الكتابة الصحفية ما بين التهريج الرخيص والطرح الجاد لقضايا الوطن / عبد الرحيم محمود
لا أنكر أن بعض حكام الدول العربية نكتة كاملة ، يقومون بدور المهرج الذي يتلون وجهه طبيعيا ولا يحتاج لمكياج يجعله مستدرا لضحكات المشاهدين ولن أذكر أسماءهم فلا حاجة لذلك ، ولكن ذلك لا يجب أن يجعل الشكل التهريجي الجالب للراغبين بالضحك ولا هدفا لجلب القراء وتسجيل عدد المشاركين والتفاخر بعدد صفحات القراء والمتفاعلين ، فالوطن ليس مقالا وليس نكتة وليست دماء الناس ماء يسهل إعادته ليدور دورة طبيعية ما بين البخار والسائل !
ما جرى بليبيا التي دمرها مهرج من نوع خاص لم يسمع صوت شعبه ولا هو مل الركوب على ظهر الشعب ، وتشبثه بالسلطة بسبب عدم تصديقه أن في الدنيا من هو أفضل منه أو يساويه جعل ليبيا كومة من الخراب والدمار والموت لا يعرف منا أحد متى تعود لطبيعتها تتحرك الحياة في شرايينها بصورة طبيعية .
أستطيع هنا أن أقدم الشكر كل الشكر للجيشين المصري والتونسي وللحاكمين المخلوعين اللذين تركا الكرسي - ولو مجبرين - دون التوجه ببلديهما لحمام الدم وأنهار الدمار الاقتصادي والنزف من مقدرات الشعب .
وأرى في بعض الكتابات التي تنشر هنا وهناك ليس لها مكان إلا لإظهار استظراف أصحابها ، وقدرتهم على جعل الأمور الجدية مسرحية هزلية ذات نهايات مأساوية مبكية دامية ، ليس الهدف منها نصرة الشعوب وإنما الهدف منها هو الصعود الشخصي على جماجم الأبرياء ، وقد ورد في الأثر : دع خيرا عليه الشر يربو !
هذه المقالات وأصحابها لا يفعلون أكثر من الضحك وإضحاك الناس على من تزحلق بقشرة موز ووقع على ظهره وانكسر وعاء اللبن الذي بيده ولوث ملابسه بدلا من أن نجعل الموقف داعيا لمساعدة من وقع !!!
ومن الواضح أن سكب الزيت على النار السورية بمقالات الجد أو الفرفشة ، الدموع أو القهقهات ، الدماء أو مسك الخاصرتين لمنع تدفق الضحك أكثر من احتمال الجسد ، يعتبر في نظري مشاركة في جريمة القتل الذي يحدث يوميا ، ورب سائل يتساءل مع من أنت فأجيب بلا تردد ولا وجل : أنا مع الشعوب ومع الحرية ، لكن ليس بكل ثمن .
أنا مع الشعب في سوريا ، لكن هل هناك إجماع كامل على ما يدور في الشارع ؟؟
يستطيع تنظيم كما حدث في فلسطين أن يخرج أنصاره لتأييد الزعيم على القضية الوطنية كما حدث في مظاهرات أوسلو - سيء الذكر - ليرى العالم أن الناس يبتهجون بالاتفاق ، والمصورون يصورون من يحتفلون ولكنهم بالقطع لا يصورون الأغلبية الصامتة التي تحس بالعار لهذا الاتفاق .
وسائل الإعلام لا بل وسائل الثورة أو وسائل العنف التي تقودها الجزيرة لتصنع عالما عربيا جديدا مدمرا بالكامل ليعاد تنظيمه عبر الفوضى الخلاقة خرجت عن قضبان كونها وسائل إعلام لتكون في يد من يسيرونها عبر التهويل الإعلامي لهدم البلد قبل هدم نظامها ليصار إعادة البناء بيد الأجنبي وبمخططات صهيوأمريكية وعلى المقاس الذي تريده القوى الأجنبية .
قد يغر بعضهم أن الناتو جاء لينقذ ليبيا ، ولكن الحقيقة ستتضح لاحقا بأنه جاء لجعل ليبيا كومة خردة يعاد صهرها بمقاس وقوالب الأجنبي .
أنا لا أريد لسوريا أن تكون أنموذجا ليبيا ، وقد استغل الغرب طيش القذافي ونزقه ومرضه النفسي بعدم قدرته على الانتقال من قصره العاجي ليكون مواطنا ليبيا عاديا كما يحدث في البلدان الغربية بمجرد انتهاء فترة الرئاسة عندهم ، واستغل بعضنا من المستظرفين كون القذافي شخصية فكاهية من الطراز الأول الحال ومهد للأجنبي بتعاطفه ضد هذه الشخصية الكوميدية ليكون السيد في ليبيا لزمن سيطول ، وسيتحكم في القرار الليبي والثروة الوطنية وستعود البلاد مرة أخرى بحاجة للتحرير ممن ادعوا أنهم حرروها من مجنون دمر البلاد وقتل العباد .
توقفوا عن صب الزيت على النار السورية وادعوا الجميع للجلوس على طاولة البحث والحوار الجاد وليس الاستمرار في مسلسل الدم والدمار والحل سيأتي بدون تحويل سوريا لمستنقع دم ، وكتلة من الخراب ، وتوقفوا أيها الكتاب عن الاستظراف والتنكيت والكتابة الهزلية بدماء سورية .
قال عليه الصلاة والسلام : من أعان على قتل امريء مسلم ولو بشطر كلمة أقـ... جاء يوم القيامة مكتوبا على جبينه آيس من رحمة الله .
قال تعالى : وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ......
ليكن هدفنا حقن الدماء وليس التنكيت والضحك على حساب الدم .