فضل الصبر
للصبر فضائل كثيرة منها: أن الله يضاعف أجر الصابرين على غيرهم، ويوفيهم أجرهم بغير حساب، فكل عمل يُعرف ثوابه إلا الصبر، قال تعالى: إنَمَا يُوَفَى الصَابِرُونَ أجّرَهُم بِغَيرٍ حِسابٍ [الزمر:10]. وأن الصابرين في معية الله، فهو معهم بهدايته ونصره وفتحه، قال تعالى: إنّ الله مَعَ الصّابِرينَ [البقرة:153]. قال أبو على الدقاق: ( فاز الصابرون بعز الدارين لأنهم نالوا من الله معية ).
وأخبر سبحانه عن محبته لأهله فقال: وَاللّهُ يُحِبُ الصّابِرِينَ [آل عمران:146] وفي هذا أعظم ترغيب للراغبين. وأخبر أن الصبر خير لأهله مؤكداً ذلك باليمين فقال سبحانه: وَلَئِن صَبَرتُم لَهُوَ خَيرٌ لِلصَابِريِنَ [النحل:126]. وجمع الله للصابرين أموراً ثلاثة لم يجمعها لغيرهم وهي: الصلاة منه عليهم، ورحمته لهم، وهدايته إياهم، قال تعالى: وَبَشّرِ الصّابِرينَ (155) الّذِينَ إذَآ أصَا بَتتهُم مُصِيَبَةٌ قَالُوا إنّا للهِ وَإنّآ إلَيهِ راجِعُونَ (156) أُولئِكَ عَلَيهِم صَلَواتٌُ مِن رّبِهِم وَرَحمَةٌ وَأولئِكَ هُمُ المُهتَدُونَ [البقرة:155-157].
وقال بعض السلف وقد عُزِي على مصيبة وقعت به: ( مالي لا أصبر وقد وعدني الله على الصبر ثلاث خصال، كل خصلة منها خير من الدنيا وما عليها ).
ومنها أيضاً أن الله علق الفلاح في الدنيا والآخرة بالصبر، فقال: يآأيُهَا الّذِينَ ءَامَنُوا اصبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتّقُوا اللّهَ لَعَلَكُم تُفلِحُونَ [آل عمران:200] فعلق الفلاح بمجموع هذه الأمور.
واستقصاء جميع فضائل الصبر يطول، وسيأتي مزيد عند الحديث عن الصبر في القرآن والسنة.
أنواع الصبر
أنواع الصبر ثلاثة كما قال أهل العلم وهي: صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله. ومرجع هذا أن العبد في هذه الدنيا بين ثلاثة أحوال: بين أمر يجب عليه امتثاله، وبين نهي يجب عليه اجتنابه وتركه، وبين قضاء وقدر يجب عليه الصبر فيهما، وهو لا ينفك عن هذه الثلاث ما دام مكلفاً، وهو محتاج إلى الصبر في كل واحد منها. وهذه الثلاثة هي التي أوصى بها لقمان ابنه في قوله: يَابُنَي أقِمِ الصَلآةَ وَأمُر بِالمَعرُوفِ وَانهَ عَنِ المُنكَرِ وَاصبِر عَلَى مَآأصَابَكَ [لقمان:17]. بالإضافة إلى أن الصبر في اللغة هو الحبس والمنع، فيكون معناه حبس النفس على طاعة الله، وحبس النفس ومنعها عن معصية الله، وحبس النفس إذا أصيبت بمصيبة عن التسخط وعن الجزع ومظاهره من شق الجيوب ولطم الخدود والدعاء بدعوى الجاهلية.
أما الصبر على الطاعات فهو صبر على الشدائد؛ لأن النفس بطبعها تنفر عن كثير من العبادات، فهي تكره الصلاة بسبب الكسل وإيثار الراحة، وتكره الزكاة بسبب الشح والبخل، وتكره الحج والجهاد للأمرين معاً، وتكره الصوم بسبب محبة الفطر وعدم الجوع، وعلى هذا فقس. فالصبر على الطاعات صبر على الشدائد.
والعبد يحتاج إلى الصبر على طاعته في ثلاث أحوال:
الأولى: قبل الشروع في الطاعة بتصحيح النية والإخلاص وعقد العزم على الوفاء بالمأمور به نحوها، وتجنب دواعي الرياء والسمعة، ولهذا قدم الله تعالى الصبر على العمل فقال: إلا الّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصا لِحاتِ [هود:11].
الثانيه: الصبر حال العمل كي لا يغفل عن الله في أثناء عمله، ولا يتكاسل عن تحقيق آدابه وسننه وأركانه، فيلازم الصبر عند دواعي التقصير فيه والتفريط، وعلى استصحاب ذكر النية وحضور القلب بين يدي المعبود.
الثالثة: الصبر بعد الفراغ من العمل، إذ يحتاج إلى الصبر عن إفشائه والتظاهر به للرياء والسمعة، والصبر عن النظر إلى العمل يعين العجب، والصبر عن الإتيان بما يبطل عمله ويحيط أثره كما قال تعالى: لاَ تُبطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالمَنِ وَالأذَى [البقرة:264] فمن لا يصبر بعد الصدقة عن المن والأذى فقد أبطل عمله.
فالطاعة إذن تحتاج إلى مجاهدة وصبر، ولهذا قال النبي : { حفت الجنة بالمكاره.. } [رواه مسلم] أي بالأمور التي تشق على النفوس.
وأما الصبر عن المعاصي فأمره ظاهر، ويكون بحبس النفس عن متابعة الشهوات، وعن الوقوع فيما حرم الله. وأعظم ما يعين عليه ترك المألوف، ومفارقة كل ما يساعد على المعاصي، وقطع العادات، فإن العادة طبيعة خاصة، فإذا إنضمت العادة إلى الشهوة تظاهر جندان من جند الشيطان على جند الله، فلا يقوى باعث الدين على قهرهما. ولهذا قال النبي صلى الله عليه، وسلم: {.. وحفت النار بالشهوات } وذلك لأن النفوس تشتهيها وتريد أن تقتحم فيها، فإذا حبس الإنسان نفسه عنها وصبر على ذلك كان ذلك خيراً له.
وأما الصبر على البلاء فقد قال الله تعالى: وَلَنَبلُوَنّكُم بِشَىءٍ مِنَ الخَوفِ وَالجُوعِ وَنَقصٍ مِنَ الأموَالِ وَالأَنفُسِ وَالثّمَراتِ وَبَشِرِ الصّابِرينَ [البقرة:155]. ويكون هذا الصبر بحبس اللسان عن الشكوى إلى غير الله تعالى، والقلب عن التسخط والجزع، والجوارح عن لطم الخدود وشق الجيوب ونحوها.
فالصبر من العبد عند وقوع البلاء به هو اعتراف منه لله بما أصاب منه واحتسابه عنده ورجاء ثوابه، فعن أم سلمة قالت: قال رسول الله : { إذا أصاب أحدكم مصيبة فليقل: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم عندك أحتسب مصيبتي فأجرني فيها، وأبدل لي بها خيراً منها } [رواه أبو داود].
فلما احتضر أبو سلمة قال: ( اللهم اخلفني في أهلي خيراً مني ). فلما قبض قالت أم سلمة: ( إنا لله وإنا إليه راجعون، عند الله أحتسب مصيبتي ). فانظر عاقبة الصبر والاسترجاع ومتابعة الرسول والرضا عن الله إلى ما آلت إليه. ونالت أم سلمه نكاح أكرم الخلق على الله محمد .