفة تتطور بالشكل الذي رأيناه،أما اليوم،فعليه مواجهة الثورة الجمهورية في اليمن،والتي دبرها عبد الناصر.لذلك لجأ إلى أخيه فيصل الذي قبل،في 31 تشرين الأول (أكتوبر) 1962،العودة كرئيس للوزراء،ولكن بعد أن وضع شروطه هذه المرة : أولها عزل الطريقي وإبعاده،خاصة وأنه يشك في أفكاره الطليعية وصلاته الوثيقة بعدد من الشبان السعوديين من خريجي الجامعات الأجنبية. أضف إلى ذلك أن عداء الطريقي الشديد لشركة أرامكو كان يقف حائلا أمام استئناف المفاوضات. كما طالب فيصل بوضع برنامج للتقشف يحد بشكل خاص من المخصصات الملكية وتخفيضها إلى 60 مليون دولار.لم يكن أمام الملك من خيار سوى الرضوخ. وهكذا أعلن فيصل،في 3 كانون الثاني 1963،التعبئة العامة في العربية السعودية وقطع العلاقات الدبلوماسية مع القاهرة. كانت هذه المبادرة ناجحة لأن موسكو وواشنطن تدخلتا وتوصلتا إلى حل وسط للقضية اليمنية.عندئذ فرض فيصل وزيرا جديدا للنفط،وهو الشاب أحمد زكي اليماني (المولود سنة 1930) ابن أحد القضاة في مكة. يتّسم هذا الشاب بذكاء حاد،درس القانون في جامعة القاهرة ونيويورك (كولومبيا) وهارفارد. وهو متخصص في الحقوق الخاصة،عمل مستشارا قانونيا للحكومة منذ عام 1958،ثم وزر دولة في عام 1960،وأخيرا وزيرا للنفط والمعادن في عام 1962. كان اليماني على نقيض الطريقي : بعيدا عن الانفعال،ولكنه منفتح دائما على النقاش والحوار،دبلوماسي ناعم الأسلوب مع رباطة جأش وولاء مطلق لفيصل،ناكرا لذاته،متجاوزا المصلحة الشخصية،حريص على المصلحة العامة. كان يكسب قضاياه دائما ولكن على المدى البعيد. لا يضمر العداء لشركة أرامكو،ولكنه ينوي السيطرة عليها. ){ص 154 – 156}.كان لابد أن أقطع تسلسل حديث المؤلفين .. لأقول .. ما أحوجنا لمفاوض مثل الدكتور (اليماني) .. ليس بشخصه فقط،بل لإنشاء مدرسة تمارس الدبلوماسية (الناعمة) والنفس الطويل في المفاوضات .. نواصل مع المؤلفين .. (وضع اليماني الأمور في نصابها بسرعة مذهلة،فأوقف الحملة الشعواء على أرامكو،ولكنه فرض عليها فتح حوار جديد حول إعادة النظر في العائدات في إطار منظمة"الأوبك" فوجئ زعماء أرامكو بهذا النهج الجديد،فرفضوا الحوار في البداية،إلا أن اليماني نجح أخيرا،بفضل مواهبه الدبلوماسية،في دفعهم للجلوس على مائدة المفاوضات داخل إطار اللجنة المختصة في"أوبك"،دون أن يدركوا أنهم بذلك اعترفوا واقعيا بهذه المنظمة. عادت المهزلة من جيد في عام 1964 : عندما أعلن الملك سعود عن استعداده لاستلام زمام السلطة مرة أخرى في الوقت الذي كان فيه الريال السعودي لا يزال غير مرغوب فيه في الأسواق الأجنبية،كما ظل العجز التجاري يتزايد بصورة مستمرة.عندئذ أصبح ظهور الأمير فيصل نادرا،فهل سيستسلم لليأس والقنوط؟في 25 تشرين الأول (أكتوبر)،اجتمع أمراء الأسرة المالكة في منزل الأمير خالد،الولد السادس لابن سعود،ونائب رئيس مجلس الوزراء،وقرروا نقل السلطة التنفيذية بكاملها إلى الأمير فيصل.وفي 29 تشرين الأول،اجتمع العلماء بدورهم عند المفتي الأكبر للحكومة،محمد بن إبراهيم الشيخ،وقرروا نقل السلطة الروحية إلى فيصل.بعد ذلك اجتمع حوالي مئة أمير وخمسة وستون عالما في قصر الصحراء في الرياض،وأعلنوا في 30 تشرين الأول تنصيب فيصل ملكا للعربية السعودية. وعندما نقل الخبر رسميا إلى الأمير فيصل في جدة أصغى بهدوء ثم قال :-هل استنفذتم كافة الوسائل لإقناع الملك أولا؟غادر الوفد جدة إلى الرياض لإعلام الملك سعود بالقرار الجديد. فوجئ سعود بهذا الأمر،فتردد بضعة أيام ثم وافق أمام الأمر الواقع،ولكنه أعرب عن أمنية واحدة حسب التقاليد : وهي تعيين خالد كولي عهد للملك الجديد.في 2 تشرين الثاني (نوفمبر) 1964،صادق مجلس الوزراء على وثيقة الأمراء والعلماء. ما كاد فيصل يبلغ رسميا في جدة حتى سافر إلى الرياض حيث استقبل بحماس شديد. وفي 4 تشرين الثاني،أقسم له الجيش والحرس يمين الولاء.في الأيام التالية،رحل سعود مع حريمه وخدمه إلى القاهرة،المدينة التي تكن له العداء،بعد أن ضمن له فيصل دخلا سنويا قيمته ثلاثة ملايين دولار. وقد بقي في المنفى حتى وفاته في 23 شباط 1969.){ص 156 - 157}.بعد هذه الأسطر تحدث المؤلفان عن تحديث المملكة من قبل الملك فيصل .. ولكنني فضلت تأخير ذلك الحديث ... لأضمه إلى حديث المؤلفين عن شاه إيران. بعد الحديث عن الملك فيصل،عاد المؤلفان للحديث عن أزمات البترول،والصراع بين الشركات والدول،والمستقلين .. ثم (في 22 أيار 1967،أغلق عبد الناصر خليج العقبة في وجه السفن الإسرائيلية،فجاء الرد سريعا في 5 حزيران،عندما هاجمت إسرائيل المطارات المصرية ودمرت 300 طائرة جاثمة على الأرض بالإضافة إلى 20 محطة رادار. وبعد ذلك بثلاثة أيام،دمر الجيش الإسرائيلي 700 دبابة مصرية،ثم وصل إلى الضفة الشرقية لقناة السويس.هنا أطلق عبد الناصر نداءه الشهير لفرض حظر على النفط إلى إسرائيل والبلدان المؤيدة لها،فجاء الرد إيجابيا من قبل منظمة الأوبك.إلا أن أرباب الشركات البترولية الكبرى وجودوا الرد المنسب فضاعفوا الإنتاج في البلدان غير العربية. ومما ساعد على ذلك الموقف المنفرد لشاه إيران الذي كان يحلم بتعزيز إمبراطوريته بالأسلحة والدولارات الأمريكية،وبأن يصبح"شرطي المرور"في الخليج. لذلك رفض المساهمة في الحظر العربي،ولم يتردد في تموين البلدين الموضوعين على القائمة السوداء : إسرائيل وأفريقيا الجنوبية. (..) بعد ذلك بفترة وجيزة،بدأت الدول المنتجة للنفط تدرك مدى الضرر الذي ألحقه الحظر باقتصادها،فعمدت إلى التراجع عنه تدريجيا. في 29 آب 1967،اجتمع العرب في الخرطوم حيث لاحظوا فشل الحظر. وفي 13 تشرين الأول،استأنفت شركة أرامكو إنتاجها المعتاد. وفي نهاية شهر تشرين الأول،استأنفت الكويت إنتاجها بعد أن كانت تخسر مليونا من الدولارات في اليوم. بقي العراق وحده صامدا،ولم يستأنف البيع كالمعتاد إلا في شهر تموز من عام 1968.استرضاء لمصر،وفي نهاية 1968،دفعت العربية السعودية والكويت وليبيا لعبد الناصر وحليفه الملك حسين مبلغ 378 مليون دولار. ثم عمدت الدول العربية المنتجة للبترول إلى تشكيل منظمة"الأوابب"(OAPEP)،أي منظمة البلدان العربية المصدرة للبترول،لوضع خطة مشتركة يمكن الدفاع عنها مستقبلا.){ص 162 -163}.بعد الحديث عن حرب 67،وإنشاء المنظمة العربية .. تحدث المؤلفان عن أثر النفط،و مستقبل الدول النفطية،إذا جفت منابع النفط .. (لعل من المبالغ فيه أن نرثي لحالة هؤلاء المنتجين للبترول،لأن ثروتهم تزايدت باستمرار : أكثر من 100 مليار دولار في العام.إن العديد من هذه البلدان يتساءل عما سيحل به عندما ينفذ النفط،ويسعى جاهدا لتنويع موارد دخله.أقامت العربية السعودية أربعة مرافئ،40.000كم من الطرق،7 جامعات،12 مصنعا لتحلية مياه البحر الأحمر والخليج،تنتج 2.2 مليار لتر من المياه الصالحة للشرب يوميا،تنقلها الأنابيب حتى مسافة 500 كم عبر الصحراء.كما يحق لكل مواطن سعودي أن يحصل على قطة أرض مع قرض بدون فوائد بقيمة 75% من كلفة الدار التي يزمع إنشاءها. أما القروض الممنوحة لإقامة المصانع فبلغت 60% من سعر الكلفة.إلا أن أخطر ما في الأمر هو سباق التسلح :فميزانية التسلح في إيران بتصاعد مستمر : 8.5 مليون دولار سنة 1960،156 مليون دولار سنة 1968 مليار اعتبارا من عام 1973. ويمكن أن نقول الشيء نفسه بالنسبة للعراق والعربية السعودية.أما الاحتياطات فتوضع أحيانا في مشاريع ومؤسسات غربية : 14.4% من رأسمال "داملر – بنز"و10%من فولكسفاغن للكويت،و15 % من شركة الخطوط الجوية الأمركية"بان أميركان"و 25.04% من كروب"Krupp"لإيران،و13.65% من فيات لليبيا. كما كانت كميات هائلة من فائض أموال العائدات البترولية "حوالي 30 مليار في العام"توزع كما يلي : الربع في الولايات المتحدة،العشر في بريطانيا،ومثله في كل من أوربا الغربية والعالم الثالث.){ص 164}. ثم تحدث المؤلفان عن بعض نتائج دخول عائدات النفط إلى بعض الدول النفطية،وضربا مثلا بفنزويلا،وعاصمتها كاراكاس .. (تعتبر هذه المدينة التي تضم 2.5 مليون نسمة،أي 19% من عدد سكان البلد كله،حالة من حالات التمدن السريع والمثير للقلق بالتالي.(..) في العاصمة كاراكاس نجد الأبنية الفخمة محاطة بالأكواخ المكتظة بالعاطلين عن العمل والبؤساء. أما عدد الأغنياء فيتزايد بشكل أبطأ من تزايد الفقراء. وهكذا فإن 5% من المميزين يتقاسمون فيما بينهم 28% من الدخل القومي،بينما لا يخص المواطنين المعدمين سوى 5% من هذا الدخل.(..) تعتبر كاراكاس مدينة مفعمة بالنشاط العجيب : فالأبنية الحديثة تسحق القديمة ذات الطراز الباروكي الأسباني التي أصبحت نادرة. ويباع لتر البنزين بـ 30 سنتيما فرنسيا،الأمر الذي يفسر الأرتال المتواصلة من السيارات التي تتزاحم عل طرقات المدينة،حيث يركب الأغنياء السيارات الأمريكية الفارهة،وصغار المستخدمين"السرفيس"،بينما يتكدس الفقراء في الباصات المكتظة.){ص 165 - 166}.انتهت المساحة المخصصة للحلقة .. لذلك نكتفي بالإشارة إلى حديث المؤلفين عن أحد نتائج حرب 1967،وهو حصول انقلاب في ليبيا،على يد مجموعة من الضباط الشبان،على رأسهم معمر القذافي،وعبد السلام جلود،وكان من المقرر القيام بالانقلاب يوم 21 /3/1969،ولكن وصول المطربة أم كلثوم،إلى ليبيا، قلب الخطة رأسا على عقب .. تم الانقلاب في الفاتح من سبتمبر من نفس السنة ... كان أول عمل قم به القذافي .. (بعد ترفيع نفسه إلى رتبة عقيد،هو إغلاق البارات ومنع المشروبات الكحولية. وبعد بضعة أشهر طلب من سلاح الطيران الأمريكي مغادرة قاعدة "ويلوس فيلد"،كما طلب من الإنكليز الانسحاب من مرفأي طبرق وبنغازي،فنفذ الطلب دون أي اعتراض. ما كاد الأمر يستتب في يد القذافي حتى بدأ بالبترول. في الواقع،كانت طموحاته أخلاقية وأيديولوجية ودينية،مضادة للاستعمار والشيوعية. وهكذا تبنى لهجة المرشد الواعظ.{وبعد أن اعتبر القذافي نفسه خليفة عبد الناصر،في المحافظة على القومية العربية ،بدأ،من ذلك الحين: } يحلم"باشتراكية إسلامية تنبعث من واقع الأمة،وتستند إلى تعاليم القرآن،بعيدا عن الرأس مالية المستغلة والشيوعية الكلّيانية" ){ص 167 - 169}. إلى اللقاء في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله. س/ محمود المختار الشنقيطي ((سفير في بلاط إمبراطورية سيدي الكتاب)) Mahmood-1380@hotmail.com

  9. #9
    الجانب الخفي من تاريخ البترول : جاك .. و جان .. "12"
    نبدأ هذه الحلقة بحديث المؤلفين عن أثر الحرب العراقية الإيرانية على أسعار النفط،وكذلك اثر ظهور النفط في بحر الشمال،حيث أصبحت بريطانيا تبيع نفطها بالسعر الذي تريد،لأنها ليست عضوا في الأوبك،وقد باعت البرميل بـ 15.85 دولار .. (لذلك ثارت ثائرة الراديكاليين من البلدان المنتجة للنفط،وفي أيار 1979،أصبح كل بلد يبيع نفطه على هواه.وفي تشرين الأول،قامت ليبيا والجزائر ونيجيريا"ذات النفط الخام المتميز بجودته وبقلة الكبريت فيه"ببيع نفطها بسعر 26.27 دولار للبرميل،بينما عدلت البلدان الأخرى شهيتها على النحو التالي : إيران 23.50 دولارا،العراق والكويت 22 دولارا،العربية السعودية 18 دولارا. فهل ستصمد منظمة الأوبك أمام هذا التمزق الداخلي؟ هذه هي الصدمة البترولية الثانية التي ستستمر طوال عام 1979.تصاعد التضخم في كافة البلدان الصناعية،وارتفعت نسبة البطالة،وتزايدت ديون بلدان العالم الثالث بشكل خطير.في شهر كانون الأول من عام 1979،اجتمعت منظمة الأوبك في كاراكاس،حيث اقترح اليماني توحيد سعر البرميل وجعله 24 دولارا. إلا أن ليبيا أصرت على 30 دولارا،ثم حذت حذوها نيجيريا والجزائر،بينما انتقلت إيران إلى 28.50 دولار. وهكذا بقي الخلاف والفوضى على حالهما .. في كانون الثاني 1980،خطا اليماني خطوة أخرى نحو توحيد الأسعار،فأعلن سعر 26 دولار للبرميل. كان تطور أسعار النفط مذهلا حقا خلال تلك الفترة القصيرة من الزمن : فقد زادت هذه الأسعار خلال سبعة عشر شهرا فقط"من كانون الأول 1978 حتى أيار 1980"وفق النسب التالية :120% للنفط السعودي الخفيف.140% لسائر بلدان الخليج وفنزويلا وأندونوسيا.160% للنفط الإيراني.165% للبلدان الأفريقية.بسبب ظروف الحرب،بدأت إيران تبيع جزءا هاما من نفطها الخام في السوق الحرة،وهكذا فعلت أيضا الدول الراديكالية الأخرى،الأمر الذي نجمت عنه أرباح خيالية لهؤلاء المنتجين وللوسطاء،علاوة على الأرباح الضخمة في السوق الرسمية.(..) استنكر الشيخ اليماني هذا الوضع الخطير،وتنبأ في 29 أيار 1980،بعد أن لاحظ بفكره الثاقب ونظرته البعيدة تدهور الموقف الاقتصادي العالمي،"بانهيار أسعار البترول اعتبارا من الخريف القادم أو ربيع عام 1981 على أبعد تقدير".(..) في شباط 1982،قررت إيران من جانب واحد تخفيض أسعارها ثلاث مرات متتالية خلال شهر واحد،الأمر الذي أدى إلى كسر الأسعار على الصعيد العالمي. وهكذا أصبح النفط الإيراني الخفيف متوفر بسعر 30.20 دولارا،بينما لا يزال النفط السعودي يباع بـ 34 دولارا.ثارت ثائرة الكويت والعراق لهذا التخفيض،ولكن فنزويلا والمكسيك ومصر حذت حذو إيران.(..) أما في ليبيا،التي كانت في طليعة الراديكاليين المطالبين برفع الأسعار،فأصبح النفط معروضا بسعر 28 دولارا وأقل من ذلك في بعض الأحيان.) {ص 194- 198}. واصل المؤلفان حديثهما عن انخفاض أسعار النفط،وأسباب ذلك،مثل اكتشاف الكثير من الحقول النفطية،وإغراق السوق بالنفط،ومثل توجه أمريكا إلى عمل خطة لاستثمار الفحم الحجري،وتوجه فرنسا وبريطانيا إلى الطاقة النووية .. بينما كانت البلدان المنتجة تعاني عجزا في ميزانياتها،وتراكما للديون .. (على ضوء هذا يمكن إدراك أسباب فشل مؤتمر الأوبك،الذي انعقد في فيينا بتاريخ 20 كانون الأول 1982 : إزاء هذه السوق العالمية المتخمة،قررت الدول العضوات في المنظمة تحديد سقف الإنتاج العام بـ 18.5 مليون برميل في اليوم،ولكنها لم تتفق على الحصة النسبية"الكوتا"لكل منهم لأن 9 بلدان من أصل 13 كانت تعاني سلفا من ميزانها السلبي.عاد الخلاف التقليدي بين إيران والعربية السعودية للظهور من جديد،وبحدة أكبر من أي وقت مضى،خاصة وأن الإيرانيين،الواقعين تحت وطأة الحرب مع العراق،يريدون أن بيعوا بأي ثمن.اجتمع المندوبون من جديد في جنيف 25 كانون الثاني 1983،حيث قام السعوديون بتغيير تكتيكهم هذه المرة،فاقترحوا قيام البلدان الأفريقية المنتجة برفع أسعارها لخلق توتر في السوق الدولية. وافق الأفريقيون على ذلك،ولكن الإيرانيين عارضوه بنجاح.عندئذ نشبت الأزمة : فالاستهلاك العالمي من البترول قد انخفض بنسبة 4% نتيجة الركود وسياسات الاقتصاد في الطاقة. أضف إلى ذلك معاناة منظمة الأوبك مؤخرا من المنافسة الشديدة لكل من بريطانيا العظمى"بحر الشمال"،والولايات المتحدة"ألاسكا"،والمكسيك : فتقلصت مبيعات الأوبك بنسبة 40%،وقد جاء شتاء 1982 – 1983 المعتدل ليزيد الطين بلة،كما بدأت البلدان الصناعية،التي تملك مخزونات هائلة كدستها خوفا من ارتفاع الأسعار،بإخراج بعض هذا المخزون واستخدامه بحذر محسوب.في 11 شباط،حضر الشيخ اليماني خفية إلى لندن،حيث تباحث مع الخبراء الإنجليز والنيجيريين وعرض عليهم تخفيضا متفقا عليه للأسعار.وفي 15 شباط،عاد إلى جنيف،حيث اجتمع بزعماء شركة"أرامكو"وحثهم على الحصول من السيدة"تاتشر"على تخفيض سعر النفط الخام لبحر الشمال،فوافق الإنكليز على هذا بينما أجرت نيجيريا تخفيضا بمقدار 5.50 دولارا للبرميل.في 22 شباط،جمع اليماني ممثلي دول الخليج في الرياض للاتفاق على سياسة مشتركة حتى لا تقوم دول خارج منظمة الأوبك،كبريطانيا والنرويج والمكسيك ومصر،بفرض إرادتها على السوق الدولية.في 14 آذار،عقد المؤتمر /67/ لمنظمة الأوبك في جنيف،حيث قرر تحديد سقف الإنتاج الكلي للأعضاء بـ 29.5 مليون برميل في اليوم،وتحديد سعر النفط العربي الخام الخفيف بـ 29 دولارا للبرميل (..) إلا أن منظمة الأوبك أصبحت في الواقع هيئة استشارية بدون سلطة سوى السلطة المعنوية للعربية السعودية.(..) تطورت تقنيات التصفية بشكل أصبح بالإمكان معه استخراج أية نوعية نريدها من أثقل أنواع النفط الخام،الأمر الذي أدى إلى تقليص الفروق بين إنتاج الدول بشكل عام. وقد قام الإتحاد السوفياتي نفسه بتخفيض أسعاره بمعدل 1.5 دولار للبرميل. إلا أن الشركات الأمريكية بقيت وحدها تناضل للمحافظة على الأسعار لكي تحافظ على إنتاجها الخاص. وحتى العربية السعودية نفسها،قررت أن تشتري بالمقايضة عشر طائرات بوينغ 747 مقابل البترول،أي أنها ستبيع 31 مليون برميل "920 مليون دولار"خارج الكوتا المخصصة لها.وهكذا أصبح من المستحيل القيام بالتنبؤات إلا على المدى القصير. ولكن في الخريف،توجه الشيخ اليماني إلى البلدان الخارجة عن إطار منظمة الأوبك لكي يقنعها بضرورة الحد من الإنتاج والمحافظة على الأسعار. إلا أن نيجيريا أعلنت،في 18 تشرين الأول،عن تخفيض سعر البرميل بمقدار دولارين،في الوقت الذي تجاوز إنتاجها الحصة النسبية"الكوتا"المخصصة لها.في 29،30 تشرين الأول،اجتمعت منظمة الأوبك في جنيف وقررت نهائيا الحد من إنتاجها ليصبح 16 مليون طن في اليوم بسعر 29 دولار للبرميل العربي الخفيف. إلا أن هذا كان يفترض تقليص الإنتاج بنسبة 4 – 14%،فمن يستطيع فرض احترام هذه التعليمات إزاء سوق تقدر احتياجاتها بـ 19 مليون برميل في اليوم؟ ثم ألم ترفض نيجيريا الالتزام سابقا؟خرج اليماني من الاجتماع متفائلا وقال : "كانت بعض البلدان تنتج أكثر من الكوتا المخصصة لها،بل إن بضعها تجاوز ذلك بنسب 20%،إلا أننا تلقينا تأكيدات بأن هذا سيتوقف".ولكن من سيراقب اتفاقيات المقايضة والتخفيضات السرية للأسعار والاتفاقيات المزيفة للتصفية وغيرها؟وهكذا كان الانطباع السائد بأن كل شيء يعتمد على حكمة العربية السعودية واعتدالها. إلا أن وضع هذا البلد ما زال يحير الكثير من المراقبين : فالأسرة المالكة،التي يتجاوز تعداد أفرادها الخمسة آلاف،تسيطر على كل شيء،يساعدها في ذلك الحرس الوطني والعلماء المسؤولون عن تطبيق الشريعة الإسلامية. وعلى أبواب هذا البلد حرب لا تنتهي بين إيران والعراق. والحق يقال أن انتصار أحد الطرفين يعتبر أمرا غير مرغوب فيه بالنسبة للمنطقة : فانتصار إيران سيصدر الثورة الإسلامية المتطرفة،بينما سيؤدي انتصار العراق إلى سيطرته على المنطقة وانتشار أفكاره التي يعتبرها البعض راديكالية. أضف إلى ذلك أن العربية السعودية تساهم في حماية نظام الملك الأردني حسين،و"تهادن"نظام مبارك في مصر،وتقيم علاقات جيدة مع سورية حافظ الأسد وتدعم جهودها الرامية لإعادة السلام إلى لبنان. كما تقوم في الوقت نفسه بمساندة بورقيبة والملك الحسن الثاني والجزائر في وجه القذافي ومشاريعه الثورية،وتحد من العمل السوفياتي في الصومال وتساعد تنزانيا وزائير وغينيا الجديدة ومالي وغيرها من بلدان أفريقيا السوداء.ولاشك في أن وسيلتها الرئيسية في كل هذا هي الدولار،حيث تنفق في هذا السبيل ثلاثة مليارات دولار في العام على شكل قروض أو هبات أو منح سرية. إنها دبلوماسية سرية نشطة بلا ريب،ولكن ماذا يحدث إذا شحت الأموال أو انقطعت لسبب أو لآخر؟ سؤال محير سيظل مطروحا في المستقبل المنظور .. من الثابت أن اعتماد أوربا على البترول يتقلص تدريجيا (..) أما الولايات المتحدة،فقد تقلص شراؤها لبترول منظمة الأوبك والبلدان العربية 18% الآن مقابل 25% في السبعينات لصالح المكسيك. ولكن 18% ليست بالشيء القليل.***********ما هي الأفكار العميقة للشيخ اليماني؟ هذا هو الذي دفعنا لزيارته في الرياض وطرح هذا السؤال عليه.استقبلنا في قصره الشخصي الفخم دون إسراف،حيث تقبل أسئلتنا كلها برحابة صدر رغم ما كان في بعضها من إثارة وإحراج. إلا أنه كان هجوميا في حديثه وكأنه لا يحب أن يلتزم أبدا جانب الدفاع. فموقفه قوي داخل المملكة،لأنه يعرف جيدا أوضاع الأمراء ومنافساتهم الخفية ومطاليبهم،وقد استنتجنا أن وراء هذه المنافسات تقف الأمهات المختلفات وانتماءاتهن الأسرية والقبلية.وردت كثيرا على لسان اليماني العبارة التالية :-نحن قوم من البدو،نحتقر المال ونؤمن بالتفاوض في أعمالنا وصفقاتنا.كما أعرب عن استيائه من موقف الجزائر ونيجيريا وليبيا،التي لا تحترم التعهدات التي تلتزم بها منظمة الأوبك،وقال :"- نحن كنا البلد الوحيد تقريبا الذي أدرك مسبقا ما سيحدث وحذر منه بكل ما يملك من وسائل دون أية خلفيات مصلحية ضيقة."من المعروف أن استهلاك البترول كان يتزايد كل عام بحوالي 5 – 7% فلو استمر الوضع على هذا النحو،لبلغ الاستهلاك اليوم 65 مليون برميل في اليوم،وهذه كمية هائلة لا يمكن تصورها! ولولا تصاعد الأسعار في عام 1973،لسار العالم نحو كارثة لا يمكن التصدي لها"."بفضل الله،سمح لنا تصاعد الأسعار بأن نحد من الاستهلاك تدريجيا،وبأن نعيده إلى المستوى المقبول الذي وصلنا إليه في الوقت الحاضر". "صحيح أن وطأة ارتفاع الأسعار جاءت ثقيلة على بلدان العالم الثالث،ولكن دول الأوبك عوضت الأضرار التي أحدثتها،فأقامت صندوقا للمساعدات وقدمت مليارات الدولارات للبلدان النامية غير المنتجة للبترول"."كل هذا في الوقت الذي عمدت فيه البلدان الصناعية،دون خجل، إلى رفع أسعار منتجاتها بسبب التضخم،دون أن تقدم شيئا لإصلاح ما أفسدته". "إلا أنني أعترف بأننا ارتكبنا الكثير من الأخطاء أيضا،وبخاصة في مجال تثبيت أسعار البترول عند نهاية عام 1980 ومطلع عام 1981. فقد رفعنا الأسعار بصورة فظة أكثر من اللازم،الأمر الذي ألحق الضرر بالعالم كله وبنا أيضا."وها نحن الآن ندفع ثمن ما كسرناه. إلا أنني آمل أن نكون قد استفدنا من هذا الدرس الذي كانت العربية السعودية ضحيته الأولى!(..) "لقد عملنا المستحيل لوضع أساس ثابت لزيادة الأسعار،ولتبني إستراتيجية مشتركة بعيدة المدى،ولكننا لم ننجح مع الأسف."في الوقت الحاضر،نحن ننتج في العربية السعودية أقل من 4 ملايين برميل في اليوم،رغم أعبائنا المالية الهائلة."يجب على البلدان المنتجة،التي لا تنتمي لمنظمة الأوبك،أن تتعاون مع أعضاء هذه المنظمة. ولاشك في أن من مصلحة العالم أجمع أن يقوم جهاز دولي بمراقبة الأسعار،ومنظمة الأوبك هي الوحيدة القادرة على ذلك".){ص 199 - 205}.بعد هذه المقالة تحدث المؤلفان،في الفصل السابع،عن شركات البترول،وتحديدا عن أربع شركات (إيكسون ،BP،شل وآلف أكتيان) .. و ضمن ذلك تحدثا عن "الشحنات التائهة" وضربا لذلك مثلا واقعيا هو التالي .. (في عام 1980،كانت هناك ناقلة بترول تدعى"سالم"،حمولتها 2000 طن،مؤجرة لشركة ملاحية سويسرية،أخذت حمولتها من النفط الخام من أحد المرافئ الكويتية.في عرض البحر،تم شراء الحمولة من قبل شركة شل،على أن تصبح الغاية مرفأ روتردام. توقفت الناقلة في مرفأ"دربان"حيث بيعت الشحنة ثانية في السوق السوداء لتجار من جنوب أفريقيا،فغيرت طاقمها واستبدلت البترول بالماء ثم توجهت إلى"داكار".أما سواحل السينيغال،اختفت الناقلة"سالم"في عمق المياه،بينما أنقذ أفراد الطاقم وفق خطة مبيتة ومتفق عليها مسبقا.خضعت عملية القرصنة هذه للتحقيق،فثبت تواطؤ أفراد الطاقم،ولكن شركة شل تمكنت من الحصول على تعويضات عن ثمن الشحنة من قبل شركات التأمين.){ص 230}.من ضمن أهداف القصة توضيح عدم القدرة على السيطرة على البترول،حالة الحظر على دولة معنية .. لأن ناقلة النفط حين تنطلق من مرفئ ما ... فلا أحد يعلم أين سينتهي بها المطاف .. تحدث المؤلفان كذلك عن العمالة الأجنبية في دول الخليج .. واعتماد تلك الدول على استيراد كل شيء من الخارج، خصوصا الغذاء .. ونختم هذه الحلقة بلقطتين من كلام المؤلفين .. اللقطة الأولى : (صحيح أن الدخل السنوي للفرد في هذه البلدان يضعها في مصاف أغنى دول العالم"قطر : 175000 فرنك فرنسي،الإمارات : 150000 فرنك،الكويت : 11000 فرنك"ولكنها،تبقى مع ذلك سريعة العطب : 4300 فرنك سنويا للواردات الغذائية للفرد في الكويت،6000 فرنك في قطر (رقم قياسي عالمي)،علما بأن الإمارات تستورد 80% من احتياجاتها من الخارج.(..) لذلك يمكن أن تجوع هذه البلدان خلال أيام إذا تعرضت لأي حصار.){ص 234 - 235}. اللقطة الثانية هي قولهما : ( في الواقع،تقوم البلدان ذات العدد القليل من السكان،والتي تملك دخولا هائلة،بوضع أموالها في المصارف. وهي الآن قادرة سياسيا على قلب السوق الدولية رأسا على عقب،إلا أنها لم تستخدم هذه القوة حتى الآن.){ص 235}.أعتقد أن "سرعة العطب"كانت في حاجة إلى إنشاء وزارة مشتركة لـ( الأمن غذائي) .. أما (القوة التي لم تستخدم حتى الآن). فهي في حاجة إلى (قوة أخرى)!!!!!!!!!
    إلى اللقاء في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله.
    س/ محمود المختار الشنقيطي ((سفير في بلاط إمبراطورية سيدي الكتاب)) Mahmood-1380@hotmail.com

المواضيع المتشابهه

  1. "فرنسا 24" و"الحرة" … أو حين تتنكر "الدبابة" في ثوب "الميديا" كتبه شامة درشول‎
    بواسطة محمود المختار الشنقيطي في المنتدى فرسان المقالة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 02-18-2015, 09:36 AM
  2. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09-13-2012, 07:03 AM
  3. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-09-2012, 08:43 AM
  4. "فيسبوك" أكبر أداة تجسس عالمية.. و"ياهو" و"جوجل" واجهتان لـ"cia"
    بواسطة شذى سعد في المنتدى فرسان التقني العام.
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 10-21-2011, 06:52 AM
  5. المبحوح.. طريد الموساد "الخفي"
    بواسطة ندى نحلاوي في المنتدى آراء ومواقف
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 02-20-2010, 11:32 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •