كثيراً ما نقع في كتبِ التراث العربي على قصص تروى عن النوادر.
فمن نوادر البخلاء إلى نوادر الشطَّار إلى نوادر جحا .. وحتى نوادر الضرّاطين والفسَّائين في نثر الدُّرِّ مثلاً ..
وعليه، فلا يُنكِرَنْ أحدٌ عليَّ أني كتبتُ في هذا الحقل!
فلولا أنْ حرصتُ على توثيق بعض القصص الحقيقية التي رويتْ أمامي وعن أصحابِها الحقيقيين، لما تجرأتُ أنْ أقارب هذه الألفاظ التي قد يستنكِرُها الكثيرون.
قالَ له: اثقب لي سقفَ المنزلِ من طرَفِهِ لفتحةِ مزراب وسأعطيكَ عشرة أوراقٍ نقدية.
فلمّا جلبَ الإزميلَ وبدأ العملَ، لم يُكَلِّفْهُ ذلك إلا ضربةً واحدة. فالثقبُ مُجَهَّزٌ من قبلُ، لكنَّهُ مغطىً ومُغلَقٌ بترسُّباتِ الأتربة.
قال: إف .. لا يساوي ذلك حتى ورقةً نقديَّةً واحدة !! فكيفَ سأعطيكَ عشرة؟؟؟
قال: فَصَلْت!
أجاب: ولو .. !! لن أعطيكَ.
خِلْتُكَ ستُمضي نصفَ نهارِكَ في العمل، فإذا بالأمرِ قد انقضى بضربة إزميلٍ واحدة!!
الله .. الله .. لا بالله .. لن أعطيك عشرةَ الأوراق!
عَلَتِ الأصواتُ، وبدأتِ المُشادَّاتُ الكلاميَّةُ تتصاعد ..
فجأةً بادَرَهُ باقتراح ..
قال له: ما رأيك؟ إذا ضَرطُّتُ لكَ ضرطةً، هل تتنازلُ قبالَتَها عن عشرة الأوراق؟؟
قال بحنق: نعم .. أتنازل ..
وكانت تلكَ الفعلةُ عندَهُ من كبائرِ الأمورِ، ولم يتخيلْهُ، قَطُّ، أنَّهُ يفعَلُها ..
لكنَّ صاحِبَ المِزرابِ وجَدَها فُرصةً .. و .. ضرط.
صمَّ العامِلُ أذنيهِ بيديهِ، والدَّهشَةُ تملأه ..
والخَجَلُ يشُلُّ تفكيرَه ..
ثم التفتَ إليه: لن أتنازل عن الأوراقِ العشرة!!
قال: لقدْ فَصَلْت؟!
قال: خِلتُكَ ستمضي ساعتين لتستحضر ضرطَتَك .. فإذا بك ضرَّاطٌ محترف!!
قال: وما شأني؟ .. أنتَ قد رضيت!
فذهب يشكوهُ لوالدِه المُسِن.
قالَ الوالد: لا .. عيب .. حقُّهُ عشرةُ الأوراقِ التي كانت الفصل.
فأعطِهِ حقَّهُ يا ولدي .. ولا تُبخِسْه!!
رضخ الابن لأمرِ والده وسلَّمَ العامل أجرَه.
بُهِتَ العامِلُ لعدالة الشيخ.
وشكَرَهُ .. يريد الانصراف.
فهتفَ الوالدُ إليه قائلاً:
بقي لهُ في ذِمَّتِك شيء .. فكيف تنصرف قبل أن تُنصِفْه؟!
قال: كيف؟؟
قالَ: الضرطة ..!!
رُدَّ له ضرطَتَه ..
ألقى بالأوراق العشرةِ وغادرَ .. لا يلوي على شيء.