منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 10 من 13 الأولىالأولى ... 89101112 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 91 إلى 100 من 121

العرض المتطور

  1. #1
    السلام عليكم
    أستاذ أسامة حفظه الله
    ومازلنا نستمتع بحوار الكبار أيضا وبعد:
    انت أستاذنا الكريم تناقض نفسك تماما...
    انظر لما ذكرته هنا وانا أمارسه في عملي الدعوي كذلك :
    كان يدرسنا أستاذ أميركي مادة "مناهج البحث العلمي"، ومنها "مناهج البحث التاريخي". وكان الرجل متمكنا من أدواته العلمية.
    أثناء إحدى المحاضرات تقدم أحد زملائي الطلاب وهو من "المغرب" بمداخلة قال فيها على ما أذكر "المعنى وليس اللفظ بالضرورة": "إننا نحن المسلمون ابتكرنا أدق منهج للتثبُّت من التاريخ، وهو منهج علم الحديث ومصطلحه"، وراح يتحدث عن علم الرجال والجرح والتعديل.. إلخ، والأستاذ ينصت.
    عندما انتهى زميلي من مداخلته التي استمع إليها الأستاذ كاملة وبمنتهى الاحترام، ابتسم وقال "بالمعنى أيضا وليس باللفظ": "أعرف ذلك جيدا يا صديقي. واعتبر هذا المنهج من أهم مناهج البحث التاريخي التي توصل إليها البشر، لكن لا يوجد منهج يستطيع إنجاز الحقيقة بالشكل الذي تدعيه، ولا حتى هذا المنهج". ثم نظر إلينا وقال: "ما رأيكم لو خضنا تجربة ممتعة الآن؟".
    استثارنا الموضوع وقبلنا بخوض التجربة، وبدأنا على الفور لعبة ممتعة للغاية، لن أنساها ولن أنسى دلالاتها ما حييت.
    خرجنا سبعة من الطلاب ووقفنا قريبا من الأستاذ متقاربين بشكل معقول. وقام الأستاذ بكتابة عبارة من سطرين على ورقة، ثم طواها وقال: "سوف أجعل زميلكم في الطرف الأيمن يقرأ الورقة ويستمر في قراءتها وتكرارها بينه وبين نفسه حتى يخبرني بأنه حفظها عن ظهر قلب. ثم سوف نتيح له الفرصة كي يلقنها همسا لزميله المجاور له، ويكررها على مسامعه حتى يخبره هو أيضا بأنه حفظها. وسوف نكرر هذه الفعلة من زميل إلى آخر، حتى نصل إلى آخر زميل لكم، ونطلب منه بعد أن ينتهي من الاستماع والحفظ، أن يسمعنا ما تلقاه من آخر سلسلة الرواة السبعة. ونكتب على اللوح ما سوف يذكره، ونقارن ذلك مع ما هو مكتوب في الفرقة في الأساس، لنلاحظ النتيجة.
    كانت لعبة غاية في الإثارة والتشويق، استمتعنا بها جميعا، لأنها بالفعل عالية الدلالة.
    نفذنا التجربة بمنتهى الشغف، ولم يأخذ منا الأمر أكثر من حوالي عشرين دقيقة في المجمل. وجاءت اللحظة التي أسمعنا فيها آخر سلسلة الرواة ما سمعه ممن قبله، ودونه الأستاذ بنفسه على اللوح، وكانت العبارة بالمعنى طبعا: "خرجت من بيتي مبكرا في مدينتي في يوم ماطر كي أذهب إلى الجامعة، لكن شوارع لوس أنجلوس كان متعبة، لأن شدة الأمطار ضايقتني خلال المشي، فوصلت متأخرا".
    وجاءت اللحظة الحاسمة التي سوف نقرأ فيها العبارة التي كتبها الأستاذ، كي نقارنها بالمتن الذي نقلته سلسلة الرواة.
    كانت النتيجة مذهلة للغاية.. العبارة المكتوبة على الورقة كانت تتحدث عن..
    "أزمة المرور في مدينة نيويورك، في أيام الثلج، ولم تذكر الجامعات سوى في سياق التأكيد على أن الأزمة أدت إلى تعطيل الدراسة في الجامعات وفي المدارس التي لم يأت الزميل على ذكرها أصلا".
    لن أعلق على هذه النتيجة بشيء غير التذكير بأن هذه السلسلة من الرواة نقلت روايتها خلال عشرين دقيقة فقط، وليس على مدى مئات من السنين، وكان الجميع مهيئون للفكرة وللهدف الذي يسعون إليه، ولم تكن لأي منهم أي أجندة تدفعه إلى التزوير، وكان احتمال الخطأ ضئيل للغاية بسبب التقارب الزماني والمكاني. ومع ذلك أنظر كيف كانت النتيجة؟!!!!

    اولا ماقلته يمكنني الرد عليه بطريقتين:
    الاولى هو ان القرآن الكريم جاءنا أيضا مدونا أيضا وبعد ان كان محفوظا في الصدور وماينطبق على الحديث يمكن عقليا ان ينطبق على القرآن وهنا أيضا يمكننا نسف الإسلام من جذوره حسب ماتقول, خاصة لو تذكرنا الفروق بين المدونات القرآنية حينها.!!
    قال تعالى:
    الحجر (آية:9):انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون
    النحل :
    (آية:43):وما ارسلنا من قبلك الا رجالا نوحي اليهم فاسالوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون
    *****************
    ال عمران (آية:132):واطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون
    المائدة (آية:92):واطيعوا الله واطيعوا الرسول واحذروا فان توليتم فاعلموا انما على رسولنا البلاغ المبين
    الانفال (آية:1):يسالونك عن الانفال قل الانفال لله والرسول فاتقوا الله واصلحوا ذات بينكم واطيعوا الله ورسوله ان كنتم مؤمنين الانفال (آية:46):واطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا ان الله مع الصابرين
    المجادلة (آية:13):ااشفقتم ان تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فاذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فاقيموا الصلاه واتوا الزكاه واطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون
    التغابن (آية:12):واطيعوا الله واطيعوا الرسول فان توليتم فانما على رسولنا البلاغ المبين
    **************
    هنا السؤال:
    كيف سنطيع الرسول حسب قولك؟حتى لو سلمنا ببعض ماجاء فيما ذكرت؟فهل فهل ننسفها جميعا؟

    ثانيا:هناك في السفارات الأمريكية عموما دورات للغات وقد تابعت اخبار بعضها بطريقتي الخاصة فوجدت انها ليست فقط دورة تعليمية إنما عملية غسيل مخ وقد نجوت من إحداها...وماينطبق على هذا المكان ينطبق على ظامكنة اخرى فلم نفترض منطقية الغرب على حساب ديننا الذي يجب ان نضع له اعتبار حسب مقاييسه المعتبره في حينها...ولن ننسى ان هناك فعلا من سمع من الرسول مباشرة ورحل كالبخاري للحصول عليه منه مباشرة..وهكذا..
    لذا مهما كانت الفكرة منطقية مقنعة..كي تواجههم بأن دين النصارى كان كذلك وشتان!!فلم يقع جل الاجتهادات على الإسلام ولايمس العبث الذي مورس على غيره؟فلننسف الأديان الأخرى إذا!.
    اظنك لم تحسن الرد حينها( يمكنك الاطلاع على الحوار مع الدكتور قبيسي كي ترى جذر الفكرة فقط وبإمكاني إحياء الحوار معه لو أحببت)
    مرور سريع
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  2. #2
    محاضر ومسؤول دراسات عليا في جامعة القاضي عياض، المغرب
    تاريخ التسجيل
    Jun 2009
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    1,497
    تعقيبات الأستاذ عبد الرزاق أبو عامر، وتعقيباتي عليها
    مقدمة..

    بالغ تقديري واحترامي وشكري للأستاذ "عبد الرزاق أبو عامر"، على اهتمامه وصبره على قراءة أفكاري، فضلا عن بذله الجهد في التعقيب عليها ذلك التعقيب العلمي الثري "الماتع" في الغالب، أما بعد..

    جزاكم الله خيرا أستاذ أسامة
    هذا من فيض نبلكم وبالغ كرمكم
    ولقد أخذت لفظة ( القرآنيون ) من تعقيبك حيزا غير قليل
    فأحببت التعليق عليه وإدراجه مستقلا قبل متابعة تعليقي على سائر تعقيباتكم


    بداية، أود لفت الانتباه إلى أنكم استخدمتم لفظ "القرآنيون" في سياق تعقيباتكم أكثر من مرة، بشكل دل – على ما فهمت مع رجاء التصحيح إن كنت مخطئا – على أنكم تطلقون هذه اللفظة – بدلالات اصطلاحية ما قد يكون تم تداولها - بشكل غير مباشر – يكاد يكون تعريضيا – على حامل هذه الأفكار والقائل بها!!


    لا حاجة بي إلى التعريض بحامل هذه الأفكار والقائل بها
    لأن غاية ما يجمعني بك هاهنا نقاش فكري لا ألزمك فيه بشيء كما لا تلزمني فيه بشيء
    ولا يلزم أن نتفق من خلاله كما لا يلزم أن نختلف
    ومن ثم فلا مصلحة لي في ثناء فضلا عن هجاء
    أما مصطلح القرآنيين فإني أستعمله للدلالة على المتخذين القرآن الكريم مرجعا للحكم على الحديث صحة وبطلانا
    وهم بهذا ( قرآنيون ) تجاوزا فحسب لأن القرآن لا يقبل نصب الخلاف بينه وبين صنوه .


    ولأنني لم أفهم مقصدكم من استخدام هذه اللفظة، لا يسعني في هذا المقام سوى التأكيد على ما يلي..

    إذا كنتم تقصدون بـ "القرآنيون"، أولئك الذين غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما رأى أحدهم يحمل صحيفة من التوراة وينهمك في قراءتها، فوبَّخَه قائلا: "والله لو أن موسى كان حيا بين أظهركم، لما حل له إلا أن يتبعني"، فإنني منهم ويشرفني أن أكون منهم. والمُوَبَّخُ في هذه الرواية هو "عمر بن الخطاب".


    هؤلاء ( القرآنيون ) الذين حث النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وغيره على أن يكونوا منهم
    لو حكموا عقولهم في فهم القرآن على النحو الذي تحكم عليه عقلك في فهمه لما وصلنا القرآن على هيئته المعروفة في المصحف الذي يعرفه المسلمون
    فإن كان النبي صلى الله عليه وسلم قد ( وبخهم ) فلقد نفعهم ( التوبيخ النبوي ) بحيث صانوا القرآن ،
    ونقلوه إلينا كما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم تلاوة وفهما
    فلم يخلطوه بوحي غيره فضلا عن هوى عقل يذهب بسره
    وإمامهم في ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي ضرب صبيغا التميمي بعراجين النخل
    - وكان يسال عن متشابه القرآن - حتى قال :
    ( يا أمير المؤمنين حسبك قد ذهب الذي كنت أجد في رأسي )
    وإنما استشهدت بقصة صبيغ لاستشهادك بقصة صحيفة التوراة ، فانظر كيف انتفع عمر بـ ( التوبيخ النبوي )
    وصار يصنع صنيع رسول الله صلى الله عليه وسلم


    وإذا كنتم تقصدون بـ "القرآنيون"، أولئك الذين أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حق التفكير والاجتهاد حين قال: "من اجتهد وأخطأ فله أجر، ومن اجتهد وأصاب فله أجران"، فأنا منهم وأعتز بأن أكون منهم.


    الاجتهاد بمعناه اللغوي لا يحتمل هذا التوجيه ، وليس أهله من مستحقي الأجر أو الأجرين
    وإلا لاستوى قول المثقف وقول غير المثقف في فهم النص الأدبي فضلا عن القرآني
    أما هذا الاجتهاد فهو الاجتهاد الذي تعارف على شروطه الأصوليون
    وقدره حق قدره المفسرون


    وإذا كنتم تقصدون بـ "القرآنيون"، أولئك الذين أثنى الله سبحانه وتعالى عليهم في كتابه، في كل مرة هجا ووبَّخ وانتقد، أولئك الذي لا يستخدمون عقولهم، ولا يتفكرون ولا يتدبرون ولا يتذكرون، فأنا منهم، وأتمنى أن أبقى واحدا منهم.

    ما كان لهؤلاء أن يستخدموا عقولهم ، ويتفكروا ، ويتدبروا كلام الله تعالى بما يخلع عنه حقيقته
    إذ هو صفة من صفاته جل وعلا ، منزه عن العبث ؛ أقصد على وجه الخصوص الأساطير التي قررتم أنه لم يخل منها



    وإذا كنتم تقصدون بـ "القرآنيون"، أولئك الذين لا يقدمون على كلام الله من كلام البشر شيئا، حتى لو كان كلام أنبيائه المقربين، ويضعون كلام هؤلاء في موضعه الصحيح واللائق من كلام الله، فأنا قطعا منهم، وإنه لفخر كبير لي أن أكون منهم.

    شرط كونك منهم - كما هو ظاهر من تعليلك هنا - أن لا تنتقي من كلام أنبيائه المصطفين أخذا وردا بالهوى المخالف لمراد الله الذي أمرهم بتبليغ ما أنزل إليهم
    لا بتبليغ ما وافق مما أنزل إليهم عقولهم فحسب


    وإذا كنتم تقصدون بـ "القرآنيون"، أولئك الذين لا يسمحون لأحد – أيا كان – بأن يحجرَ على عقولهم التي كرَّمها الله بالحرية والانعتاق في "كتابه العزيز"، ولا بأن يرهبَهم بـاستخدام بُعْبُع "السلف" حينا،
    السلف رضوان الله عليهم ليسوا بعبعا ، وما ينبغي أن يكونوا كذلك عندك ولا عند من يخالفك من أتباعهم
    ولو عرف الله تعالى للخلف عليهم مزية لما قيضهم لنقل سنة نبيه صلى الله عل وسلم ، ولقيض الخلف
    وتصور الخلف القدرة على مضاهأتهم فيما أتوا صيانة لدين الإسلام علما وعملا تنطع سافر
    وقولنا عند ذكر صحابي جليل أو تابعي جليل ( رضي الله عنه ) مشتمل على ذلك
    بل إن تراث علوم القرآن وعلوم الحديث لا يزال يتحدى الخلف أن يأتوا بمثله تصنيفا ومنهجا
    أجل .. قد يأتي المفسر أو المحدث الناقد من الخلف بجديد نافع للأمة ، مستجيب لتطلعاتها الثقافية والحضارية المعاصرة
    ( التفسير الموضوعي ) ( الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ) .....
    لكنه يظل أشبه بالغصن الممتد بمدد الجذع
    وما كان للأفنان أن تنشئ غراسا .

    وغول "احترام المرجعيات" المطلق حينا آخر
    المرجعيات صنفان : وحي معصوم ليس للعقل معه إلا الاتباع
    وقواعد العلم ومناهجه المؤسسة للعلوم الخادمة للوحي ،
    الرافعة لصرح حضارة أمة الإسلام في شتى المجالات
    فهذه يجوز للعقل تطويرها وتجديدها إحياء لها ، واستخراجا لما يقتضيه التطور العلمي من المواكبة
    التي لم يغب اعتبارها عن وحي خاتم ونبي خاتم وتشريع خاتم
    ( معالم الاستشراف المستقبلي في السنة النبوية )

    ، وعنقاء "الخوف من الانفلات الديني" مرة ثالثة،
    وهل ضيعت أمة الإسلام ريادتها وشهادتها الأولى على الأمم إلا بسبب الانفلات الديني ؟
    وهل يبدأ الانفلات الديني إلا بسفك دم النقل بسيف العقل ؟
    فمن الانفلات الديني الخطير إنكار مشروعية الحجاب الشرعي في القرآن
    وإبطال كل الأحاديث الصحيحة الواردة بفرضيته على المرأة المسلمة
    وفي ذلك من الإفساد في الأرض ما لا تنكره الفطر فضلا عن العقول فضلا عن الشرائع

    وبمقولة "هل فاتت هذه الأفكار والآراء على هؤلاء كل هذه الدهور دون أن ينتبهوا إليها؟"
    قد فاتهم في الواقع اختراع مثل ( المقياس القرآني )
    وليته كان قادرا على صيانة البعد التشريعي العملي في الإسلام
    إذن لاعتبرناه اجتهادا ذا قيمة
    ولكن أقل مساوئه تجرئة العباد على رب العباد

    ، مرة رابعة، رابطا بين حقهم المقدس في التفكير وإن أدى إلى اختلافات مع هؤلاء – في الكثير أو في القليل – والمساس بالدين، وكأن التفكيرَ حكرٌ على هؤلاء
    لا يقول بأن التفكير حكر على السلف إلا معتوه
    أما الاختلاف فإنه علم قائم بذاته ، له أصوله وضوابطه المعلومة في كل مجال مثل الفقه وأصوله
    فلا يخالف أحد من الخلف إماما مثل ابن حزم مثلا بحيث يعتبر خلافه حتى يكون فقيها أصوليا
    وإلا كان اختلافه معه أشبه بتعرض غر لمجرب
    وحينئذ سيورد الإبل حتما إيراد سعد

    ، وكأن أي تفكير أو اجتهاد أو تطوير يجب كي يكون شرعيا ومقبولا أن يتم في الحواضن "الفقهية" و"الكلامية" و"الأصولية" التي قعدوها وتوصلوا إليها في أزمنتهم وفق رؤاهم وفي ضوء أنماط تفكيرهم..
    أجل .. إن شرط الاجتهاد بعد تمكن المجتهد من آليات الاجتهاد في فن من الفنون
    أن يقع داخل الحصون العقائدية والفقهية والأصولية التي قعدها الشافعي ومالك والليث والشاطبي ..

    لأن مقصد الدين العملي التشريعي فيها محفوظ ، وجرى عليه عمل الأمة قرونا
    ولا تزال فتاوى الأصوليين المعاصرين في شتى مراكز الفقه والفتوى في العالم ، وفي شتى المستجدات الفقهية المعاصرة
    لا تزال غير مستغنية عن تلك الحصون الفقهية الأصولية ، ولن تزال
    وقد تكون سجنا في نظر البعض ، ولكنها سياحة لدى المدركين لقيمتها


    أقول.. لو كان هذا ما تقصدونه بـ "القرآنيون"، فأنا منهم، وسأحارب حتى الموت كي أبقى منهم
    لا داعي لاستحضار حس المواجهة لأن غاية هذا الخلاف بين السلف وهذا الصنف من الخلف كلام

    ليس لزاما على أي أحد من الطرفين ترك ما يرى إرضاء للطرف الآخر
    إلا إذا اقتنع بوجه الحق فيه فآنئذ يدع رأيه طاعة لله


    ، لأن حريتي وكرامة عقلي التي منحني إياها الله، ليست محل مساومة مع أحد أيا كان
    يجب التفريق هنا بين الحرية والفوضى
    إذ ليس من شكر نعمة العقل استعماله في التمرد على مانحه ؟


    ، ولا حتى "السلف الصالح" بأكمله!!

    لا جرم أن ( المقياس القرآني ) يمنحك هذا المدى الواسع من ( التحدي )
    مع أن علوم السلف الصالح أكبر


    أما إذا كنتم تقصدون بـ "القرآنيون"، أولئك الذين يُسْقِطون "السنة النبوية" ويجردونها من أي دور تشريعي أو إخباري. فأنا قطعا لست منهم
    هنا الإشكال ومربط الفرس فيما بيننا من اختلاف
    فإني لا أرى تجريدا للسنة النبوية من دورها التشريعي
    أبشع من إبطال عشرات الألوف من نصوصها الصحيحة
    لأن مقررات العقل والتجربة لا تقبلها ..

    إن صحة الحديث صحة ذاتية
    وأن ما زاد من مقاييس انتقاد متون الأحاديث الصحيحة
    لا ينال منها إلا نصوصا معدودة ، ولا يتجاوز الجمع والتوفيق بينها وبين سائر نصوص الوحي قرآنا وسنة


    ، لأني أعرض منهجا يعيد إنتاج العلاقة بين القرآن والسنة بشكل يختلف في القليل أو في الكثير عما هو معروف وسائد في مناهج السلف، ولا ألغيها أو أحيدها
    بل يختلف بالكلية عما هو معروف وسائد في منهاج السلف
    هذا إن كانت بمنهجك المعروض تقصد عدم إلغائها
    وإلا فإنها حال التطبيق ساقطة مرضوضة


    . انطلاقا من عديد الاعتبارات، محاولا سوق ما وسعني من أدلة وبراهين على آرائي وأفكاري الواردة في هذا المنهج. وهذا حق مشروع لا يمكن لأحد حرماني منه، وكل ما يملكه هذا "الأحد" هو مناقشتي في منهجي بعلمية وهدوء، ووفق مرجعيات يتفق عليها، كي نخلص معا إلى الحقيقة، إذا كنا طلابَ حقيقة.

    قد يكون المتحاوران طالبي حقيقة لكن حوارهما لا يثمر إلا إذا انطلقا من مراجع فكرية
    يتفقان على اتخاذها قاعدة والاحتكام إليها


    وفي ختام هذا التقديم لفت انتباهي أمر آخر، هو تعقيب قرأته على "منهج التجديد" الذي أطرحه وأدعو إليه، ينص على ما يلي:

    "اللافت حقيقة في منهج التجديد هذا تأخير الوحي في الترتيب (العقل التجربة الوحي)، وهو تأخير في المرتبة من حيث الاعتبار. ومن تتبع تفاصيل المنهج أدرك أن هذا التأخير نفسه مجرد (مداراة) للوحي. ستصير آخر المطاف نسفا لحقيقته وأثره على نحو لو كان مباشرا لمات هذا المنهج في المهد، ولكنه نسف غير مباشر للوحي ظاهره تقديره وباطنه تدميره".
    لا أظن أن استخدام لفظ "المداراة" في حوار يفترض أن يكون علميا، هو استخدامٌ فيه نكهة علمية، لأنها لفظةٌ "انطباعية" تثير فضاءات يُخْشَى أن تُقْحِمَ قائلها في مغاليق "النوايا"، و"النوايا" منطقة "حرجة" و"حساسة". والأصل في الحوار العلمي أن يُناقش "الفكرة" في حدود كونها "فكرة"، أيا كانت، وأيا كان قائلها، فهي إما أن تُقبلَ "كلا أو جزءا"، وإما أن تُرفضَ "كلا أو جزءا" أيضا، بالتحليل والتمحيص القائمين على المحاججة ذات المرجعيات المتفق عليها، بعيدا عن وصف "منطلقها" و"سببها" و"مبررها" بالأوصاف الانطباعية التي قد تُفْهم – خطأً - أنها تمس نوايا "صاحب الفكرة"!!

    فمن يقول بأن "الوحي" يأتي في ترتيبه من حيث مصدريته للمعرفة "الثالث" على قائمة المصادر، ويحدد في منهجه طبيعة العلاقة التي تحكم ذلك المصدر بالمصدرين الآخرين، هو لا يداري ولا يمارس أي تورية يخفي وراءها نوايا غير معلنة، بل هو يصرح ويعلن ويعترف ويوضح بمنتهى الجلاء!!

    من جهة أخرى فإن من كان في موقفه من الوحي، "التقدير ظاهرا" و"التدمير باطنا"، لم يكن ليختلف عن "المؤمن ظاهرا" و"الكافر باطنا"، وهذا هو المنافق يا سيدي، والمنافق في "الدرك الأسفل من النار". فهل أن ورود هذه العبارة في ختام هذا التعقيب، اتهام لصاحب الفكرة بالنفاق "على نحو غير مباشر"؟! أظن أن حوارا من هذا النوع، يخفي قدرا من "الانفعال المكتوم"، بدأ يدخلُنا في مساحاتٍ انطباعية غير مأمونة العواقب، لأنها غير علمية!!

    إن منطلقات كهذه قد تحرمنا من "الأحكام الموضوعية والمحايدة". ومثل هذا الحرمان وقع فيه الكثيرون من مسلمي وإسلاميي هذه العصور، عندما جعلتهم منطلقات "محاكمة النوايا"، و"افتراض الأجندات المسبقة"، لا يتعاملون مع الكثير من المنجزات الفكرية لعديد المفكرين بحيادٍ كافٍ للاستفادة منها، بدل معاداتها وفقط. فلأن هؤلاء "الكثيرين" – كما نوَّهْتُ – انطلقوا في التعامل مع كل من "ماركس"، و"فرويد"، و"دوركايم"، مثلا، من اعتبارهم "اليهود الثلاثة" الذين لم يكونوا فلاسفة ومفكرين وعلماء، بقدر ما كانوا يهودا لهم أجنداتهم السياسية والاجتماعية والثقافية "المحددة" و"التدميرية"، فإنهم – أي هؤلاء المسلمين الذين أشرت إلى كثرتهم – عجزوا عن الاستفادة من فلسفات وأفكر ونظريات هؤلاء، والتي لو نظرنا إليها من منظور علمي مجرد، لوجدنا فيها الكثير من الأمور المفيدة والبناءة!!

    لذلك فإنني أتمنى على كل باحث ومفكر وعالم وطالب حقيقة، أن يترفع عن إصدار أحكامه على النوايا، سواء كانت أحكاما مباشرة أو غير مباشرة، وأن يسموَ عن تأطير تلك الأفكار في "أجندات خاصة" غير علمية وغير قادرة على استدراج الموضوعية والحياد في أي حوار، بل ربما أنها لا تكون "قائمة" إلا في ذهنه هو فقط!!

    فأقصى ما تتيحه أفكاري الواردة في منهجي من فضاءات معرفية، ومن دلالات أصولية، هو ما يظهر منها بشكل مباشر، ولا مكان لفكرةٍ باطنة تعني شيئا آخر غير ما تم إعلانه وعرضه في المنهج!! فالمنهج كان من المباشرة والوضوح، بحيث يعتبر من "عدم الإنصاف" وصفه بأن له ظاهرا وباطنا، فكله ظاهر يا سيدي!! والباطنية بكل أشكالها لا تعتبر في منهجي علما، ولا هي تؤدي إلى معرفة يقينية ملزمة ولا بأي حال!!

    حبذا لو أوردتم التعقيب في محله حيث أدرجت ردي
    لئلا نخل بنظام الفرسان


    يمكنك مشاهدة توقيعي بالنقر على زر التوقيع

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    أَسْرِي سَقَى شِعْرِي الْعُلا فَتَحَرَّرَا = وَرَقَى بِتَالِيهِ الْمُنَى فَتَجَاسَرَا

  3. #3
    الأستاذة ريمة الخاني
    السلام عليكم
    أستاذ أسامة حفظه الله
    ومازلنا نستمتع بحوار الكبار أيضا وبعد:
    انت أستاذنا الكريم تناقض نفسك تماما...

    أستاذ أسامة انت تناقض نفسك تماما.. انظر لما ذكرته هنا وانا أمارسه في عملي الدعوي كذلك :
    كان يدرسنا أستاذ أميركي مادة "مناهج البحث العلمي"، ومنها "مناهج البحث التاريخي". وكان الرجل متمكنا من أدواته العلمية. أثناء إحدى المحاضرات تقدم أحد زملائي الطلاب وهو من "المغرب" بمداخلة قال فيها على ما أذكر "المعنى وليس اللفظ بالضرورة": "إننا نحن المسلمون ابتكرنا أدق منهج للتثبُّت من التاريخ، وهو منهج علم الحديث ومصطلحه"، وراح يتحدث عن علم الرجال والجرح والتعديل.. إلخ، والأستاذ ينصت. عندما انتهى زميلي من مداخلته التي استمع إليها الأستاذ كاملة وبمنتهى الاحترام، ابتسم وقال "بالمعنى أيضا وليس باللفظ": "أعرف ذلك جيدا يا صديقي. واعتبر هذا المنهج من أهم مناهج البحث التاريخي التي توصل إليها البشر، لكن لا يوجد منهج يستطيع إنجاز الحقيقة بالشكل الذي تدعيه، ولا حتى هذا المنهج". ثم نظر إلينا وقال: "ما رأيكم لو خضنا تجربة ممتعة الآن؟". استثارنا الموضوع وقبلنا بخوض التجربة، وبدأنا على الفور لعبة ممتعة للغاية، لن أنساها ولن أنسى دلالاتها ما حييت. خرجنا سبعة من الطلاب ووقفنا قريبا من الأستاذ متقاربين بشكل معقول. وقام الأستاذ بكتابة عبارة من سطرين على ورقة، ثم طواها وقال: "سوف أجعل زميلكم في الطرف الأيمن يقرأ الورقة ويستمر في قراءتها وتكرارها بينه وبين نفسه حتى يخبرني بأنه حفظها عن ظهر قلب. ثم سوف نتيح له الفرصة كي يلقنها همسا لزميله المجاور له، ويكررها على مسامعه حتى يخبره هو أيضا بأنه حفظها. وسوف نكرر هذه الفعلة من زميل إلى آخر، حتى نصل إلى آخر زميل لكم، ونطلب منه بعد أن ينتهي من الاستماع والحفظ، أن يسمعنا ما تلقاه من آخر سلسلة الرواة السبعة. ونكتب على اللوح ما سوف يذكره، ونقارن ذلك مع ما هو مكتوب في الفرقة في الأساس، لنلاحظ النتيجة. كانت لعبة غاية في الإثارة والتشويق، استمتعنا بها جميعا، لأنها بالفعل عالية الدلالة. نفذنا التجربة بمنتهى الشغف، ولم يأخذ منا الأمر أكثر من حوالي عشرين دقيقة في المجمل. وجاءت اللحظة التي أسمعنا فيها آخر سلسلة الرواة ما سمعه ممن قبله، ودونه الأستاذ بنفسه على اللوح، وكانت العبارة بالمعنى طبعا: "خرجت من بيتي مبكرا في مدينتي في يوم ماطر كي أذهب إلى الجامعة، لكن شوارع لوس أنجلوس كان متعبة، لأن شدة الأمطار ضايقتني خلال المشي، فوصلت متأخرا". وجاءت اللحظة الحاسمة التي سوف نقرأ فيها العبارة التي كتبها الأستاذ، كي نقارنها بالمتن الذي نقلته سلسلة الرواة. كانت النتيجة مذهلة للغاية.. العبارة المكتوبة على الورقة كانت تتحدث عن.. أزمة المرور في مدينة نيويورك، في أيام الثلج، ولم تذكر الجامعات سوى في سياق التأكيد على أن الأزمة أدت إلى تعطيل الدراسة في الجامعات وفي المدارس التي لم يأت الزميل على ذكرها أصلا".
    لن أعلق على هذه النتيجة بشيء غير التذكير بأن هذه السلسلة من الرواة نقلت روايتها خلال عشرين دقيقة فقط، وليس على مدى مئات من السنين، وكان الجميع مهيئون للفكرة وللهدف الذي يسعون إليه، ولم تكن لأي منهم أي أجندة تدفعه إلى التزوير، وكان احتمال الخطأ ضئيل للغاية بسبب التقارب الزماني والمكاني. ومع ذلك أنظر كيف كانت النتيجة؟!!!!

    اولا ماقلته يمكنني الرد عليه بطريقتين:
    الاولى هو ان القرآن الكريم جاءنا أيضا مدونا أيضا وبعد ان كان محفوظا في الصدور وماينطبق على الحديث يمكن عقليا ان ينطبق على القرآن وهنا أيضا يمكننا نسف الإسلام من جذوره حسب ماتقول, خاصة لو تذكرنا الفروق بين المدونات القرآنية حينها.!!
    قال تعالى:
    الحجر (آية:9):انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون النحل
    (آية:43):وما ارسلنا من قبلك الا رجالا نوحي اليهم فاسالوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون
    ال عمران (آية:132):واطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون
    المائدة (آية:92):واطيعوا الله واطيعوا الرسول واحذروا فان توليتم فاعلموا انما على رسولنا البلاغ المبين
    الانفال (آية:1):يسالونك عن الانفال قل الانفال لله والرسول فاتقوا الله واصلحوا ذات بينكم واطيعوا الله ورسوله ان كنتم مؤمنين الانفال (آية:46):واطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا ان الله مع الصابرين
    المجادلة (آية:13):ااشفقتم ان تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فاذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فاقيموا الصلاه واتوا الزكاه واطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون
    التغابن (آية:12):واطيعوا الله واطيعوا الرسول فان توليتم فانما على رسولنا البلاغ المبين
    هنا السؤال: كيف سنطيع الرسول حسب قولك؟حتى لو سلمنا ببعض ماجاء فيما ذكرت؟فهل ننسفها جميعا؟
    ثانيا:هناك في السفارات الأمريكية عموما دورات للغات وقد تابعت اخبار بعضها بطريقتي الخاصة فوجدت انها ليست فقط دورة تعليمية إنما عملية غسيل مخ وقد نجوت من إحداها...وماينطبق على هذا المكان ينطبق على ظامكنة اخرى فلم نفترض منطقية الغرب على حساب ديننا الذي يجب ان نضع له اعتبار حسب مقاييسه المعتبره في حينها...ولن ننسى ان هناك فعلا من سمع من الرسول مباشرة ورحل البخاري للحصول عليه منه مباشرة..وهكذا..لذا مهما كانت الفكرة منطقية مقنعة..كي تواجههم بأن دين النصارى كان كذلك وشتان!!فلم يقع جل الاجتهادات على الإسلام ولايمس العبث الذي مورس على غيره؟اظنك لم تحسن الرد حينها( يمكنك الاطلاع على الحوار مع الدكتور قبيسي كي ترى جذر الفكرة فقط وبإمكاني إحياء الحوار معه لو أحببت).
    الإجابة

    لم أفهم كيف أناقض نفسي تماما.. فأنتِ لم تخبريني كيف فعلت ذلك؟!
    كما أنني لم أفهم ما هو الشيء "الذي فعلتُه هنا وتمارسينه في عملك الدعوي"؟!
    وما هي علاقة الآيات القرآنية التي أوردتِها والتي تتحدث عن طاعة الرسول، بقواعد التثبت من صحة المرويات عن الرسول؟! هذا أمر وذاك أمر آخر مختلف عن هذا كل الاختلاف. فهناك فرق أصولي جوهري ومضموني بين إيماننا بأن الحديث الفلاني ضعيف لخلل في سنده أو متنه، وبين رفضنا الالتزام بحديث ثبتت صحته، انطلاقا من عدم رغبتنا في طاعة النبي!! ولا أظن أن عاقلا يشكك في الفرق بين المسألتين!! فلماذا هناك إصرار على تصوير أن إعادة النظر في قواعد التثبت - وهي مجموعة قواعد علمية وضعها البشر - وكأنه إعادة نظر في شرعية الرسول نفسِه؟! هذا خلط كبير أتمنى أن نتجنب الوقوع فيه!! فالرسول عليه الصلاة والسلام واجب الطاعة في كل ما ثبت أنه من سنته وأنه قاله أو فعله أو قرَّرَه!! ونحن عندما نتحدث عن قواعد للتثبت، فهذا لا يعني أننا ندعو إلى عدم طاعته؟! كيف يمكنكم فهم هذا؟! هذا الخلط الواضح يدهشني؟!
    هل من ضعَّفوا روايات منسوبة إلى الرسول، وهي صحيحة عند غيرهم، نادوا بمعصية الرسول وبعدم طاعته؟! هل أن الأحاديث التي رفضها البخاري مما هي في صحيح مسلم، قائلا بأنها لا تصح وفق شروطه، تعتبر بمثابة دعوة منه لمعصية الرسول؟! وهل أن "محمد ناصر الدين الألباني" في كتبه التي ضعَّفَ فيها بعض أحاديث البخاري ومسلم، دعا المسلمين إلى عدم طاعة الرسول الكريم، أم أنه دعا إلى تنقية سنته عليه الصلاة والسلام مما اعتبره وفق منهجه في التصحيح والتضعيف ليس منها؟! أتمنى التركيز والانتباه إلى خطورة هذا الدمج بين المسألتين على هذا النحو غير المنطقي، فإنه يؤدي بنا إلى الخلط!!
    أما بالنسبة للحادثة التي أوردتها عما حدث معي في الجامعة، فإني أتساءل ما علاقة ذلك بما أسمَيتِه "غسيل مخ"؟! كان يمكن لهذه الحادثة أن تحصل في أي مكان. وبإمكاننا أن نجربها هنا في عمان، أو عندكم في دمشق، أو في أي مكان، فهي تجربة علمية اختبارية خالصة مجردة، ولا علاقة لها بأفكار الناس. ولقد أوردتها لأن فيها دلالة علمية. ولا يغير من قيمتها العلمية أن يكون الذي أجراها أميركي أو بوذي أو مسلم أو حتى ملحد، بصرف النظر عن نيته.
    ففي هذا المقام – وهو مقام علمي تجريبي صرف – لا أهمية للنية وللأجندة. هل يهمنا أن مكتشف النسبية والفيزياء الكلاسيكية هما "أينشتاين" و"نيوتن" وهما يهوديان؟! هل نرفض تلك القوانين العلمية لمجرد أن من قال بها يهود مثلا؟! وهل التجربة التي سقتها تخرج عن نطاق كونها تجربة خالصة ذات بعد علمي اختباري صرف؟! فلماذا كل هذه الحساسية المفرطة تجاه الموضوع لمجرد أنه جاء من قبل أكاديمي أميركي؟!
    كان من الممكن أن نقف عن أميركية الشخص ونحتاط ونحذر منها، لو كانت المسألة غير علمية، وفيها أمور ثقافية صرف. ولكن الأمر هنا مختلف تماما، وكله علم وتجريب صرفين!! وبالتالي فإن رد القصة والتقليل من قيمتها يجب أن يقوما على محتواها ومدى دلالته على الفكرة التي سيقت القصة لأجلها. وليس على أصل وجنسية خائض التجربة، فهذا لا يهم أبدا عند الحديث في المناهج العلمية وفي التجارب العلمية وفي القواعد والقوانين العلمية!!
    أما بخصوص سؤالك: "كيف سنطيع الرسول حسب قولك؟". فالمسألة لا تحتاج إلى سؤال.. الرسول يطاع في كل ما ثبتت صحته عنه عليه الصلاة والسلام، قولا أو فعلا أو تقريرا، حسب قواعد أصول الفقه المعتمدة. وأعود لأكرر مرة أخرى، أننا عندما نُخْضِعُ ما ورد عنه من نصوص – كما فعل السابقون تماما دون أن يعترض أحد على ذلك باعتباره حقا مشروعا لهم – إلى معايير للتثبُّت من صحتها، فإننا لا نشكك في طاعته، ولا ندعو إلى التمرد عليه وعصيانه. لأننا في نهاية المطاف سوف نطيعه في كل ما ثبت أنه صحيح النسبة إليه!!
    أما إذا أريدَ لنا قسرا وقهرا واعتباطا أن نطيعه في كل ما يعتبره الآخرون صحيحَ النسبة إليه، لمجرد أنهم اعتبروه كذلك، وحرماننا من حق التثبت والتأكد كما فعلوا هم أنفسهم ذلك، فهذا نوع من الإقصاء والتقليد غير المنطقي، والحرمان غير المبرر. ولا نقبله ولا بأي حال!!
    فحق البخاري وحق مسلم وحق الترمذي وكافة من تعاملوا مع الحديث، وغيرهم ممن تعامل مع الرجال والجرح والتعديل، ليس حقا موقوفا لهم من السماء بأمر رباني، ينحصر فيهم دون غيرهم من المسلمين، بل هو حقنا أيضا، إذا كنا نمتلك العدة المعرفية التي نستطيع بموجبها أن نتثبت من جديد، كما أنه حق الأجيال القادمة من المسلمين في كل مكان وزمان!!
    وبالتالي فليس من حق أحد أن يحاول إرهابَنا بادعاء الخوف على السنة أكثر منا، لمجرد أن منهجنا قد يُقصي ويُسقط مجموعة من النصوص لا يريد هو أن تُقصًى، معتبرا أنه هو ومنهجه الدالين على طاعة الرسول، وأن غير ذلك – حتى من المناهج التي تمارس ما مارسه هو – عبارة عن دعوات للمعصية والتمرد والمخالفة!!
    لا مانع لدي من إحياء الحوار مع أي شخص، فطلاب الحقيقة لا يضيرهم الانفتاح على أيٍّ كان. ولكن الفكرة التي تريدين إيصالها واضحة ومفهومة. ومؤامرات هؤلاء ومحاولاتهم المشبوهة لاختراق الإسلام والمسلمين، معروفة، ونحن على أتم الوعي بها. لكن موضوعنا الذي نحن بصدده أبعد ما يكون عن هذا السياق.
    الحكاية كلها عبارة عن مسلمين يتحاورون في دينهم، ويتناقشون في قواعد التثبت من مرويات نبيهم، وحيثما وجدوا حقيقة علمية فهم أولى بها إذا كانت فيها الفائدة. والفائدة هي دائما في الحقيقة والحقيقة فقط!!
    أين المشكلة؟! وما علاقة الغرب والاستشراق والصليبية والمؤامرات في الموضوع؟! لست أدري ما السر الذي يقف دائما وراء محاربة كل أشكال استخدام العقل في بلادنا وأوطاننا، وربطه بمؤامرات الأعداء؟! هلى أعداؤنا يريدون لنا أن نستخدم عقولنا، ومحاربتنا لهم وتحصننا منهم يكمن في ألا نستخدمها مثلا؟! أي فكر غريب هذا؟! الصواب أن نقول أنهم يريدون حرماننا من استخدام عقولنا كي نبقى متخلفين، وعلينا كي نواجههم أن نستخدمها بكفاءة وبأقصى استخدام ممكن!! هذا هو المنطق السليم الذي يمكن للعقلاء أن يفهموه!!
    ثم من الذي قال أن الاجتهاد يقع فقط على الإسلام ولا يمس غيره كما تتصورين؟! أوربا نسفت كل دينها وكل أناجيلها وكل مكونات كنائسها - لأنها كانت جميعها هراء وأباطيل - منذ أكثر من خمسة قرون يا سيدتي. ومعظم الغربيين الآن يبحثون في كل شيء، ويعيدون النظر في كل شيء، ويطورون كل شيء، ويواكبون كل جديد، وهذا مصدر قوتهم.
    لو تريدين الحقيقة، فإن ديننا وإسلامنا هو أقل دين يحدث فيه الاجتهاد وتنصب باتجاهه مطالب التغيير، مع أن الاجتهاد المطلوب لم يكن بغرض نسفه كما فعل الأوربيون في مسيحيتهم، بل بغرض إعادة فهمه بشكل يناسب عصورَنا، ويقدر على أن يكون وعاء حقيقيا لنهضتنا.
    نحن فقط لأسباب خاصة بنا، نتصور دائما أننا وحدنا المستهدفون، وأننا وحدنا الذين يخضعون للمؤامرات، وأن ديننا وحده هو الذي يراد له أن يتغير. العكس تماما، الإدارات الاستعمارية لا تريد للتطرف والتشدد في ديننا أن يتغير، كي تبقى تستخدمه سلاحا ضدنا. فهي التي صنعت القاعدة والسلفية الجهادية، وهي التي تحاربنا بها الآن. هذه هي الحقيقة. الأمر معقد وكبير، وليس بالتسطيح الذي يتم عرضه في صالونات ادعاء التآمر!!
    أما بالنسبة للقرآن الكريم، فالوضع يختلف. ومع أنه يخضع لقواعد التثبت نفسها التي تخضع لها السنة من حيث المبدأ، إلا أنه بسبب قوة مرجعية أسانيده، فقد صمد أمام كل قواعد التثبت، وانتفت عن نصوصه كل عناصر التشكيك فيها، وربما ان تكفل الله بحفظه أسهم في هذه الدقة وفي هذا اليقين. ولقد عالجت هذا الموضوع في كتابي تجديد فهم الإسلام من خلال الحديث عن الأنساق الأسطورية واللغوية والتاريخية للوحي، كما أنني أوردت ذلك في تعقيبي على تعقيبات الأستاذ عبد الرزاق أبو عامر، فليراجع هناك تجنبا للتكرار. علما بأنني مازلت أبحث في موضوع القرآن، ولم أنته من البحث فهو يحتاج مني إلى عدة سنوات قادمة.
    وتفضلي سيدتي بقبول فائق الاحترام والتقدير
    أسامة عكنان


  4. #4
    السلام عليكم
    أشكر لك ردك أستاذنا أسامة على استفساري وسوف أقرأه بروية بإذن الله ..

    وسيبقى مفتوحا لكل سائل ومجيب , فقد كان حوارا شائقا ورائعا ومفيدا ورافدا لنا جميعا...
    لكم كبير الاحترام والتقدير فرساننا الكرام.
    وللأستاذ أسامة عكنان لتكرمه في فتح مجال النقاش.
    ودمتم بخير وألق
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  5. #5
    السلام عليكم
    نتمناك بخير أستاذ أسامه وعيداسعيدا بإذن الله :
    تعددت مناهج التجديد الدعوي ومناهج التجديد الاجتهادي بصرف النظر عن الأفكار التي لم تحمل منهجية منها...الخ..
    ألا ترى معي أستاذنا الكريم ,ان بعضها يأخذ الأمر من زوايا هامة لو جمعت معا لشكلت تجديدا شاملا هاما جدا ..وهناك مناهج متضادة لو جاز الامر...
    ولو فكرنا بالتطبيق العملي لها حتى لاتكون فكرا على ورق كما يقال...لوجدنا معوقاتحقيقية هنا.
    كيف يمكننا التأليف بينها؟ ونحن نحتاج لتآلفها فعلا لافتقادنا لوحدة المنهج ولكي نقطف ثمرة ناضجة...
    كيف ترى التجديد من هذه الزاوية ونحن لم نحقق وحدة الكوادر المرجعية سابقا لنحققها الآن؟
    أليست الاولوية لإيجاد قواسم مشتركة تجمعها معا؟
    حبذا لوتحدثناعن هذا الامر بدقة لو امكن.
    مع جل التحية..
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  6. #6
    أسئلة الأستاذة ريمة الخاني
    تعددت مناهج التجديد الدعوي ومناهج التجديد الاجتهادي، بصرف النظر عن الأفكار التي لم تحمل منهجية منها.. إلخ. ألا ترى معي أستاذنا الكريم, أن بعضها يأخذ الأمر من زوايا هامة لو جمعت معا لشكلت تجديدا شاملا هاما جدا. وهناك مناهج متضادة لو جاز الأمر.. ولو فكرنا بالتطبيق العملي لها حتى لا تكون فكرا على ورق كما يقال، لوجدنا معوقات حقيقية هنا. كيف يمكننا التأليف بينها؟ ونحن نحتاج لتآلفها فعلا لافتقادنا لوحدة المنهج ولكي نقطف ثمرة ناضجة. كيف ترى التجديد من هذه الزاوية، ونحن لم نحقق وحدة الكوادر المرجعية سابقا لنحققها الآن؟ أليست الأولوية لإيجاد قواسم مشتركة تجمعها معا؟ حبذا لو تحدثناعن هذا الأمر بدقة لو أمكن.
    الإجابة
    الفكرة التي لا تستند إلى منهج يؤصلها ويمنحها مشروعيتَها، ليست اجتهادا ولا تنطبق عليها معاني التجديد، بل هي شطحةٌ أقربُ إلى الهرطقة الذهنية والتجديف العقلي، منها إلى مفهوم "الاجتهاد" أو حاضِنِهِ "التجديد". وهي في المحصلة عاجزة عن أن تقدم في مجال تجديد حياتنا ودعم نهضتنا ورفد قضايانا بعوامل التعامل البناءة معها، أو أن تُأخِّر. من هنا فهي لا تعنينا ولا تهمنا في هذا السياق.
    والتجديد من حيث هو مصطلح نعني به "إعادة تأصيل قراءتنا للمرجعيات المعرفية التي قام عليها تاريخنا، في ضوء ما يتطلبه واقعنا ومستقبلنا"، لا يفرق بين تجديد "دعوي" وآخر "غير دعوي" – أو اجتهادي كما أطلقتِ عليه في سؤالك - لأن الاجتهاد باعتباره مصطلحا نعني به "بذل الجهد في تحري الحقيقة، بالاستناد إلى نمطٍ محدَّدٍ في قراءة المرجعيات المعرفية"، هو مصطلح ومفهوم أضيق من مصطلح ومفهوم "التجديد"، ويأتي لاحقا له، مادام الأول – وهو الاجتهاد - يتم في حاضِنَةِ الأخير، وهو "التجديد".
    فالاجتهاد - وهو الأداة المباشرة التي يستخدمها المُجتهد في استنباط الأفكار والرؤى والأحكام والحلول، من المرجعيات المعتمدة لديه – ليس واحدا في كل "مناهج التأصيل". فلكل إطار تأصيلي تصوُّرُه الخاص لما يجب أن يكون عليه الاجتهاد.
    فليس الاجتهاد في المنهج المستند إلى مرجعيات "التشيُّع" هو ذاتُه، وسائلَ وأدواتٍ وصلاحياتٍ وأهدافا، في المنهج المستند إلى مرجعيات "الاعتزال"، ولا هو فيهما ذاتُه في المنهج المستند إلى مرجعيات "الأشاعرة".. إلخ. وبالتالي فالمنهج التجديدي المستند إلى مرجعيات مختلفة عن كل ذلك، سوف يُنتج اجتهادا له ركائز وأدوات وأهدافا، تختلف عن كل أنماط الاجتهاد التي أنتجتها مرجعياتٌ أخرى.
    ومعنى هذا، أن التجديد بمعناه السالف يتوسع ليطالَ الاجتهاد، كما يطال الدعوة، ويتمدد ليطال كل مكونات الحياة الفردية، كما يطال كل مكونات الحياة المجتمعية. وبالتالي فكل ما سيطاله التجديد سيخضع لمنهجه. فليس منسجما مع طبائع الأمور، ولا مع مسلمات العقل، أن يكون مجال التجديد أوسع من مجال الاجتهاد، ومع ذلك نجدد الأصولَ لكي نبقى محكومين اجتهاديا وفق أصول مختلفة، قمنا بالتجديد أصلا بسبب اختلافنا مع مُنتجاتها المعرفية، وعلى رأسها "الاجتهاد" المرتكز إليها ذاته.
    فإذا كان التجديد كما مر معنا هو "إعادة تأصيل قراءتنا للمرجعيات المعرفية التي قام عليها تاريخنا، في ضوء ما يتطلبه واقعنا ومستقبلنا"، وإذا كان الاجتهاد هو "الأداة المباشرة التي يستخدمها المجتهد في استنباط الأفكار والرؤى والأحكام والحلول، من المرجعيات المعتمدة لديه"، بعد أن يكون التجديد قد أعاد إنتاجها وفق أصول قراءته الجديدة للمرجعيات، فمن الطبيعي أن يكون أول حقل من حقول المعرفة يطالها "التجديد" بعد استتباب الأمن المعرفي لأصوله وقراءاته، هو "الاجتهاد" وسائلَ وأدواتٍ وصلاحياتٍ وأهدافا، لتبدأ بالتدفق بعد ذلك "الرؤى والاستنباطات والأحكام" في باقي الحقول المعرفية.
    وفي ضوء التوضيحات السابقة، يجدر بنا التأكيد على أن من "يأخذ الأمر من زوايا هامة" – كما أشرتِ – ليقدم رؤاه الجديدة بخصوص هذه الزوايا مستثنيا باقي الزوايا من أن تطالها تلك الرؤى، هو في الواقع ليس مجددا ولا يطرح منهجا للتجديد – بالمعنى الذي أشرنا إليه للتجديد – وإنما هو مجتهدٌ وفق رؤية أصولية قائمة، لجأ إليها معتبرا إياها مرجعيته الأساس. وسيجد نفسه مختلفا ومتعارضا حتى مع آخرين يرتكزون إلى مرجعيته الأصولية نفسها، ناهيك عن المجددين الذين يقيمون صرحَ تجديدهم على قراءات مختلفة في كل شيء، للمرجعيات التي قام عليها التاريخ كله.
    لأسباب سياسية تاريخية تم تأصيلها معتقديا، ويمكننا الحديث عنها في محاور أخرى للنقاش، لم يتعود المسلمون – وربما أن هذا هو واقع مختلف التجمعات البشرية القديمة – على اعتبار أن اختلاف المناهج في سياقها المعتقدي والأصولي، أمرٌ مشروع ومقبول ولا ضير فيه. ولا هم تصوروا أنه ليس مطلوبا أن يكون الالتقاء وأن تكون القواسم المشتركة، قائمة في البناء المعتقدي والأصولي للأشخاص والتجمعات. وهو ما جعلهم يتساءلون – عندما يتساءلون عن نبذ الخلاف وتخفيف حدة النزاعات – عن الوحدة والتقارب والحوار والقواسم المشتركة، بحثا عن محدداتها ومكوناتها في المرجعيات والأصول والعقائد، وليس في مكونات السياسة، وفي محددات الحياة المدنية، وفي مؤطرات التعايش الاجتماعي بين مختلف الفئات والفرق والمكونات المجتمعية.
    من المستحيل أن يتفق البشر – والمسلمون منهم وعلى رأسهم – لا في مناهجهم الأصولية، ولا في فلسفاتهم المفسرة للوجود، ولا في معتقداتهم الناظمة لعلاقاتهم مع الله، ولا في تصوراتهم للحياة وصيرورتها وطرائق تمريرها، حتى وهم يقرأون بتلك المناهج، ويفسرون بتلك الفلسفات، المرجعياتِ المعرفية نفسها، ولا حتى وهم ينطلقون منها في تنظيم تلك العلاقات مع الله. ومع ذلك فعليهم أن يتعايشوا، وإلا فإنهم سيقتتلون ويتناحرون.
    وفي ظل هذه الحقيقة التي حكمت التاريخ البشري والتي ستبقى تحكمه، دون أن يشذَّ عنها تجمع بشري، ودون أن تُستثنى منها جغرافية مكانية أو زمانية أيا كانت، فإن البحث عن القواسم المشتركة للتعايش في تلك المناهج والفلسفات والمعتقدات، للاعتراف للمتفقين فيها وحدهم بحق التعايش والالتقاء، وإقصاء الآخرين واستثنائهم من أن يكون منتجين وفاعلين في المجتمع وفي الحياة، وفق رؤاهم ومنطلقاتهم الأصولية والفلسفية، هو بحث في سراب، ولن يؤدي إلا إلى خلق كل أنواع الاحتراب والاقتتال والإقصاء والتكفير.. إلخ. وهذا تاريخ البشرية – ومنه وعلى رأسه التاريخ الإسلامي – فلنقرأه ولنتفحصه، لنتأكد من صحة ما نقوله.
    لا بل ربما إن التاريخ الإسلامي قد عاني من هذه المسألة معاناة خاصة أكثر من أي تاريخ آخر، لا بسبب ثغرة مستحكمة ومتأصلة في الإسلام عندما يصار إلى تطبيقه على أرض الواقع - فهذا أبعد ما يكون عنه - بل بسبب أن هذا الدين هو – من حيث المبدأ – أكثر الأديان إنسانية وإشراقا واعترافا بالآخر وإقرارا بالتنوع ومطالبة بتعايش المختلفين، مهما توسعت دوائر اختلافهم، ومهما تعارضت وتناقضت أنماط قراءاتهم الأصولية. وبالتالي فهو يتيح لمعتنقيه فضاءات من التباين المعرفي الأصولي، حتى في قراءة مرجعياته الأساس "القرآن والسنة"، أكثر مما يتيحه أي دين أو نظام آخر في قراءة المرجعيات. وهو الأمر الذي جعل التنوع والتباين والاختلاف، حتى في الأصول والمرجعيات وفي طرائق قراءتها والتعامل معها، واسعا وشاسعا في هذه الأمة وعلى امتداد تاريخها، في ضوء فضاءات التنوع التي يتيحها هذا الدين.
    ومن هنا فعندما يصار إلى البحث عن القواسم المشتركة الموجبة للتعايش بين مُكَونات مجتمع شديد التنوع والتباين الطبيعي فيه - بسبب طبيعته هو في الأساس - في مبررات ذلك التنوع والتباين نفسها، وليس في إطار معرفي آـخر يترك هذا التباين وشأنه دون مساس به، فإن المسألة تغدو معقدة، لأن هذه المكونات ستضيق – خلال البحث عن القواسم المشتركة - إلى أبعد الحدود. وعندما يحدث ذلك يصبح التنوع كفرا ومروقا، وخروجا على التعايش، فيحمى وطيس معركة تجميع ما لا يمكنه أن يجتمع على أسس التجميع المتبعة!!
    ولعل هذا ما حدث في تاريخنا الإسلامي وبقوة السلطة، عندما كانت تتعارض مصالح السلطان مع قدر كبير من التنوع أتاحه الإسلام ذاته، وكان يعطي للمتنوعين أفقا واسعا من السلطة الموازية للسلطة القائمة، تمكنها من تحجيم دورها ومنعها من التغول والتسلط والاستبداد. وقصص نبذ العلماء والمفكرين، وإرهاب الفلاسفة أو تحجيمهم وسط العامة على الأقل، فضلا عن مواجهة المخالفين فكريا ومعتقديا بل وفقهيا أحيانا.. إلخ، معروفة للجميع. وهي جميعها كانت تحدث في إطار "مرجعية أصولية" تريد أن تدعم سلطانَها في مواجهة قوة الأمة التي يتيحها التنوع، عبر إضعافها وإضعاف أدائها، بهذا الاختزال المقيت لمعنى التعايش، ليصبح تعايشا معتقديا وأصوليا، بدل أن يكون تعايشا مصلحيا وسياسيا ومدنيا، وذلك بالقفز على روح الإسلام الموجبة لإتاحة الفرصة للتنوع والاختلاف بأوسع مدى من مدياته.
    وبناء على ما سبق نستطيع القول أن أي محاولة لجعل التقارب بين الناس في مجتمع معين، قائما على أساس تقاربهم في مناهج أصول فهم المرجعيات الدينية، ولاختزال مبررات تعايشهم السلمي الآمن، من فضائها المدني الواسع، القادر على ضم أكبر لوحة من لوحات فسيفساء التنوع، إلى فضاء معتقدي ضيق يعتبر من يخرج عنه خارجا عن استحقاق صفة الانتماء إلى خريطة التنوع المعترف بها، هي أولا وقبل أيِّ شيء نوع من أنواع تأصيل الإقصاء، وشرعنة القتل ونصب أعواد المشانق وتجهيز المقاصل لسحل المخالفين، بحجة أنهم خرجوا عن الأصول والمعتقدات التي يفترض أنها هي القواسم المشتركة. ونحن إذ نؤكد على ذلك، فلأننا نعتبر التحييد والتغييب والإقصاء بكل أشكاله، لا يقل انتهاكا لحق الإنسان عن الاعتداء على حياته ذاتها.
    فلنبحث عن التقارب والتعايش بين "المناهج" و"الفلسفات" و"المعتقدات" المتبانة والمتعارضة، عبر إيجاد قواسم مشتركة يقوم عليها هذا التعايش وذاك التقارب، وتكون مدنية الطابع، سياسية المضمون، اجتماعية المردود، تضمن للجميع حقوقهم المعتقدية والأصولية بعيدا عن ادعاء امتلاك الحقيقة واحتكار اليقين. ولنتخلى عن إصرارنا على البحث عن قواسم مشتركة في إطار معتقدي وأصولي، فهذا غير ممكن، فضلا عن أنه غير مُنتج لحياة فعالة ومُنتجة لعناصر النهضة والقوة والمنعة، ولنعتبر بالتاريخ – وأوله تاريخنا – وبتجارب الآخرين، وأولها كل تجارب الإقصاء التي شهدها العالم وعلى رأسها تجاربنا نحن في هذا الوطن العربي المكلوم بمحتكريه وبإقصائييه من كل صنف.
    الاختلاف لا يخيف ولا يرعب مهما كانت آفاقه وفضاءاته، إذا قام في مجتمع هيأ له كل دواعي التعايش السلمي المدني الآمن. ولنتذكر دائما قول الله سبحانه وتعالى: "ولا يزالون مختلفين، ولذلك خلقهم". فكل من يحاول أن يقفز على جوهرية الاختلاف بأوسع مدياته في الحياة، ويقضي عليه ويختزله ويحجمه، فهو إنما يناجز إرادة الله ويتحداها ويعلن عدم رضاه عنها وعدم رغبته فيها. والأفضل له أن يضيع جهده ووقته في البحث عن أدوات تعايش مدني تكفل إنتاج الحياة بكل تنوعها وتباين صورها، من قلب الاختلاف بكل فضاءاته وآفاقه ومدياته.
    مع خالص الشكر
    أسامة عكنان

  7. #7

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    بدايةً، لا بدَّ لي من تقديم الشكر الجزيل للأستاذة القديرة ريمة الخاني لإتاحتها هذه الفرصة الثمينة للاطلاع والتعرُّف عن قرب على هذا الفكر المتنوِّر للأستاذ الكبير أسامة عكنان، ويؤسفني أن فاتتني هذه الفرصة من قبلُ، لكنه في الآن ذاته يسعدني ويسرُّني أن أتعرف عليه في الوقت الذي أُشغَل فيه بالبحث في هذا الميدان؛ إنها ولا شكَّ حكمة الأقدار التي تُسعف الساعي في المكان والزمان المناسبَين، وبذلك يزول الأسى على ما فات ليحلَّ محله الشكر على الفضل والعطاء؛ ولأنه "مَن لم يشكر الناس لم يشكر الله" فإنه من الواجب علي تقديم الشكر للأستاذ القدير أسامة على ما أفاد، ولله تبارك وتعالى الشكر من قبل ومن بعد.

    أستاذي القدير أسامة عكنان:
    لقد قرأت جُلَّ أسئلة الأخوات والأخوة الأكارم مع إجاباتك عنها، وأودُّ أن أسجل بعض الملاحظات المتواضعة حول "ما قرأت"، مع بعض الأسئلة، على أن أعرض باقي ملاحظاتي وأسئلتي عند استكمالي لقراءة باقي المشاركات، إضافةً لقراءتي كتاب "تجديد فهم الإسلام" لارتباطه بما تقدَّم، مع التأكيد على أن ملاحظاتي لا تقلِّل أبداً من أهمية وقيمة النقاط التي لاحظتها، لأن المواضيع المطروحة على درجة عالية من خطورة البحث فيها بحيث يكون من الطبيعي جداً أن نجد بعض الهِنات أو الإشكالات هنا أو هناك، سواء في الطرح أم في التلقي؛ فنحن نتحدث عن كائن على قدر كبير من التعقيد في تكوين قدراته سواء منها الفطريَّة أم المكتسَبة عبر تاريخه الطويل ألا وهو الإنسان، كما أننا نتحدث عن كونٍ فيه من العوالم التي سُخِّرت لهذا الإنسان ما يُعجز أرباب العقول عن الإحاطة بكل تأثيراتها عليه.

    أولاً- أتفق -مع بالغ التقدير- في جلِّ ما جاء من إجاباتك، وقد أفدت منها كثيراً. وأول نقاط الاتفاق هي ضرورة إعادة بناء المنظومة الفكرية والمعتقدية. وأودُّ هنا التأكيد على أن إعادة البناء هذه يحتاجها المسلم بشكل خاص، والإنسان بشكل عام، باعتبار أن المنظومة القائمة عند المسلمين هي أسُّ تخلفهم، وأن المنظومة القائمة عند غير المسلمين ممن سبقوهم في ركب الحضارة تحتاج إلى تصويبٍ وتصحيحِ مسار. وهذا يطرح تساؤلاً مشروعاً أرجو أن يتسع صدرك له ولباقي الملاحظات والأسئلة:
    مع الأخذ في الاعتبار الظروف والأسباب الموضوعية، على مَن تقع المسؤولية في قيادة عملية إعادة البناء؟ وبمعنى آخر: من هو الأولى بذلك؟ هل هو المسلم بما يمتلك من مرجعية إلهية تتمثل بكتاب الله العزيز؟ أم على غير المسلم بما يمتلك من مؤهلات علمية وسبق حضاري؟

    ثانياً- لاحظت حين الحديث عن "نبوَّة العقل" عدم ذكر أي عقلٍ هو المقصود، هل هو "العقل الفردي" أم "العقل الجمعي" ؟
    وهنا أتحفَّظ –مبدئياً لحين التوضيح بمزيد بيان- على إطلاق صفة "النبوَّة" على العقل، وخصوصاً بعد أن قرأت في كتابكم"تجديد فهم
    الإسلام" المقتبَس التالي المندرج تحت عنوان: المعارف بين مقولتي التسلسل والقيام بالذات:
    إن توضيح ماهية العقل ومن ثم العلاقة المعرفية بينه وبين أدوات المعرفة الأخرى المتاحة، أمر ضروري وملح. إننا أمام المعضلة التاريخية المتأصلة في صميم أزمة الفكر الإنساني والمتمثلة في طبيعة العلاقة بين العقل "الروح"، و الوحي "النبوة"، من جهة أولى، وبين التجربة "الحس"، والوحي، من جهة ثانية، وبين العقل والتجربة من جهة ثالثة، لا نملك إلا أن نؤكد على جوهرية وأساسية التحليل المتعلق بتحديد مصادر المعرفة "أدوات المعرفة"، من حيث هي مصادر أولا، ومن حيث الآليات التي تتيحها هذه المصادر للإشعاع بالمعارف الكاشفة عن الواقع الموضوعي والعاكسة له ثانيا.
    إن التعددية في مصادر المعرفة كأدوات وكأوعية من جهة، والعلاقة الفريدة بين هذه المصادر، وهي العلاقة التي ستكشف لنا عن ترتيب مصدري تنازلي يبدأ بالعقل ثم يمر بالتجربة لينتهي أخيرا بالوحي من جهة أخرى، هما مسألتان تتطلبان بادئ ذي بدء القيام بقراءة فاحصة في نقطة ا نطلاق السلسلة المعرفية التي نتحدث عنها والتي هي العقل)
    إن تحفظي هو تحفُّظٌ لغويُّ في المقام الأول؛ باعتبار أن النبوَّة من الإنباء؛ والإنباء هو: الإخبار الصادق ذو الفائدة التي يحصل بها علمٌ أو غلبة ظن. والنبيء، ويجوز تحقيق الهمز وتخفيفه: فعيلٌ بمعنى مُفعِل: المخبر عن الله. [تاج العروس: مادة: نبأ؛ باختصار]
    إن كان المقصود بالنبوة هو تلقي العقل للوحي ومن ثم إنباؤه به فهذا فيه نظر، ويمكن الحديث في ذلك لاحقاً إن رغبت. أما إن كان المقصود بأن العقل هو المنبئ باعتباره المصدر الأول للمعرفة كما جاء في المقتبَس –وهذا ما فهمتُه- فهذا لا ينطبق عليه وصف "النبوة" بالمعنى الذي تقدَّم.
    كما أن هنالك إشكالية ذات صلة جاءت في المقتبَس وأرجو التفضل مشكوراً برفعها بمزيد بيان وتفصيل في العلاقة بين"العقل" و "الروح"، فقد ربطتَ بينهما دون بيان دواعي هذا الربط، ولا أدري إن كنتَ قد تطرقت لذلك في مكان آخر لم أطلع عليه بعدُ، وهذا تقصيرٌ مني بكل تأكيد، بيدَ أن الظروف هي الحاكمة.

    أراني سأتوقف هنا خشية الإطالة؛ ولي عودة أخرى، وأظنها عودات، لأن ما جاء في هذا اللقاء يغري بذلك.

    وأجدِّد شكري وتقديري مع خالص مودتي.





























    وطني... محلُّ تكليفي، ومختبر صلاحي

  8. #8
    أسئلة وتعليقات الأستاذ الباحث
    "توحيد مصطفى عثمان"
    1 - مع الأخذ في الاعتبار الظروف والأسباب الموضوعية، على مَن تقع المسؤولية في قيادة عملية إعادة البناء؟ وبمعنى آخر: من هو الأولى بذلك؟ هل هو المسلم بما يمتلك من مرجعية إلهية تتمثل بكتاب الله العزيز؟ أم على غير المسلم بما يمتلك من مؤهلات علمية وسبق حضاري؟
    2 - لاحظت حين الحديث عن "نبوَّة العقل" عدم ذكر أي عقلٍ هو المقصود، هل هو "العقل الفردي" أم "العقل الجمعي"؟
    وهنا أتحفَّظ – مبدئياً لحين التوضيح بمزيد بيان- على إطلاق صفة "النبوَّة" على العقل، وخصوصاً بعد أن قرأت في كتابكم "تجديد فهم الإسلام" المقتبَس المندرج تحت عنوان: "المعارف بين مقولتي التسلسل والقيام بالذات":
    وإن تحفظي هو تحفُّظٌ لغويُّ في المقام الأول؛ باعتبار أن النبوَّة من الإنباء؛ والإنباء هو: الإخبار الصادق ذو الفائدة التي يحصل بها علمٌ أو غلبة ظن. والنبيء، ويجوز تحقيق الهمز وتخفيفه: فعيلٌ بمعنى مُفعِل: المخبر عن الله. [تاج العروس: مادة: نبأ؛ باختصار].
    إن كان المقصود بالنبوة هو تلقي العقل للوحي ومن ثم إنباؤه به فهذا فيه نظر، ويمكن الحديث في ذلك لاحقاً إن رغبت. أما إن كان المقصود بأن العقل هو المنبئ باعتباره المصدر الأول للمعرفة كما جاء في المقتبَس – وهذا ما فهمتُه - فهذا لا ينطبق عليه وصف "النبوة" بالمعنى الذي تقدَّم.
    3 - كما أن هنالك إشكالية ذات صلة جاءت في المقتبَس وأرجو التفضل مشكوراً برفعها بمزيد بيان وتفصيل في العلاقة بين"العقل" و"الروح"، فقد ربطتَ بينهما دون بيان دواعي هذا الربط، ولا أدري إن كنتَ قد تطرقت لذلك في مكان آخر لم أطلع عليه بعدُ، وهذا تقصيرٌ مني بكل تأكيد، بيدَ أن الظروف هي الحاكمة.
    الإجابات
    السؤال الأول..
    مع الأخذ في الاعتبار الظروف والأسباب الموضوعية، على مَن تقع المسؤولية في قيادة عملية إعادة البناء؟ وبمعنى آخر: من هو الأولى بذلك؟ هل هو المسلم بما يمتلك من مرجعية إلهية تتمثل بكتاب الله العزيز؟ أم على غير المسلم بما يمتلك من مؤهلات علمية وسبق حضاري؟
    إجابته..
    لا أتصور أن إعادة بناء ثقافة أمة، وتجديد فهم مرجعياتها، يمكنه أن يقع على عاتق أمة أخرى، أيا كان موقعها في سلم التقارب أو التنافر الحضاريين. بل هو من صميم اختصاصات الأمة المحتاجة إلى إعادة بناء الثقافة وتجديد المرجعيات ذاتها، لأنه يستند ابتداء إلى صميم احتياجاتها ومتطلبات نهضتها وتنميتها ودمجها في منطومات "العطاء الحضاري". فإذا أضفنا إلى ذلك، أن جانبا مهما من جوانب التجديد وإعادة البناء المشار إليهما، يرجع إلى شكل من أشكال التخلص من الموروث الثقافي والسياسي والاقتصادي الاستعماري الذي تسببت فيه منظومة محددة من الدول ذات المؤهلات العلمية والسبق الحضاري الراهنين، فإنه يغدو من ضرورات التجديد وإعادة البناء ألا يركنا إلى تلك المنظومة من الدول وثقافاتها عموما، مع الاعتراف بأن الحكمة ضالة المؤمن، وهو أولى بها حيثما وجدها. والحكمة في هذا السياق، هي كل مفيد ونافع ومساعدٍ على أعطاء "إعادة البناء" و"التجديد"، عناصر دفع مُنتجة وفعالة. ومع الاعتراف بأن من مقتضيات الحكمة المقصودة في هذا النص، كل أشكال التلاقح الثقافي والحضاري الداعمة للنهضة في اتجاهها الصحيح، بالمقاييس الموضوعية التي يتم الاتفاق عليها والتي يتم تأصيلُها.
    السؤال الثاني..
    إن كان المقصود بالنبوة هو تلقي العقل للوحي ومن ثم إنباؤه به فهذا فيه نظر، ويمكن الحديث في ذلك لاحقاً إن رغبت. أما إن كان المقصود بأن العقل هو المنبئ باعتباره المصدر الأول للمعرفة كما جاء في المقتبَس – وهذا ما فهمتُه - فهذا لا ينطبق عليه وصف "النبوة" بالمعنى الذي تقدَّم.
    إجابته..
    لم أقصد بمصطلح "نبوة العقل"، المعنى اللغوي الذي سقتموه، والمشتق من "النبأ" أو"الإنباء" والذي هو "الخبر" و"الإخبار". بل قصدت به المعنى الآخر، والمشتق من لفظة "النَّبْوَة أو النَّباَوَة"، وهي المكان المرتفع. وفي المحصلة أرجو عدم تحميل هذا المصطلح "نبوة العقل" أكثر من دلالة السمو والارتفاع والتقدم في المرجعية، حتى على الوحي، فأنا لم أقصد شيئا غير ذلك. وإذا كان مصطلح "نبوة العقل" غير مقدور على فهمه في إطار ما ذكرته، فلا مشاحة في الاصطلاح، ولا مانع من البحث عن مصطلح آخر.
    السؤال الثالث..
    كما أن هنالك إشكالية ذات صلة جاءت في المقتبَس وأرجو التفضل مشكوراً برفعها بمزيد بيان وتفصيل في العلاقة بين"العقل" و"الروح"، فقد ربطتَ بينهما دون بيان دواعي هذا الربط، ولا أدري إن كنتَ قد تطرقت لذلك في مكان آخر لم أطلع عليه بعدُ، وهذا تقصيرٌ مني بكل تأكيد، بيدَ أن الظروف هي الحاكمة.
    إجابته..
    لمعرفة سبب هذا الربط، بإمكانكم الرجوع إلى فصل "الروح" في كتابنا "تجديد فهم الإسلام"، فأنا هناك أوضحت ألا وجود لكائن مستقل عن الجسم المادي اسمه "الروح"، فهذا الفهم التقليدي السائد، اعتبره بناء على رؤيتي ومنهجي الذي ثبته وشرحته في ذلك الكتاب، لا يستقيم مع الحقيقة كما تبينت لي وكما توصلت إليها وفهمتها. كما أن الحياة التي تم ربطها بالروح، في ذلك الفهم التقليدي السائد، هي في الواقع لا تقوم إلا وفق مجموعة قوانين ولا تتحطم إلا بتحطم تلك القوانين، ولا علاقة لها بوجود لطيف من عالم آخر مفارق للمادة اسمه عالم "الروح". وما الروح سوى اصطلاح قبلتُ أن أطلقه على آلية الإدراك في الكائن الإنساني، والتي هو "التعقل"، والتي تتم عبر ما اصطلح عليه بـ "العقل"، والذي ليس كائنا مستقلا ومنفضلا عن الجسم المادي، بل هو فقط الأداء الطبيعي لمادة حية حاسة تشكلت على النحو الذي يعبر عنه ويجسده الكائن الإنساني الذي يمثل حالة "المادة الحية الحاسة الواعية". وهي أي "الروح"، في المحصلة "العقل"، وذلك هو الله فينا، "ونفخت فيه من روحي". التفاصيل الكاملة في ذلك الفصل من الكتاب.
    مع خالص شكري وتقديري واحترامي للأستاذ الفاضل "توحيد مصطفى عثمان"، وللأستاذة الكريمة الكبيرة "ريمة الخاني" على ما أتاحت لي من فرص التعرف على الكبار والعظام والتحاور معهم ليزداد علمي وتثرى معارفي.
    أسامة عكنان

  9. #9
    السلام عليكم
    أستاذ أسامه حفظه الله:
    مازلنا ندور في رحى البحث فربما وجدنا مخرجا لبعض إشكالات:
    رؤية الهلال بين الشرع وعلم الفلك وضرورة وضع حدا للنزاعات حوله:
    http://www.omferas.com/vb/showthread.php?33221-رصد-الهلال-بين-علم-الفلك-ورئيته-شرعا&p=138336#post138336
    كيف يمكننا هنا وضع الحكم العدل في هذه القضية الهامة؟
    1 - صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين .
    أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 1909
    خلاصة حكم المحدث: [صحيح]

    والأحاديث كثيرة في هذا المجال وصحيحة:
    http://www.dorar.net/enc/hadith?skeys=%D9%84%D8%B1%D8%A4%D9%8A%D8%AA%D9%87& xclude=&degree_cat0=1
    ولك الشكر.
    رغد
    إذا كنتَ لا تقرأ إلا ما تُوافق عليـه فقط، فإنكَ إذاً لن تتعلم أبداً!
    ************
    إحسـاس مخيف جـدا

    أن تكتشف موت لسانك
    عند حاجتك للكلام ..
    وتكتشف موت قلبك
    عند حاجتك للحب والحياة..
    وتكتشف جفاف عينيك عند حاجتك للبكاء ..
    وتكتشف أنك وحدك كأغصان الخريف
    عند حاجتك للآخرين ؟؟

  10. #10
    السلام عليكم ومن جديد:
    الصهيونية المسيحية..ومايحدث من حوادث عالمية تؤكد نجاح أسلوبها الماكر..
    ومانقرأ من تحذيرات نخشى ان تتجه للاتجاه الأخر...
    رابط داعم:
    http://www.omferas.com/vb/showthread.php?33158-خطاب-الرئيس-الراحل-الأمريكي-الأخير-قبل-اغتياله
    اتمنى ان تكون مطلعا على كتابي الاستاذ محمد السماك/الصهيونية المسيحية
    والحرب السابعة /منصور عبد الحكيم

    كيف ترى الامور من منظارك الشخصي باختصار؟
    *******
    وبالنسبة لردك على التقريب إلى الىن هل ترى ان كل الجهود التقريبية نجحت في اجتيازحاجز عدم التفاهم؟ خاصة ان مانرى ونسمع ونقرأ يجعلنا نخشى فعلا ألا يكون لها مسار قد أفلح يوما!
    رابط داعم:
    http://www.omferas.com/vb/showthread.php?30187-الخطوط-العريضة-محب-الدين-الخطيب
    مع التحية
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

صفحة 10 من 13 الأولىالأولى ... 89101112 ... الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. لقاء الفرسان مع الباحث/محمد عيد خربوطلي
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى لقاءات الفرسان
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 08-21-2013, 12:24 PM
  2. لقاء "مصر المحروسة" مع أسامة عكنان
    بواسطة أسامة عكنان في المنتدى تسجيلات الفرسان المسموعة والمرئية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 05-13-2013, 06:54 AM
  3. لقاء الفرسان مع الباحث/مصطفى إنشاصي
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى لقاءات الفرسان
    مشاركات: 37
    آخر مشاركة: 02-13-2013, 03:23 PM
  4. لقاء الفرسان مع الباحث/خليل حلاوجي
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى لقاءات الفرسان
    مشاركات: 38
    آخر مشاركة: 09-29-2011, 09:46 PM
  5. نرحب بالأستاذ الباحث/ أسامة عكنان
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان الترحيب
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 08-29-2011, 08:21 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •